مواد أخرى » التحديات الجديدة لجهود مكافحة الإرهاب الأميركي (تقييم للتهديدات الإرهابية الحالي


برايان مايكل جنكينز ( شهادته أمام لجنة الأمن الداخلي والشؤون الحكومية التابعة لمجلس الشيوخ في 11 تموز، 2012) ـ RAND
تموز، 2012

تواجه الولايات المتحدة تهديداً إرهابياً أكثر تنوعاً مما كان عليه الأمر في الماضي. فالقاعدة، التي لا تزال هاجسنا الرئيس، قد استغلت الاضطرابات التي خلقتها الثورات العربية للقيام بتقدم تكتيكي وفتح جبهات جديدة. إضافة لذلك، تعرض حوادث عديدة حصلت في العام الماضي إلى عودة الإرهاب برعاية إيران مجدداً. ويواجه المكسيك ما يسميه بعض المحللين ' التمرد الإجرامي' من قبل كارتلات المخدرات في البلاد، ما يعرِّض الولايات المتحدة لنوع من الهمجية نراها في ذلك البلد. لقد ولدت الأزمة الاقتصادية العالمية تظاهرات ضخمة. وتعتبر هذه التظاهرات تعبيراً مشروعاً عن النقمة الشعبية، لكنها تجتذب فوضويين يمارسون العنف وربما أنتجوا مجموعات خاصة هامشية تمارس العنف. وقد أصبحت المشاعر المناهضة للحكومة الفيدرالية، وهو تيار مستمر في التاريخ الأميركي، أكثر ضراوة، يغذيها جزئياً، الاضطراب الاقتصادي الذي تخطى الأزمة الاقتصادية الحالية والانقسامات الوطنية العميقة، والتحزب الموسوم بالحقد الذي يتصف به النقاش السياسي المعاصر.
هذه قائمة بالمخاطر المحتملة، وليست تكهنات بمهالك عديدة. ولاحقاً في هذه الشهادة، سوف أقوم بمراجعة الهجمات الإرهابية والمؤامرات التي حصلت ما بعد 11/9 لرسم بعض الاستنتاجات حول الأهداف، التكتيكات، ومستوى العنف الإرهابي اليوم.

القاعدة تظل هاجسنا الرئيس
بعد مرور 11 عاماً تقريباً على هجمات 11/9، لا يزال هناك افتقار لافت للإجماع العام بين المحللين حول التهديد الحالي الذي تشكله القاعدة، وتحديداً، ما إذا كانت القاعدة قريبة من الهزيمة أم أنها لا تزال تهديداً بارزاً وهاماً. وتعكس الاختلافات، في جزء منها، واقعاً يقول بأن القاعدة عبارة عن أشياء عديدة في وقت واحد – إيديولوجية العنف الجهادي، عالم من المتعصبين ذوي التفكير المتشابه، ومشروع إرهابي عالمي- وهي تشتغل على عدد من الجبهات في العالمين المادي والنظري. ولذلك ينبغي تقييمها في أبعادها المختلفة. كما تظهر أيضاً خلافات حول التفسير لدليل متوفر. وهناك رؤى مختلفة لمسار القاعدة مستقبلاً  ولمستوى المخاطرة الذي يمكن لأميركا أن تتساهل تجاهه كمعيار ' ما بعد الحرب'.

لقد صنعنا تقدماً لا يمكن إنكاره ضد القاعدة. فقدراتها التنفيذية تدهورت. وقيادتها المركزية دمرت. وقد أجبرت على العمل في بيئة أكثر حذراً وعدائية. أما قدرتها على تنفيذ هجوم آخر من مستوى 11/9 ( أو أكبر) فقد انخفضت إلى حد كبير. وبعيداً عن مأساة ' فورت هوود'، لم تكن القاعدة قادرة على إطلاق هجوم إرهابي بارز في الغرب منذ العام 2005 ، أو الإيحاء إلى أحد به.
