مواد أخرى » النزاع لأجل سوريا: العودة إلى الماضي؟

إيال زيسر ـ مركز "موشيه دايان" للدراسات الشرق أوسطية، جامعة "تل أبيب""إسرائيل" ـ آذار، 2012
وصل الربيع العربي" إلى سوريا في منتصف شهر آذار. وقد جاء منعطف سوريا بعد زوابع غير متوقعة ضربت تونس ومصر وتسببت بسقوط الأنظمة الديكتاتورية في هذين البلدين. لقد بدأت التظاهرات في سوريا، مع الدعوات التي أطلقتها لأجل الحرية، وآخرها حتى الدعوة للإطاحة بنظام البعث بقيادة بشار الأسد، في مدينة درعا جنوب سوريا وفي عدد من المدن الساحلية في الشمال. بعد ذلك انتشرت التظاهرات بسرعة في كل البلاد ووصلت حتى إلى أطراف مدينتيْ دمشق وحلب الكبيرتين، الأولى هي العاصمة والثانية ثاني أكبر مدينة سورية.
منذ اللحظات الأولى لاندلاع الثورة، فعَّل النظام أجهزته الأمنية والجيش السوري في مجهود لوأد التظاهرات في مهدها. وقد أثارت أعمال العنف المرتكبة على يد القوى الأمنية عنفاً مضاداً من قبل المتظاهرين، الذين انضم إليهم لاحقاً منشقون عن الجيش. وبالتالي، ومنذ البداية، اتسمت الاضطرابات في سوريا بمقتل أعداد هامة من الناس، خاصة المدنيين، لكن من رجال الأمن والشرطة أيضاً.
عموماً، لم تكن الخطوات المتخذة من قبل النظام رداً على التمرد ناجحة. فقد فشل النظام بإعاقة حركة التظاهرات أو حتى باحتوائها. مع ذلك، فقد نجح هذا النظام بالبقاء ونجا من موجات الاضطرابات الأولى وحافظ على تماسكه وانسجامه. فضلاً عن ذلك، امتنعت قطاعات عديدة من المجتمع السوري، ولأشهر عدة من بدء الاضطرابات، عن الانضمام إلى هذه التظاهرات. وتضمن الممتنعون عن ذلك أفراد الطبقتين الغنية والوسطى المتحضرتين في دمشق وحلب ومجتمعات الأقليات التي تشكل معاً حوالي 40 بالمئة من مجموع سكان سوريا ( على رأسهم العلويين، مع المسيحيين والدروز وحتى الأكراد). لقد كانت الأقليات الدينية والعرقية مترددة بدعم الإطاحة بالنظام لأنها خائفة من أن تنتهي هذه القفزة بالمجهول بحالة من عدم الاستقرار السياسي، كما حدث في العراق، بحيث يكون عليهم دفع الثمن.
بينما كانت الأسابيع والشهور تمر، كانت سوريا تغرق أكثر فأكثر في مستنقع غادر من العنف والنزاع الدموي بين النظام ومعارضيه، مع عدم وجود نهاية لذلك في الأفق بحسب الظاهر. ومهما كانت نتائج النزاع الجاري، فإن من الواضح أن اندلاع هذا " الربيع السوري" قد بشر بنهاية فترة طويلة كانت خلاها سوريا دولة مستقرة، وحتى قوية، دولة تلعب دوراً مركزياً في الساحة الشرق أوسطية. فقد قُذفت سوريا فجأة في وضع من عدم الاستقرار والغموض بما يتعلق بالمستقبل، بصرف النظر عما إذا النظام السائد سيبقى أم لا. عملياً، لقد بعث هذا الوضع روحاً جديدة في  "النزاع القديم لأجل سوريا". محلياً، هذا المصطلح يعود للنزاع حول من الذي سيحكم البلد. أما دولياً فهو يعني المناورات بين مختلف القوى الإقليمية لأجل النفوذ والسيطرة على الدولة السورية، مع وقوف إيران وحلفائها على أحد الجانبين، ووقوف المحور الإسلامي السني المؤلف من السعودية وتركيا على الجانب الآخر. إن وضعاً مكشوفاً كهذا يمكن أن يعني بالنسبة لسوريا العودة إلى الماضي، إلى الربع الأول من قرن وجودها كدولة مستقلة. فقد اتسمت تلك الفترة بضعف الدولة السورية، عدم الاستقرار السياسي، التغييرات المتكررة للحكومات والتدخل الأجنبي المتزايد في الشؤون الداخلية السورية.
