مواد أخرى » المذهبية الجديدة: الانتفاضات العربية وانبعاث الانقسام الشيعي ــ السني / الحلقة ا

ورقة تحليل رقم 29 ـ جنفياف عبدو
THE SABAN CENTER fir MIDDLE EAST POLICY at BROOKINGS
نيسان / أبريل، 2013
ترجمة : إيمان سويد ـ خاص لموقع مجموعة الخدمات البحثية


مقدمة: المذهبية الجديدة
عندما بدأت الانتفاضات العربية في شتاء 2011، سارع المرشد الاعلى الإيراني علي خامنئي للتعبير عن غبطته: إن إحدى أهداف الثورة الإسلامية عام 1979 التي طال انتظارها سوف تتحقق الآن. وأشاد خامنئي بما وصفه بـ 'الصحوة الإسلامية' في العالم العربي، وادعى حق إيران في جهودها الطويلة المبذولة للتغلب على هيمنة الغرب في المنطقة.
كانت مسألة تحقيق شرق أوسط إسلامي تلوح في الأفق، والذي يعتبر، بحسب ما أعلن خامنئي، هزيمة كبرى للولايات المتحدة وإسرائيل. ففي كلمة له في 2 آذار، 2011،  احتفالاً بالعام الفارسي الجديد، أعرب خامنئي عن تأييده القوي للانتفاضات الإقليمية الأخيرة، وأصر على القول بأن إيران دعمت الشيعة، الذين على مذهبها، والسنة الذين يشكلون غالبية المسلمين في العالم، على حد سواء. 'نحن لا نميز بين غزة وفلسطين وتونس وليبيا، مصر والبحرين واليمن. لقد أيَّدنا فلسطين لاثنتين وثلاثين سنة، وهي ليست شيعية. هذه ليست قضية شيعة أو سنة. إنها قضية احتجاج الأمة على الظلم'، قال خامنئي.
مع ذلك لقد فشل خطاب خامنئي بالأخذ بالاعتبار أحد أهم جوانب الانتفاضات العربية: للسياسة الداخلية الآن سيطرة على مستقبل هذه المجتمعات أكبر من إجراءات أو سياسات أو نوايا الأطراف الخارجية. إذ ربما تعتقد طهران فعلاً أن بإمكانها التدخل كما تشاء وتعمل على ليْ الأحداث لأغراضها الخاصة- وأن واشنطن وحلفائها الغربيين قد يوافقون على ذلك فعلاً أيضاً. مع ذلك، إن مراقبة دقيقة للوقائع على الأرض في بؤرتين من بؤر التوتر الإقليمية المحتملة، البحرين ولبنان، تكشف، وببساطة، عن أن هذا الأمر ليس صحيحاً. إن ميل طهران إلى رؤية الانتفاضات العربية وفق شروطها ومصطلحاتها عبارة عن دوامة استراتيجية أكثر منها قراءة دقيقة للأحداث، وعرضة، على وجه الخصوص، للمبالغة بشأن تأثيرها ودرجة استعداد العرب للتطلع إلى إيران الفارسية للقيادة أو التوجيه.
في الواقع، إن الانتفاضات العربية وآثارها العنيفة في جميع أنحاء المنطقة هي التعريف تماماً لسياسات ' التجزئة' المحلية، 'التجزئة' وتمثل انفصالاً هاماً عن ماضٍ كانت سياساته، وإلى حد كبير، بإملاء من قوى خارجية، واعتبارات السياسة الخارجية، والتنافس البديل بين القوى الإقليمية والعالمية. نتيجة لذلك، ينبغي على الولايات المتحدة أن تستمر بأخذها بالاعتبار لاعبين سياسيين محليين عبر العالم العربي العالم من أجل حماية وتعزيز مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية. بعبارة أخرى، إنها السياسة المحلية التي تحرك السياسة الخارجية الآن- وليس العكس .
على الرغم من لعب بعض الأطراف الخارجية لدور ما في الثورات في سوريا، اليمن والبحرين، فإن الشخصيات المحلية هي التي حرضت على الانتفاضات وهي التي يرجح أن تلعب أدواراً هامة في المستقبل. نتيجة لهذا التحول في ديناميات السلطة في الدول العربية ، يتعين على الولايات المتحدة الآن أن تأخذ الدين في الاعتبار عند وضع السياسات. فالعديد من الجهات الفاعلة المحلية المؤثرة في الأحداث هم إما من الشيوخ ورجال الدين، أو من المسلمين المتدينين الذين يعتقدون بوجوب أن يلعب الإسلام دوراً محورياً في حياتهم.
لقد ترك مجيء الانتفاضات العربية الولايات المتحدة في وضع لا بد فيه لها من التعامل ليس فقط مع الأحزاب والجماعات الإسلامية وإنما أيضاً مع شخصيات دينية أكثر تقليدية ظهروا كلاعبين سياسيين. ببساطة، إن تصاعد الحالة المذهبية الجديدة في العالم العربي عقَّد، وإلى حد كبير، التحديات الدبلوماسية والجيوسياسية التي تواجهها الولايات المتحدة بسبب  مطلب النظر بجدية إلى الفوارق والاختلافات الدينية في حد ذاتها، وعدم اعتبارها مجرد ظاهرة ناجمة عن تنافس اقتصادي ، اجتماعي، أو سياسي.
بعد أكثر من عامين على بدء الانتفاضات العربية، تبدو المكاسب العائدة على إيران أكثر محدودية بشكل واضح، فالصورة أكثر تعقيداً مما توقعها خامنئي. إن أي حلم بأن تفرخ الانتفاضات حقبة جديدة من الإسلاموية قد تحطم بسبب الحرب السورية، التي أحيت الرواية المركزية للصراع الشيعي- السني الصراع الذي على مدى قرون في منطقة الشرق الأوسط. فكل تحول جديد في سوريا، سواء الوقائع على الأرض أو مجرد تصورات لتهديدات وتحالفات جديدة قد تنشأ، تتردد أصداؤه في جميع أنحاء بلاد الشام والخليج الفارسي. وبهذه الطريقة، وفرت الحرب السورية آلية لتضخيم الصراع الطائفي التقليدي، ورفعته إلى مستوى قضية عابرة للحدود بشكل مؤثر.
يعتقد السنة في لبنان بأنه من خلال مواجهة حزب الله فانهم يقاتلون من أجل كل سني، وخاصة السنة المضطهدين في سوريا الذين يُذبحون على يد نظام الرئيس بشار الأسد العلوي المهيمن على النظام. وبشكل مماثل، يعتقد الشيعة في البحرين بأن انتفاضتهم مفيدة لجميع الشيعة في المنطقة، وبصفة خاصة لاخوتهم الشيعة عبر الحدود الذين عانوا طويلا في السعودية. لقد أصبحت المذهبية في لبنان والخليج الفارسي واضحة للغاية إلى حد أن رجال الدين السنة يحذرون الآن من ' التشيع'  في الشرق الأوسط ويستغلون وحشية نظام الأسد لإثارة دعوات لهيمنة سنية صريحة.
