مواد أخرى » الخط الأحمر الخفي: عبثية محاولة اكتشاف أمر إيراني ببناء القنبلة

الدكتور داني شوهام
الدكتور رافاييل أوفك
مركز BESA ( ورقة وجهات نظر رقم 174)
19 تموز، 2012
موجز تنفيذي

في أية مرحلة سيحتم تحرك إيران للحصول على السلاح النووي ضرورة القيام بعمل عسكري غربي ضدها؟ ما هو الشيء الذي يشكل تجاوزاً لـ ' الخط الأحمر'، بحسب ما يقول المثل؟ هل سيكون أمر رسمي من قبل القيادة الإيرانية لتجميع قنبلة، أم عندما تدخل إيران ' منطقة الحصانة' من ضربة عسكرية؟ هذه الورقة تناقش وتقول أن من المستحيل عملياً ومن غير المحتمل كثيراً أن تتمكن الاستخبارات الغربية من تقصي أمر لا لبس فيه صادر عن القيادة الإيرانية لبناء قنبلة نووية، ما يجعل هذا  الأمر عبارة عن علامة لـ ' خط أحمر' غير حكيم. بدلاً من ذلك، تعتبر العتبة  (النووية) التي لا يمكن لعملية جراحية عملية أن تحرم إيران من قدرتها النووية أمراً ذي صلة أكثر بكثير بـ ' الخط الأحمر' بخصوص طريق إيران إلى النووية.

