مواد أخرى » تفكك الفوضى السورية: محاكاة أزمة امتداد نار الحرب الأهلية السورية

مقدمة
في 27 حزيران، 2012، أجرى ' معهد المشروع الأميركي'، ' معهد دراسات الحرب'، و  'مركز صبان لسياسة الشرق الأوسط' في معهد ' بروكينغنز'، وبشكل مشترك، محاكاة أزمة ليوم واحد ركزت على تأثير امتداد الحرب الأهلية العميقة في سوريا. وتألفت المحاكاة من ثلاث تحركات وقدمت فريقاً أميركياً، تركياً،وسعودياً. وكان القصد من ذلك استكشاف التفاعل بين الحكومة الأميركية واثنين من أهم حلفاءها الإقليميين، حلفاءها الأكثر قدرة على العمل في سوريا لأسباب مختلفة ( ومن بين أكثر المتأثرين بسبب العنف في سوريا). نظرت المحاكاة إلى تطورات محتملة ما بين آب 2012 و نيسان 2013.

النتائج الرئيسة

الأزمة الإنسانية الواسعة في سوريا كانت غير كافية بذاتها  لدفع أي من الفرق باتجاه التدخل.

كان كل من الفريق الأميركي والتركي متردداً، عموماً، بالانجرار إلى الصراع. وكان الفريق السعودي متحمساً للمشاركة مالياً ( عن طريق تمويل المتمردين على سبيل المثال)، لكن لم يكن لديه قدرة كبيرة على التأثير على عملية صنع القرار في أنقرة أو واشنطن – هذا عدا الوضع على الأرض في سوريا.

كان الفريقان الأميركي والتركي قلقيْن بشأن ما سيحصل بعد سقوط الأسد، لكن لأسباب مختلفة: فالفريق الأميركي كان مصمماً، بشكل رئيس، على ضمان ألا تكون الولايات المتحدة مسؤولة عن سوريا بعد رحيل الأسد ولم يهتم كثيراً بما سيستتبع ذلك؛ أما الفريق التركي فمتخوف، بشكل مشابه، من ترك الحمل عليه، لكن على خلاف الفريق الأميركي، لدى هذا الفريق رؤىً متمايزة عن نوع الحكومة التي يريد رؤيتها تبرز في سوريا. أما الفريق السعودي فاهتمامه ضئيل جداً بسوريا ما بعد الأسد طالما أن الأكثرية السنية هي الموجودة في السلطة.

اعتبر الفريقان الأميركي والسعودي بأن تركيا بلد لا غنى عنه لأي عمل في سوريا وشعر الفريقان بأنهما مقيدان بأعمالهما  لجهة ما يمكن أن يقنع الأتراك للقيام بفعل ما.

شعر الفريق السعودي بالقلق بشأن انهيار الوضع في العراق، لكنه وجد بأن السعودية لا يمكنها القيام بالكثير للتأثير بذلك الوضع. وأبدى الفريق التركي قلقاً لا بأس به إزاء الوضع المتدهور في العراق، لكنه شعر بأن مصالح تركيا في سوريا ينبغي أن تكون في الصدارة. ولأسباب مختلفة، لم يظهر الفريق الأميركي اهتماماً كبيراً بالأحداث في العراق ولم يقم بأي عمل، فعلياً، رداً على ذلك.

انتهت اللعبة مع انهيار سوريا كدولة وزيادة القوات العسكرية التركية من تدخلها الزاحف إنما من دون أن تكون مسيطرة على سوريا، والعراق وقد عاد إلى الصراع الداخلي ومستوى العنف الذي كان عليه في  2006 ، ولبنان وهو يتطور باتجاه حرب أهلية أيضاً. واعتبر الفريق السعودي النتيجة بمثابة نجاح. كان الفريق التركي قلقاً للغاية من هذا الوضع، لكنه شعر بأن كل خياراته الأخرى أسوأ بكثير. كان الفريق الأميركي راضياً، إلى حد كبير، بالنتيجة في سوريا وركز على تلك النتيجة إلى حد استثناء المشاكل الإقليمية الأخرى.

إن عدم استعداد الفريق الأميركي لدرس خيارات معالجة الأزمة المتطورة في العراق يعرض إلى أن هناك نفور من نوع ما في أوساط النخبة السياسية الأميركية إزاء أي شيء له صلة بالعراق، بحيث أن التطورات الكارثية هناك حتى (  المصوَّرة في المحاكاة)  قد لا تثير تدخلاُ أميركياً ذي مغزى. وهذا يعني بأن الولايات المتحدة قد يكون لديها ضرورة ملحة بالعمل لإنهاء الحرب الأهلية السورية عاجلاً، قبل أن يؤدي الأمر إلى زعزعة استقرار العراق، لأن من غير المرجح أن تقوم  الولايات المتحدة بأي شيء لإنهاء الحرب الأهلية العراقية إذا ما استأنفت، رغم أن حرباً أهلية عراقية يمكن أن تشكل تهديداً خطيراً للغاية على المصالح الأميركية. 