القاعدة اليوم في وضع لا مركزي أكثر، وأكثر اعتماداً على الفروع الإقليمية التابعة لها والجماعات المشابهة لها بنمط التفكير وكذلك على قدرتها في الهام وتنشيط إرهابيين محليين. لقد تم ضرب تاريخها في الصميم. وينبغي على عملائها المتبقين على الحدود الأفغانية- الباكستانية تكريس اهتمام أكبر لبقائهم على قيد الحياة. إن مصيرهم يعتمد على حظوظ بقاء حركة طالبان الأفغانية. فإذا كانت طالبان قادرة على توسيع سيطرتها الحدودية ونفوذها السياسي في أفغانستان، فإن القاعدة ستجد  قدراً من الملاذ لها، إن لم يكن الحصانة من الهجمات الأميركية المستمرة.
ينبغي تخفيض القوات الأميركية في أفغانستان بشكل هام إلى مستوى يكون مستداماً لأجل غير مسمى. هذا الأمر سيحتم وجود مخاطر بالنسبة لجهودنا في مجال مكافحة الإرهاب. أما عما إذا كانت القوات الأفغانية الوطنية ستكون قادرة على احتواء طالبان ما أن تنسحب القوات الأجنبي فأمر يبقى غامضاً. لم تظهر طالبان، حتى الآن، استعداداً للتخلي عن علاقتها التاريخية مع القاعدة كجزء من تسوية سياسية. سيكون الأمر أكثر صعوبة لجهة مواصلة القاعدة عملها في المنطقة بعد انسحاب الانسحاب الأميركي من أفغانستان.

القاعدة تستغل الربيع العربي  
تشكل القاعدة مجموعة جديدة من التهديدات في أفريقيا والشرق الأوسط. وبسبب تفاجئها بالربيع العربي، زعمت القاعدة آنذاك، ومن غير وجه حق، بأن هجمات 11/9 حركت، في الواقع، الأحداث التي أدت إلى الثورات العربية. في نفس الوقت، موضعت القاعدة نفسها للاستفادة من خيبة الأمل السياسية والاقتصادية التي ستتبع لا محالة. في هذه الأثناء، هي تستغل الفرص التكتيكية.
لقد سمحت الفوضى في اليمن 'للقاعدة في شبه الجزيرة العربية'، إلى جانب حلفائها الجهاديين المحليين، بتعزيز قبضتها على أجزاء من البلاد.  وأصبح هذا الجزء المصدر الرئيس للهجمات على الولايات المتحدة. لقد مكنت الانحرافات السياسية المحلية المصرية حلقات التهريب المحلية ورجال العشائر البدو المتطرفين من العمل بحرية أكبر في سيناء. وقد شكل هؤلاء ' أنصار الجهاد'، التي وإن لم تكن بعد فرعاً رسمياً للقاعدة، فإنها تعهدت بالولاء لزعيم القاعدة أيمن الظواهري. ويبدو أن مقاتلي القاعدة المتمرسين في العراق يدعمون حملة تفجير إرهابية في سوريا. ورغم أن لا تأثير كبير لمقاتلي القاعدة في ليبيا، فإنهم اكتسبوا خبرة قتالية وهم يقاتلون نظام القذافي في ذلك البلد وربما يكونوا قد حصلوا على بعض ترسانة الأسلحة للقذافي. أما المجاهدون المحليون المرتبطون بالقاعدة فقد أطبقوا سيطرتهم على شمال مالي، ويقال بأن القاعدة لها ارتباطات مع متطرفي منظمة ' بوكو حرام' في شمال نيجيريا.
تجد القاعدة لنفسها مرتعاً خصباً في دول فشلت أو فاشلة الآن حيث يمكنها ربط نفسها بحركات تمرد محلية. وقد تقوم بتوفير مساعدة مادية متواضعة ونصيحة عملية فقط، إلا أن انتشار الحركات المنتمية للقاعدة والمرتبطة بها في المنطقة برهان على أن اسمها لا يزال له هيبة واعتبار.
