مواد أخرى » الصحوة الإسلامية: رواية إيران العظيمة عن الثورات العربية

الدكتور بايام محسني
Middle East Brief
Crown Center for Middle East Stascii117dies
نيسان / أبريل 2013


شهد عام 2011  لحظة فاصلة في الشرق الأوسط. فالمظاهرات الحاشدة التي سهلتها وسائل الإعلام الجديدة، كالفيسبوك وتويتر، اقتلعت المشهد السياسي في المنطقة، وقلبت أو زعزعت، بنحو خطير، عدة دكتاتوريات عربية قديمة. وفي حين كان يتم  استقبال التطورات السياسية بحذر مع تفاؤل من قبل كثيرين في الغرب كدليل على الديمقراطية، أشادت إيران باخلاص تام بالأحداث التحولية بصفتها 'صحوة إسلامية' مبنية على أساس ثورتها الإسلامية في عام 1979. فمن وجهة نظر طهران، لقد أشارت الانتفاضات الإقليمية إلى قوة إيران الصاعدة ونفوذها في الشرق الأوسط نتيجة لسقوط أنظمة استبدادية مؤيدة لأميركا، صعود أحزاب وأطراف سياسية إسلامية ذات ذهنية مشابهة إلى السلطة، وزيادة الفرص السياسية التي أحدثها عدم الاستقرار الناجم في العالم العربي.
لقد تعززت وجهة النظر الإيرانية حول هذه التطورات أكثر في سبتمبر/ أيلول 2012  بسبب الاحتجاجات التي اندلعت في جميع أنحاء العالم الإسلامي في رد فعل على الفيلم  القصير (الكليب) التحريضي 'البراءة من المسلمين'، وبسبب صور المصريين الغاضبين وهم يتسلقون جدران السفارة الأميركية في القاهرة ويحرقون العلم الأمريكي - تذكير غريب بالأحداث التي وقعت قبل أكثر من ثلاثة عقود في إيران. إذ لم توفر التظاهرات مبررات إضافية فحسب لإيران لاستخدام  مصطلح 'الصحوة الإسلامية' في وصف هذه التطورات السياسية الصاخبة، لكنها توفر أيضاً الفرصة لها لعرض أوراق اعتمادها الثورية من موقعها الأثير لديها، مجدداً، كطليعة في العالم الإسلامي. وأصدر آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى في إيران، رسالة ختمها بالقول، 'إخواننا وأخواتنا المسلمين والمسلمات في جميع أنحاء العالم. ينبغي أن تعلموا بأن هذه التحركات العقيمة واليائسة من قبل أعداء الصحوة الإسلامية علامة على عظمة وأهمية هذه الانتفاضة ...' وبعد أربعة أيام، ظهر الشيخ حسن نصر الله، زعيم حزب الله في لبنان، وكان أول ظهور علني له منذ ديسمبر/ كانون أول 2011 للتأكيد على أهمية الاحتجاجات، ضد ما ادعى أنه هجوم 'غير مسبوق' على الإسلام. وقد زعم كثيرون داخل إيران حتى بأن هذه التطورات مؤشر على ' موجة' إقليمية ثانية للصحوة الإسلامية.
لكن ماذا تعني إيران فعلاً بالصحوة الإسلامية؟ لماذا تخرج بهذه التصريحات؟ وما هي أهدافها؟ فعلى المستوى الأكثر أساسية وبساطة، تمثل الصحوة الإسلامية الرواية الاستراتيجية التي طورتها إيران لتأطير الانتفاضات العربية. مع ذلك،  ولادراك معنى وأهمية هذا التصويربشكل صحيح، ينبغي لنا علينا فهم كيفية تشكل وتطور الخطاب الإيراني حول الصحوة الإسلامية في المقام الأول. وفقاً لذلك، يركز هذا الموجز على المفاهيم الايرانية للـ 'الصحوة الإسلامية' والسياق الإيديولوجي المحلي الذي أحاط به.
يبدأ هذا الموجز بتقديمه مفهوم الصحوة الإسلامية للقراء ويناقش كيف استغلته جمهورية إيران الإسلامية منذ  عام 2011 كمنصة لتوسيع نطاق نفوذها في التطورات الإقليمية. ومن ثم يمضي إلى تأطير رواية إيران للصحوة الإسلامية في السياق الإيديولوجي المحلي للنظام، من منظورين مختلفين. المنظور الأول في إطار الحرب الناعمة- التي تلعب فيها الصحوة الإسلامية دوراً سياسياً. والثاني التركيز على التأكيد المتجدد للنظام على أسلمة العلوم الاجتماعية، والحاجة إلى تطوير أنظمة بديلة للحكم الإسلامي على أساس الفكر الإسلامي – الممثل للجذور الإيديولوجية لفكرة وأساس الصحوة الإسلامية نفسها.  ويختم الملخص بمناقشة التداعيات السياسية التي يحملها خطاب الصحوة الإسلامية بالنسبة للنظام. إن استخدام إيران للقوة الناعمة في إطار الصحوة الإسلامية ليس مجرد وسيلة لإبراز قوتها في المنطقة. إنه، وبنفس القدر من الأهمية، وسيلة لدعم النظام المحلي وتمكينه.