الأمر كله متعلق بامتداد الصراع

إن إحدى الأسئلة التي سعت المحاكاة لاختبارها هو ما إذا كانت الدوافع الإنسانية كافية لإثارة تدخل غربي- عربي في سوريا كما حصل في ليبيا. لذا فقد وضع السيناريو تصوراً حول تراجيديا إنسانية تسوء بسرعة في سوريا. في هذه العجالة، عرض الأفرقاء إلى أن القضايا الإنسانية وحدها قد لا تكون كافية لإثارة تدخل ما  في عالم ما بعد العراق وما بعد أفغانستان، بدلاً من ذلك، كان العامل الذي أنتج تدخلاً متردداً في النهاية هو التهديدات الاستراتيجية التي تسبب بها امتداد الصراع: الإرهاب، تدفق اللاجئين، القتال عبر الحدود، المشاكل الاقتصادية، وتطرف الأهالي في المناطق والأحياء المجاورة والتي تترافق، وهذا طبيعي، مع أي حرب أهلية بين الطوائف والمجتمعات، وبأن هذه المسائل متجسدة بحد ذاتها الآن في حالة الحرب الأهلية السورية.

دور تركيا الحاسم

ربما كان الدرس الأبرز والأقوى من المحاكاة هو دور تركيا المركزي. فقد قال المشاركون والمراقبون، على حد سواء، بأن المحاكاة قد برهنت عن أن أي شيء هادف وذي معنى قد تكون الولايات المتحدة تريد القيام به في سوريا  سوف يتطلب تعاوناً تركياً كاملاً. لذا على تركيا أن يكون لديها أولوية التركيز على جهود السياسة الخارجية الأميركية.

برزت أهمية تركيا في المحاكاة لأن السيناريو خرج من كونه أحداثاً جارية في الحرب الأهلية السورية إلى ما سيكون عليه الأمر في المستقبل، ما أجبر كل الأفرقاء على التفكير بكيفية جعل الصراع يصل إلى نهاية ناجحة (مع تحديد كل فريق ' للنجاح' بطريقة مختلفة). لذا فقد تطلب التمرين من الأفرقاء الثلاثة التعامل والتصارع مع تنفيذ خيارات سياسية بعيدة الأثر  أكثر بكثير مما هو معتبر حالياً. فقد وجد الأفرقاء الثلاثة أنفسهم جميعاً مجبرين على التفكير بشدة بخصوص مناطق حظر الطيران، المساعدات الواسعة للمعارضة السورية، تأمين ملاذات آمنة، عمليات عسكرية محدودة، أو تدخلات متعددة الأطراف واسعة النطاق.

ما أن بدأت فرق البلاد  الثلاثة النظر إلى هذه الخيارات ودرسها لمعرفة أي منها يمكن أن تخدم مصالحها على النحو الأفضل وأي طريقة هي الأسهل لتنفيذها، حتى قيدت قرارات الفريق التركي،وعلى نحو متزايد، خيارات الفريق الأميركي. فكلما  درست الفرق خياراتها  وعملت أكثر على معرفة الطرق الأفضل لتنفيذها، كلما توصلت للاستنتاج أكثر بأن تركيا هي المفتاح لجعل أي خيار من هذه الخيارات ينجح.

مع ذلك، ورغم أهمية تركيا، فقد قطعت القوة الأميركية شوطاً طويلاً مع ذلك. فعلى سبيل المثال، أبدى الفريق السعودي اهتماماً بالمعارك بما يتعلق بطرق إمدادات السلاح من خلال لبنان الذي تصوره السيناريو بأنه متصاعد – وفي الوضع المتدهور في لبنان عموماً. إلا أن الفريق السعودي وجد نفسه مجدداً عاجزاً نسبياً عن استكشاف الخيارات هناك من دون دعم الفريق الأميركي. كما اعتبر الفريق السعودي أيضاً بأن العمل مع الأردن بمثابة بديل عن تركيا ( أو مكمل لها)، إلا أن الفريقين الآخرين ( الفريق الأميركي مبدئياً) لم يظهر اهتماماً كبيراً في مواصلة إمكانية عمل وتحقق ذلك الخيار.

لا يمكن للولايات المتحدة والسعودية النجاح من دون تركيا، لكن لا يمكن لتركيا النجاح من دون الولايات المتحدة والسعودية.