إن وجود القاعدة في جزء محدد من العالم لا يمثل دائماً تهديداً إرهابياً وشيكاً للولايات المتحدة. فالمنافسات المحلية حيث يمكن للقاعدة صنع صلات لها أو شراء موطئ قدم يرجح أن تبقى محلية. وفي حين قد يرحب المتمردون المحليون بمساعدة القاعدة، فإن هذا لا يعني بالضرورة أنهم يتبنون حرب القاعدة على ' العدو البعيد'. أما التهديد على المدى الأطول فهو أن تكون القاعدة قادرة على تعميق علاقاتها التي توفر لها، في نهاية المطاف، ملاذاً آمنا جديداً، قواعد تشغيلية، ومقاتلين متمرسين من ذوي الخبرة للقيام بعمليات إرهابية دولية، الأمر الذي يظل سمة فارقة للقاعدة.
في هذا السياق، من المرجح أن يكون التدخل العسكري الواسع والجهود الأميركية الطموحة لإصلاح الدول الفاشلة غير مثمرة. إنها مسألة طويلة ومكلفة، وبصرف النظر عن مدى خبرة القوات الأميركية وتدريبها الجيد في مكافحة التمرد، فسوف ينظر إلى وجود هذه القوات على أنها تؤكد مزاعم القاعدة بعدائية الكفار، في حين سوف تستثير العمليات العسكرية الضرورية النقمة المحلية. ينبغي على الولايات المتحدة تطوير استراتيجيات مكافحة الإرهاب التي تمكن من تجنيب القوات الأميركية القيام بالتزامات كبرى.
لقد عطلت ضربات الطائرات من دون طيار قيادة القاعدة واتصالاتها، وينبغي أن تظل عنصراً في الاستراتيجية الأميركية، وليس مجمل هذه الاستراتيجية. بإمكان فرق عسكرية صغيرة من القوات الخاصة، التي لا تعمل كفرق كوماندوس حصرياً، العمل مع الحكومة والقوات غير النظامية ، بدورها الأكثر تقليدية، لحرمان عناصر القاعد من الحصول على الملاذ الآمن. إن أية مهمة من هذا النوع ينبغي أن تكون مستدامة لسنوات عديدة.
حملة القاعدة الفاشلة لتسويق شعار الجهاد في الولايات المتحدة 
بسبب عجزها عن مهاجمة الغرب مباشرة، تبنت القاعدة استراتيجية ' قم بذلك بنفسك'، بحض المتطوعين على القيام بكل ما يمكنهم أينما كانوا. لكن جهود التجنيد هذه على الانترنت ( أونلاين) فشلت حتى الآن بإثارة حملة إرهابية محلية. ففي الفترة ما بين 11/9 ونهاية عام 2011، كان هناك 96 حالة تشتمل على 192 أميركي أومن المقيمين في أميركا ممن وجهت لهم تهم تقديم دعم مادي لجماعات جهادية، الانضمام، أو محاولة الانضمام، إلى جبهات جهادية في الخارج، أو، وهو الأخطر، التآمر لتنفيذ هجمات إرهابية في الولايات المتحدة. ( هذا الأمر يستثني نشاطات حماس وحزب الله، كما يستثني أعمال أفراد متطرفين في الخارج جاؤوا إلى هنا لتنفيذ هجمات، وحالات ليست جهادية بشكل واضح).
alqaeada2012_250هذه حصيلة متدنية جداً، ما يعرض إلى أن إيديولوجية القاعدة لها جاذبية محدودة جداً في المجتمع الإسلامي الأميركي. وكحملة تسويقية للإرهاب، هي حملة فاشلة. ليس هناك دليل على وجود حركة جهادية سرية منظمة. ويبدو بأن قرارات الانضمام إلى الجهاد هي قرارات شخصية بشدة، وغير مدعومة من قبل المجتمع ( الإسلامي). لقد أصبح تبني جهاد وعنف القاعدة، بحسب الظاهر، تعبيراً عن نقمة واستياء فردي.
شهد العام 2009 تنامياً حاداً في العدد الإجمالي للقضايا، عدد المؤامرات الإرهابية، وعدد الأفراد المعتقلين، لكن هذا يفسر، إلى حد ما، بالتجنيد المتزايد للأميركيين من أصل صومالي عقب غزو أثيوبيا للصومال، وبذروة التحقيقات بنشاطات تعود إلى متصف العقد. وقد انخفض عدد الأفراد المعتقلين في العام 2010 ومجدداً في العام 2011.
