مواد أخرى » فهم الوضع في سوريا

أيمن الجواد التميمي ـ أوسكار سفادوفسكي
The American Spectator
19 تموز، 2012

أصبح موضوع سوريا كبلد أقليات موضوع إيمان في أوساط صناع القرار والمحللين السياسيين. هناك مصادر مختلفة تقدِّر حصة الأقليات المسلمة غير السنية بالربع من مجموع عدد السكان. يُعتقد بأن هذه الأقليات تشكل قاعدة الدعم للنظام السوري. ويمضي البعض باعتقاده إلى حد أن يطرح بأن النظام كان يقوم، عن عمد وبشكل مدروس، بإذكاء التوترات المذهبية بالمجازر التي حصلت في الحولة والكبير وذلك لتعزيز وتوطيد قاعدة دعم الأقليات له.
إن النسب المئوية المقبولة والشائعة عادة للأقليات السورية هي: العلويون- الشيعة – 13%، المسيحيون- 10%، الدروز- 3%. في كل الأحوال، إن سوريا لا تجمع أو تنشر بيانات ذات صلة بالتركيبة المذهبية والطائفية لسكانها، وإن محاولة تقصي أصل التقديرات الشائعة لا يقود إلى أي مكان عادة.
على سبيل المثال،إن كل المراقبين الذين يعلقون على الشأن السوري يعتقدون بأن السوريين الدروز يعيشون، وبشكل رئيس، في جبل الدروز ويشكلون 3% من مجموع سكان سوريا. في كل الأحوال، إن هذا الزعم لا ينسجم مع نتائج الإحصاء السكاني الأخير لسوريا. فوفق الإحصاء، كان عدد السكان في محافظة السويداء في العام 2004، حيث يوجد جبل الدروز، 313231 نسمة في مقابل 17920844 نسمة من مجموع سكان سوريا. هذا يجعل النسبة 1.7 بالمئة وليس 3 بالمئة من السكان. فوق كل هذا، وقفت نسبة الولادات عند حدود 1.7 بالمئة مقابل 2.5 بالمئة هو المعدل الوطني. عند هذه النسبة، وبدون احتساب الهجرة المتدفقة بين المحافظات السورية، ينبغي أن تكون السويداء، بحلول عام 2012، قد انكمشت بالفعل عند حدود نسبة 1.6 بالمئة، بما في ذلك مجتمع مسيحي كبير في مدينة السويداء وبعض المسلمين وليس الدروز فقط.
غالباً ما يفسر ناشطون في السويداء المستوى المنخفض للمشاركة الدرزية في الثورة السورية بالهجرة الواسعة للشباب الدروز. فقد ترك الشباب الدروز المحافظة المبتلاة بالبطالة لأجل مراعِ أكثر اخضراراً. فلو أنهم قصدوا دمشق ومدناً أخرى أكبر فإن هذا كان سيعوض انحدار حصة السويداء في مجموع السكان. مع ذلك فإن الرأي القائل بأن الدروز لا يزالون مركزين في جبل الدروز يمكن أن يكون خاطئاً. مع ذلك، ووفقاً للمصادر نفسها، لقد هاجر كثير من هؤلاء الشباب إلى خارج البلد بالإجمال. إذا كان ذلك صحيحاً فهذا يترك لنا نصف العدد المقدر للسكان الدروز غير مؤكد.
في هذا المجال، هناك قضية أخرى هي قضية المسيحيين السوريين الذين يُعتقد عموماً بأن نسبة تعدادهم قد انحدرت من 14% في العام 1943 إلى 10% اليوم. إن مدونة Syria Comment هي من أشمل المدونات ومجمعات الربط في سوريا. وقد قدر أحد المساهمين فيها مؤخراً، ويدعى إحساني، نسبة المسيحيين في سوريا وقال بأنهم يشكلون ما بين 4% إلى 5% فقط من مجموع السكان. وقد عزا إحساني، مجدداً، هذا الانحدار الكبير إلى الهجرة ونسبة الولادات الهزيلة.
إن أبحاث إحساني في هذا الموضوع كان قد أثارها حوار له مع كاهن في حلب أشار إلى محاولاته العقيمة بثني المسيحيين عن الهجرة. وقد اتضح بأن الكهنة والأساقفة المسيحيين في حلب يتتبعون العائلات التابعة لكنائسهم إضافة إلى عدد المواليد والزيجات. وبعد درس المعطيات المتوفرة، كان الاستنتاج الذي توصل إليه إحساني هو أن حصة المسيحيين في سكان حلب ليست 12% كما زعمت ويكيبيديا ومصادر أخرى، إنما هي نسبة منخفضة تصل إلى حد 3.5 %.
