مواد أخرى » الردود الروسية المحتملة على هجوم على إيران

زيفي ماغن
INSS Insight No.327
17 نيسان، 2012


بينما يشتد النشاط  الدولي المحيط بالبرنامج النووي الإيراني، يبدو أن مسألة الحرب المحتملة على إيران تحتل مركز الصدارة في جدول أعمال روسيا أيضاً. وهناك أدلة على النشاط الدبلوماسي المتزايد، إلى جانب الاستعدادات العسكرية، وجدل عام واسع يعكس الاختلافات في الرأي داخل المؤسسة الروسية.
على الصعيدين الدبلوماسي والسياسي، كان هناك نشاط واسع لروسيا استغرق بعض الوقت، لكن الوتيرة تتسارع لتتناسب مع تزايد الضغوط الدولية. وسط ذلك، شهد الموقف الروسي من البرنامج النووي الإيراني تبدلات عديدة، خاصة منذ نشر تقرير الوكالة الأخير. فلو أن روسيا، قبل تم نشر التقرير، رفضت الاعتراف بوجود البرنامج الإيراني، فإن الموقف الحالي  هوعلى النحو التالي: روسيا تنظر إلى البرنامج النووي نظرة سلبية وتعتبره تهديداً للنظام الدولي وروسيا نفسها، لكن لا يوجد حتى الآن دليل واضح لا لبس فيه على وجود مثل هذا البرنامج (على الرغم من قول البعض ان إيران في طريقها فعلاً لأن تصبح دولة عتبة أو قد أصبحت كذلك فعلاً في الواقع ). يجب على المجتمع الدولي العمل على احتواء البرنامج، لكن ليس عن طريق العقوبات، التي تعتبر غير فعالة ولن تحقق هدفها على أية حال؛ وأنه، بطبيعة الحال، لا ينبغي أن يكون هناك عمل عسكري، الذي يعتبر كارثة وينطوي على  بذور التدمير، على صعيد المنطقة والعالم، على حد سواء. الحل الوحيد هو الدبلوماسية. وتدعم روسيا حالياً اجراء مفاوضات بين المجتمع الدولي وإيران، مع تعاون روسيا والغرب في هذا المسعى. وترى روسيا أن لديها قدرة مؤكدة للتأثير على إيران، ومن المرجح أن روسيا تتوقع ترجمة ذلك في نقاط على شكل مكافآت لها في الساحة الدولية. في الواقع، من المتوقع  أن تقوم روسيا بدور ناشط في محادثات مجموعة 5 +1 المقبلة.
هذا على الصعيد الدبلوماسي. وبالتوازي مع ذلك، هناك أصوات روسية ـ  ينبغي القول إنها أصوات موثوقة إلى حد ما- تؤكد على أن الهجوم على إيران أمر محسوم بالفعل وبأنه سيتم في غضون الأشهر القليلة المقبلة. ويحدد البعض وجود نية أمريكية لبدء حرب شاملة ضد إيران، حتى ولو نفذت إسرائيل الهجوم. ويُفهم هذا على أنه تهديد لمصالح روسيا لأنه هجوم على بلد حليف لروسيا وعلى عضو في محور سياسي برئاسة روسيا. فضلاً عن ذلك، يمكن توقع امتداد مثل هذه الحرب إلى خارج حدود إيران لتطال مجال المصالح الجيوسياسية لروسيا، وخاصة منطقة القوقاز، وجر دول إقليمية أخرى إلى الصراع. فالمشكلة على وجه التحديد هي أذربيجان وجورجيا، اللتان تمثلان، معاً، أحد مكونات محور استراتيجي غربي (ومن المعتاد ذكر إسرائيل أيضاً في هذا السياق) يمنع وصول روسيا إلى منطقة الجنوب، فضلاً عن القدرة على الوصول إلى الحدود الإيرانية. أما أرمينيا فتقع إلى الجنوب هي الأخرى وتتمثل بكونها عضوا في المحور الروسي ـ الإيراني؛ وتنتشر حالياً وحدات من الجيش الروسي هناك.
في هذا الإطار يسمع المرء أيضاً بسيناريو يمكن من خلاله توقع حدوث صراع بين هذه الدول القوقازية (تراكمت أسباب عدة لذلك في السنوات الأخيرة)، والذي سيضطر روسيا لأن تشارك به وتشق طريقها جنوباً، عبر أراضيها، من أجل تقديم العون لحليفيْها - أرمينيا وإيران. أكثرمن ذلك، لقد ترددت أصداء تحذيرات من جهات عديدة، لبعض الوقت، حول تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين الذين من شأنهم، ولسبب ما، أن يفروا من إيران باتجاه الشمال بظل هجوم على القوقاز وروسيا نفسها في نهاية المطاف نفسه. حتى لو كان هذا السيناريو الأخير مشكوكا به إلى حد كبير، فإنه أصبح مبرراً كبيراً (بروباغندا) للاستعدادات العسكرية الروسية في المنطقة.