من أصل 37 مؤامرة جهادية تم تحديدها لتنفيذ هجمات إرهابية في الولايات المتحدة، تم منع 34 منها من قبل السلطات. واشتملت أغلبية المؤامرات على وجود فرد واحد فيها. وكانت معظم المؤامرات غير ناضجة وغير متقنة. ورغم أن معظمها كانت تشتمل على تفجيرات، فإن شخصين فقط حاولاً تصنيع أجهزة التفجير. وأسفر هجومان فقط عن سقوط قتلى؛ تم تنفيذ كل منهما على يد مسلح واحد.

عودة الإرهاب برعاية إيران
 الجهاديون ليسوا الهاجس الإرهابي الوحيد. فالتوترات المتنامية مع إيران يمكن أن تسفر عن تصاعد الهجمات الإرهابية برعاية إيران على أهداف أميركية في الخارج أو في الولايات المتحدة، كما تشهد الأحداث الأخيرة. ففي شباط 2012، كان هناك عملاء إيرانيون مرتبطين بمؤامرات إرهابية أو محاولات لاستهداف ديبلوماسيين إسرائيليين في الهند، جورجيا، وتايلاند. وفي آذار، اعتقلت السلطات الأذربيجانية 22 مواطناً آذربيجاني تم توظيفهم وتدريبهم من قبل إيران لتنفيذ هجمات إرهابية ضد سفارات أميركية وإسرائيلية، إضافة إلى شركات غربية. وكانت هذه هي مجموعة الاعتقالات الثالثة لعملاء في آذربيجان مدربين في إيران منذ بداية العام. وفي تموز، كشفت السلطات الكينية، بحسب ما ورد، مؤامرة إيرانية أخرى لمهاجمة أهداف إسرائيلية، بريطانية، أميركية أو سعودية – أعداء إيران الرئيسيين – في مومباسا.
أخيراً، وفي تشرين أول 2011، كشفت السلطات عن مؤامرة إيرانية لاغتيال السفير السعودي في واشنطن. إن قتل ديبلوماسي سعودي على الأرض الأميركية والذي يمكن أن يؤدي إلى مقتل أميركيين أمر له عواقب هائلة. ينبغي للولايات المتحدة إعادة تقييم استعداد طهران للمخاطرة.
هناك عوامل عديدة قد تفسر هذا التهور الظاهر. فقد يكون العناصر الراديكاليون حصلوا على نفوذ أكبر في أوساط رجال الدين الحاكمين. قد تكون إيران تشعر بأنها ملزمة بالانتقام لما تعتبره جهوداً إسرائيلية وأميركية لإبطاء برنامجها النووي، ليس فقط من خلال العقوبات وإنما أيضاً من خلال تخريب مواقعها النووية واغتيال علمائها النوويين. وبقدر ما يعتبر قادة إيران هذه الجهود بمثابة حملة تهدف ليس فقط إلى منع البلد من تطوير برنامج أسلحته النووية وإنما تهدف أيضاً لإسقاط الجمهورية الإسلامية، فإنهم قد يعتبرون أن ليس لديهم الكثير ليخسروه.
إن التهديد الذي يشكله الإرهاب برعاية إيران مستقبلاً سيكون مشروطاً بحسابات إيران للمخاطر. إذ يمكن لشبح الحرب الحالي أن يتصاعد أكثر إذا ما اعتقدت إيران بأن الهجوم العسكري من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة أمر حتمي ووشيك أو، إذا ما بدأت الأعمال العدائية،وهذا واضح. وبظل هكذا ظروف، يمكن لإيران شن هجمات على الجيش الأميركي وعلى أهداف مدنية في المنطقة، بما في ذلك مواقع النفط والنقل البحري. بإمكان إيران أيضاً محاولة تنفيذ ضربة استراتيجية ( هجوم من مستوى هجمات 11/9) أو القيام بشيء ما أعظم على الأرض الأميركية. كما يمكنها الاعتماد على عملائها، أي محاولة تنشيط الشبكات الدولية لحزب الله، أو مساعدة مجموعات أخرى لتصعيد حملاتها الإرهابية، بصورة يمكن تصورها، بما فيها القاعدة. ولدى حزب الله شبكات إجرامية داخل الولايات المتحدة، شبكات متورطة أساساً في عمليات الاحتيال والتزوير والتهريب، والتي تحول جزءاً من عائداتها إلى المنظمة وقد يكون بالإمكان تحويلها إلى خلايا إرهابية.

