مواد أخرى » شبكة استعراض القوة العالمية لإيران: قوات القدس وحزب الله اللبناني(*)


Foreign and Defence Policy
30/  3/ 2013

(*) ويل فولتون ـ شهادة أمام لجنة مجلس النواب للعلاقات الخارجية، اللجنة الفرعية لشؤون الإرهاب، عدم الانتشار، والتجارة
إن جمهورية إيران الإسلامية هاجسها، أولاً وقبل كل شيء، الحفاظ على النظام، وتتأثرحساباتها الإستراتيجية وسلوكها بشدة بهذا الهاجس. لذا من الضروري اعتبار الحملة الإرهابية الإيرانية العالمية ضمن هذا السياق. إن شبكة عرض القوة العالمية لإيران، والتي تشمل قوات حرس الثورة الإسلامية (الحرس الثوري الإيراني) وقوات القدس، حزب الله اللبناني، وكلاء إيران في العراق وغزة، هي، في المقام الأول، قوة ردع وقوة انتقام، وهي ضمن استراتيجية تهدف إلى حماية النظام من التهديدات الخارجية. ومن خلال إظهار القدرة على ضرب المصالح الامريكية والاسرائيلية في أي مكان في العالم، أو خلق تصور لهذه القدرة، يأمل قادة إيران التمكن من درء توجيه ضربة عسكرية ضد بلدهم، أو على الأقل جعلها مكلفة للغاية على اعدائهم.
 كان هذا أحد مكونات التفكير الاستراتيجي الايراني منذ السنوات الأولى من عمر الثورة الإيرانية. ففي عام 1980، وبينما كان النظام لا يزال قاصراً وكان المسؤولون يناقشون توجه السياسة الخارجية الإيرانية، نشر الجهاز الرسمي للحرس الثوري افتتاحية يصف فيها سبب كون شبكة الإرهاب العالمية لإيران أمراً أساسياً لبقاء النظام، وجاء فيها:
من أجل تحقيق الإكتفاء الذاتي الأيديولوجي، السياسي، الأمني، الاقتصادي، ليس لدينا خيار آخر سوى تعبئة جميع القوات الموالية للثورة الإسلامية، ومن خلال هذه التعبئة، نزرع مثل هذا الرعب في قلوب الأعداء بحيث يتخلون عن التفكير بالهجوم والقضاء على ثورتنا .... إذا لم يكن لدى ثورتنا بعد هجومي وأممي، فإن أعداء الإسلام سوف يستعبدوننا ثقافياً وسياسياً، وما شابه ذلك، من جديد، ولن يمتنعوا عن نهبنا وسلبنا.
هذا، في رأيي، تعبير دقيق عن التفكير الاستراتيجي الايراني والذي لا يزال موجوداً حتى اليوم. من أجل فهم النشاط الإرهابي الإيراني العالمي الذي نراه حالياً، من المهم أن نضع في الاعتبار التفكير الاستراتيجي الذي برز منه هذا السلوك.
من الجدير بالذكر أن هذه المشاعر قد عبَّر عنها الحرس الثوري الإيراني، وهو المنظمة المسؤولة، بشكل رئيس وأولي، عن إدارة شبكة عرض القوة الإيرانية على المستوى العالمي.
إن الحرس الثوري منظمة ثورية، إيديولوجية وعسكرية وقوة اقتصادية وسياسية داخل إيران. إن المهمة الأساسية والأولى بحسب الوصف الذاتي للحرس الثوري هي الدفاع عن الثورة الاسلامية في ايران، وبعبارة أخرى، الحفاظ على النظام. ولتحقيق هذه المهمة، يتولى الحرس الثوري الأمن الداخلي، الدفاع والردع التقليديين، جمع المعلومات الاستخبارية الخارجية، والعمليات العسكرية الخارجية.
تتشكل القيادة العليا للحرس الثوري من شبكة أساسية من الأفراد الذين قاموا بتطوير خبراتهم العسكرية المهنية وعلاقاتهم الشخصية الدائمة والقوية خلال حرب الثماني سنوات العراقية- الإيرانية (1980-1988). ويقدم قائد الحرس الثوري اللواء محمد علي جعفري تقاريره إلى المرشد الأعلى الإيراني ويقدم كل قائد من القادة الخمسة في الأجهزة القتالية للحرس الثوري الإسلامي تقاريره مباشرة إلى جعفري، باستثناء واحد. كما يقدم قائد قوات القدس اللواء قاسم سليماني تقاريره مباشرة إلى المرشد الأعلى أيضاً.
هذه النقطة في غاية الأهمية لفهم مدى تواطؤ القيادة العليا الإيرانية في الأنشطة العالمية لقوات القدس، وفهم من هم شركاءها، ووكلاءها. ليس هناك وسيط بين القائد الأعلى وقائد قوات القدس قاسم سليماني. فأي نشاط لقوات القدس ينال، في الأدنى، موافقة ضمنية من المرشد الأعلى.