بهذه الطريقة، عمقت موجة الانتفاضات العربية التوترات العرقية والدينية بين السنة والشيعة، والتي كان قد تم احتوائها إلى حد كبير في السنوات الأخيرة، ودفعتها إلى الواجهة مجدداً. فالغزو الأمريكي للعراق وما رافقه من الإطاحة بصدام حسين، والذي سمح للشيعة بالوصول إلى السلطة في إحدى أبرز دول المنطقة، قد طغى عليه الرهان السني المتنامي للهيمنة في المجالين السياسي والديني على حد سواء.
نتيجة لذلك، بالإمكان تقديم حجة قوية تقول بأن الانقسام الشيعي- السني في طريقه بالفعل للحلول محل الصراع بين المسلمين والغرب بصفته التحدي الأساسي الذي يواجه المجتمعات الإسلامية في الشرق الأوسط في المستقبل المنظور. كما من المرجح  أيضاً أن يحل صراع مذهبي كهذا محل احتلال فلسطين باعتباره عامل التعبئة المركزي للحياة السياسية العربية. فما أن تصبح المجتمعات العربية أكثر نشاطاً ووعياً على المستوى السياسي في الداخل في أعقاب الانتفاضات، سيكون قتال اسرائيل أمراً أقل أولوية، لا سيما بسبب وجود هذا العدد الكبير من الأزمات الداخلية. ومع هذا المنظور الداخلي يأتي اشتداد حدة الهويات. فالدين، الجنس، والعرق، كلها أمور تلعب دوراً أكثر بروزاً في تحديد التفاعل الاجتماعي والسياسي عما كان عليه الأمر في الماضي.
هناك ملاحظة للباحث البارز مايكل هدسون قبل 45 عاماً تعتبر مناسبة اليوم أكثر من أي وقت مضى : ' إن السبب في بقاء الهويات الطائفية معززة وقوية للغاية بدلاً من أن تطمس بسبب الانفجار الحاصل في وسائل الاتصالات يأتي نتيجة خلافات عقائدية تاريخية وذكريات الاضطهاد والقمع، القديمة والحديثة على حد سواء. '
هذه الدراسة ستوثق سبب وكيفية كون المذهبية آخذة في الارتفاع في الدول العربية، مع التركيز بشكل خاص على الاضطرابات الاجتماعية والدينية والسياسية في البحرين ولبنان. وستقوم الدراسة أيضاً باستكشاف آفاق النفوذ المتزايد لإيران، في وقت يتصاعد فيه الصراع المذهبي وتستمر السياسة الغربية برفضها، أو حتى تجاهلها الصريح، لمظالم وشكاوى الناس في المنطقة، الذين يتقاتلون فيما بينهم ومع الحكومات القائمة.
هناك إحدى التوضيحات المرتبة في بداية الدراسة: لا ينبغي النظر إلى هذه الدراسة على أنها تعميم لكل رؤى الشيعة تجاه السنة أو العكس بالعكس. فمدى ودرجة المواقف العدائية المتخذة من قبل كل مذهب من المذهبين تجاه الآخر مختلفان جداً من بلد إلى آخر. مع ذلك، تثبت هذه النتائج المقدمة أدناه درجة المحلية التي تقوم عليها كل السياسات في العالم العربي اليوم. وفي حين لا تزال الجهات الخارجية مؤثرة في الأحداث في غالبية الدول العربية، فإن الجهات الفاعلة المحلية هي الأكثر أهمية اليوم.
سيتم تناول العديد من المسائل الرئيسة في سياق هذه الدراسة.
 في بداية الانتفاضات العربية، كيف ينعكس الصراع بين الشيعة والسنة على أرض الواقع؟ كيف تحاول إيران التأثير على هذا الصراع؟ هل هناك تقبل لمبادرات إيران، خصوصاً الآن والمنطقة تمر بمرحلة من الاضطرابات التي لم يسبق لها مثيل؟
فكما أشار أحد رجال الدين الشيعة البارزين، هذه المسألة ليست بالبساطة التي قد تبدو عليها للكثيرين في الغرب. 'تحاول إيران استعادة السلطة على الشيعة، لكن الشيعة لا يعملون لإيران'، قال آية الله علي فضل الله، ابن آية الله الراحل مؤخراً محمد حسين فضل الله، والمرشد الروحي السابق لملايين الشيعة، المعارض للممارسة الإيرانية لولاية الفقيه، أو حكم  شخصية دينية عليا.
أسئلة أخرى ستعالجها الدراسة والتي ستشتمل على: هل بإمكان إيران التأثير على الشيعة العرب، الذين لدى الكثيرين منهم هوية تاريخية عربية، وليس فارسية، من أجل تحقيق الأجندة الأسلاموية في الشرق الأوسط والمعلنة للجمهورية الاسلامية؟ أم أنه سيتم تهميش إيران من قبل قوى خارجة عن سيطرتها؟
حتى الآن، عمل النفوذ الإيراني، الدائم الحضور أبداً، في الساحة الخلفية غالب الأحيان- وكان بالنسبة للبعض نذير شر حتى –  وذلك بوصفه يعمل، وإلى حد كبير، كوظيفة للوزن الجيو سياسي لإيران، ورؤيتها الدينية الشيعية المتطرفة للسلطة، وتراثها الثوري. على هذا النحو، يُنظر إلى الدور الإيراني بشكل أفضل في سياق أحداث محددة على أرض الواقع، وهذا هو السبب في أني أدمجت، عموماً، مناقشتي لسياسات وإجراءات، وتطلعات الجمهورية الإسلامية في الأقسام ذات الصلة بالبحرين ولبنان. هناك استعراض موجز للـ ' العامل الإيراني' يختم  بعدها القسم الرئيس للنص.
وسيتم تناول المسائل البحثية المشار إليها أعلاه في ضوء ما يقرب من 200  مقابلة موضوعية مع لاعبين رئيسيين، محللين، وصناع قرار في الشرق الأوسط، وعشرات المقابلات الأخرى في الولايات المتحدة وأوروبا، والتي أجريت في الفترة الممتدة من مارس/ آذار 2012  وحتى يناير/ كانون الثاني 2013 ، إضافة إلى الأدبيات الحالية وتقارير إعلامية باللغة الفارسية، العربية، والإنجليزية. وسأختتم بعد ذلك ببعض التحليلات والتوصيات لصناع السياسة الأمريكيين لمكافحة التحديات التي تفرضها عودة ظهور الخطاب المذهبي والطائفي في سياسة الشرق الأوسط الإسلامي.