إضافة إلى الإضاءة على مركزية تركيا، حددت المحاكاة المآزق المريعة التي تواجهها تركيا عندما تفكر ملياً بخياراتها تجاه سوريا. فتركيا تريد رؤية العنف ينتهي بسرعة في سوريا، لكن قدرتها محدودة على جلب السلام إلى هناك بسرعة، هذا عدا عن وضع حل سياسي مستقر وثابت واقتصاد قابل للعمل. نتيجة لذلك، وبينما توصل المشاركون إلى استنتاج مفاده أن تركيا لا غنى عنها في إيجاد حل وتنفيذه بالنسبة للحرب الأهلية السورية، فإنهم أدركوا أيضاً حاجة تركيا إلى مساعدة الغرب والعالم العربي. فالولايات المتحدة والسعودية لا يمكنهما النجاح من دون تركيا، لكن تركيا لا يمكنها النجاح من دون الولايات المتحدة والسعودية.

هذا الاستنتاج خلق توتراً وإشكالية محددة. فالفريق الأميركي افترض بأنه بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، ستميل واشنطن إلى بذل جهود أكبر بكثير مما قامت به حتى الآن لإنهاء نظام الأسد ـ أو أن الفريق الأميركي شعر بأنه ضامن لذلك قبل الانتخابات الأميركية. بالنتيجة، وفي أوائل العام 2013 ( في زمن المحاكاة)، ركز الفريق الأميركي  على نحو متزايد على إحداث حل للحرب الأهلية السورية. في كل الأحوال، لم يرد الفريق الأميركي استيعاب الأثمان ( المالية، السياسية، الديبلوماسية ، والعسكرية) لالتزام عسكري أميركي كبير ولذا فقد ركز، أكثر فأكثر، على إقناع الأتراك بالتدخل بدلاً منه. أما من جانبه، فقد كان الفريق التركي مرعوباً من هذا الجانب تماماً لأنه توصل إلى استنتاج مفاده بأنه لا يمكنه، وببساطة، استيعاب تلك الأثمان نفسها أيضاً. نتيجة لذلك، وجد الفريق الأميركي نفسه يضغط بشدة لتدخل تركي أكبر من أي وقت مضى، في الوقت الذي يحد فيه من التزامات الدعم الأميركي / الناتو. وكان الفريق التركي مصمماً هو الآخر على عدم التدخل من دون انتزاع أقصى الدعم من الناتو والدول العربية. ( قرر الفريق السعودي من بداية المحاكاة ذاتها بأنه بحاجة إلى إقناع كل من الأميركيين والأتراك بالتدخل للإطاحة بنظام الأسد وإنهاء العنف هناك.)

كناتج ثانوي لهذا التوتر الأميركي ـ التركي الأكبر، كان الفريق التركي مصمماً على ضمان دعم الناتو لتحركاته العسكرية في سوريا والسيطرة على كل تلك العمليات العسكرية، في آن معاً. وتخوف الفريق التركي من أن تعني السيطرة الأميركية ( أو الأوروبية ، بحسب ما هو متصور) بأن الأميركيين قد يتخطون بالفعل ما كانت تركيا مستعدة لتوليه، وأن ذلك سينتهي بجعل تركيا أكثر التزاماً، وبعمق، بسوريا مما تريده. وكان الفريق الأميركي مصمماً، بطريقة مماثلة، على تقليص الالتزام الأميركي / الناتو إلى أدنى حد ، إنما كان مصراً على السيطرة على أية سيناريوهات عسكرية حدثت، وذلك عائد، جزئياً، إلى أن الفريق الأميركي كان متخوفاً من أن الأتراك سيجبرونهم على مد أيديهم بنفس الطريقة. ووجد الفريق السعودي نفسه محبطاً بسبب التراخي الناتج.

سيكون من الحيوي بالنسبة للولايات المتحدة، والحلفاء الإقليميين الآخرين، العمل مقدماً على التخطيط ما بعد الحرب وعلى توافق متبادل على نتيجة سياسية.

كانت النتيجة عدد من الفرص الهامة الضائعة لتعاون مبكر حول اللعبة وفيها، المقترنة مع صعوبة هائلة حتى في البحث في مسألة إعادة الإعمار ما بعد الأسد. وحول هذه النقطة الأخيرة، كان موقف الفريق التركي هو أن على القوى الخارجية القيام بالتزام هام طويل الأمد لإعادة بناء سوريا سياسياً واقتصادياً لضمان ألا تعود للسقوط في دوامة العنف؛ في كل الأحوال، كان الفريق مصمماً، بطريقة مشابهة، على عدم ترك تركيا مع هدف وحيد، أو حتى بحصة الأسد، بشأن المسؤولية عن إعادة بناء سوريا. أما موقف الفريق الأميركي فكان أن على الولايات المتحدة عدم تحمل وقبول تحدي إعادة بناء بلد آخر في العالم الإسلامي، إلى حد أن أية جهود ما بعد الحرب سوف تكون مطلوبة، يجب أن تكون جهوداً تركية ( ممولة من قبل عرب الخليج). وكان الموقف السعودي هو أن المملكة ستدفع الكثير من الأموال لتحقيق أهدافها، لكنها أرادت الاطمئنان إلى أن أهدافها ستلبى– مبدئياً، إزالة الرئيس الأسد وتثبيت حكومة سنية مكانها في سوريا. ونظراً إلى الدروس المستقاة من العراق وأفغانستان بما يتعلق بحساسية وخطورة التخطيط لإعادة الإعمار الطويل الأمد ما بعد الحرب والاستعداد لتقبل هكذا التزام، تعرض نتائج المحاكاة إلى أنه سيكون من الحيوي بالنسبة للولايات المتحدة، تركيا، والحلفاء الإقليميين الآخرين العمل مقدماً على التخطيط لما بعد الحرب والتوافق بشكل متبادل على نتيجة سياسية.