إن الفكرة بأن عمليات قوات القدس - كمؤامرة 2011 لاغتيال السفير السعودي في الولايات المتحدة في هجوم شامل يوقع عدد كبير من الضحايا في واشنطن - تقوم بها عناصر مارقة من قوات القدس - دون موافقة قاسم سليماني والمرشد الأعلى فكرة محظورة ومحرمة بالنسبة للبنية القيادية للحرس الثوري الإسلامي.
لدى حزب الله اللبناني والحرس الثوري علاقة تاريخية معروفة لا تزال حتى يومنا هذا. فقد نشر الحرس الثوري أحد ألويته في جنوب لبنان في أوائل الثمانينات لإنشاء حزب الله والوقوف إلى جانبه. ومنذ ذلك الوقت قدمت إيران الدعم المالي المستمر والعتاد لحزب الله، وتتجسد الشراكة بينهما في شكل هجمات إرهابية متعددة توقع إصابات جماعية في جميع أنحاء العالم، وفي الاغتيالات المستهدفة، والعمليات العسكرية في بيئات في زمن الحرب. هذا العنصر الأخير من التعاون موثق جيداً ويقدم نظرة ثاقبة عن عمق التعاون بين قوات القدس وحزب الله في عملياتهما. فضلاً عن ذلك، إن أفراد قوات القدس المعروفين بمشاركتهم في هذه عمليات مستمرون بلعب أدوار بارزة كبيرة في شبكة استعراض القوة العالمي لإيران اليوم.
خلال حرب العراق، تعاونت قوات القدس مع حزب الله اللبناني في تدريب، تمويل، وتسليح الجماعات الشيعية المسلحة العراقية، وفي التخطيط وتنفيذ هجمات ضد الولايات المتحدة وقوات التحالف. وفي أحد الأمثلة على ذلك، قام نائب قائد فيلق القدس لوحدة العمليات الخاصة الخارجية، عبد الرضا شاهلاي، إلى جانب أحد كبار العملاء في  حزب الله علي موسى دقدوق، بالتخطيط لهجوم متطور في عام 2007 أسفر عن مقتل خمسة جنود أميركيين في كربلاء، العراق.
ذهب شاهلاي في وقت لاحق للمساعدة في التخطيط وتسهيل مؤامرة 2011 لاغتيال السفير السعودي في الولايات المتحدة في واشنطن، أما دقدوق، الذي كان قد عين في عام 2005 من قبل حزب الله لتنسيق التدريبات للمسلحين العراقيين داخل إيران مع قوات القدس، فقد تم اعتقاله من قبل قوات التحالف في عام 2007. وأطلقت الحكومة العراقية سراحه في عام 2012. وتشير تقارير إلى أن دقدوق قد فر من بغداد إلى لبنان بعد اطلاق سراحه.
أما  القائد الثالث في التسلسل القيادي في قوات القدس، ممثل العمليات والتدريب محسن شيزاري، فقد كان نشطاً في العراق أيضاً. وكان شيزاري من الذين اعتقلتهم القوات الامريكية في بغداد في عام 2006  إلى جانب ضابط آخر في قوات القدس لم يذكر اسمه مع معلومات مفصلة عن استيراد العراق لأسلحة متطورة من إيران. وأطلقت الحكومة العراقية بسرعة سراح شيزاري وشريكه في المؤامرة، مشيرة بذلك إلى الحصانة الدبلوماسية. بعد خمس سنوات، وفي مايو / أيار 2011 ، سمت وزارة الخارجية الامريكية شيزاري، إلى جانب قاسم سليماني قائد قوات القدس، لدورهما في دعم نظام بشار الأسد في سوريا.
إن تورط إيران في سوريا لا يثير للدهشة. إذ تحتفظ ايران بعدد من المصالح الاستراتيجية التي تأثرت بالأزمة الجارية، وقد استلزمت مركزية سوريا بالنسبة لأهداف إيران الإقليمية ضرورة دمج الجهود. إذ لطالما كانت سوريا الدولة والحليف الأقرب لإيران ووفرت لها امكانية وصول حاسمة إلى حزب الله في لبنان، وكذلك إلى حماس في غزة، وحركة الجهاد الاسلامي في الضفة الغربية. وقد استخدمت إيران سوريا كمركز لتمويل ونقل الأفراد، والأسلحة، إلى هذه المجموعات.
علاوة على ذلك، لقد استثمرت إيران في سوريا بصفتها شريكا استراتيجيا وجزءا من استراتيجية الردع لها تجاه إسرائيل وكحليف عربي في التنافس مع تركيا ودول الخليج الفارسي. بالتالي، إن إيران، تقوم بتنفيذ استراتيجية المسار الثاني في سوريا، ببذل الجهود للحفاظ على نظام الأسد لأطول فترة ممكنة والعمل على إنشاء بيئة عمليات متساهلة في سوريا ما بعد الأسد.