يعزى تصاعد الحالة المذهبية إلى ثلاثة عوامل، بشكل رئيس. العامل الأول، أدى صعود الاسلاميين السنة في تونس، ولا سيما في مصر، إلى تجدد اللهيب المذهبي الذي كان يخيم، تاريخياً، على منطقة الشرق الأوسط. فالطبيعة الاسلامية لهاتين الحكومتين مصدر تمكين للسنة وشوكة في خاصرة الشيعة. ويرى بعض الشيعة في الحكومات الإسلامية السنية الجديدة في كل من هذين البلدين بداية لما يمكن أن تصبح عليه المنطقة لجهة هيمنة السنة عليها إذا ما سقط الأسد وحلت مكانه حكومة سنية في سوريا وبدأ  فقدان حزب الله، بدوره، لقوته في لبنان. ومع الانتفاضات والمعارضة الواسعة النطاق لحكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في العراق، قد يكون الشيعة في ورطة هناك أيضاً. وحيث أن السنة يشعرون بالتمكين بشكل متزايد بسبب التحديات الأخيرة للأنظمة العربية الاستبدادية، فإن الشيعة يشعرون بمزيد من التهديد.
العامل الثاني، أشعلت الحرب الأهلية في سوريا الصراع المتجدد حول الهوية العربية والإسلامية في البلدان المجاورة- خصوصاً في لبنان- حتى في الدول التي لم تمسسها الحرب مباشرة، كالبحرين والكويت.  فليس فقط سقوط الأسد المرجح هو ما يعد ضربة لصعود وهيمنة الشيعة المحتملة التي بدأت في العراق مع الزعيم الشيعي نوري المالكي بعدما أصبح رئيساً للوزراء، وإنما أيضاً الفظائع المرتكبة ضد السنة في سوريا والتي ترتد نقمة واضحة على كل الشيعة في المنطقة.
العامل الثالث، لقد خلقت التصورات الشعبية للتدخل الخارجي بديلاً واقعياً لحرب مع إيران ،سوريا، وحزب الله من جهة والمملكة العربية السعودية، الولايات المتحدة، وتركيا من جهة أخرى.
كان الشيعة يأملون، بعد وصول المالكي إلى السلطة، بأن يكون بالإمكان تشكيل  قوة تحالف إقليمي بين إخوانهم في المذهب ( الشيعة) في إيران، والعراق، وسوريا. فإذا كان الشيعة قد اعتقدوا ذات مرة بأن الولايات المتحدة لن تعرقل صعودهم والهيمنة على السلطة، نتيجة لغزو العراق والاطاحة بالنظام البعثي الذي هيمن عليه السنة، فإن الكثير من الشيعة الآن مقتنعون بأن الولايات المتحدة تقف وراء رهان السنة على السلطة الإقليمية. وقد تعزز هذا الرأي في نظرهم بسبب انخراط واشنطن بالعمل مع الإخوان المسلمين في مصر ودعمها للانتفاضة السورية. أما بالنسبة للشيعة العرب، فإن الفترة القصيرة الواقعة ما بين عاميْ 2006-2007، التي دفعت الملك عبد الله الثاني ملك الأردن لتحذير السنة من 'الهلال الشيعي' المقبل في المنطقة، تبدو  الآن مجرد ذكرى بعيدة.
في نظر العديد من السنة، أتاحت لهم الانتفاضات العربية الفرصة لتقويض محور إيران، سوريا، وحزب الله. مع ذلك لا زال هؤلاء يرون أيادي إيران الخبيرة والكاذبة، غالب الأحيان، وراء كل تطور وعند كل منعطف، لا سيما في تورط طهران العميق في مساعدة الأسد على التشبث بالسلطة. وبالاصغاء إلى كثير من السنة في الدول العربية، وخاصة في الخليج الفارسي، يتكون تصور عن جميع الشيعة بأنهم موالون داعمون لإيران. هذا الرابط يخدم أغراضاً كثيرة. أولاً، إنها وسيلة لتشويه صورة الشيعة وتصويرهم على أنهم متواطئون مع إيران البلد الإقليمي المجرم، والتي هي على خلاف مع الكثير من  الحكومات السنية. ومهما حاول خامنئي اقناع العالم الإسلامي بالصحوة الإسلاموية القادمة، يسعى كثير من الدول السنية للنأي بنفسها بشكل أكبرعن طهران. في الوقت نفسه، لا يزال الشارع الإسلامي متضارباً. فبالمصطلحات الدينية، يعتبر التأكيد على الصلة الإيرانية تكتيكاً سنياً فعالاً أيضاً لطرح الشك بأوراق الاعتماد الإسلامية للشيعة.
يعتقد بعض المثقفين العرب أن الانتفاضات قد وفرت الظروف لارتفاع مستوى الحالة المذهبية عن طريق تقويض الأنظمة الاستبدادية التي كانت فيما مضى تحافظ على كبحها. 'عندما تكون الدول ضعيفة، تتصاعد الحالة المذهبية والطائفية'، هذا ما قاله السيد هاني فحص، عالم الدين اللبناني الشهير، في حزيران/ من عام 2012. وقال ' يعود الناس إلى هوياتهم الأولية. وكلما كان التدين أكثر في المجتمع، كلما كانت الدولة أكثر ضعفاً '.
وفي حين أن من الشائع في دوائر واشنطن المبالغة في تقدير نفوذ إيران الإقليمي وقدراتها، فإنه سيكون من السذاجة عدم افتراض وجود سعى لإيران لتحويل انتفاضة الشيعة في البحرين لصالحها، تعزيز حزب الله في لبنان، زيادة الصراع بين السنة والشيعة، والتدخل في الكويت والبحرين والمملكة العربية السعودية، من أجل إلهام الأقلية السكانية الشيعية في هذه البلدان لاغتنام الفرصة والاستيلاء على روح الانتفاضات وإثبات ذاتهم. 'بعد خمس سنوات من الآن، وإذا كان المجتمع البحريني مستقطباً جداً ولا زال من دون حل للأزمة الحالية، فسيكون الإيرانيون هم أكبر المستفيدين '، قال أحد كبار المسؤولين الأمريكيين.
جذور المذهبية المعاصرة
في حين أن العداء بين الشيعة والسنة ليس جديداً، فإنه اليوم يعرض بعض الخصائص التي تختلف عن المذهبية التاريخية في الشرق الأوسط. تقليدياً، يمكن فهم المذهبية باعتبارها مجموعة مؤسساتية تحدد أنواع الولاء العائلي، المحلي، الإقليمي وحتى أنواعاً أوسع للولاء والانتماء. مع ذلك، فإن تزايد الصراع الطائفي اليوم هو، في المقام الأول، نتيجة لانهيار الحكم الاستبدادي والنزاع على السلطة السياسية والاقتصادية وأيُّ من تفاسير الاسلام هي التي ستؤثر على المجتمعات والقيادات الجديدة.
في دول كالبحرين ولبنان، حيث يشكل الشيعة حوالي 70 و 40  بالمئة من السكان، على التوالي، تنذر فرص الحكم الديمقراطي السنة بالخطر. نتيجة لذلك، يُنظر إلى الديمقراطية كجزء من أجندة الشيعة التخريبية، 'وليس كمبدأ عالمي يعززالحداثة والتنمية في تلك البلدان'. على الرغم من أن الهدف الأساسي من الانتفاضات العربية هو التحرك نحو المزيد من الحكم على النمط الديمقراطي ، فإن ' الخطر' الشيعي قد يوفر المبررات القوية لتلك الحكومات التي يهيمن عليها السنة للاحتفاظ بحكمها الشمولي.