وبينما حلقت تركيا عالياً في أفق المحاكاة، هبطت روسيا إلى مستوى المدرجات. ( لم يكن في المحاكاة فريق روسي، الأمر الذي جعل بعض المشاركين يشعرون بأنها كانت فجوة ملحوظة). وظهر بأن المشاركين قد افترضوا بأن روسيا محايدة ( أو محيَّدة)، بشكل فعال، ولن تحاول ردع التدخل الغربي من خلال إعادة موضعة قوات عسكرية أو الشروع بأي عملية مكررة لنزهة بريشتينا. ولن تقوم روسيا بأي عمل للمساعدة على إزالة الأسد.  وتوافق الكل، كما حدث، على أن روسيا سوف تمنع أي قرار ذي أهمية بارزة صادر عن مجلس الأمن.

لذا، ومع روسيا خارج الصورة إلى حد كبير، تركزت المناقشات الأميركية- التركية الثنائية حول كسب دعم الناتو لعملية بدلاً من الأمم المتحدة، ما يساعد على تفسير المشاعر  المشتركة لعدد من المشاركين بأن هناك جهوداً سياسية كثيرة جداً مكرسة الآن لمعالجة موضوع موسكو. فواقع تقاسم تركيا – العضو في الناتو- حدوداً مع سوريا ومعاناتها من هجمات عسكرية وشبه عسكرية على أراضيها كجزء من عملية امتداد النزاع، عزز التصور بأن من الأفضل النظر إلى المشكلة السورية من خلال منظور الناتو، بدلاً من منظور الأمم المتحدة. لكن، ولأن المشاركين الذين يلعبون دور الولايات المتحدة وتركيا  ورغبة كل منهم بانخراط الناتو في العملية لصالح بلده، كان هناك تأخير مهم في التدخل. إذا أراد الفريق الأميركي من تركيا أن تطلب دعم الناتو، وأراد الفريق التركي  من الولايات المتحدة أن يقدم دعم الناتو استباقياً، للتخفيف مكن مسؤولية بلادهم نسبياً بما يخص الدخول في عملية التدخل.

الدور العربي المحدود

في مقابل مركزية الدور التركي في أي سيناريو للتدخل الغربي/ العربي في سوريا، عرضت المحاكاة إلى أن من الأرجح أن يلعب السعوديون ( والعالم العربي على صعيد أوسع) دوراً داعماً في سيناريوهات أكثر حزماً. فالفريق السعودي كان ناشطاً جداً في محاولة الدفع بمصالحه، لكنهم وجدوا بأنهم  لم يفعلوا الكثير، عموماً، عندما قاموا بذلك بشكل مستقل للغاية. أما السبب بذلك فيعود إلى أن الأدوات والوسائل المتوفرة للسعوديين (والعالم العربي على نطاق أوسع) ليست حاسمة بحد ذاتها. فالقدرة على توفير غطاء ديبلوماسي ودعم وتمويل المعارضين، المتمردين، والإرهابيين ملاحق مفيدة لسياسة أكبر، إنما لا يمكنها إحداث تغيير حاسم بنفسها ( ليس في المدى القريب على الأقل).  فالأعمال السعودية، تحديداً ، يمكنها التسبب بحالة أكبر من عدم الاستقرار ( من خلال تمويل الوكلاء)،  لكن لا يمكنها الدفع بمسألة الشروع البنَّاء نحو الاستقرار. واعترافاً منه بهذه المحدودية، أبدى الفريق السعودي، عموماً، درجة عالية من التساهل بما يتعلق بعدم الاستقرار والصراع الإقليميين، طالما أن المصالح السعودية الكبرى محفوظة.