ما هي الصحوة الإسلامية؟
إن مصطلح 'الصحوة الإسلامية' ليس بالمصطلح الجديد، بالطبع، في الخطاب الإيراني، وكان مستخدماً عادة لوصف العودة المعاصرة مجدداً للفكر والهوية الإسلامية في العالم الإسلامي. بدأ المصطلح يكتسب رقعة استخدام أوسع من قبل النظام الإيراني، مع ذلك، ورداً على احتجاجات إسلامية ضد ما وصفته بأعمال 'الإسلاموفوبيا' الغربية، كالرسومات الكاريكاتورية الدنماركية العدائية التي تصور النبي والحظر الفرنسي على الحجاب الإسلامي. ففي نوفمبر/ تشرين الثاني 2010، على وجه الخصوص، قبل شهر واحد من بدء الاحتجاجات في تونس، وفي رسالته السنوية إلى حجاج بيت الله الحرام في مكة المكرمة، قال آية الله خامنئي أن 'توسع الصحوة الإسلامية في عالم اليوم،' نتيجة للثورة الإيرانية، 'هي حقيقة تشير إلى مستقبل مشرق للأمة الإسلامية'. وأضاف أن ' الجبهة المناهضة للإسلام، التي حكمت الدول الاسلامية  لقرنين من الزمان واضطهدتها واستغلت مواردها، تشهد هبوطاً في نفوذها. ...وتقدم وتعمق الصحوة الإسلامية [ضدها]. ' بعد ذلك بوقت قصير، في الذكرى الثانية والثلاثين للثورة الإيرانية في فبراير/ شباط 2011 ، وفي حين كانت الاحتجاجات الشعبية تنتشر في أرجاء المنطقة، أعلن خامنئي أن' أحداث اليوم في شمال أفريقيا، مصر، تونس ، وغيرها من البلدان لها معنى آخر، معنى خاص، بالنسبة للأمة الإيرانية. هذا هو ما كان يسمى دائماً بالصحوة الإسلامية .... اليوم، تظهر نفسها '.
منذ هذا الإعلان، وخطاب 'الصحوة الإسلامية' يُنشر بحماس ليس فقط من قبل وسائل الإعلام الإيرانية وإنما أيضاً داخل المعاهد الدينية الإسلامية، المنظمات السياسية، والهيئات الجامعية، وخاصة في أوساط الحرس الثوري الإسلامي. ويعتبر انهيار الأنظمة الموالية للولايات المتحدة بمثابة دليل على القوة الناعمة الإيرانية ويبشر بصعود خطير وهام جداً للإسلام في النظام السياسي في المنطقة. فعلى سبيل المثال، صرَّح يد الله جواني، رئيس المكتب السياسي للحرس الثوري، بأن الديكتاتوريات الموالية للولايات المتحدة قد سقطت في جميع أنحاء المنطقة، وأصبح موقع الولايات المتحدة، إسرائيل، وبقية دول العربية  أكثر خطورة وغير مستقر، في حين كانت قوة ايران تتوسع فحسب.
في مؤتمر دولي حول 'الشباب والصحوة الإسلامية' الذي عقد في طهران في يناير/ كانون الثاني عام 2012، ادعى قاسم سليماني، قائد قوات القدس في الحرس الثوري، أن انتصار حزب الله على إسرائيل في حرب الـ ' 33 يوم' في عام 2006 وانتصار الفلسطينيين في حرب الـ '22 يوم ' في عام 2009 كانا حاسمين لجهة تمكين وتشجيع الحركات الإسلامية في المنطقة. وأضاف أن 'جمهورية إيران الإسلامية لديها القدرة على تنظيم هذه الحركة وتسهيل إنشاء الحكومات الإسلامية التي تكافح ضد' الغطرسة ' (وهي عبارة يستعملها النظام في إشارة الى' القوى الامبريالية الغربية')' عبر الدول العربية المختلفة، كما هو الحال في الأردن. فضلاً عن ذلك، وفي محاولة لتسليط الضوء على التداعيات الإيديولوجية لسلطة الثورة الإيرانية في إثارة الانتفاضات الحالية، عيَّن الإيرانيون ورسموا معالم ما يعتبرونه موجات مختلفة من الصحوة المنبثقة عن مركزها في ايران - بادعاء بعض الأفراد، بمن فيهم محسن رضائي، أمين عام مجلس تشخيص مصلحة النظام، بأن التظاهرات الاقتصادية في أوروبا و'حركة إحتلوا ' في الولايات المتحدة تمثل الموجتين الثانية والثالثة.