العنف جنوب الحدود 
بالكاد يكون المكسيك دولة فاشلة. فهو يفاخر بديمقراطية عاصفة وباقتصاد حي مرتبط بشكل وثيق باقتصاد الولايات المتحدة. ليس هناك من خطر حرب أهلية. الحكومة ليست على وشك السقوط. لكن هذه الدولة المعقدة والحديثة تتعايش في البلد مع كارتلات إجرامية غنية وقوية بحيث تشن حرباً على بعضها البعض وتتحدى أية سلطة تقف في طريقها، ما يخلق في الواقع ' حركة تمرد إجرامية'. حتى الآن، الكارتلات مهتمة بالمكاسب والأرباح التي تجنيها من الهيمنة على الأرض،  لكنها تستثمر مكاسبها وأرباحها في الاقتصاد المشروع وسوف تسعى في نهاية المطاف للحصول على سلطة سياسية.
إن العنف في المكسيك أمر لافت ليس فقط بالنسبة لمستوى القتل الموجود وإنما بسبب نوعية القتل الشرس والوحشي المتعمد. فعمليات الخطف، القتل الجماعي، والمقابر الجماعية أمور شائعة هناك. إذ غالباً ما يتم تعذيب الضحايا بوحشية وتقطع رؤوسهم. وترسل الرسائل مدبسة بالجثث. الغاية من ذلك هو الإرهاب، لكن العنف يتخطى ما هو مطلوب للتخلص من الخصوم وإخافة السلطات. لقد برزت الثقافة البربرية في أجزاء من البلاد حيث العنف متطبع في النفوس، وحتى محتفىً به. ولتحطيم سلطة هؤلاء البارونات المجرمين واستعادة سلطة الحكومة عندما كانت الشرطة قادرة على ذلك، أرسل الرئيس المكسيكي الجيش إلى هناك. وأنجز الجيش بعض التقدم ضد الكارتلات، لكن العنف ازداد سوءاً. وفي نظر الشعب المكسيكي، لقد أصبح مستوى العنف العالي، بحد ذاته، هو القضية، وليس الإجرام الذي ولد هذا العنف.
لقد وعد الرئيس الجديد المنتخب بمعالجة العنف عن طريق إرجاع الجيش إلى الثكنات ونشر قوة شرطة أكثر فعالية. في كل الأحوال، إن بناء تلك القوة سيتطلب موارد هامة كما يستلزم وقتاً. أما مؤثتاً، فيتخوف البعض ممن أن يكون بالإمكان شراء السلام فقط من خلال التكيف المحلي مع بعض الكارتلات على الأقل، الأمر الذي لن يسر أولئك الذين يضعون اللوم  بخصوص العنف في المكسيك على شهية ' اليانكيز' النهمة للمخدرات غير المشروعة. كما تطرح استراتيجية التكيف أيضاً الفرص للفساد، كذاك الذي كان موجوداً قديماً عندما حافظ كبار المسؤولين المكسيكيين، بحسب ما قيل، على السلم عن طريق تخصيص طرق تهريب في الوقت الذي يأخذون فيه حصة من الأرباح. ويقول المناصرون للرئيس الجديد بأنه لم يعد هناك من مجال للتساهل مع ذلك النوع من السلوك، وبأن الكارتلات، في كل حال، قد أصبحت قوية جداً وعنيفة جداً لتعقبها بسهولة.