نتيجة لذلك، وجد الفريق السعودي بأن ليس لدى السعودية سوى تأثير متواضع على الأحداث في سوريا نفسها، وبأنه لم يحقق تقدما ً كبيراً لا مع الفريق الأميركي ولا التركي  إلى أن قرر الأميركيون والأتراك أن يأخذوا على عاتقهم التدخل في سوريا – ولأسباب لا علاقة لها بالجهود السعودية. وفي تلك المرحلة، أصبحت المساعدة السعودية/ العربية مفيدة للغاية، لكنها لم تكن حاسمة حتى عندئذ: فالفريقان الأميركي والتركي قررا القيام بذلك بناء على مصالحهما الخاصة، وكانا سيتدخلان ( وشعرا بأن بإمكانهما التدخل) مع الدعم العربي أو بدونه، رغم أن الدعم العربي كان مرحباً به بكل تأكيد.

مصالح متباينة

عززت المحاكاة نقطة حساسة يمكن أن تصبح هامة أكثر فأكثر إذا ما ظلت الحرب الأهلية السورية تزداد سوءاً، كما يبدو مرجحاً. فلدى الولايات المتحدة، تحديداً، وحلفائها الإقليميين مصالح متباينة ومن نواح هامة، الأمر الذي يمكن أن يصبح عائقاً هاماً أمام العمل. هذه التباينات كانت أكثر حدة بما يتعلق بأهمية وطبيعة ما سيستتبع إزالة نظام الأسد، ما يعزز الدرس المستقى من العراق، أفغانستان، ليبيا، مصر، الخ، وهو أن ' الإطاحة' بنظام أمر أقل أهمية بكثير، في النهاية، من متابعة إعادة الاعمار والبناء السياسي، الاقتصادي والاجتماعي الذي ينبغي أن يستتبع سقوط نظام سلطوي.

لدى الولايات المتحدى وحلفائها الإقليميين مصالح تتباين بطرق هامة، ما يمكن أن يصبح عائقاً بارزاً أمام العمل.

يرى الفريق الأميركي مصلحته الرئيسة بإزالة الأسد بسرعة وضمان تثبيت حكومة جديدة مستقرة بأقل حد ممكن من الالتزام الاقتصادي والعسكري الأميركي. وفي الوقت الذي تكشف فيه السيناريو، ترجمت هذه الأجندة، في الحد الأدنى، إلى استعداد بالقبول، نظرياً، بأية حكومة بديلة طالما أنها مستقرة. وعمل الفريق الأميركي بظل فرضية تقول بأن الولايات المتحدة ستدعم، على الأرجح، أية مجموعة يبدو أن لديها القدرة الأكبر على تشكيل حكومة يمكن أن تجلب الاستقرار للبلد ( حتى ولو كان ذلك على حساب مصالح واهتمامات أميركية أخرى كالديمقراطية وحقوق الإنسان)، إضافة إلى اهتمام ضئيل جداً في إعادة الإعمار ما بعد الصراع. وافترض الفريق الأميركي بأن الإخوان المسلمين  ( عبر  'المجلس الوطني السوري') سيهيمنون في النهاية على الأكثرية السنية السورية وبأنه مستعد لتقبل تلك النتيجة. بالتالي، لم يقم الفريق الأميركي باستكشاف ما إذا كان هناك طرق للوصول إلى نتيجة بديلة، بالتدخل في وقت مختلف أو بطرق مختلفة على سبيل المثال.

إذا كان الفريق الأميركي مستعداً للعيش مع انتصار للإخوان المسلمين، فإن الفريق التركي كان يرغبه بشكل لا يقبل الجدل، وقد تقبل بحماس أي تنازل أواستقالة أميركية تفسح لهم المجال لمواصلة العمل وصولاً لتلك النتيجة. فالفريق التركي كان أكثر اهتماماً بكثير بما يأتي بعد الأسد، وهذا متوقع، لأنه سيكون على تركيا العيش مع ذلك النظام الذي سيخلفه لسنوات مقبلة. فضلاً عن ذلك، كان الفريق التركي قلقاً من مسألة إعادة الإعمار والبناء بعد الصراع: شعروا بأن ذلك ينبغي أن يتم بطريقة صحيحة، لكن لا يمكن ترك تركيا تتحمل العبء وحدها بذلك.

استشعر الفريق التركي التناقض الموجود لدى الفريق الأميركي وتخوف من أن يكون الفريق الأميركي يريد جعل مسألة إعادة الإعمار ما بعد الصراع مشكلة تركية، أمر شعر الفريق التركي بأنه سيكون كارثياً بالنسبة لتركيا ويتخطى قوتها الاقتصادية، العسكرية وحتى السياسية.بالواقع، إن جزءاً من تردد الفريق التركي بالتدخل، برغم التوتر والضغط  الموجودان على بلدهم بسبب قضايا اللاجئين، الجريمة، الإرهاب، والاضطراب الاقتصادي، نابع من كون هواجس هذا الفريق تتعلق ' باليوم الذي سيلي'.