لم يظل الموضوع نظرياً تماماً، فقد أعدت روسيا العدة تماماً، خلال الأشهر الأخيرة، ومن الناحية العملية، لحرب من هذا القبيل. وهذا يشمل صياغة حلول عملية ولوجستية لتحضير المنطقة الإقليمية جنوب روسيا عبر تدريبات للموظفين والجنود بما في ذلك حرب ABC ، تحسبا لمواجهة محتملة. ويجري تعزيز ودعم القوات المنتشرة على الجانب الآخر من ساحة الصراع المحتملة ـ والتي من المفترض أن تشمل مناطق خارج القوقاز، بما في ذلك مناطق بحر قزوين، البحر الأسود، والبحر الأبيض المتوسط . كما أن التوتر الروسي- التركي وثيق الصلة بهذا السياق أيضاً، حيث إن تركيا عرضة لأن تصبح عدواً ناشطاً لروسيا. الجدير بالذكر أيضا هو نشاط  سلاح البحرية الروسية في الجزء الشرقي من البحر الأبيض المتوسط، الذي ينطوي على حصول احتكاك مع الأتراك في مياه قبرص، والوجود الثابت عبر ساحل سوريا، حليفة روسيا في نفس المحور (وسلوك روسيا بشأن المسألة السورية خلال العام الماضي يدخل في هذا الحساب أيضاً).
 كل ما سبق وذكر أعلاه قد بدأ يظهر إلى السطح  مؤخراً ، وفي نفس الوقت يبدو بأن هناك نوع من النقاش في روسيا حول ملف إيران بين كبار السياسيين، العسكريين، والأكاديميين. بصفة عامة، يمكن للمرء أن يميز معسكرين في هذا النقاش: المعسكر الداعم للحرب، ويبث شعارات مناهضة للغرب، ويدعو إلى العنف بغرض تطوير المصالح الروسية الإقليمية والعالمية في الوقت الذي تستغل فيه روسيا الوضع لحل القضايا الجيوسياسية الثانوية في كل من القوقاز والشرق الأوسط. ويدعو البعض الآخر إلى إزالة التهديد عن ايران، حليفة روسيا، عن طريق تقويض العقوبات، تعزيز تحالف مناهض للغرب، والتهديد حتى باستخدام الأسلحة الاستراتيجية. وهناك حتى قلة ممن ينظرون إلى رغبة ايران بالحصول على الأسلحة النووية نظرة إيجابية - كوسيلة لزيادة الاستقرار في المنطقة.
من ناحية أخرى، هناك شخصيات أكاديمية وعامة معارضة بشدة لقرع طبول الحرب. هناك عناصر مدركة ومميزة راغبة  برؤية حرب تندلع في إيران والتي تشمل روسيا، ويحذر هذا المعسكر من تداعيات مدمرة لهذا السيناريو ويدعو لتطلعات دولية روسية أكثر تواضعاً، مع اتخاذ روسيا موقفاً حازماً في المجتمع الدولي، وعملها  بصورة متضافرة مع الدول الأخرى لاحتواء برنامج إيران النووي، سواء من خلال الحوار أو عبر تطبيق الضغط الدولي المنسق.
وهكذا أُحدث انطباع بأن ليس لدى روسيا، حتى الآن، موقف واضح ولا لبس فيه، على الأقل خارجيا، حول كيفية الرد إذا ما تعرضت إيران لهجوم ما. وتعكس الخلافات الداخلية التردد الموجود والطموحات المختلفة. مع ذلك، تبدو التحضيرات لرد عسكري على هجوم على إيران حقيقية بما فيه الكفاية. في الوقت نفسه، يبدو أن روسيا غير راغبة برؤية تدخل عسكري مباشر على الاراضي الايرانية، إنما ستتعامل مع أحد هذين السيناريوهين:
أ‌. السيناريو الأول يقصد منه  استعراض القوة، ربما عن طريق تحريك وحدات عسكرية إلى الحدود الإيرانية أو عبر رفع العلم في جميع أنحاء مناطق البحر الأسود، بحر قزوين، والبحر الأبيض المتوسط البحار، مع الاستفادة من الخطاب الجريء من أجل كسب النقاط على الساحة الدولية (ويكفي ان نتذكر حاجة روسيا للتعافي من الأضرار التي تكبدها بسبب الربيع العربي).
ب‌. في السيناريو الثاني، يمكن لروسيا استغلال الهجوم على إيران – إذا ما  سنحت الظروف الملائمة - لتعزيز مصالحها الجيوسياسية في القوقاز، في الوقت الذي تتجه فيه نحو أذربيجان وجورجيا لمساعدة حلفائها، وحل المشاكل الإنسانية ( كتدفق اللاجئين)، والانخراط  في أنشطة مماثلة.
على أية حال، يبدو أن روسيا تواجه معضلة يوجد حولها الآن جدل مشحون، معضلة تترتب عليها آثار وعواقب على جميع الأطراف المعنية.

موقع الخدمات البحثية