يتخوف المسؤولون الأميركيون من أن يظل الصف الشمالي للولايات المكسيكية المتاخمة لحدودنا الجنوبية أراض وعرة غير محكومة من قبل الدولة تعمها الفوضى والعنف، والتي تدفع بكميات هائلة من المخدرات وآلاف اللاجئين شمالاً. فالكارتلات نفسها سوف تأتي إلى الشمال بما أنها مرتبطة بعصابات محلية من أصل اسباني وذلك لتوسيع إمبراطورياتهم الإجرامية داخل الأراضي الأميركية. هذا الأمر سيخلق منافسة بين شبكات التهريب، ما يمكن أن يؤدي إلى نوع من الهمجية نراها في المكسيك. كما سيضع الكارتلات في مواجهة مباشرة مع أجهزة تطبيق القانون الأميركي، حيث ستحاول هذه الكارتلات إغرائهم بكميات ضخمة من المال. وبفشلها بذلك، من المرجح أن توظف تكتيكات العنف نفسها التي استخدمتها لإخافة الشرطة في المكسيك. هذا الأمر يحول التهديد في المكسيك من مسألة فرض القانون إلى مشكلة أمن قومي. وإقامة جدار أكبر وأفضل ليس هو الحل الكامل.

الاستخبارات لا تزال عنصراً حاسماً في الجهود الأميركية
 قسم كبير من النجاح الذي تحقق منذ 11/9 في منع تنفيذ عمليات إرهابية كبرى في الغرب على مدى السنوات السبع الماضية يعود الفضل فيه إلى التعاون غير المسبوق بين أجهزة الاستخبارات ومؤسسات تطبيق القانون. في كل الأحوال، إن استمرار هذا التعاون ليس مضموناً وقد يبدأ النزاع ما أن يتراجع الخطر الوشيك لضربة إرهابية كبرى وتتنافس قضايا أخرى للفت الانتباه والحصول على الموارد.
لقد أصبح التهديد الجهادي أكثر ضبابية حيث أنه يمتزج مع السياسات الإسلامية في البلدان المتأثرة بالربيع العربي. لم تعد مسألة مكافحة الإرهاب أولوية بالنسبة للبلدان التي تواجهها مهمة شاقة في بناء مؤسسات سياسية جديدة في الوقت الذي تلبي فيه المطالب الضاغطة والملحة المتعلقة بالتنمية الاقتصادية وخلق وظائف بسرعة. ففي بعض بلدان الشرق الأوسط، يتطلب التعاون العمل مع حكومات يعتبرها كثيرون حكومات قمعية في الوقت الذي يدعم فيه المسؤولون الأميركيون أولئك الذي يناضلون لإحداث ديمقراطية أكبر في بلدانهم. وفي بلدان أخرى، الأمر يتطلب التعاون مع حكومات جديدة تمثل توجهات إسلامية ولديها أفكاراً مختلفة جداً حول الإرهاب. فالرئيس المصري المنتخب حديثاً، على سبيل المثال، قد جعل أول أمر له في عمله هو التسبب بإطلاق سراح عبد الرحمن، المدعو ' الشيخ الضرير'، المسجون في الولايات المتحدة لدوره في تفجير ' المركز التجاري العالمي ' عام 1993 والمؤامرات الإرهابية اللاحقة.
وبالقدر الذي يصبح فيه الحصول على المعلومات الاستخبارية من الخارج أصعب، يزداد العبء على جمع المعلومات الاستخبارية المحلية. هذا مهمة حساسة دائماً في بلد ديمقراطي، خاصة أنها مهمة يميل فيها المواطنون للنظر إلى السلطة الفدرالية بعين الشك. ورغم أنها ليست الأمثل في نظام قومي متجانس، فقد حققت جهود الاستخبارات المحلية الأميركية حققت نجاحاً لافتاً في كشف مؤامرات إرهابية ومنع حصول هجمات.
هذه الجهود الاستخبارية  تخضع لهجوم الآن، مدفوعة، في جزء منها، بهواجس صادقة تتعلق بحماية الحريات المدنية لكنها تتعلق أيضاً بأجندات شخصية، إيديولوجية وسياسية في المجتمعات الإسلامية وغير الإسلامية، والتي تغذيها المنافسات التنظيمية. فالتوقيت يستغل الشعور الكبير بالأمن الذي يشعر به كثيرون. ومن المشروع مراجعة هكذا جهود – وحتى الآن لم تعثر أياً من الجهود المبذولة على أي سلوك غير قانوني، إلا أن تفكيك الجهود الاستخبارية، الذي هو الهدف الصحيح سياسياً لبعض المنتقدين، سيكون أمراً خطيراً.