شعر الفريق السعودي بأنه من المهم التخلص من نظام الأسد، ومن أمور صغيرة أخرى. وهذا كان يعني بأنهم أبدوا اهتماماً أقل بطبيعة الحكومة ما بعد الأسد طالما أنها سنية، رغم أن أعضاء الفريق لم يخرجوا بالكثير في هذا الموضوع عند مناقشته بسبب التأثير الهامشي نسبياً الذي فرضه السعوديون في المحاكاة. وقد توصل السعوديون إلى نتيجة مفادها، ضمناً، بأن بإمكان المملكة تقبل مستويات عالية جداً من عدم الاستقرار في سوريا ما بعد الأسد. وكان ذلك مبنياً، في جزء منه، على حسابات تقول بأنه مهما كان النظام الذي سيأتي بعد الأسد – بما فيه نظام إسلامي سني راديكالي ـ فإنه سيظل أفضل للسعودية من نظام الأسد أو الوضع الحالي. بالواقع، لقد عرضت اللعبة بأن تساهل وتسامح الرياض  (وحتى ميل) إزاء نظام راديكالي خلفاً للحالي يمكن أن يكون مصدر تباين بين السعودية والولايات المتحدة وتركيا. في كل الأحوال، لقد أوضح الفريق السعودي أيضاً بأن العنصر الهام الآخر في تفكيرهم واستعدادهم لتقبل مجموعة واسعة جداً من النهايات، كان قدرة السعودية المحدودة على التأثير بالتطورات في سوريا.

الأرض الزائلة

قدمت المحاكاة سيناريو ساعد فيه امتداد النار من سوريا على إرجاع العراق إلى الوراء والسقوط في جولة أخرى من الحرب الأهلية. بالواقع، وبنهاية المحاكاة، كان العنف في العراق يقترب من مستويات مشابهة لتلك التي مرت بها البلاد في العام 2006 ـ ومسار البلد يتجه نزولاً بشكل لا لبس فيه. وتفاعلت الفرق الثلاثة بشكل مختلف تماماً إزاء هذه المجموعة من التطورات، وبطرق مفيدة لدرسها فيما نحن نفكر  ونتأمل بما ينبغي القيام به بشأن سوريا.

رأى الفريق السعودي بالفوضى في العراق بأنها أفضل لحالة العلاقات هناك بداية المحاكاة ( ما يعني في الوقت الحاضر). إذ يعتقد الفريق السعودي بأن الرياض تعتبر المالكي، رئيس الوزراء العراقي، بمثابة دمية لا تعوض بيد طهران، ونتيجة لذلك، فقد بدأ العراق يصبح دولة أخرى تابعة لإيران. واعتبروا بأن المصلحة السعودية في المنطقة ككل مركزة على شن نزاع مع الإيرانيين محصلته صفر، ولذا فإن أي شيء يؤذي المصالح الإيرانية مفيد للمصالح السعودية.

بالتالي، كان الفريق السعودي أكثر استعداداً للقيام بأعمال لمساعدة المعارضة السورية حتى عندما تكون هذه الأعمال تزعزع الاستقرار العراقي، وهذا هو المرجح. بالواقع، كانت مسألة زعزعة استقرار عراق المالكي عبارة عن ' علاوة' من منظور الفريق السعودي.

عرضت المحاكاة إلى أن المصالح التركية في العراق عالية بالتأكيد، إلا أنها أقل بكثير من تلك التي لها في سوريا ( وذلك عائد، جزئياً، إلى شعور الأتراك الآن بأن لديهم شريك مفيد ـ وعازل للصدمات ـ في حكومة كردستان الإقليمية لمسعود البرزاني، وإذا ما أجبرت الأحداث أنقرة على وضع أولوياتها من بينهما، فإنها ستركز على سوريا على حساب العراق. في البداية، كان الفريق التركي قلقاً تماماً بشأن التطورات في العراق، إلا أن تلك الأحداث تتجه لأن تكون أقل خطراً نسبياً بالنسبة لتركيا، كالتنافس الموجود بين القوات المسلحة السورية والمعارضة للسيطرة على المعابر الحدودية السورية مع العراق، وتعبئة وحدات الجيش العراقي لمواجهة التهديد. بإمكان الأتراك تبرير التركيز على سوريا بدلاً من ذلك ( حيث كانت الأحداث المبكرة دراماتيكية أكثر بكثير). في كل الأحوال، وكما انبثق عن المحاكاة، فقد أثار امتداد النار من سوريا التوترات المذهبية والسياسية الداخلية العراقية وخلق كرة ثلج أثرت على البلد وحملته مرة أخرى إلى الدخول في حرب أهلية في الوقت الذي يقترب فيه البلد من انتخابات المحافظات المخطط لها لتكون في ربيع 2013. واعترف الفريق التركي بأن ما يحصل في العراق هو بمثابة إشكالية لتركيا، لكن الفريق توصل في النهاية إلى نتيجة مفادها أن دوامة الصراع السوري أكثر تهديداً وخطراً على المصالح التركية. وبنهاية المحاكاة، أعاد الفريق التركي، وبفعالية، تحديد وتعريف المصالح التركية في العراق على أنها مصالح محدودة بالأحداث في كردستان العراق- السيناريو  المتصور بأن أكراد العراق يستفيدون من إحياء الحرب الأهلية للتحرك بسرعة باتجاه إعلان الاستقلال – وحينذاك حتى، كان أعضاء الفريق التركي يتناقشون حول كيف يمكن لذلك أن يكون سيئاً فعلاً بالنسبة لتركيا.  باختصار، شعر الفريق التركي، الذي تواجهه مشاكل في كل من سوريا والعراق، بأن المشاكل السورية أكثر تهديداً بكثير بالنسبة لتركيا، وبأن أنقرة ستكون مستعدة للقيام بتسويات ومساومات لم يكن من الممكن تخيلها سابقاً حول مصالحها في العراق لضمان مصالحها في سوريا.