أدت هذه الجهود، في المقام الأول، من قبل قوات القدس، إلى نشر كبار أفرادها في سوريا من أجل تسليح، تدريب وتقديم المشورة للعناصر الأمنية لقوات الأسد. وإن اغتيال القائد الكبير في فيلق القدس العميد حسن الشاطري في سوريا الشهر الماضي دليل على النشاط المستمر لقوات القدس الموجه على أعلى المستويات. وقد شملت جهود إيران مشاركة حزب الله اللبناني بصورة متزايدة. فقد تعاون كل من قوات القدس وحزب الله في ضمان مرور شحنات الأسلحة الإيرانية إلى سوريا منذ عام 2012 على الأقل. وتعاونا أيضاً على تدريب القوات الموالية للأسد داخل سوريا.
زاد حزب الله مؤخراً من دوره في القتال المباشر في سوريا. فقد شنت قوات حزب الله هجوماً في فبراير/ شباط 2013 بالتنسيق مع قوات الأسد ضد القرى التي يسيطر عليها المتمردون القريبة من القصير في سوريا. وفي يناير/ كانون الثاني 2013 كشفت ضربة اسرائيلية على قافلة عسكرية تنقل صواريخ SA-17 المضادة للطائرات عن أن المنظمة كانت تعمل على نقل أسلحة أكثر تطوراً من سوريا الى لبنان. كما أن ظهور لواء أبو الفضل العباس في سوريا، وهي مجموعة من المقاتلين السوريين والأجانب الشيعة، بمن فيهم أعضاء في حزب الله والميليشيات العراقية الرامين إلى حماية مزار السيدة زينب الذي يؤمه الشيعة زينب والمنطقة المحيطة به في دمشق، يمكن أن يوفر سبيلاً آخر لإيران وقوات القدس لمساعدة الأسد عسكرياً كما يؤثر في الصراع بعد إنهيار النظام.
يعكس مدى تورط إيران وحزب الله في سوريا مركزية سوريا بالنسبة لكليهما. إن خسارة سوريا كدولة حليفة سيكون له تأثير بالغ على قدرة إيران على ردع إسرائيل، وعلى استعراض القوة في بلاد الشام، إضافة إلى الامدادات التي توفرها لوكلائها.

قد تحقق إيران بعض النجاح مع هذه الاستراتيجية ذات المسارين، إطالة أمد الصراع وتهيئة الظروف بحيث يمكنها الاحتفاظ ببعض القدرات التشغيلية لها في بلاد الشام. مع ذلك، إن فقدان سوريا كدولة حليفة، سوف يحد وبصورة كبيرة، من العمق الاستراتيجي لإيران. إذ لا يمكن لدولة علوية رديفة أن توفر لإيران نفس المستوى من الردع، أو الدعم السياسي والاقتصادي كما تفعل سوريا الاسد. فضلاً عن ذلك، لا يمكن لقيام دولة علوية رديفة أن تستمر إلى أجل غير مسمى. ولن تقدم جهود إيران في هذا الصدد إلا حلاً مؤقتاً لمشكلة أكبر بكثير.
إن إيران تدرك، بالتأكيد، أن خسارتها لسوريا سوف تقلل بشكل ملحوظ قدرتها على استعراض القوة في بلاد الشام وقد خططت لمثل هذه الحالة الطارئة. ومن أجل التعويض عن هذه الخسارة ومواصلة تقديم قوة الردع الفعال، قد تبدو إيران أنها تعمل على توسيع أنشطتها في بلدان ومناطق أخرى. وتشير عملية الاعتراض في وقت سابق من هذا الشهر لشحنة أسلحة إيرانية متطورة تحتوي على صواريخ مضادة للطائرات صينية الصنع، وعلى كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر والمواد المتفجرة التي كانت متجهة إلى المتمردين الحوثيين في اليمن، تشير إلى أن إيران قد صعَّدت، في منطقة واحدة على الأقل، من دعمها للمتشددين في مكان آخر.
إن التصعيد الأخير في النشاط العالمي لقوات القدس على مدى العامين الماضيين، بما في ذلك المؤامرة لتنفيذ هجوم شامل يوقع عدد كبير من الضحايا في واشنطن، عبارة عن خليط من الفشل والنجاح في مخططاتها الإرهابية ضد المصالح الإسرائيلية في جورجيا، الهند، وأذربيجان، إضافة إلى أن خططاً لتنفيذ هجمات في البحرين، كينيا، ونيجيريا، تشير إلى أن إيران تزيد من تفعيل شبكتها لاستعراض قوتها العالمية. هذا على الارجح مجهود من جانب إيران لإثبات أن لديها، في الواقع، قوة ردع وقوة انتقامية قوية. وحيث إن الصراع في سوريا يمتد، وحيث إن دمشق بدأت تفلت من سيطرة الأسد، وأصبحت إيران ترى عمقها الاستراتيجي يتآكل باستمرار، فإن من المرجح أن نشهد ليس فقط تزايداً في النشاط العسكري الإيراني في سوريا وإنما استراتيجية إقليمية وعالمية إيرانية أكثر خطورة .

موقع الخدمات البحثية