لطالما كان الشيعة تذكيراً للمسلمين السنة بالخلافات التي لم تُحل في الإسلام منذ وفاة النبي محمد منذ أكثر من 1400 عام. وعلى مر القرون، تبلورت هذه الخلافات بين هذين المذهبين الرئيسيين حول مسألة الخلافة الشرعية للنبي كرأس للمجتمع الديني والسياسي في ذلك الزمن: هل يجب اختيار زعيم جديد من بين الصحابة الأقرب لمحمد، أم من سلالته  المباشرة فقط؟ إن رواية الشيعة لهذه القصة - المغلفة بوفاة حسين، حفيد النبي وبطل شيعة المستقبل، على يد الأمويين في معركة قرب كربلاء عام 680  هجرية – هي التي خلقت الرواية التي عاشها الشيعة منذ ذلك الحين.
إنها رواية الهزيمة، الشهادة، والطرد الكامنة في صميم الهوية الشيعية، إلى حد أن استشهاد الحسين (ع) في معركة  كربلاء اليائسة، والتي كانت من طرف واحد، يعاد تمثيلها كل عام من قبل الشيعة من خلال ' عاشوراء'، المناسبة الدينية الجليلة. وقد ظهر التشيع كعقيدة متميزة في القرن التاسع فقط. وكان للتشيع  قدر أكبر من الأهمية السياسية مع صعود الفاطميين في مصر، ثم مع ترسيخ هذا المذهب باعتباره دين الدولة الرسمي في إيران بظل حكم الصفويين وذلك في أوائل القرن السادس عشر. أما الآن، فيشكل الشيعة حوالي 10 إلى 15 في المئة من المسلمين في العالم العربي. وإن مجرد وجود هذه الطائفة وغيرها من الطوائف والمذاهب الأصغر حجماً لهو صفعة على وجه مفهوم الوحدة الإسلامية المعلنة ، مجتمع المؤمنين الجماعي الكامن في صميم العقيدة الإسلامية.
من الصعب الفصل في حالتيْ البحرين ولبنان بين الخلاف العقائدي وبين النزاع المحسوب على السلطة السياسية والاقتصادية. ورغم أن هذا الاختلاف الديني هو في كثير من الأحيان القضية المركزية المناقشة في المساجد ووسائل الإعلام، فإن الانتفاضات العربية، التي أطلقت العنان للصراعات العرقية والدينية والمساواة بين الجنسين، قد أبرزت تصميم المذهبين على المطالبة بكامل الحقوق المدنية والتمكين السياسي. وسوف أحاول، حيثما أمكن، فصل الدين عن المذهبية من أجل تحليل جوانب الصراع الذي هو نتيجة لنزاع على السلطة السياسية والنابع من اختلافات دينية وكيف أن كل سبب منها يغذي السبب الآخر.
على مدى العقود الثلاثة الماضية، اكتسبت الحركات الإسلامية السنية تأييداً شعبياً واسع النطاق، كما بدأ الشيعة بالتعبئة، على الرغم من القيود المفروضة عليهم من جانب حكوماتهم. ووفقاً لما قاله ماكس فايس، ما أن أصبح الشيعة في لبنان قادرين بشكل أفضل على التعبير عن مطالبهم السياسية، حتى حولوا أنفسهم من 'مذهب بحد ذاته' إلى ' مذهب لنفسه'. بصفة عامة، إن الشيعة، الذين كانوا يبدون فيما مضى فرقة ضعيفة ومعزولة ضمن الإسلام العربي، يطالبون الآن بحقوقهم ويصلون إلى نفوذ سياسي أكبر، بدءاً من المملكة العربية السعودية وصولاً إلى البحرين والكويت.
لقد تم مؤخراً توثيق مدى وعمق التحديات التي لا تزال تواجه الشيعة بالذات وذلك في عملية مسح  للرأي أجراه 'منتدى بيو' ( Pew Forascii117m)، وهو معهد بحوث مقره واشنطن. وأظهرت الدراسة وجود اعتقاد واسع النطاق في معظم الدول العربية عن أن الشيعة ليسوا بمسلمين حقيقيين. وكان هذا الأمر صحيحاً، بشكل خاص، في البلدان التي يمثل الشيعة فيها أقلية صغيرة فقط. ووفقاً للمسح الذي تم، هناك ما لا يقل عن 40 في المئة من السنة الذين لا يتقبلون الشيعة على أنهم من إخوانهم المسلمين. وفي كثير من الحالات، هناك نسب أكبر حتى من السنة الذين لا يؤمنون ببعض الممارسات الشائعة بين الشيعة ولا يعتبرونها تقاليد إسلامية شرعية، كزيارة العتبات المقدسة والصلاة على رموز دينية توفت.
تفاقم هذا الشعور المناهض للشيعة بسبب ظهور ما يسمى بالحركة السلفية على الساحة السياسية، التي  يسبق مفهومها المثالي للإسلام أي من التوترات الدينية والاجتماعية  التي أنتجها لأول مرة الانقسام المذهبي الكبير داخل الإسلام وأدى في نهاية المطاف إلى ولادة مجموعات شيعية مختلفة.  تكمن أصول السلفية في القرن التاسع عشر، وكانت مدرسة الفكر السلفي معتمدة من قبل مسلمين يسعون لتطبيق التفسيرات الحرفية للكتاب المقدس على أساس تعاليم النبي ودائرته المباشرة. إن كلمة السلف تعني في قاموس اللغة العربية 'السابق'، وفي هذه الحالة تشير الكلمة إلى صحابة النبي الأقرب له. ويسعى السلفيون بصفة عامة للعودة إلى رؤيتهم في القرن السابع الميلادي، عندما كان الإسلام يمارس ، بحسب رأيهم، بما يتفق مباشرة مع تعاليم محمد. فقبل الانتفاضات العربية، تركز الاهتمام في أوساط السلفيين على اتجاهين رئيسين : الذين قاموا بالتبشير من خلال الدعوة الدينية، والذين لم يمارسوا العنف أو نشاط سياسي، والجهاديين، الذين مارسوا العنف لتحقيق أهدافهم.
على الرغم من تنوع الاتجاهات السلفية عبر المنطقة وحتى داخل كل بلد، فقد فضل السلفيون منذ العشرينات وحتى أواخر السبعينات المذهب الصوفي. ولم يتقبل السلفيون المشاركة في الانتخابات السياسة لانهم كانوا مؤمنين بأن مصدر الشرع هو الله فقط، وبأن الحكومات التي من صنع الإنسان هي ،وبحكم التعريف ، حكومات غير شرعية. وبهذه الطريقة، كانوا قريبين جداً من رجال الدين الشيعة التقليديين في إيران، قبل محاولة لآية الله روح الله الخميني لإعادة صياغة جذرية للتعاليم الدينية تتيح التدخل المباشر والمستمر في شؤون العصر.