" النزاع لأجل سوريا"
كان تاريخ الدولة السورية، منذ بداياتها الأولى، وبالتأكيد منذ حصولها على استقلالها في نيسان 1946، متميزاً  بنزاع جار ومستمر حول من سيحكم الدولة، وما هو السبيل الإيديولوجي الذي ينبغي لها سلوكه، وما هي الهوية التي ينبغي لها اتخاذها، وما إذا كان عليها، بالواقع، الاستمرار بالوجود كدولة مستقلة حتى. إن جذور هذه الاضطرابات، المسماة " النزاع لأجل سوريا" في أدب الأبحاث، هي، وإلى حد كبير، جزء لا يتجزأ من ضعف سوريا من الداخل والخارج. وتتضمن ضعف مؤسسات البلد والصعوبات المترتبة التي يواجهها حكام سوريا في ترسيخ والحفاظ على مركزية سياسية قادرة على فرض سلطتها على السكان؛ وفي الانقسامات الإثنية، الدينية، الاجتماعية- الاقتصادية المحلية، والإيديولوجية داخل المجتمع السوري؛ والفجوة المتسعة بين المدن والأرياف والأطراف ؛ وأمور أخرى أيضاً.
أحدث صعود حافظ الأسد إلى السلطة في تشرين الثاني 1970 تغييراً أساسياً في مسار تاريخ سوريا. فقد جلب نظام الأسد الاستقرار السياسي الأمر الذي لم تكن تعرفه البلاد من قبل، ومع هذا الأمر يبدو بأن " النزاع لأجل سوريا" قد تم وضع حد له. فمع فرض الاستقرار السياسي، كان حافظ الأسد قادراً على تحويل سوريا إلى قوة إقليمية، قوية وجبارة، بحيث أنها ألقت بظلها على كل المنطقة المحيطة. ومات حافظ الأسد في حزيران 2000، وحل نجله ووريثه بشار الأسد مكانه. في البداية، كان لدى كثير من الناس في سوريا والخارج معطيات مغلوطة جدية عن قدرة بشار على ملأ مكان والده الكبير والاستمرار في طريقه. في كل الأحوال، ومع مرور الأشهر والسنوات، بدا بأن سيادة سلالة الأسد الحاكمة قد تأكدت بما يتعلق بالمستقبل المنظور.
" لم يكن وضعنا أفضل مما هو عليه اليوم أبداً"  
مع نهاية عام 2010 ، بدا نظام بشار الأسد أقوى وأكثر استقراراً عما كان عليه في أي وقت من الأوقات، كما عرض وزير الخارجية السوري وليد المعلم أمام  زوار غربيين لمكتبه في دمشق قائلاً: " لم يكن وضعنا في حال أفضل مما هو عليه الآن أبداً!" ولم يبد فقط بأن الوضع في سوريا أفضل مما كان عليه في أي وقت في صيف 2010، بل بدا أيضاً بأن موقع الرئيس السوري بشار الأسد أقوى من أي وقت مضى. وبالنسبة لمراقب من الخارج قد يكون الأمر بدا وكأن بشار داهية بشكل كاف ليشق طريقه في البحر العاصف في السفينة السورية التي قذف بها موت والده في 10 حزيران 2000، وربما تكون السفينة قد وصلت إلى شاطئ الأمان. وبنهاية عقد من حكمه تقريباً، يبدو بشار وكأنه نضج واكتسب الخبرة الضرورية.
عندما اندلع " الربيع العربي" في شتاء 2010-2011، أولاً في تونس ثم في مصر، ليبيا واليمن، بدا، في البداية، وكأن موجة التظاهرات والثورة قد تخطت سوريا. بالواقع، وقبل سقوط نظام الرئيس حسني مبارك بوقت قصير، أعطى بشار الأسد مقابلة للصحيفة الأميركية " وول ستريت جورنال"، حيث تحدث، وللمرة الأولى، عن الأحداث الجسام الجارية في المنطقة. وبثقة خطيرة بالنفس، طمأن بشار الصحافيين بقوله:
لسنا تونسيين ولا مصريين... لقد كانت مصر مدعومة مالياً من قبل الولايات المتحدة، في حين أننا واقعون تحت حظر من قبل معظم بلدان العالم. لدينا نمو رغم أنه ليس لدينا الكثير من الحاجات الأساسي للشعب. برغم كل ذلك، الشعب لم يدخل في حالة تمرد. إذن الأمر لا يتعلق فقط بالحاجات ولا يتعلق بالإصلاح فقط. الأمر له علاقة بالإيديولوجية، المعتقدات والقضية التي لديك.