كان الفريق الأميركي غير مهتم، إلى حد كبير، بالتطورات في العراق. إذ لم يمض إلا وقت ضئيل في مناقشتها، ولم يفعل الفريق الكثير لتجنب المشاكل التي تصور السيناريو حصولها هناك.

كان الفريق الأميركي غير مهتم بالتطورات في العراق. إذ لم يصرف وقتاً طويلاً في مناقشتها، ولم يفعل الكثير لتجنب المشاكل التي تصور حصولها السيناريو هناك. وإلى حد ما، كان هذا زيف اللعبة: فالفريق الأميركي مشغول بالكامل بالتطورات في سوريا  (ولبنان، الأردن، البحرين، وأماكن أخرى). في كل الأحوال، إن هذه الأولوية حتى، تعكس قراراً بالتركيز على  سوريا على حساب العراق. وهناك فريق أميركي آخر، فريق نظر إلى المصالح الأميركية بشكل مختلف، قد يكون له رؤية بالنسبة للتطورات في الجارية في اللعبة وتوصل إلى نتيجة مفادها أن اهتمام الفريق يجب أن يتحول  بعيداً عن سوريا باتجاه العراق لأن الحرب الأهلية هناك تمثل تحدياً أكبر بالنسبة لمصالح الأمن القومي الأميركي – أمر افترض الفريق السعودي بأن الفريق الأميركي سيقوم به. أما واقع عدم اختيار الفريق الأميركي القيام بذلك ( وهذا برأينا ليس بالأمر الغير واقعي) فيعرض إلى أن هذا الأمر ' لم' يكن وظيفة المحاكاة، وإنما انعكاس لتقييم الفريق  للمنظور الأميركي.

ما يجعل هذا الأمر جديراً بالملاحظة، تحديداً،هو أن عدم الاستقرار في سوريا يتشابك مع المصالح الاستراتيجية الأميركية فقط بالقدر الذي تنتشر فيه المشاكل وتمتد إلى داخل تركيا، إسرائيل، الأردن، أو العراق. بالمقابل، إن الإنتاج النفطي المتنامي الخاص بالعراق  والعلاقة مع جيرانه ( إضافة إلى حقيقة هي أن امتداد المشاكل في العراق يحمل في طياته إمكانية التأثير أكثر على الإنتاج النفطي في إيران، الكويت، والسعودية)، يجعله هاماً، وبشكل جوهري، بالنسبة للمصالح الأميركية. مع ذلك أظهر مسار المحاكاة استعداداً لدى الفريق الأميركي بالتدخل ( إلى حد ما) لإغلاق ملف الحرب الأهلية في سوريا إنما لم يظهر استعداداً مشابهاً لذلك في العراق، حيث المصالح الأميركية أكبر بكثير.

على مستوى معين، هذا الأمر لا يعتبر مفاجئاً، وقرارات الفريق الأميركي تصدمنا بصفتها تعكس، وبدقة، الرأي السياسي الأميركي في هذا الوقت. ويبدو بأنه نابع، في جزء منه، من نموذج في السياسة الخارجية الأميركية: لن تفكر الولايات المتحدة بالتدخل في بلد اختبرت فيه سابقاً تدخلاً بغيضاً في الماضي، بصرف النظر، ربما، عن مدى إلزامية المنطق بذلك. ( يبدو هذا أيضاً بأنه يفسر افتقار الفريق الأميركي للاهتمام بالأحداث في لبنان، حيث تم إذكاء الحرب الأهلية أيضاً بنهاية المحاكاة).