بالمناسبة، إن الاختلاف في نسب الولادات بين المحافظات السورية يمكن أن يكون كبيراً هو الآخر. ففي السويداء، اللاذقية، وطرطوس، المحافظات الثلاث ذات الأكثرية الدرزية أو العلوية، تراوحت نسب الولادات فيها في العام 2004 ما بين 1.7% و 1.9%. أما في المحافظات السنية بغالبيتها في إدلب ودرعا ودير الزور فقد كانت نسبة الولادات فيها 3.1%.
وضع إحصاء عام 1943 حصة السنة عند نسبة 69%. وبعد 70 عاماً تقريباً يُقدَّر بأن النسبة قد زادت إلى 74% فقط. مع ذلك، ومع الأخذ بالاعتبار الهجرة ونسب الولادات التافهة للأقليات غير السنية، فإن الاعتقاد بأنه لا يزال بإمكانهم استعادة حصة عبارة عن 26% من تعداد السكان كالتي هو، اعتقاد لا قيمة جدية له.
وبالقدر الذي تعتبر فيه أهم أقلية في سوريا قلقة، بحسب ما يتابع المتوافقون على هذا الرأي، فإن العلويين يهيمنون على القوات المسلحة. فهم في الحد الأدنى يهيمنون على ذلك الجزء من الجيش الذي لا يزال موالياً لبشار الأسد، في حين أن باقي الجيش مقفل عليه في الثكنات. مع ذلك، فإن هذا التقدير للتركيبة المذهبية للجيش يتعارض مع مقابلات عديدة جرت مع منشقين عن الجيش ونُشرت خلال العام الماضي. فبحسب تقديمهم للوضع في وحداتهم، يبدو بأن جنود الصف هم من السنة. وصحيح أنه يبدو أن كثيراً من الضباط هم من العلويين، لكن هناك ضباطاً ليسوا كذلك. وقد استخدم دايفيد أنديرس، الذي سافر إلى إدلب مع قافلة من المراقبين الدوليين، تلك الفرصة لإجراء مقابلات مع جنود الحكومة من دون وجود عائق وجود مراقبين. وقال له الجنود بأنه قبل أربعة أشهر مضت انشق قائد وحدتهم وأنشأ لواء تمرد تابع له. ومن غير المرجح، وبشدة، أن يكون الضابط المنشق علوياً.
ووفق إحصاء عام 2004، فإن التكتل السكاني لللاذقية وطرطوس لا يصل إلى 9%  حتى من مجموع السكان. ومن الصحيح القول أن هناك وجوداً علوياً هاماً وبارزاً خارج المعقل العلوي. لكن من الصحيح أيضاً أن الأعداد المتعلقة باللاذقية وطرطوس تتضمن أيضاً أقلية سنية بارزة. إن مدناً كبانياس في طرطوس وحتى عاصمة اللاذقية نفسها عبارة عن أكثرية سنية. بالواقع إن أجزاء من اللاذقية ينتشر فيها المتمردون الآن. إذن فالأمر لا يتعلق كذلك بكون سوريا تعج بالعلويين.
إلى جانب ذلك، إن المفهوم الموجود عن جيش يهيمن عليه العلويون لا ينسجم، وببساطة، مع أعداد القتلى يومياً والتي تنشرها الوكالة السورية الرسمية التي تضع قوائم بأسماء الجنود القتلى مع أسماء محافظاتهم. على سبيل المثال، وفي 9 حزيران، أحد أكثر الأيام دموية بالنسبة للجيش السوري حتى الآن، ساهمت اللاذقية وطرطوس بعشرة شهداء. وفي حين يعتبر ذلك أكثر من حصتهم في تعداد السكان، فإنهم بالكاد يهيمنون على القائمة. ' نحن نعلم بأن معظم القوى الأمنية التي تطلق النار علينا وتقتلنا هم من السنة، وليس العلويين'، قال فيل ساندس نقلاً عن ناشط سني من ريف دمشق في 21 حزيران، 2012.