لنشر وجهة النظر هذه على نحو فعال، أقامت إيران 'الجمعية العالمية للصحوة الإسلامية' برئاسة علي اكبر ولايتي، وزير الخارجية السابق المؤثر والمنافس المحتمل في الانتخابات الرئاسية 2013. فمنذ بداية الاحتجاجات الإقليمية، قام بتنظيم العديد من المؤتمرات الدولية وورش العمل في كل عام لغرس هذه الرؤية الإسلامية بين المشاركين العرب للتوصل إلى أساس للتعاون الفكري والسياسي في المنطقة. ولم تشجع هذه المنتديات المترددين على التركيز على الطرق الفريدة التي يمكن دمجها في النظام السياسي لدولهم فحسب-  وبالتالي إدراج إيران مباشرة في المناقشات الداخلية التي تجري داخل الأحزاب السياسية الإسلامية في جميع أنحاء العالم العربي- ولكنها عملت أيضاً على أن يجلبوا معهم إلى الأحزاب في أوطانهم فكرة إمكانية سير السياسة الإسلامية مع التنمية المستقلة جنباً إلى جنب وبنجاح. وهكذا، يتوضح إنجاز إيران في مجالات مثل إنتاج أعلى معدل للنمو العلمي في العالم، والنجاح في استيعاب المرأة في التعليم العالي. وبالإمكان التصور بأن البرنامج النووي الإيراني يلعب  دوره على نحو فعال في تعزيز الصورة لدولة إسلامية قوية ومستقلة.
مع ذلك، وعلى عكس ما يفترض عادة، لا ترتبط  رواية إيران للصحوة الإسلامية وتعزيزها لحكومة إسلامية بنموذج الدولة الإيرانية - أو بأي نموذج مؤسساتي محدد، بما يخص هذه المسألة. وهكذا، فقد أشار خامنئي، في المؤتمر الدولي الأول للصحوة الإسلامية الذي عقد في طهران في سبتمبر/ أيلول 2011، حضره أكثر من 700 مندوب من 84 بلداً، قائلاً أن 'بناء النظام مهمتكم المحورية والرئيسة؛ إنها مسألة معقدة وصعبة'، لكنها مسألة ' يمكن أن تتحقق من خلال أساليب وأشكال مختلفة اعتماداً على الظروف الخاصة التي توجد عبر مختلف البلدان.' مشدداً على العديد من المسارات التي يمكن اتخاذها من أجل تحقيق هدف بناء الدولة الإسلامية في موضوع كان قد أكد عليه مراراً وتكراراً، أشار خامنئي إلى أنه لا يوجد نموذج واحد للمحاكاة، بل استمر يقول بأن على الإسلاميين العرب المشاركة في تطوير أساليب جديدة للحكم الإسلامي من شأنه أن يكون مناسباً لسياقاته المحلية. لكن لابد أن تكون أساليبهم مبنية على  رؤية واحدة، فقال مشدداً: 'إن الهدف النهائي يجب أن يكون أمة إسلامية موحدة وإنشاء حضارة إسلامية جديدة على أساس الدين، العقلانية، العلم، والأخلاق.' فضلاً عن ذلك، حذر خامنئي بشدة الوفود الاجنبية من 'عدم السماح لنماذج علمانية، أو ليبرالية غربية، أو قومية متطرفة، أو يسارية ماركسية من أن تُفرض عليك.'
نظراً لهذه الرؤية حول مجتمع إسلامي متحد، من الجدير بالذكر أن الخطاب الإيراني لا يميز ولا يفرق بين المذهبين الشيعي والسني في الإسلام. في الواقع، لقد قال النظام مراراً وتكراراً بأن أي نزاع بين المجموعتين نابع من المؤامرات الخارجية التي تسعى إلى زرع الفتنة والانقسام داخل العالم الإسلامي. إن تخوف إيران من انحراف مذهبي محتمل، يعود جزئياً ،بطبيعة الحال، إلى كون الشيعة أقلية دينية في العالم الإسلامي، ونتيجة لذلك سعى النظام الإسلامي بجهد دائماً إلى إزالة أي مصادر محتملة للتوتر بين المذهبين. ففي أكتوبر/ تشرين أول 2010، على سبيل المثال، وفي خطوة اشاد بها أحمد الطيب، شيخ الأزهر في مصر، نهى آية الله خامنئي الشيعة عن توجيه أية إهانة للصحابة وزوجات النبي الذين يحترمهم السنة. وقد أصدر خامنئي الفتوى بعد قيام رجل دين كويتي شيعي بإهانة عائشة إحدى زوجات النبي.
لذا، إن رواية الصحوة الإسلامية تعمل كرؤية استراتيجية لإيران تصلها بالعالم الإسلامي وذلك لإرشاده إلى ما يتعدى النماذج الغربية للحكم ونحو إعادة تأكيد الفكر الإسلامي في الساحة العامة. إذ ينبغي على المسلمين، وفقاً لهذه الرواية، وضع النظريات حول كيفية بناء نظام سياسي إسلامي عادل وتجربته ضمن سياقات محلية. وبالتالي، تنشر إيران قوتها الناعمة - وتوسع شبكاتها الرعائية- عن طريق توفير شبكات الدعم للإسلاميين العرب الساعين لبناء دول إسلامية دون مطالبتهم بمحاكاة بنىً محددة للنظام الإيراني. كما يوفر اعترافاً بمعارضي أهداف السياسة الأمريكية في المنطقة ومنبراً لهم، وبالتالي تعزيز التقدم لأهداف أكبر للسياسة الخارجية الإيرانية. حتى الآن، وكما أكد خامنئي في كثير من الأحيان في مناسبات أخرى، يمثل إنشاء حضارة إسلامية دولية- غير الموجودة حالياً في العالم - قمة الرؤية الثورية الخاصة بإيران. نتيجة لذلك، لا يعزز خطاب الصحوة الإسلامية تقدم أهداف السياسة الخارجية الإيرانية فحسب، إنما، وبنفس القدر من الأهمية، يعزز وينعش فكرها الإيديولوجي أيضاً -  موضوع  ستتم مناقشته بشكل كامل في القسم التالي.

