مواد أخرى » هل تتوصل الولايات المتحدة وروسيا إلى تفاهمات حول سوريا؟

زيفي ماغن
INSS Insight No. 410
7 آذار، 2013


شهدت الأسابيع الأخيرة سلسلة من الاتصالات المكثفة على الساحة الدولية حول الأزمة السورية، بما في ذلك الاجتماعات بين مسؤولين غربيين والمعارضة السورية؛ الاتصالات  السورية مع النظام السوري (بما فيه الزيارة التي قام بها وزير الخارجية السوري المعلم لروسيا) ومع قادة المعارضة السورية، وسلسلة من الاتصالات الروسية- الأميركية الرفيعة المستوى، بما في ذلك لقاء بين وزير الخارجية الروسي لافروف ووزير الخارجية الامريكية جون كيري. أما الرئيسان بوتين وأوباما، اللذان تحدثا هاتفياً في الفترة الاخيرة، فمن المتوقع أن يجتمعا في المستقبل القريب.   بالإضافة إلى ذلك، تم نشر رسائل في الآونة الأخيرة مفادها أن كلا الجانبين يعملان على تشجيع التوصل إلى تسوية في سوريا، وهناك قرارات جديدة حول تعاون أميركي محدود مع المعارضة السورية.
ظلت الحالة على أرض الواقع في سوريا دون تغيير إلى حد كبير، وعلى الرغم من التبادل المستمر للضربات، فإن الوضع يتصف بالجمود. في نفس الوقت ، هناك دلائل واضحة على تغيرات معينة  في المزاج، مع توقعات متزايدة حول زيادة التدخل الخارجي لإيجاد حل.
في غضون ذلك، استمرت روسيا في سياستها المألوفة  بتقديم المساعدات السياسية والعسكرية لنظام الأسد، وإن كانت تتحكم بها. ومع ضم جهودها في الأسابيع الأخيرة لممارسة نفوذها وتأثيرها من خلال عزل مسرح العمليات السوري، قامت روسيا بانتشار كبير لوجودها البحري على طول الساحل السوري، مترافقاً مع رسائل مفادها أن هذا انتشار دائم يوضح نوايا روسيا على المدى الطويل في الشرق الأوسط. ولا تدعم روسيا النظام السوري فحسب، وإنما أيضا المحور الشيعي بشكل عام (إيران، سوريا، حزب الله) تبتغي بذلك  الوقوف سداً أمام التحدي السني،الذي بحسب فهم روسيا هو تحد مدعوم من قبل الغرب، ويصطدم مع النظام الشيعي، ويهدد موقع روسيا الإقليمي وربما أمنها القومي أيضاً. إن سياسة روسيا المنفذة في المنطقة على مدى الثمانية عشر شهراً الماضية تهدف إلى استغلال الأزمة السورية لتعزيز أهدافها الإقليمية، تحديداً، تحييد الجهود المبذولة من قبل المحور السني التابع للغرب لاخراج روسيا من الشرق الأوسط، وتعزيز أهدافها العالمية، لتحويل الأزمة السورية  إلى وسيلة للضغط على الولايات المتحدة لتعزيز القضايا الحرجة  بالنسبة لروسيا.
أما حالياً، فقد تدهورت العلاقات، مع ذلك، بين الولايات المتحدة وروسيا مؤخراً، ولم يتبق سوى تفاهمات قليلة ضمن إطار 'إعادة ضبط' السياسة. وتشعر روسيا الآن بتحدي حلف شمال الاطلسي ( الناتو) في مناطق تعتبر جوهرية وأساسية لمصالحها، بما في ذلك رغبة الناتو المتجددة بوضع نظام دفاعي مضاد للصواريخ في أوروبا الشرقية.
مع ذلك، فإن استخدام الرافعة السورية، رغم إثبات فعاليتها في المد بحياة  نظام الأسد، لم ينجح، على الأقل حتى وقت قريب، في تحقيق ما هو مطلوب من التأثير الروسي على السياسة الأميركية في الشرق الأوسط. ويبدو أن هذا وغيره من الاعتبارات وراء النشاط الدولي الروسي الجديد، لا سيما في الشرق الأوسط، والذي يعتبر  بمثابة جهد مكثف لإيجاد حلول جديدة لوضع يزداد تعقيداً. في نفس الوقت، هناك بعض التغييرات الأخيرة الواضحة في السياسة الخارجية الأمريكية، بما في ذلك تجاه سوريا. أما الخلفية لهذه التغييرات فعبارة عن تراكم عدة عوامل ذات صلة على ما يبدو: إعادة النظر في جوانب السياسة الخارجية للولاية الثانية للرئيس أوباما؛ خيبة الأمل من جراء التطورات السلبية في سوريا، سواء في السياق المباشر للحرب، التي استمرت فترة أطول مما كان متوقعاً، أو بما يتعلق بالتأثير المدمر للتورط الروسي في سوريا وفي أوساط الشيعة بشكل عام، وتحرك المعارضة السورية باتجاه الأسلمة.