وفي حين تصاعدت الحرب الأهلية في سوريا وأخذت بُعداً مذهبياً متزايداً، تنبأ مراقبون بصراع مطول ومرسوم هناك. ومع الأقليات المحتشدة خلف نظام بشار الأسد، بحسب منطق هؤلاء الناس، فإن بإمكان النظام تحريك الدعم الموجود لديه لدى السكان إضافة إلى تحريك القوات المسلحة لتأخير ما هو محتوم. إنهم مخطئون. بالرغم من ذلك، تقول ويكيبيديا بأن سوريا ليست دولة أقليات كما كانت عليه في العام 1943. إذ أن أياً من هذه الأقليات ليس حاضراً في القوات المسلحة السورية بأعداد ساحقة. إن ولائهم ليس كافياً لإطالة المعاناة.
بقى أن الواقع لا يحظى بالتقدير الواجب، لكن في بداية الثورة كان النظام في سوريا يسيطر على ولاء شريحة هامة من السكان العرب السنة.
ومنذ بداية الثورة وحتى الآونة الأخيرة تماماً، كان المراسلون في دمشق قد أشاروا، مراراً وتكراراً، إلى أنه يبدو بأن النظام يتمتع بدعم واسع في أوساط الطبقات المتحضرة في العاصمة التي تخطت الانتماءات المذهبية والطائفية.
وقد نقل أنطوني لويد عن أحد قادة التمرد في مدينة حلب في 19 حزيران، 2012، قوله بأنه يؤكد بأن كثيراً من السنة في المحافظة قد انضموا إلى ميليشيات الشبيحة الموالية للحكومة وحدد عشيرتين منها: الباري والبكارة كداعمتين للنظام في حلب. وبأفرادها الذين يصل عددهم إلى أكثر من مليون نسمة، تعتبر عشيرة البكارة عشيرة كبرى في دير الزور أيضاً.
إن مفهوم الثورة السورية حتى، كثورة سنية متواضعة، لا يعتبر مفهوماً عادلاً بالنسبة للواقع الموجود. فوفقاً لما يقوله فيل ساندس، وفي كانون الثاني من هذا العام، قدَّرت إحدى الشخصيات العشائرية الرفيعة في دير الزور الفقيرة بأن رجال العشائر السنة كانوا لا يزالون منقسمين بين داعمين ومعارضين للنظام.
إنها تلك الأقلية السنية الخفية هي التي لا زالت تحافظ على النظام صامداً حتى الآن. إن فقدان هذا الدعم لصالح الاستقطاب المذهبي سيضع النظام على السكة السريعة لغياهب النسيان.
في هذه الأثناء، وبحسب التقارير الأخيرة الواردة من دير الزور، فقد كُشف النقاب أخيراً عن التحالف الموجود بين العشائر السنية في المحافظة وبين النظام. لكن ما أن حصل ذلك، حتى سقطت أجزاءً كبيرة من المحافظة ومدينة دير الزور، وبسرعة، وأصبحت تحت سيطرة المعارضة. وهذه ليست المرة الأولى التي تسيطر فيها المعارضة على قلب مدينة دير الزور. لكنها المرة الأولى التي يتم فيها صد هجوم الحكومة لاستعادة المدينة، تاركين شوارع المدينة مليئة بحطام الدبابات المدمرة والعتاد العسكري المتناثر.
كان الرهان أكثر شيء هو على نفط سوريا والسيطرة على الحدود مع العراق المعروفة باستخدامها لتهريب الأسلحة والمقاتلين الأجانب إلى داخل البلاد. بالواقع، لدى دير الزور حلفاء من العشائر المسلحين والمتمرسين في المعارك القتالية على الجانب العراقي من الحدود. لقد نال بشار الأسد كفايته من الوضع السيئ في حمص، لكن ' بنغازي' تحولت لتصبح كحبة بندق أقسى حتى، مع زعم الجيش السوري الحر سيطرته على 70% من دير الزور.
والآن، ومع وصول القتال إلى دمشق، ومع مقتل وزير الدفاع بحسب التقارير الواردة في تفجيرات انتحارية، تبدو الأمور قاتمة أكثر حتى بالنسبة للنظام. تبدو النهاية في متناول اليد، مع الفوضى  التي ستحكم اليوم. فأين هو هذا الجيش السوري الآن المفترض أنه يَعُد أكثر من 600000 جندي؟

موقع الخدمات البحثية