هذه نتيجة بحث هامة محتملة. فهي تعرض إلى أن هناك كراهة لأي شيء له صلة بالعراق في أوساط النخبة السياسية الأميركية بحيث أن التطورات الكارثية هناك حتى ( كما هي متصورة في المحاكاة) لن تستثير مشاركة أميركية ذات مغزى على الأرجح. هذا الأمر محل إشكال لأن الحرب الأهلية السورية تحمل في طياتها احتمال إرجاع العراق، مجدداً، إلى الحرب الأهلية ( رغم أن ذلك بالكاد يكون أمراً يقيناً) مما يهدد المصالح الأميركية بشكل مباشر أكثر من حرب أهلية مشابهة في سوريا. هذا يعرض إلى أن الولايات المتحدة لديها حاجة أكثر إلحاحاً باتخاذ إجراء لإنهاء الحرب الأهلية السورية عاجلاً، قبل أن تزعزع استقرار العراق، لأن من غير المرجح أن تقوم الولايات المتحدة بأي شيء لإنهاء حرب أهلية عراقية رغم أن هذه الحرب يمكن أن تكون أكثر تهديداً بكثير للمصالح الحيوية الأميركية.

تقسيم وتفتيت

أوضح رد الفريق الأميركي على وضع المحاكاة في العراق ( ولبنان) درساً محتملاً آخر. فقد أبدى الفريق الأميركي توجهاً واقعياً بشدة لتقسيم وتفتيت مشاكل الشرق الأوسط. وفي حين عكس هذا الأمر، وبدقة، الكيفية التي صاغت بها واشنطن سياستها تجاه الأحداث في المنطقة وعالجتها، فقد بدت المحاكاة بأنها صدى المنتقدين لهذه المقاربة. وبالتالي، فقد ركز الفريق الأميركي على سوريا إلى حد استثناء كل شيء آخر تقريباً، تحديداً العراق ولبنان،  وكلاهما غارقان، وبعمق، في صراع أهلي كما سوريا بنهاية السيناريو. وكما أشرنا آنفاً، وفي حين أن التقييم الصعب للمصالح الأميركية قد يعطي ذريعة لفصل القتال اللبناني نسبياً، فإن العكس ينبغي أن يكون عليه الحال بالنسبة للعراق. إن تقديم المحاكاة للأحداث في الأردن، والبحرين ، التي أشعلها القتال السوري، لم تكن موجودة في أولويات الأجندة الأميركية رغم أن التطورات المتعلقة بالبحرين تؤثر، عموماً، على العلاقة الأميركية ـ البحرينية، وعلى مركز قيادة الأسطول الخامس هناك بشكل خاص.

من جهة أخرى، تناول الفريق السعودي رؤية أكثر دمجاً للمنطقة ـ يمكن القول المقاربة السعودية للتطورات الإقليمية. فقد بحث الفريق السعودي الأحداث في سوريا في سياق إقليمي من البداية حتى النهاية، وكانت مناقشاتهم حول أعمالهم في سوريا ( إضافة إلى العراق، الأردن، لبنان والبحرين) مدفوعة بتصور على صعيد المنطقة حول ما كانوا يحاولون تحقيقه وأين تكمن مصالحهم. بالواقع، لقد عكس الفريق السعودي، ربما، المقاربة الفعلية للرياض ( كما فهمناها على أفضل وجه) عن طريق ' المغالاة' بالرابط بين الأحداث المختلفة، وصلتها الحتمية بالتنافس السعودي – الإيراني.
نتيجة لذلك، وبنهاية المحاكاة، يمكن القول بأن الفريق الأميركي أنجز، وبنجاح، أهدافه على المدى القصير تجاه سوريا. في كل الأحوال، لقد شعر معظم المشاركين، المراقبين، والمنظمين بأن المصالح الأميركية عبر المنطقة مهددة أكثر مما كان عليه الأمر بداية المحاكاة، وبأن قدرة أميركا على ضمان مصالحها على الأمد الطويل غير واضحة في أفضل الأحوال. بالمقابل، دفع الفريق السعودي بمصالحه في جميع المجالات – في أوقات وأماكن على حساب المصالح الأميركية – وأنهى المحاكاة بموقع أقوى مما بدأه.

ليس القصد من هذا كله أي انتقاد لأعمال الفريق الأميركي، أو لنعرض بأن أعمال الفريق السعودي تعكس، وبدقة، الأهداف أو الأعمال المرجحة للحكومة السعودية الحقيقية. في كل الأحوال، إن المحاكاة تعرض إلى أن التوجه الأميركي لتفتيت مشاكل الشرق الأوسط أمر له إشكالية محتملة وبأن ما يخدم واشنطن بشكل أفضل هو تصور استراتيجي أكثر اندماجاً يحدد ويضع أولويات المصالح الأميركية في كل مكان، ومن ثم تضع واشنطن استراتيجيات مبتكرة  تجاه بلدان مختلفة تعكس تلك الأولوية.       

موقع الخدمات البحثية