لكن في أوائل الثمانينات، أصبح بعض السلفيين ناشطين سياسياً بشكل مطرد وأكثر راديكالية. بعض هذه الراديكالية نابع من أدوارهم التي يضطلعون بها بصفتهم أوصياء معنويين وأخلاقيين على الأمة، وهؤلاء لا يشجعون الحملات ضد عدم الاحتشام فحسب، وإنما يطلقون التصريحات أيضاً حول ما إذا كان أفراد الأقليات المذهبية مسلمون 'حقيقيون'. وبهذه الطريقة، تكون الحركة السلفية الحديثة قد أدت إلى تسارع التوترات الطائفية لأن كثيرين فيها لا يتقبلون الشيعة كمسلمين.
بينما يشير محللون وباحثون وصناع القرار، وبسرعة، إلى أن الصراع بين السنة والشيعة عبارة عن معركة داخل الإسلام، فإنه ينبغي أن تكون الآثار الجيوسياسية الأوسع نطاقاً والناشئة من تصاعد المذهبية مصدر قلق كبير بالنسبة للولايات المتحدة في سعيها للحفاظ على مصالحها في الشرق الأوسط. على سبيل المثال، وفي البحرين، فإن عدم وجود تسوية بين المعارضة التي يسيطر عليها الشيعة وبين الحكومة السنية المدعومة من الولايات المتحدة تجعل الجانبين متطرفينْ.
بذل الشيعة في البحرين جهداً لإقناع العالم بأنهم لا يريدون الاصطفاف مع إيران. في كل الأحوال، المواقف هناك بدأت تتغيير مع تحول شيعة بحرينيين أكثر راديكالية إلى إيران أو وكلائها للمساعدة. فعلى المدى الطويل، سوف تتقلص الأهداف الأمنية للولايات المتحدة الأمريكية ، المملكة العربية السعودية، ودول الخليج الأخرى التي تدعم قبيلة آل خليفة السنية، إذا لم تتخذ هذه الدول تدابير لمساعدة المعارضة أو معاقبة حكومة آل خليفة على سياساتها القمعية التي أدت إلى انتهاكات لحقوق الإنسان موثقة جيداً. ' إن ما لا يراه السعوديون هو أنهم يقودون الشيعة إلى أحضان إيران '، بحسب ما قال الأستاذ شريف بسيوني، وهو باحث قانوني ترأس لجنة تقصي الحقائق البحرينية المستقلة، بعد بدء الانتفاضة عام 2011.
على الرغم من استراتيجية إيران السياسية المتعلقة باغتنام الفرص واستغلال حالة عدم الاستقرار الناتجة عن الانتفاضات العربية، تواجه طهران تحدياً إضافياً ناشئ من شعور جديد يتعلق بتقرير المصير داخل هذه المجتمعات نفسها. فحتى لو لم تكن القيادة الدينية للشيعة العرب في العراق والبحرين ولبنان تتحدى بشكل مباشر المؤسسة الدينية في إيران، فإن من المحتمل أن يأتي مثل هذا التحدي من أسفل إلى أعلى- من الشارع- وهي عملية تتشكل أساساً اليوم في لبنان والبحرين.
ومن المرجح أيضاً أن الشارع الشيعي العربي، بمرور الزمن، سوف يتخذ موقفاً من مسألة الدعوى الدينية الإيرانية إزاء التشيع والسعي للاستقلال عن إيران من خلال مراجعهم المحلية الموجودة، أو من خلال مصادر دينية وأخلاقية تضاهي تلك الدعوى. في المذهب الشيعي، يسعى المؤمنون، وبشكل روتيني، لأخذ المشورة من المجتهدين (علماء الدين الذين يفسرون النص المقدس لأتباعهم) بشأن جميع جوانب حياتهم. ونتيجة لذلك، قد يواجه الشيعة العرب قريباً خياراً صعباً: التبعيه لرجال الدين في قم أو تأكيد الذات لاستيعاب شارعهم الذي يعبرون عنه.
كان المسار الاخير هذا هو الحال في مصر، حيث بدأ الأزهر، مقر التعليم الديني للمسلمين السنة، تأكيد استقلاليته عن التفسيرات الدينية الرسمية بظل حكم الرئيس السابق حسني مبارك، ويأمل الأزهر بأن تقوم الحكومة الاسلامية بقيادة الرئيس محمد مرسي بمساعدته في رغبته بالحصول على المزيد من الاستقلالية. مع ذلك، بإمكان حكومة ذات قيادة إسلامية أن تكون منافسة لشرعية الأزهر الدينية داخل المجتمع. في كل الأحوال، إن دور رجال الدين في أوساط الشيعة  أكثر أهمية مما هو عليه الأمر بالنسبة للسنة'. هذه العقيدة ( الأصولية) أعطت المجتهدين  الأحياء سلطة تتخطى أية سلطة يدعيها العلماء السنة وأعطت لسيطرتهم  إجازة تتعدى كل ما من شأنه أن يكون مجرد أمراً مفروضاً فحسب '.
لدى الشيعة الاثني عشرية في لبنان تاريخ طويل من التعليم الديني الكلاسيكي. إن منطقة جبل عامل، وهي منطقة في الجنوب، موطن لأقدم وأشهر مجتمع شيعي إثني عشري في المنطقة. فمنذ العصور الوسطى، اعتبر جبل عامل مقراً لتعليم المذهب الشيعي؛ فقد هاجر العديد من المجتهدين الشيعة من هذه المنطقة إلى إيران بغرض مأسسة المعاهد الدينية في إيران خلال القرن السادس عشر، عندما أصبحت العقيدة الشيعية المذهب الرسمي للسلالة الصفوية الحاكمة.
مع ذلك، وعلى الرغم من هذا التاريخ المشرف، أعتبر الشيعة في لبنان، تاريخياً، 'مسلمين منسيين '. وكما كتب المؤرخ اللبناني كمال صليبي: ' في حين حازت الإنجازات التي حققها علماء جبل عامل في الميدان على كل تقدير واحترام، ولوقت طويل، على امتداد العالم الإسلامي الشيعي، و الأهم من ذلك كله في إيران، فليس لدى هؤلاء أي تأثير على الساحة اللبنانية خارج الدوائر الشيعية المتشددة، وهذا طبيعي. لا يمكن لأي مجهود وهمي، ولا في أي حال من الاحوال، تصويرهم بشكل مقنع كجزء من الموروث اللبناني العام '.
قلبت الثورات العربية، الجارية عبر المنطقة، أو هددت بقلب ، الترتيبات الصعبة وغير المستقرة غالب الأحيان التي تم التوصل إليها بين الشيعة والسنة. وتوضح حالة البحرين هذه الظاهرة، حيث يشكل الشيعة نحو 70  بالمئة من السكان، إنما مستبعدين من السلطة بشكل مؤثر منذ عدة قرون. فبظل حكم آل خليفة السنة، الذين سيطروا بادئ الأمر في سبعينات القرن السابع عشر ، كان مستوى معين من الاندماج الاجتماعي هو قاعدة السلوك التاريخية، ، بما في ذلك بعض المصاهرة.