السياق الإيديولوجي المحلي لإيران
بينما تشدد الرواية الإيرانية للصحوة الإسلامية على التطورات السياسية التي حدثت خارج حدود إيران، فإنها مع ذلك بالأساس متجذرة في السياق الإيديولوجي المحلي نفسه للجمهورية الإسلامية وفي مصلحة النظام في إستعراض 'القوة الناعمة'. على هذا النحو، ينبغي تحليل أهمية هذه الرواية من منظورين مختلفين، لكنهما مع ذلك متصليْن. الأول في سياق 'الحرب الناعمة'، وهو الصراع الأيديولوجي الجاري الذي يرى النظام نفسه منخرطاً فيه. والمنظور الثاني موجود في التاريخ الأوسع للنظام  في تركيزه على أسلمة العلوم الاجتماعية. فمنذ قيام الثورة الإسلامية، أكدت إيران على تطوير نماذج للحكم والمجتمع بديلة لتلك التي في الغرب وللعلوم الاجتماعية الحديثة، وذلك على أساس الفكر الإسلامي. وفقاً لذلك، يبحث هذا القسم في كيفية كون رواية الصحوة الإسلامية تشكل تطوراً منطقياً لكل منظور من المنظورين.

'الحرب الناعمة'
عند اندلاع الانتفاضات الإقليمية في عام 2011، كان النظام الإيراني منخرطاً أساساً في حملة إيديولوجية بالغة الشدة والتي  يشار إليها  بـ'الحرب الناعمة'. تمثل الحملة مخاوف إيران المتنامية من التهديدات ' الناعمة' لحكمها، كما ظهر من خلال التعبئة الشعبية التي وقعت في أعقاب الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها في يونيو/ حزيران 2009. فالحركة الخضراء بقيادة مرشح معارضة مير حسين موسوي، لم تنتج أكبر احتجاجات شهدتها البلاد منذ الثورة فحسب، وإنما غذت أيضا درجة غير مسبوقة من الخلافات داخل النخبة الحاكمة حول طبيعة النظام الإسلامي.
ورداً على هذه التطورات، وبعد بضعة أشهر من انتخابات عام 2009، ألقى آية الله خامنئي خطاباً أمام نخبة من طلاب الجامعات معلناً ان إيران في خضم 'حرب ناعمة':

اليوم، تواجه الجمهورية الإسلامية والنظام الإسلامي  حرباً ضخمة، ولكنها حرباً ناعمة .... الآن، وفي الحرب الناعمة، من الذي يجب أن يأتي إلى الساحة؟ بالتأكيد الطلاب المفكرون الموهوبون، وهذا يعني أنكم ضباط الجبهة الشباب الذين يواجهون الحرب الناعمة .... والهدف واضح: الهدف هو الدفاع عن النظام الإسلامي والجمهورية الإسلامية في مواجهة حركة شاملة تعتمد على القوة والخداع والمال وعلى قدرات وسائل الإعلام الضخمة والمتقدمة علمياً. يجب التصدي لهذا التيار الشيطاني.
في حين ذكر خامنئي سابقاً مصطلحات مثل 'الغزو الناعم'، 'التهديدات الناعمة'، وحتى 'الإطاحة الناعمة'، كانت تلك المرة الأولى التي يستخدم فيها مصطلح 'الحرب'.  وفي خضم الاحتجاجات الواسعة التي قامت بها 'الحركة الخضراء'، والتي كان ينظر إليها  كثير من المتشددين على أنها محاولة انقلاب يقودها الغرب، أشار إعلان المرشد الأعلى إلى مستوى الصراع الفكري والأيديولوجي العالي الذي من المقرر أن يواجهه النظام – والذي وصفه بأنه لا يقل أهمية عن حرب إيران والعراق نفسها.
مع ذلك، تمتد الحرب الناعمة، إلى أبعد من التحدي الذي تشكله المظاهرات الخضراء. وفي الآونة الأخيرة، وفيما يتعلق بالمواجهة النووية الحالية، أعلن خامنئي في اجتماع له مع طلاب الجامعات أن الهدف من الحرب الناعمة 'هو ما في قلبك، في ذهنك، في دماغك – ما يعني إرادتك. فالعدو يريد أن يغير إرادتك'. بمعنى آخر، تمثل الحرب الناعمة أحدث إطار إيديولوجي يستخدمه النظام لتحليل التهديدات والفرص التي تواجهه بما يتعلق بمجموعة متنوعة من القضايا. فضلاً عن ذلك، لم تبق هذه الأفكار على مستوى الخطاب والمصطلحات السياسية فحسب. ومؤخراً فقط ، أعلنت هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة أنه تم إنشاء 'طاقم بروباغندا الدفاع ' (تبليغات دفاعي ـ اعلان الدفاع)، وقاعدة الحرب الناعمة (نرم جنك - حرب ناعمة) ومعاهد الأبحاث المكرسة للتلفزيون والسينما.