الربيع السوري
في كل الأحوال، وفي غضون أسابيع أصبح خطأه مدى فداحته واضحاَ. وعندما انتهت صلاة الجمعة في 18 آذار 2011، بدأت التظاهرات في عدد من المدن السورية، بما فيها حمص، حماه وبانياس. وحدثت تظاهرة كبيرة في بلدة درعا، حيث قتل خمسة متظاهرين بالرصاص على يد القوى الأمنية. ومن تلك اللحظة وحتى اليوم، لم تعرف سوريا لحظة سلام وهدوء واحدة.
عندما اندلعت التظاهرات لأول مرة في سوريا، بدا بأن هذه التظاهرات ستكون أقل من تلك التي في مصر. وفي حين كان هناك مئات آلاف الناس، إن لم يكن ملايين، يحتلون الشوارع في القاهرة ومدن مصرية أخرى، لم يكن هناك سوى مئات الناس، أو في أفضل الأحوال بضعة آلاف، يشاركون في التظاهرات السورية، التي كانت محصورة في مناطق على الأطراف، كدرعا في الجنوب وبلدات وقرى صغيرة مجاورة.
في كل الأحوال، هناك شيء ما يجب أن يبدو متنافراً وغير متناسب تماماً لأي شخص يعرف التاريخ المعاصر لسوريا. لقد كانت مناطق الأطراف السورية، بالتحديد، هي التي قدمت لحزب البعث الدعم على مدى السنوات، والتي منها استمد حزب البعث قوته، إضافة إلى قادته. أما الآن فقد أدارت هذه المناطق المتطرفة ظهرها للنظام. هذا الظرف هو تتويج لعملية طويلة، تمتد عقوداً عدة، ما سمح للنظام خلالها بانحدار الدعم الذي تمتع به في أوساط القواعد الشعبية وتبدده. ينبغي لنا السعي والبحث في هذه الفجوة بين حزب البعث والنظام الذي يحكم باسمه، من جهة، والتحولات الاجتماعية والاقتصادية التي حدثت في سوريا في العقود الأخيرة، من جهة أخرى، عن مصادر الهزات الارتدادية التي كان يختبرها النظام منذ آذار 2011 والتي لا يمكن لأحد التنبؤ بها.
إضافة لذلك، بالإمكان الإشارة إلى عوامل عديدة بصفتها تمتلك تأثيراً مباشراً على اندلاع الاضطرابات في سوريا. بعيداً عن تأثير الدومينو للثورات في بلدان أخرى، كان هناك جفاف وقحط شديدين أثرا على المناطق المتطرفة للبلاد بشكل رئيس، كالجزيرة وحوران. كما لعبت السياسات الاقتصادية للنظام في خلق التوتر أيضاً، بما أنها كانت تفضل البرجوازيين السوريين في الوقت الذي يؤثر فيه  ذلك على الطبقات الأدنى بشكل سلبي.
في أي حال من الأحوال، أصبحت الاضطرابات في سوريا عنيفة أكثر فأكثر مع مرور الأيام والأسابيع، وانتشرت من أيام الجُمع إلى باقي أيام الأسبوع الأخرى. فضلاً عن ذلك، لقد فشلت عملية إرسال وحدات الجيش التي بدأت في نيسان 2011 بإحداث النتائج المطلوبة ولم تتوقف التظاهرات. على العكس، وكما أشرنا آنفاً، غرقت سوريا بعمق أكثر وأكثر في مستنقع العنف والغدر والنزاع الدموي الأمر الذي يهدد بتدهور الوضع والسقوط في حرب أهلية شاملة. لقد انحدر عدد التظاهرات نوعاً ما، إلا أن المواجهات مع السلطات أصبحت عنيفة أكثر فأكثر. وبالتالي، ومع نهاية عام 2011، غالباً ما كان عدد الضحايا الذين يسقطون يومياً بالعشرات.