من المرجح أن تكون هذه وغيرها من الاعتبارات الناشئة وراء جولة جديدة من الاتصالات بين الولايات المتحدة وروسيا. إن سلسلة  الاجتماعات الرفيعة المستوى  المذكورة أعلاه ربما تدل على النية الحقيقية لتحقيق تفاهمات بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية بشأن مستقبل النظام السوري. في حين أنه ليس هناك تأكيد على أن الطرفان قد توصلا بالفعل إلى تفاهمات نهائية، يبدو أن لهجة الخطابات والإجراءات على أرض الواقع ( كالقرارات الجديدة للولايات المتحدة بشأن المساعدات المراقبة إلى المعارضة السورية، وربما بالتنسيق مع روسيا) تعكس التغييرات في نهجها. وعلى أية حال، لم يعد المسؤولون الروس، حتى وقت قريب، يرفضون احتمال العثور على صيغة تسمح للأسد بالرحيل وتشكيل حكومة جديدة والتي من شأنها أن تدمج عناصر المعارضة والعناصر المعتدلة في النظام الحالي. بالطبع هذا لا يتطلب سوى التفاهم بين روسيا والولايات المتحدة، ولكن أيضاً بين الجهات الفاعلة في سوريا، الذين لديهم تاريخ معقد، والذين من غير المؤكد أنهم لا زالوا تحت السيطرة.
من الواضح، مع ذلك، أن التنازلات الروسية للأمريكيين في سوريا، إذا ما تحققت، لن تبذل إلا في مقابل المعاملة بالمثل من قبل الولايات المتحدة بشأن قضايا أخرى هامة بالنسبة لروسيا. وتشكل هذه القضايا قائمة طويلة، خلاصتها نوع من العودة لخطة إعادة ضبط وتشكيل السياسة، وتشمل انتشاراً أميركياً جديداً في أوروبا وآسيا سيكون له آثاراً جيوسياسية بالنسبة لروسيا، والموضوع الأكثر الحاحاً هنا يتعلق بتمركز نظام الدفاع المضاد للصواريخ في أوروبا الشرقية. وبالطبع إذا لم يتم إيجاد تسوية حول سوريا في الجولة الحالية من الاتصالات، فإن الرسالة الروسية بالمضي على طول الخط سارية المفعول، بما في ذلك الأعمال التحضيرية لتفكيك الدولة.
إلى جانب نشاطهم في المسألة السورية، حاول الروس مؤخراً تعزيز العمل إلى جانب قنوات أخرى في الشرق الأوسط. أما القضية الإيرانية، والتي تنطوي على نزاع روسي - أميركي قديم بسبب غموض الموقف الروسي، فإنها قضية ذات أهمية كبرى.
إن الاتصالات جارية مع دول أخرى في المنطقة، والصفقات مع قطر والبحرين قيد الدرس. وأظهرت روسيا مؤخراً إهتماماً ملحوظاً في احياء القناة الاسرائيلية - الفلسطينية،  والفرضية هنا هي أن استئناف المفاوضات ستوفر للروس إنقسامات سوف تكون موضع ترحيب من قبلهم. كل هذه التطورات تشير إلى أن روسيا ما تزال  بعيدة كل البعد عن التخلي عن موقعها في المنطقة.
وهكذا ، وبينما لا يزال من غير المؤكد التوصل الى حل وسط بشأن مستقبل سوريا، يبدو أن هناك صحوة وربما تقدم حتى حول هذه المسألة، على الأقل في الحوار بين القوى الكبرى. بالطبع فإنه لا يزال من السابق لأوانه التنبؤ بالأحداث التي ستجري في سوريا، حيث الروس واقعين في حيرة في الآونة الأخيرة. ومع ذلك، يبدو كما لو كان هذا الموضوع قد نضج إلى درجة أن الجهات الفاعلة الخارجية، بالدرجة الأولى روسيا والولايات المتحدة، على استعداد لتوحيد جهودهما للتوصل إلى طريقة للخروج من المأزق.
إذا حدث هذا، ولم يخرج الوضع عن نطاق السيطرة، سيكون الأمر إنجازاً كبيراً بالنسبة لروسيا، التي نجحت في الاستفادة من الأزمة السورية بينما تلعب لعبة معقدة في المنطقة. ويمكن تتويج النجاح الروسي بترتيب بحيث تبقى في المنطقة حتى بعد تغيير النظام في سوريا، فضلا عن حصولها على مكافأة في الساحة الدولية ( بخصوص مسألة الصواريخ البالستية الدفاعية أو غيرها من القضايا).

موقع الخدمات البحثية