في هذا السياق، أصبحت الاحتجاجات والاضطرابات السياسية التي اندلعت في العالم العربي في عام 2011 مصدراً للخلاف الإيديولوجي داخل إيران، وهذا طبيعي. فالعديد من أنصار الحركة الخضراء، على سبيل المثال، ينظرون إلى الظاهرة على أنها استمرارية لمظاهراتهم ضد النظام الإيراني. ومع بدء الاحتجاجات، أعلن مير حسين موسوي:
قد تكون نقطة انطلاق ما نشهده الآن في شوارع تونس وصنعاء والقاهرة والإسكندرية، والسويس تعود بلا شك إلى أيام 15، 18 و 20 يونيو/ حزيران 2009، عندما خرج الناس الى شوارع طهران بالملايين وهم يهتفون 'أين صوتي؟' وطالبوا، سلمياً، استعادة حقوقهم التي حرموا منها.
لذا فقد أصبح تأطير الانتفاضات الإقليمية ، بنجاح، مسألة استيراد سياسي على الساحة المحلية. فإذا كان ينظر إلى الانتفاضات على أنها مشابهة للمظاهرات الخضراء، عندها سيتم اضعاف النظام الإيراني ويكون في موقع دفاعي: ضعف النظام الإيراني وضعه في موقف دفاعي: مهدد بنزع الشرعية لكونه مرتبط بديكتاتوريات عربية.
على النقيض من ذلك، إذا كان يعتقد أن الانتفاضات العربية هي انعكاس لاتجاهات إسلامية أوسع في المنطقة واستمراراً للثورة الإسلامية في إيران، عندها تكون الجمهورية الاسلامية أكثر تمكيناً محلياً: سيُنظر إلى النظام على أنه إلى الجانب الأيمن من التاريخ، ومتماشياً مع مسار مستقبل الشرق الأوسط. لذا، وفي سياق الحرب الناعمة،، قدمت رواية الصحوة الإسلامية لإيران فرصة لتلوح بإيديولوجيتها، والاشارة حتى إلى نجاح نظام حكمها، ومكافحة الصلة الاستراتيجية الأميركية بما يتعلق بالتطورات في المنطقة. كما سمحت للنظام أيضاً بالتحول إلى الخارج بنجاح، نحو بيئتها الخارجية، وفي الوقت المناسب، بعد انتخابات عام 2009، التي ركز فيها عن كثب على مسرحه السياسي المحلي- تحويل الانتباه والنقاش الأمر الذي وفر الراحة التي تحتاجها بشدة الجمهورية الاسلامية. بعبارة أخرى،لقد حصلت إيران على فرصة لدفع الحرب الناعمة عن حدودها إلى ملعب الشرق الأوسط  الكبير - وسعت منذ ذلك الحين الى اللعب وفق قوانينها الخاصة بما يتعلق بالتطورات الإقليمية.
 مع ذلك، فإن إحدى الساحات الخارجية في هذا النزاع، في شكليه الناعم والشديد، أي سوريا، كان تحدياً من نوع خاص بالنسبة لإيران. إن تصوير إيران للانتفاضة السورية يختلف بشكل ملحوظ عن رسمها لصورة التحركات الإقليمية الأخرى. فبدلا من رؤية الثورة كعنصر من عناصر صحوة إسلامية أكبر - على الرغم من  اشتمال خصوم الرئيس بشار الأسد على إسلاميين بشكل بارز-  تقدم إيران النزاع على أنه مؤامرة خارجية لتقويض سوريا كدولة محورية في محور المقاومة الإسلامية المشترك، في إشارة إلى شراكة وثيقة بين إيران حزب الله وسوريا وحماس في المنطقة. من هذا المنظور، تبرر إيران صراحة دعمها الكامل لسوريا على أساس أن انهيار النظام من شأنه أن يشكل خسارة استراتيجية للبلد. في كل الأحوال، وحيث أن مثل هذا السيناريو ربما يتحقق، فقد تم التقليل من أهميته، مع ذلك، بشكل كبير في الخطاب الإيراني.
ومن المثير للاهتمام، أن ايران كانت صامتة أيضاً إلى حد كبير بخصوص تأثير الصراع السوري على حزب الله في لبنان، فضلا عن قرار حماس بنقل مقرها من دمشق. الجدير بالذكر أيضاً، هو أن الدعم الإيراني للنظام السوري، سواء في الحاضر والماضي، لم يكن مبرراً أو مؤطراً على أسس طائفية، لحساب الجذور العلوية للنظام السوري. وعلى عكس ما هو مفترض اليوم على نحو شائع، يعتبر الإيرانيون بأن الروابط الإيرانية- السورية تشكل شراكة عابرة للطائفية وليس شراكة تعاون ديني .