مع ذلك، كان سكان المدن الكبيرة، أولها دمشق العاصمة، وحلب، والطبقة البرجوازية السورية تحديداً، يفضلون البقاء على الحياد وعدم دعم المتظاهرين. ولو أنهم قرروا الانضمام إلى المعارضة، فإن هذا كان سيخلق تهديداً حقيقياً للاستقرار النسبي الذي خبرته الدولة السورية في العقود الأخيرة بظل حكم سلالة الأسد.
استفاد نظام الأسد أيضاً من واقع هو أن الجيش السوري والقوى الأمنية، مع الأجهزة الحكومية ومؤسسات الدولة، قد برهنوا عن تضامنهم، تكاتفهم، ولائهم، والتزامهم بالنظام. مادام الجيش والقوى الأمنية قلقون، فلن تختار أرفع المراتب في هذه المؤسسات فحسب ( التي تأتي إلى حد كبير، كما هو معروف جيداً، من العلويين، طائفة الرئيس الأسد)، تنفيذ أوامر النظام، وإنما سيختار ذلك أيضاً مئات آلاف المجندين والضباط الصغار أيضاً ( وغالبيتهم من السنة).
أما العامل الآخر الذي استفاد منه نظام الأسد فهو الأسلوب الذي تفاعل به المجتمع الدولي تجاه الأحداث في سوريا. ففي البداية كان التفاعل ضعيفاً تماماً. لقد أصبح واضحاً بأن المجتمع الدولي، خاصة الولايات المتحدة، يجد بأن من الصعب عليه أن يقرر ما هو الأمر المفضل والمستحسن: بقاء بشار الأسد في السلطة أم الغموض والفوضى التي قد تتبع الإطاحة به، بما أن ليس هناك من بديل لحكمه في الأفق.
بالواقع، ليس هناك معارضة محلية متكاتفة تواجه النظام السوري، ولم يكن المتظاهرون الذين يشكلون المعارضة، مهما كان من شأن هذه المعارضة هناك، قادرين على الدفع قدماً بقيادة فعالة. هذا الوضع كان نتيجة مباشرة للتشظي والانقسامات  ضمن صفوف المعارضين للأسد.
في كل الأحوال، بعد عام واحد تقريباً من اندلاع الاضطرابات، أصبح من الواضح أن النظام السوري قد بدأ يصبح أكثر ضعفاً، حتى ولو أنه لم  يتفكك بعد، وبأن الدعم المحلي والدولي يتآكل بسرعة. وبالتالي، وعلى سبيل المثال، لقد غيرت الدول الغربية، بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، لهجتها وبدأت بالعمل على الإطاحة ببشار الأسد، حتى ولو لم يك الأمر بنفس التصميم كما حصل في ليبيا. ففي أيلول وتشرين أول 2011، مضوا بعيداً في خطوتهم من حيث فرض عقوبات اقتصادية غير مسبوقة على سوريا والذي تسبب بضربة قاسية لاقتصاد البلاد وقد يكون جعل البورجوازيين في المدن الكبيرة يغيرون أفكارهم ويخرجون ضد النظام.
إضافة لذلك، لقد خسر النظام السوري دعم عدد من أصدقائه، أولها الحركات الإسلامية الراديكالية في العالم العربي. كما فقد نظام الأسد أيضاً دعم الحكومات العربية المعتدلة، بقيادة دول الخليج، إضافة إلى دعم تركيا صديقتها السابقة، التي تسعى لأن تبني لنفسها شيئاً ما من حركة التظاهرات في سوريا والتي تقاد جزئياً من قبل السكان السنة المحليين. وفي تشرين الثاني 2011، مررت الجامعة العربية قرار تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية . ونظر لهذا الأمر على أنه إشارة، أو حتى ضوءاً أخضر،  لعمل حقيقي يتخذ ضد سوريا، ربما عمل عسكري في وقت ما في المستقبل حتى.