لقد تغير هذا الأمر بشكل كبير منذ بدء الانتفاضة في ربيع عام 2011، عندما تحدت المعارضة التي يسيطر عليها الشيعة الحكومة ودعم معظم المثقفين والناشطين السنة، الذين انضموا إلى الشيعة في البداية، حركة الاحتجاج. ومن خلال حملة إعلامية مدبرة للدولة تزعم بأن إيران وراء الانتفاضة من أجل إنشاء دولة دينية وفق حكم طبقة كبار رجال الدين، تمكنت الحكومة من خلق شكوك عميقة بين السنة تجاه الشيعة. ونظراً لتاريخ البحرين الطويل من التوتر المذهبي وهاجس الخليج الواسع النطاق من نفوذ إيران المحتمل، لم تعاني استراتيجية الحكومة من  صعوبات تذكر بالنجاح في أوساط النخبة البحرينية. كما كان للموضوع تأثير جيد في منطقة الخليج، لا سيما في المملكة العربية السعودية القوة الإقليمية في المنطقة، ووجد البحرين آذاناً صاغية ومتعاطفة في الغرب'.
' يُعامل السنة الشيعة في المنطقة كمواطنين من الدرجة الثانية '، قال آية الله السيد علي االحكيم، رجل الدين الشيعي في لبنان الأتي من عائلة دينية قوية تركت تعاليمها أثراً على المعاهد الدينية في قم والنجف وبيروت. ' في بعض الدول السنية، لا يعاملوننا كبشر ... لا شك أننا لن نذهب إلى أي مكان ونقتل الناس كما فعلوا [السنة] في 11/9 '.
الجزء الأول: قضية البحرين
أصبحت الهوية العرقية والدينية تحدد، وبشكل متزايد، عدداً من الدول العربية الحديثة. هذا هو الحال مع البحرين. فقد تفاقمت الأسباب الكامنة وراء الانتفاضة في عام 2011 وأثرت على الطريقة التي ينظر بها السنة والشيعة إلى بعضهم البعض، ليس فقط في الداخل وإنما في الدول العربية الأخرى أيضاً. فالانتفاضة التي يهيمن عليها الشيعة في البحرين هي الآن بمثابة نضال، ليس فقط بالنسبة للبحرينيين، وإنما لمكانة مجمل الشيعة في الشرق الأوسط.
فلعدة أشهر في خضم الانتفاضة، التي بدأت في فبراير/ شباط 2011، واصل بعض البحرينيين، الباحثين الغربيين، والمحللين القول بأن البحرين، وعلى عكس بلد كلبنان مزقه الحرب، لا يعاني من الانقسامات الطائفية العميقة. ومن الواضح أن هذا التقييم كان مضللاً. فعلى الرغم من أن البحرين لم يقاسي من حرب أهلية طويلة الأمد ، كما كان الحال في لبنان، فإن للبلاد تاريخ طويل من المعاملة المؤسساتية التمييزية ضد الأغلبية الشيعية من السكان.
لمحة تاريخية
من بين الدول القومية في الخليج الفارسي التي تطورت في القرن العشرين على أساس الثروة النفطية، برزت البحرين بتراثها الغني والقديم خاصة، إلى جانب تاريخ طويل من التشيع. تعزز وضع الشيعة في البحرين بسبب تبني إيران للتشيع كدين للدولة في أوائل القرن السادس عشر، وبعدها بسبب السيطرة الإيرانية المباشرة على الأراضي البحرينية في بداية عام 1602. في ذلك الوقت، كانت البحرين مركزا مهماً للشيعة العرب، إلى جانب جبل عامل في لبنان والكوفة والنجف في العراق. وأصبح كل مكان من هذه الأماكن مراكز تعليم للدولة الصفوية التي كانت قد تشكلت حديثاً في إيران، التي كانت بحاجة إلى تثقيف رجال الدين الشيعة لديها. في الواقع، وقام شاه صفوي بتنقية أحكامه وقراراته لدى رجال الدين في النجف والبحرين لضمان صلاحيتها الدينية. هذا هو التاريخ الذي تستخدمه الحكومة السنية والموالون لها اليوم عندما يصنفون المعارضة الشيعية بأنها 'صفوية موالية لإيران. '
انتهت هيمنة الشيعة في البحرين مع غزو قبيلة آل خليفة في 1782 واحتلالها. وجاء الغزو من الشرق، من قطر، وقًتل الكثير من الشيعة الذين كانوا يعيشون في ذلك الجزء من الجزيرة أو طردوا؛ وفر آخرون نحو مناطق الشمال والغرب، التي لا تزال معاقل شيعية حتى اليوم. وفي خطوة تمهيدية للأمور المقبلة، وبعد ما يقرب من 300 سنة، دعا آل خليفة في عشرينات القرن الثامن عشر قبيلة الدواسر في المملكة العربية السعودية لارسال قوات إلى البحرين لتهجير مزيد من الشيعة. وكان الشيعة في البحرين قد اعتمدوا المذهب الشيعي منذ الأيام الأولى للانقسام داخل الإسلام ويعتبرون أنفسهم السكان الأصليين الحقيقين  للأرض. ودعوا أنفسهم بـ 'البحارنة'. وكان هناك أقلية من الشيعة في ذلك الوقت من أصل فارسي تُعرف باسم 'العجم'.
إن الشكاوى الموجودة لدى السكان البحرينيين ليست جديدة: فالمطلب الحديث بالحصول على سلطة سياسية أكبر في البحرين يمكن إرجاعه إلى العام 1938، عندما قدمت مجموعات من السنة والشيعة مطالبها للحاكم البريطاني للحصول على حكم  ذاتي محلي. وسعى البريطانيون لوضع حد لمحاكمة وقتل الشيعة. مع ذلك، لم يكن التحرك ناجحاً. وخلال الفترة العروبية في فترة الخمسينات والستينات، وكما كان الحال في العديد من الدول العربية الأخرى، مالت جماعات المعارضة في البحرين نحو التوجهات اليسارية والقومية. وكانت أهدافها إنهاء الاحتلال البريطاني في البحرين والخليج. وبالمقارنة مع اليوم، لم يكن للدين دور كبير في التعبير عن شكاوى المعارضة للدولة.