أسلمة العلوم الاجتماعية
مع ذلك، تعتبر رواية الصحوة الإسلامية  أكثر بكثير من مجرد معركة لتأطير التحولات السياسية الجارية في المنطقة. والأهم من ذلك أنها مرتبطة بفلسفة النظام نفسها ومهمته اللتان طورهما النظام لنفسه بشكل منهجي منذ قيام الثورة. لم يقدم آية الله روح الله الخميني، مؤسس جمهورية إيران الإسلامية، الإسلام على أنه مجرد مسألة إيمان شخصي، بل قدمه، وهذا هو الأهم، على أنه أيديولوجية شاملة ومنظومة فكرية تقف على قدم المساواة مع الليبرالية الغربية والماركسية الشرقية - وتتفوق عليهما. وهذا الفكر ليس فقط بمثابة أساس هام لمصلحة إيران في توسيع قوتها الناعمة، وإنما له صلة كبيرة جداً بخلق أنظمة بديلة للحكم ومجتمع قائم على الفكر الإسلامي. لقد سعى المفكرون الثوريون بدءاً من علي شريعت وصولاً إلى مرتضى مطهري وآية الله الخميني للاستيلاء على 'قلوب وعقول' الشعب الإيراني في نضاله ضد الشاه- وإقناعهم بالإمكانات غير المصقولة للإسلام لتكون بمثابة مبدأ أساسي من مبادئ السياسية النظام وكمحور للعلوم الاجتماعية على نطاق أوسع.
بدأ النظام الإسلامي المنشئ حديثاً إضفاء الطابع المؤسساتي على هذه الرؤية في المجالين الثقافي والعلمي عن طريق ما كان يسمى بـ 'الثورة الثقافية' (انقلاب فرهنكي ـ ثقافة الثورة). وأُغلقت الجامعات في أنحاء إيران لمدة ثلاث سنوات في أوائل الثمانينات من أجل أسلمتها؛ وبعد إعادة فتحها، حصل تطهير منهجي للجامعات من عدد من أساتذة الجامعات، وتم تغيير بعض المناهج لإدماج الصفوف الإسلامية. مع ذلك، وعلى الرغم من هذه التغييرات، إلا أن محتوى العلوم الاجتماعية الحديثة نفسه لم يتغير إلا بشكل طفيف؛ فالنظام لم يكن ناجحاً في أسلمة العلوم الاجتماعية واحتفظ بالنصوص الحديثة والنظريات التأسيسية الغربية بشكل افتراضي. وفقاً لذلك، لم يتم تطوير بدائل إسلامية كبيرة وهامة في أي من التخصصات في العلوم الاجتماعية، مثل الاقتصاد، علم الاجتماع، أو العلوم السياسية. وتحولت 'الثورة الثقافية' الإيرانية لتصبح كبحاً للجامعات على أساس معيار الولاء السياسي للجمهورية الإسلامية أكثر منها  طرح نظريات ونماذج بديلة عميقة لبناء مجتمع حديث يعتمد على الفكر الإسلامي.
بقيت بعد ذلك  ظل تركيز النظام على العلوم الاجتماعية في حده الأدنى لسنوات عديدة، حتى مطلع القرن الجديد. في عام 2001، أعاد آية الله خامنئي تركيز الاهتمام السياسي الرسمي على قضية العلوم الاجتماعية من خلال الإعلان عن انطلاقة تحرك جديد هو: 'حركة البرمجيات'. وتشير 'برمجيات' الجمهورية الإسلامية، وعلى النقيض من 'الأجهزة'، إلى الأفكار البرامجية والمذاهب وفقاً لبناء وادارة نظام حاكم. وفي خطاب ألقاه أمام الطلاب والأساتذة من جامعة أمير كبير للتكنولوجيا في طهران، قدم آية الله خامنئي أهداف هذه الحركة الجديدة:
يجب أن تكون الجامعة قادرة على منح البلد والأمة حركة برمجيات عميقة وشاملة تماماً، بحيث يمكن للأفراد ...، مع هذه الاقتراحات وأطر العمل المحلية الأصلية والابتكارات العلمية، بناء الهيكل الحقيقي لمجتمع متطور وعادل على أساس الأفكار والقيم الإسلامية.
وبعبارة أخرى، فإن الغرض من البرنامج هو حركة لصياغة الأفكار النظرية، سواء الفلسفية أم العلمية-الاجتماعية، اللازمة للانخراط في  'بناء النظام' (نظام سازي- بناء نظام) وبناء النظام السياسي الإسلامي الحقيقي.