يبدو بأن الجهوزية العربية بقيادة السعودية بالخروج ضد سوريا نابعة من الفهم السعودي بأن سوريا قد بدأت تصبح ساحة للنزاع بين إيران والعالم العربي السني، ولذا فقد كان من الضروري التصرف بحسم لقلب الموازين في سوريا ضد نظام الأسد. ومن دون شك، لقد بدا هذا الأمر بهذا الشكل خاصة في ضوء الضعف الذي أظهرته الولايات المتحدة في معالجتها لمشاكل المنطقة.
في هذه الأثناء، بدأت المعارضة داخل سوريا تحرز بعض النجاح في توحيد قواها وتأسيس مؤسسات تمثيلية، قبل أي شيء " المجلس الوطني". كانت هذه الهيئة تكتسب شرعية متزايدة في الداخل والخارج. كما كانت المعارضة قادرة أيضاً على تكثيف نشاطاتها ضد النظام، على قاعدة تأسيس نفسها على عدد المنشقين المتزايد أبداً عن الجيش.
مع ذلك، فإن " النزاع لأجل سوريا" الذي عاد إلى الظهور بقوة كاملة في آذار 2011 لم ينته بعد، حتى ولو بدا بأن النصر قد أصبح أساساً في يد جانب أو في يد الجانب الآخر. من الصحيح القول بأن النظام قد صمد في وجه موجة التظاهرات خلال الأشهر الأولى، لكنه  فقد الزخم لصالح معارضيه، وكل يوم يمر يجلب أخبار أسوأ وضربات أكبر للنظام، الذي يفقد علوه بشكل منهجي وباستمرار، حتى ولو كان لم يتحطم بعد. ليس هناك من شك بأن الشعور في المنطقة هو أن النظام السوري لا يمكنه البقاء على المدى الطويل، في الوقت الذي يسير فيه بعكس الروح والاتجاه الذي يسلكه العالم العربي، والأهم أنه يسلكه في الشوارع العربية اليوم.
الاستنتاج
لا يهم ما هو المستقبل الذي قد يقدم للنظام السوري الحالي، إذ يبدو بأن الدولة السورية لن تتقدم بالضرورة. بالأحرى، من الأرجح أنها ستتراجع إلى الماضي، إلى وضع قريب من ذاك الذي كان مهيمناً في البلد في الأربعينات والخمسينات، عندما كان النظام ضعيفاً جداً وذي سيطرة منحلة على مناطق الأطراف التابعة للدولة والمناطق التي تسكنها طوائف دينية مختلفة.
ليس هناك شك بأن المشاعر الإسلامية موجودة، إلى حد ما على الأقل، لدى قاعدة التظاهرات في سوريا. في كل الأحوال، تميل أن تكون قوة الحركات الإسلامية محدودة بواقع المجتمع السوري الذي لديه تقاليد علمانية وحصة كبيرة من الأقليات الدينية. بالإمكان الافتراض بأنه بينما ستزداد ربما قوة الحركات الإسلامية بمرور الوقت، فإنه هذه الحركات ستجد أن من الصعوبة بمكان تولي السيطرة تماماً  على الدولة والمجتمع، وذلك بفضل خصوصيات الديمغرافية السورية.
هناك نتيجة ثانوية ـماماً أخرى " للربيع العربي"  2011  وهي إمكانية عودة بروز الجيش السوري كصانع ملك، أو على الأقل كلاعب فاعل أو مهيمن في حياة البلد السياسية. ولتحقيق هذه المكانة، ينبغي للجيش المحافظة على تجانسه وتماسكه وإبعاد نفسه عن إرث الأسدية، وربما أيضاً البقاء على مسافة من هيمنة العلويين. وفي الظروف الحالية لسوريا لا يزال الجيش القوة الأقوى والأكثر تنظيماً وفعالية في البلاد، بحيث أنه العامل الوحيد الذي بإمكان الحاكم، سواء بشار الأسد أو خليفته، الاعتماد عليه لدعم سلطته، وهذا سيظل من دون شك موجوداً في المستقبل أيضاً. هنا أيضاً تواجه سوريا عودة إلى الماضي، إلى الفترة الممتدة من الأربعينات إلى الستينات، عندما  لعب الجيش دوراً مركزياً في الحياة السياسية للبلد، وفي النهاية سيطر حتى عليه، إلى حين تحوله إلى كلب حراسة منضبط لسلالة الأسد الحاكمة.

موقع الخدمات البحثية