شهدت البلاد منذ العشرينات حركات تمرد، مع حدوث احتجاجات كبيرة كل عشر سنوات،  أو نحو ذلك. مع ذلك، يمكن القول بأن الاحتجاجات الحالية يجري تناولها بجدية أكبر من قبل جميع الأطراف لعدد من الأسباب. أولاً، لقد غذت الثورات الناجحة التي حدثت في العراق، مصر، اليمن، وتونس المخاوف داخل حكومة آل خليفة بألا تكون قادرة على السيطرة على المعارضة لوقت أطول. ثانياً، هناك مخاوف حادة في أوساط الحكومات الملكية الخليجية من محاولات إيرانية لاستغلال الانتفاضات العربية، والحساسيات التي ترفع من حدتها بروباغندا الدولة الايرانية وكذلك المخاوف من التدخل المباشر في سوريا. ثالثاً، لم يعد شيعة البحرين على استعداد للانتظار بصبر من أجل الإصلاحات التي قد لا تنفذ أبداً. وبدأ حزب الوفاق حتى، وهو المجتمع السياسي الشيعي الرسمي المعارض ، بتحدي فرض الحكومة  الحظر على التظاهرات ابتداءً من سبتمبر/ أيلول 2012.
ويدعم المخاوف من احتمال تدخل إيران، إلى حد ما على الأقل، سابقة تاريخية. فقد خلفت الثورة الاسلامية عام 1979 أثراً هاماً على الشيعة في البحرين وفي دول خليجية أخرى. وظهرت جماعات متطرفة شيعية في البحرين، الكويت، والمملكة العربية السعودية. وجاء رجال دين إيرانيين للادلاء بخطب في البحرين وزار طهران أفراد من الحركة الشيعية البحرينية، والجبهة الإسلامية لتحرير البحرين (IFLB).
في عام 1981، أعلنت الحكومة البحرينية أنها كشفت مؤامرة للقيام بانقلاب، أخرجتها 'الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين'. وقالت الحكومة البحرينية بأنه تم تدريب المتآمرين في طهران، وشككت الحكومة حتى بالشيعة المعتدلين بكونهم جزءاً من طابور خامس مزعوم. أما شكوى المعارضة فكانت معالجة الممارسات التمييزية ضد الشيعة، رغم أنه كان للمجموعات المتنوعة أهدافاً مختلفة. فعلى سبيل المثال، إن لم تؤيد 'حركة الحرية الإسلامية'، وهي مجموعة أخرى معارضة مقرها في لندن، قيام دولة إسلامية في البحرين وإنما أيدت توزيعاً أكثر إنصافاً للثروة. وكان أحد قادة المجموعة رجل الدين الشيخ عبد الأمير الجمري، الباحث الديني الشهير، الذي يعتبر إبنه الحامل لنفس الاسم، زعيماً معتدلاً الآن في المعارضة ورئيس تحرير صحيفة الوسط.
حتى قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 ، كانت تطغى على المعارضة البحرينية الذهنية العلمانية – لدى الشيعة والسنة على حد سواء. لكن بعد الثورة، بدأت الحركات الإسلامية تقود المعارضة. أما الأمر المساهم في هذا الطابع الديني الجديد فكان واقع بدء قيام عدد أكبر من الشيعة، وببطء، بالدخول إلى المعاهد الدينية في مدينة قم المقدسة في إيران وموطن قسم كبير من مؤسسة رجال الدين الشيعة. ولأول مرة، استخدمت خطب صلاة الجمعة في المساجد في البحرين لمناقشة مظالم وشكاوى البحرينيين، كالبطالة والعدالة الاجتماعية.
 على الرغم من واقع انتماء غالبية الشيعة في البحرين إلى المدرسة الجعفرية في الفقه الإسلامي، إلا أنهم يتبعون مجموعة من الزعماء الروحيين الحائزين على إجازة في الإسلام الشيعي، كما هو موضح أعلاه. ومن الناحية السياسية، هذا يعني انقسام انتماءاتهم؛ بعض البحرينيين يعتبرون آية الله خامنئي مرشدهم الديني، والبعض الآخر يتبع آية الله السيستاني في العراق، في حين أن آخرين لا زالوا معجبين بالراحل آية الله فضل الله الذي قضى قسماً كبيراً من حياته في لبنان. من الصعب للغاية تحديد العدد الدقيق للشيعة الذين يتبعون أحد آيات الله هؤلاء على وجه الخصوص، لكن يُعتقد ، وعلى نطاق واسع، أن معظم الشيعة في البحرين هم من اتباع آية الله السيستاني. وتماماً كما تحمل هذه الارشادات الدينية وجهات نظر مختلفة بشأن مسألة ولاية الفقيه، كذلك الحال مع أتباعهم. فالسيستاني وفضل الله يعارضان تدخل رجال الدين المباشر في السياسة ويُعتبران  الأكثر هدوءاً بين رجال الدين. أما خامنئي فيفضل، بطبيعة الحال، حكم رجال الدين.
يرجع قسم كبير من هذه الحقيقة إلى أن الشيعة البحرينيين متعلقون بهويتهم العربية، وبالتالي، فإنهم أقل ميلاً إلى الارتماء في أحضان إيران. هذه الحجة لها مزيداً من المصداقية عند تقييم ما إذا كان البحرينيون يريدون أن تحكمهم الجمهورية الإسلامية أو حكومة ثيوقراطية مماثلة، لكن  صحة هذه الحجة تكون أقل عند مناقشة التأثير الديني لإيران على الشيعة في البلدان العربية. فعندما يتعلق الأمر باختيار ' مرجع'، على سبيل المثال، تبدو تعاليم مدرسة دينية معينة- عربية أو فارسية- في وضع المزايدة الاثنية .
في التسعينات، بدأ الشيعة في البحرين يتوحدون أكثر مما كانوا عليه في الماضي. وبين عامي 1994 و 1998، اندلعت سلسلة من الاشتباكات والاحتجاجات في شوارع القرى الشيعية البحرينية. وقيل بأن الأسباب الجذرية وراء الاضطرابات تشتمل على استبداد الدولة، غياب الحقوق المدنية والسياسية، الركود الاقتصادي، والتمييز الواسع ضد الشيعة. وكان المجتمع الشيعي ينظر إلى الحكومة البحرينية، وبشكل كبير، على أنه نظام فاسد يحابي الفئات الموالية والمقربة منه و يتجاهل تماماً المناطق الشيعية الفقيرة في البلاد.
في حين شكل الشيعة غالبية المتظاهرين، فقد سعى عدد من السنة إلى العودة إلى دستور 1973 الليبرالي  نسبياً وساعدوا بتلك القضية عن طريق جمع العرائض والالتماسات المؤيدة للاصلاح، التي وقعها الآلاف. وأدت الانتفاضة أيضاً إلى حصول اتحاد نادر بين الليبراليين، اليساريين، والفصائل الإسلامية، التي جمعت قواها معاً للمطالبة باصلاحات ديمقراطية.
وعلى مدى أربع سنوات، أصبحت المظاهرات الكبيرة والصدامات في الشوارع هي القاعدة . ويشار إلى هذه الفترة من الاضطرابات في البحرين باسم انتفاضة 1994-1998. ونتيجة لهذه الانتفاضة، أصبحت 'الرمزية الدينية كأداة سياسية' إحدى خصائص حركة الاحتجاج. وكان رد الحكومة على الاحتجاجات في الشوارع وحشياً. فقد تم اعتقال الآلاف من المتظاهرين والنشطاء كما تم نفي بعض قادة المعارضة.