يبرز التركيز على البرامج النظرية اهتمام المرشد الأعلى الشخصية بالقضايا الأيديولوجية والثقافية، ومساعيه للحد من التهديد الذي يشكله ارتفاع الخطاب الإصلاحي الأكثر ليبرالية وعلمانية الذي كان قد بدأ يتشكل في البلاد. ففي التسعينات، على سبيل المثال، حذر خامنئي من 'الغزو الثقافي' ( تهجم فرهنكي)، إشارة إلى زيادة التغريب والعلمنة للمجتمع الإيراني في فترة ما بعد الحرب بين إيران والعراق. مع ذلك، كانت المعركة ضد الغزو الثقافي، الأقل شمولاً من حركة البرمجيات، عبارة عن اندفاعة قمعية عموماً من قبل قوات الحكومة الإيرانية لتقييد الحيز العام المتاح للاستقلال الفردي والحد منه. وزاد النظام من قوة قواته التأديبية وسلطتها القضائية، وخاصة الباسيج، لقمع السلوك غير الأخلاقي وغير الإسلامي.
إن الواقع، برغم ذلك، هو أن برنامجمكافحة الغزو الثقافي كان بعيداً كل البعد عن النجاح- الواقع  الذي لم يغب عن  رجال الدين كما لاحظوا في انتخاب محمد خاتمي رئيساً للبلاد في عام 1997. واستنتج النظام أنه في حاجة إلى الدفاع عن مواقفه الأيديولوجية وتبريرها بطريقة أكثر تطوراً ضد الحجج الإصلاحية، وعدم الاعتماد بدرجة كبيرة على 'القوة الصارمة' والأساليب القهرية. وتجلى، وبشكل واضح، الاهتمام المتجدد المترتب الممنوح من قبل النظام لرفع مستوى قوته الناعمة في 'حركة البرمجيات.' أما مشاكل الجمهورية الإسلامية، بحسب ما خلص النظام، فلا يمكن حلها إلا من خلال تحويل نفسه حقاً إلى حكومة إسلامية على أساس نظريات إسلامية جديدة.
الأهم من ذلك، ووفقاً لوجهة النظر هذه، هو أن زيادة العلمنة والتغريب من قبل الايرانيين خطأ المؤسسات الحديثة والغربية للجمهورية الإسلامية نفسها وليس نتيجة للتوجهات الثقافية غير الخاطئة للشعب، كما كان مفترضاً في التسعينات. وكان هذا الموقف واضحاً حتى بما يتعلق بالاحتجاجات الخضراء، مع محمد رضا نقدي، رئيس تنظيم الباسيج، مدعياً أن '  جنود التحريض (الفتنة)، في إشارة إلى احتجاجات 2009، قد جرى تدريبهم وتوظيفهم بواسطة العلوم الاجتماعية الغربية في الجامعات '. إذن، ومن وجهة نظر النظام، لا بد من أسلمة العلوم الاجتماعية التي تدرَّس حالياً في الجامعات الإيرانية، والتي تقوم على المفاهيم والنظريات الغربية لضمان أمنه نفسه. وفقاً لذلك، أصبح النظام الجامعي، والعلوم الاجتماعية على وجه الخصوص، الساحة الرئيسة للصراع الناعم مجدداً في مطلع القرن الجديد، وظل كذلك حتى اليوم.
بنيت رواية الصحوة الإسلامية بالتالي، والتي برزت على الساحة بعد عشر سنوات تقريباً من إطلاق 'حركة البرمجيات،' على التطورات الفكرية التصورية وعمقتها والتي اتخذت شكلها وفقا لهذا الخط من التفكير. بعبارة أخرى، فإن التركيز الذي وضعه المرشد الأعلى على 'بناء النظام' منذ الانتفاضات العربية والمؤتمر الدولي الأول للصحوة الإسلامية في سبتمبر/ أيلول 2011  قد عمل على تعزيز الابداعات الفكرية المستمرة ضمن حدود الخطاب الاسلامي الايراني لمواجهة الأفكار العلمانية. إن الجهود المبذولة لأسلمة العلوم الاجتماعية وتطوير  'البرمجيات' الإسلامية لغرض بناء نظام يتجلى الآن في الساحة المحلية لأسلمة النظام السياسي الإيراني وعلى الساحة الإقليمية لإقامة دولة إسلامية في العالم العربي على حد سواء. نتيجة لذلك، وانعكاساً للجذور الفكرية للثورة الإسلامية نفسها، أحيت رواية الصحوة الإسلامية المسار الفكري التصوري الرئيس الذي شكل الفهم الإيراني للقوة الناعمة: على وجه التحديد، بناء نماذج بديلة للحكم على أساس فكر إسلامي يتصدى لمكافحة  نموذج'الليبرالية' و 'الديمقراطية الليبرالية'. بالتالي، لقد عملت الرواية الحالية على تعزيز الأسس الدينية في الجمهورية الإسلامية محلياً - وبالتالي إضعاف موقف منتقديها الإصلاحيين الأكثر ليبرالية- وذلك بربط المهمة الفريدة للنظام كما تطورت تاريخياً مع الظهور المعاصر للإسلاميين العرب الساعين إلى أسلمة المجال السياسي في منطقة الشرق الأوسط.