لقد أصبح واضحاً بأن المدير الأميركي للاستخبارات الوطنية ( DNI)- المستشار الرئيس للرئيس لشؤون الاستخبارات الاستراتيجية – يعتبر، بصراحة وبشكل لا لبس فيه، بأن أمراً ضمنياً من القيادة الإيرانية لبناء قنبلة نووية هو بمثابة ' الخط الأحمر' في البرنامج النووي الإيراني. إن أمراً كهذا سيثير، بحسب ما هو مفترض، عملاً عسكرياً أميركياً ضد البنية التحتية النووية.
في كل الأحوال، من المشكوك به بشدة ما إذا كان ينبغي أن يكون أمراً كهذا صادر عن القيادة الإيرانية متوقعاً أو ما إذا كان الأمر كله قابلاً للاكتشاف. لذا، فإن الخط الأحمر قد يكون خفياً بصورة فعالة.
إن اكتشاف أمر صادر عن رأس جهاز صنع القرار في إيران يمكن أن يتم إما من خلال وسائل سرية وإما علنية، كل منها مشحون بصعوبات هائلة. إذ بإمكان المرء الافتراض بأن الإيرانيين، الحذرين من هذا الخط الأحمر المعلن صراحة، سوف يتصرفون بحذر ويحاولون، بشكل مدروس، خداع الوكالات الأجنبية التي تراقب عملية صنع القرار الإيراني.
المعالم العلنية
في شباط 2012، صرَّح آية الله الخامنئي خلال خطاب له أمام مجموعة من العلماء النوويين الإيرانيين بأن إيران تعتبر، ومن منطلق منطقي وديني وإلهي، بأن امتلاك السلاح النووي هو إثم كبير وبأنه يعتقد بأن انتشار هكذا أسلحة أمر لا معنى له ومدمر وخطير.
بإمكان المرء أن يفسر هذا التصريح بطريقتين مقبولتين، إنما مع ذلك متعارضتين. فإما أن يكون الخامنئي قد عنى ما قال بصدق وإخلاص، وبأن إيران ليست مهتمة بمواصلة الحصول على سلاح نووي، وإما أن تصريحه مصمم للتضليل عمداً وبشكل مدروس لإخفاء طموح نووي بمواصلة السعي للحصول على القنبلة. إن إدارة إيران لهذا الملف تشير، ولسنوات، إلى أن الاحتمال الأخير هو الأكثر ترجيحاً.
هذا الاحتمال الثاني هو الذي أيده، بحسب الظاهر، وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك. لقد قال بأن تصريح الخامنئي ليس مقنعاً وأشار إلى  عقيدة ' التقية' الإسلامية الأساسية التي تعمل كإجازة من السماء للمسلم كي يكذب ويضلل لتحقيق هدف أساسي وجوهري. هذه الممارسة شائعة خاصة بين الشيعة. وبالتالي، فإن الخامنئي، أو أية سلطة إيرانية، لديها امتياز ديني يسمح لها بالخداع عن طريق إعلان إيران ' بريئة' من ' الخطيئة المميتة' النووية في حين أنها ترتكب خلسة فعل  'الخطيئة'.
المعالم الخفية
إن الاعتماد على الخطاب الإيراني، أو الإشارات العلنية، يمكن أن يكون مهلكاً. ففي حين أن الأساليب الخفية هي أساليب أكثر وثوقاً فإنها بعيدة جداً أيضاً عن كونها مضمونة. في هذه الحالة، توجد نقاط الضعف في التقصي السري في المرحلتين الاستخباريتين: جمع المعلومات ومعالجة البيانات.
بالإمكان تحقيق جمع المعلومات الاستخبارية  إما عن طريق مراقبة تدفق الأوامر المعطاة، سواء تلك الصادرة عن الخامنئي مباشرة أو من خلال سلسلة القيادة  الموجودة تحته، أو عن طريق مراقبة المنشآت الإيرانية المحتملة حيث بإمكان بناء القنبلة بنجاح. إن إمكانية العمل على تقصي أمر رسمي من خلال أي من هذه السبل أمر محل تساؤل، هذا في الحد الأدنى.
بصرف النظر عن التحديات المتأصلة في عملية جمع المعلومات الاستخبارية، يظل هناك عائق إضافي  بما يتعلق  بمعالجة المعلومات الاستخبارية: تأكيد دقة وصحة المعلومات التي تم جمعها. وهناك قضية هامة هي ما إذا كانت هكذا مراقبة مبنية على أساس مصادر استخبارية أميركية – إسرائيلية مشتركة أم أنها جُمعت بشكل أحادي. فإذا ما تم جمعها بشكل مشترك فإن الأمر الحاسم هو أن البلدان يتقاسمان المعلومات نفسها ويتوصلان إلى نفس النتائج؛ وإذا ما وجد كل من البلدان معلومات مختلفة فإن مشكلة ما يمكن أن تبرز. وإذا ما اتخذت كل من إسرائيل والولايات المتحدة مساراً أحادياً، فعندها سيكون على أحد الفريقين اتخاذ الموقف الغير مريح بأن يكون معتمداً على الاستنتاجات الاستخبارية للآخر. إن المراقبة وتقاسم المعلومات الثنائي والمتزامن سيكون تاماً لكن من غير الواضح ما إذا كان الأمر يحصل بالفعل.
بالإجمال، يستتبع ذلك القول بأن الاعتماد على استخبارات علنية أو سرية لتحديد ما إذا كان قد تم تجاوز الخط الأحمر – أمر من الملاليين لبناء القنبلة- ينتج عنه نتائج غامضة بشكل غير مقبول. هذه النتيجة هي أيضاً حصيلة الفرضية الضعيفة بأن أمراً كهذا لم يعط أساساً.لا يستلزم الأمر حكماً وتبصراً استراتيجياً كبيراً ودقيقاً لقبول احتمال وجود أمر موجود أساساً من القيادة الإيرانية لتطوير وإنتاج أسلحة كيميائية بأقصى سرعة ممكنة، مع ذلك بطريقة لا تجعل الهجوم على إيران وشيكاً.
بديل الخط الأحمر
على عكس مدير الاستخبارات الوطنية ( DNI)، أشار وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا إلى أنه لا يملك أية معلومات محددة تشير إلى ما إذا كان الإيرانيون قد اتخذوا قرارأً بطريقة أم بأخرى لبناء سلاح نووي. هذا الموقف يعكس الغموض المحيط بالقضية ويعترف باحتمال أن يكون الأمر ببناء القنبلة قد صدر. وكمدير للـ CIA حتى حزيران 2011، يبدو موقف بانيتا تجاه القضية موقفاً مسؤولاً، قائم على منطق صحيح وصادر عن خبرة. إن دور بانيتا حالياً هو إقناع البيت الأبيض بتعريف محدد للخط الأحمر أكثر من تعريف مدير الاستخبارات الوطنية.
إن الخط الأحمر لمدير الاستخبارات الوطنية لاي مكن الاعتماد عليه جداً، كما أشار بانيتا بطريقة غير مباشرة. إن العتبة التي تدخل بها إيران ' منطقة الحصانة'، ما يعني عندما لا يكون هناك من عملية جراحية عملية بإمكانها حرمان إيران من قدرتها النووية، هي نقطة أكثر من حيوية بكثير لطريق إيران نحو النووية. هذا الخط الأحمر البديل مستقل عن الخط الأحمر الرسمي، بما أنه يعكس النقطة التي عندها يصبح من غير العملي مهاجمة المواقع النووية الإيرانية بصورة فعالة وذلك بسبب عددها، موقعها، ودرجة حمايتها إضافة إلى كمية اليورانيوم التي تم تخصيبها.
إسرائيل قلقة بعمق من قدرة إيران على الوصول إلى نقطة الإختراق النووي، نقطة تكون بها على مسافة أشهر فقط من إكمال بناء القنبلة، بالرغم من المراقبة والجهود الدولية. ينبغي أن يكون موقف إسرائيل بما يتعلق بالخط الأحمر – وهي تميل له على الأرجح- متقيداً بالعامل المحدِّد لمنطقة الحصانة، وهي مقاربة مستحسنة لدى إيهود باراك. في كل الأحوال، وبما أن لدى الولايات المتحدة قدرات عسكرية أكبر من إسرائيل فإن بإمكانها تحمل ضرب إيران في تاريخ لاحق، ونتيجة لذلك فإن التاريخ الذي تدخل فيه إيران منطقة الحصانة هو تاريخ متأخر بالنسبة للولايات المتحدة أكثر مماهو بالنسبة لإسرائيل. وبرغم هذا الاختلاف الرئيس الموجود بين الولايات المتحدة وإسرائيل، فإن هذا العامل المحدد ذي أهمية رئيسة.
بالإجمال، يبدو بأن الحدود ما بين ' المبكر جداً ' و' المتأخر جداً' لجهة مهاجمة مواقع إيران النووية رفيعة جداً. فالخط الأحمر لأمر رسمي إيراني ببناء القنبلة  أمر هام مع ذلك هو أقل صلة بكثير من الخط الأحمر لمنطقة الحصانة. ومع كل الغموض المحيط بالقضية النووية الإيرانية، فإن الأساس بالنسبة للولايات المتحدة هو تبني خط أحمر واقعي.

&bascii117ll; اللوتانت كولونيل الدكتور داني شوهام محلل استخباراتي رفيع سابق في قوات الدفاع الإسرائيلية ومساعد أبحاث رفيع في مركز بيغين- السادات للدراسات الاستراتيجية.

&bascii117ll; اللوتانت كولونيل رافاييل أوفك خبير في مجال الفيزياء النووية وعمل أيضاً كمحلل استخباراتي في قوات الدفاع الإسرائيلية.

موقع الخدمات البحثية