في عام 1996، اتهمت الحكومة البحرينية إيران بتمويل منظمة تدعى حزب الله البحريني، والتي نفذت، بحسب ما زعم،  عدداً من الهجمات العنيفة داخل المملكة. وفي يونيو/ حزيران من ذلك العام، تم اعتقال 51 بحرينيا واتهموا بالتآمر ضد الحكومة. وتساءل بعض الشيعة عما إذا كانت هذه المؤامرة موجودة أصلاً متهمين الحكومة بالمبالغة بأي تهديد إلى حد كبير.
أما آخر محرك في أوساط الشيعة لأجل الإصلاح السياسي والاجتماعي فقد بدأ عندما تولى الشيخ حمد آل خليفة، ملك البحرين الحالي، قيادة الدفة بالكامل. إذ أفرج عن مئات السجناء الذين كانوا في السجن، بما في ذلك الشيخ الجمري. وأعلن عن التعهد باجراء انتخابات بلدية في ديسمبر/ كانون أول 1999 ، عندما كان سيُسمح لأول مرة بمشاركة المرأة بالتصويت. وفي عام 2000، أصدر الشيخ حمد مرسوماً لمراجعة تركيبة مجلس الشورى، وزيادة عدد الأعضاء الشيعة. وربما كان أهم برامجه الإصلاحية تعيين لجنة لوضع ' ميثاق العمل الوطني' والتي من شأنها الاحاطة بعملية الإصلاح الدستوري، القضائي، والسياسي.
تمت الموافقة على 'ميثاق العمل الوطني' في عملية الاستفتاء لكن المتاعب جاءت لاحقاً. ففي عام 2002، أدت مراجعة الملك حمد للدستور من جانب واحد من دون وضع التعديلات أمام الاستفتاء الشعبي إلى معارضة من الشيعة والسنة. فقد أعطت التعديلات سلطة أكبر للسلطة التنفيذية على حساب السلطة التشريعية. فعلى سبيل المثال، لا يمكن تمرير التشريعات من دون موافقة مجلس الشورى، وهو مجلس استشاري خاص يتم تعيين أعضائه من قبل الملك.
أما المطالب الواسعة للمعارضة الرئيسة اليوم فقد وردت في خطة مقترحة ظهرت في يوليو/ تموز 2011. ومن غير الواضح ما إذا كان تيار المعارضة الشيعية الرئيسة سيواصل طرح المطالب التي كان يطرحها كان في الماضي. وتتضمن هذه المطالب ما يلي:
&bascii117ll; برلمان منتخب بصلاحيات موسعة، بما في ذلك القدرة على تثبيت أو رفض مرشح لمجلس الوزراء.
&bascii117ll; الانتخاب المباشر لرئيس الوزراء من قبل أكبر ائتلاف داخل البرلمان المنتخب.
&bascii117ll; مراقبة الانتخابات من قبل لجنة انتخابية مستقلة.
&bascii117ll; ترسيم حدود انتخابية ' بشكل نزيه' لمنع الحكومة من الغش لضمان أغلبية سنية في مجلس النواب.
&bascii117ll; إعادة صياغة القوانين الخاصة بالجنسية والمواطنة.
&bascii117ll; بذل الجهود للحد من الانقسامات الطائفية.
&bascii117ll; آليات جديدة لتقديم الدعم والاعانات الغذائية إلى المواطنين الأكثر احتياجا، وكثير منهم من الشيعة.
تعمق الانقسام الطائفي
عندما بدأت الانتفاضة الحالية كجزء من موجة الثورات في العالم العربي، كانت غالبية المحتجين الشباب الذين قاموا بمسيرة الى دوار اللؤلؤة، وهي علامة فارقة وسط المنامة لميدان يمثل الثورة، من الشيعة. وكان ذلك بعد ثلاثة أيام من طرد الرئيس السابق حسني مبارك من السلطة واختيار البحرينيين يوماً رمزياً، هو 14 فبراير/ شباط. ففي هذا اليوم قبل عشر سنوات، كان الملك حمد بن عيسى آل خليفة قد أعلن بأن ميثاقه، 'ميثاق العمل الوطني'، مشروع الإصلاح الكبير، سوف يطبق، وأعلن البحرين نظاماً ملكياً دستورياً له برلمان من مجلسين وغرفة سفلى منتخبة.
مع ذلك، وبعد عقد من الزمان، لا تزال السلطة في يد الملك ورئيس وزرائه المعيَّن الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، عم الملك، والموجود في منصبه منذ أكثر من 40 عاما. وللملك القدرة على تعيين ورفض رئيس الوزراء، تعيين واقالة نصف الجمعية التشريعية الممثلة بمجلس شورى، تعيين القضاة في المحكمة الدستورية ، وله الحق في فرض قانون الطوارئ، الأمر الذي قام  به بعد وقت قصير من بدء الانتفاضة. وكان المتظاهرون يطالبون بإقالة رئيس الوزراء، الذي لا يحظى بشعبية واسعة حتى داخل الدوائر الحكومية، كما طالبوا بانتخابات جديدة، ودستور جديد.
كانت الحكومة البحرينية مصممة على عدم السير في طريق مصر وتونس. ففي 14 مارس/ آذار، رحبت الحكومة بـ 1200 جندي من السعودية و 800  جندي من الإمارات العربية المتحدة، العاملين تحت إشراف مجلس التعاون الخليجي . وكتب الملك حمد أن حكومته كانت مجبرة على استخدام الخيار العسكري وفرض حملة لتطبيق النظام لأن 'المطالب المشروعة للمعارضة قد اختطفها متطرفون لهم علاقات مع حكومات أجنبية في المنطقة '، في إشارة واضحة ومباشرة إلى إيران.
كانت عملية نشر القوات، المسماة عملية 'درع شبه الجزيرة'، المرة الأولى التي تستخدم فيها دول مجلس التعاون الخليجي إجراءً عسكرياً جماعياً لقمع ثورة شعبية. وأعربت الحكومة الايرانية وحتى رجال الدين المعتدلين عن غضبهم من الوجود العسكري السعودي في البحرين.
لم تكن الانتفاضة بتحريض من إيران. مع ذلك، فقد عقَّد مسؤولون ايرانيون الصورة عن طريق إعطاء الحكومتين البحرينية والسعودية الفرصة للتأكيد على أن طهران كانت وراء الثورة. فما أن بدأت الانتفاضة، حتى أشار إليها المرشد الأعلى خامنئي بغبطة، وقدم الدعم العلني والمعنوي للشيعة ضد الحكومة السنية القمعية.
واصل خامنئي التعبير عن حماسه. وفي اجتماع ' مؤتمر الصحوة الإسلامية والشباب'، في 30 كانون الثاني/ يناير 2012 ، قال للجمهور: 'ما فعلتوه في مصر، ما فعلتوه في تونس، ما فعلتوه في ليبيا، ما تقومون به في اليمن، وما تقومون به في ال

موقع الخدمات البحثية