الآثار المترتبة على رواية إيران العظيمة
إن رواية إيران الإستراتيجية للصحوة الإسلامية ذات صلة ليس فقط لفهم السياسة الخارجية الإيرانية (والشؤون الخارجية للشرق الاوسط عموماً) وإنما، وبنفس القدر من الأهمية، لفهم السياسة الداخلية الإيرانية. والسبب بسيط، وربما متوقع: تأثر تطور الفكر الإسلامي الإيراني حول الصحوة الإسلامية - والقوة الناعمة على نطاق أوسع-  أولاً وقبل كل شيء بالمشهد السياسي المحلي. ولم يكن الحافز على مثل هذا التفكير التنافس الجيوسياسي أو محاولات إيران لـ 'تصدير الثورة'، كما يفترض عادة، بل بسبب ردة فعل المفكرين الدينيين إزاء نظرائهم الإصلاحيين بشأن طبيعة النظام الاسلامي. بالتالي، إن رواية إيران للصحوة الإسلامية أحد عناصر حملة النظام الايديولوجية لدعم الجمهورية الإسلامية ومواجهة خطاب المعارضة بشأن تغيير النظام.
 وفقاً لذلك، إن التصورات الإيرانية للشرق الأوسط ليست مجرد قراءات للأحداث التي تحدث خارج حدود ايران وإنما متجذرة بأساسها في المشهد الإيديولوجي المحلي والسياق الديني الفريد من نوعه. في ضوء ذلك، كان قرار إيران ببناء مثل هذه الرواية قراراً ذكياً جداً سياسياً. لقد حولت تهديداً محتملاً  للنظام إلى 'دليل' على نجاح النظام وفرصة لإبراز قوته الناعمة في الخارج. في الوقت نفسه، ساهمت في تعزيز الخطاب الديني المحلي، حيث أن الرواية تطورت منطقياً من جهود النظام السابقة وصولاً إلى تحديث وصقل أسسها الأيديولوجية.
فضلاً عن ذلك، ونظراً لجذورها التأسيسية، لن تشكل رواية الصحوة الإسلامية، على الأرجح، أجندة مرور أو أجندة عابرة؛ بل من المتوقع أن يكون خطاباً هاماً بحسب تصور إيران وتأطيرها للتطورات الإقليمية في المستقبل المنظور . وعلى الرغم من الخلافات الفئوية التي كانت موجودة ربما حول طبيعة الانتفاضات العربية - الواضحة ليس فقط في تصريحات مير حسين موسوي وإنما أيضاً في تصوير ضمني مشابه لعلي أكبر هاشمي رفسنجاني،  رئيس مجلس تشخيص النظام –  مع ذلك، يتم التمسك بالرواية اليوم عبر الفئات السياسية، على الأقل بما يتعلق بالنخب المدرجة حالياً ضمن النظام. بالتالي، وعند حصول الاحتجاجات الإقليمية على الفيلم القصير (كليب)  'البراءة من المسلمين،' انضم رفسنجاني إلى الجوقة في الخطاب الديني، مصنفاً انتاج الفيلم  في خانة 'المؤامرة' الإسرائيلية والغربية  الناتجة عن 'القلق والخوف' إزاء 'موجة الصحوة الإسلامية'. كما أن تصريحات محسن رضائي المذكورة سابقاً حول موجات الصحوة الإسلامية هي مثال آخر على ذلك. بالتالي، إن خطاب الصحوة الإسلامية لن يتغير، على الأرجح، حتى بعد مغادرة أحمدي نجاد لمنصبه، ولن يعتمد على من يفوز في الانتخابات الرئاسية 2013. لقد أصبح هذا الخطاب موقف النظام الرسمي، بغض النظر عن الخلافات بين الفئات السياسية التي قد تكون موجودة حول سياسات النظام الأخرى المختلفة.
أخيرا، إن التحليلات السياسية التي تفترض وجود تنافس إقليمي بين 'النموذج التركي' و 'النموذج الإيراني' للحكومة تمهد الطريق لحجج هشة- على سبيل المثال، حول ما إذا كان النفوذ الإيراني آخذاً في التناقص في المنطقة حيث أن الأحزاب الإسلامية العربية أكثر اهتماماً في محاكاة النموذج التركي من الإيراني. مثل هذه الآراء تعكس المخاوف الغربية والتصورات فيما يتعلق بالأشكال الممكنة للحكومة الإسلامية الإيرانية أكثر مما تعكس وعياً دقيقاً للأهداف الإيرانية الفعلية للتأثير على الاتجاهات السياسية في المنطقة. إن رغبات ايران الرئيسة هي المساهمة في أسلمة متزايدة للأنظمة السياسية العربية الحاكمة-  مهما كان الشكل أو الصيغة التي تتخذها لنفسها، والمنفصلة عن أي نظام محدد أو نموذج مؤسساتي-  وتشجيع الاستقلال المتزايد للدول العربية بحيث لا تسير على خطى السياسات الأميركية، خاصة تلك التي تنوي عزل إيران إقليمياً. بالتالي، تسعى إيران إلى توظيف روايتها عن الصحوة الإسلامية التي تمتد إلى ما هو أبعد من النموذج الإيراني لصالح توسيع نطاق أعمالها وامتدادها ومتابعة مصالحها في المنطقة بشكل أكثر فعالية.

موقع الخدمات البحثية