عودة الفوضوية
قادت الأزمة الاقتصادية العالمية المستمرة إلى تظاهرات عالمية إضافة إلى تظاهرات احتلت الساحات ضد الجشع الرأسمالي، الكفالات الحكومية، وتخفيضات الإنفاق الاجتماعي وإجراءات التقشف الأخرى لتخفيض العجز الحكومي. هذه تظاهرات مشروعة، أما أعمال الإرهاب فلا. في كل الأحوال، إنها تجتذب الفوضويين الذين يسود العنف صفوفهم والذين يرون بهذه التظاهرات فرصاً لتصعيد المواجهات مع الشرطة وإثارة أعمال الشغب، الأمر الذي يوفر تحويلات وغطاء لهجمات مباشرة على رموز النظام الرأسمالي، الذي يعتبره الفوضويون مصدراً لعلل وآفات المجتمع.
البعض ينفذ حملاته بما يتجاوز مواقع التظاهرات. ففي أوروبا ومنذ العام 2008، نفذ فوضويون تفجيرات وهجمات بإشعال حرائق متعمدة والقيام بأعمال تخريبية والتسبب بأضرار أخرى في اليونان، إيطاليا، وفرنسا. وقد ربط المحققون في نيويورك الفوضويون بسلسلة من التفجيرات الصغيرة في المدينة في الأعوام 2005، 2007، و 2008.
تم اعتقال خمسة من المشاغبين في آذار 2012 بتهمة التآمر لتفجير جسر رئيس في أوهايو، بحسب ما زُعم. ففي البداية، درس المتآمرون الهجمات على مؤسسات مالية في كليفلاند لتتزامن مع تظاهرة ' احتلوا كليفلاند'، لكنهم قرروا لاحقاً مهاجمة الجسر. وفي أيار 2012، تم اعتقال ثلاثة رجال في شيكاغو بتهمة التخطيط لهجمات على مراكز الشرطة خلال تظاهرات ضد قمة الناتو.
قد لا يأتي العنف المناهض للرأسمالية من هؤلاء الأشخاص المعرَّفين كفوضويين فقط. فالمتظاهرون الراديكاليون، المحبطين بسبب عجزهم عن إحداث تغيير أساسي قد ينزلون إلى الملعب أيضاً. ففي الستينات، أنتجت تظاهرات ضخمة، مدفوعة بمعارضة حرب فييتنام بشكل رئيس، لكنها مدفوعة أيضاً بقضايا اجتماعية أخرى مدرجة، مجموعاتها الصغيرة المهمشة المتطرفة المصممة على مواصلة النضال بحملات تفجير استمرت في الثمانينات.

العنف المناهض الممكن لحكومة فدرالية
إن تضمين متطرفين معادين لحكومة فدرالية في تقييم لتهديد إرهابي قد يبدو أمراً مثيراً للجدل. إن تركيزنا هنا ليس على مجموعة واحدة محددة، وإنما على سديم إيديولوجيات ومعتقدات مشتركة برزت منها مؤامرات إرهابية.
إن العدائية تجاه الحكومة الفدرالية ليس بالأمر الجديد في أميركا. إذ بالإمكان إرجاعها إلى الأيام الأولى للجمهورية الأميركية. وبمرور السنوات، اشتملت هذه العدائية على قضايا فرض الضرائب، حقوق الولايات، العبودية، التمييز العنصري، المعتقدات الدينية، والتحكم بالسلاح. لقد شيطن المتطرفون المناهضون للحكومة الحكومة الفدرالية وشوهوا سمعتها، من حيث اعتبارها حكماً استبدادياً يسيطر عليه عناصر عدائيون مصممين على نزع سلاح أية مقاومة محلية وتدميرها لتجميع سلطتهم.
يعتبر المتطرفون أنفسهم ' وطنيين'، بوقوفهم ضد الحكومة كما فعل الثوار الأميركيون في العام 1776، أو في بعض الحالات، ورثة 'الولايات الكونفدرالية' في الحرب الأهلية.
إن عدد المجموعات التي تروج لأفكار كهذه قد ازداد في السنوات الأخيرة، رغم أن من الصعب تقدير عدد الناس الذين يؤيدون هكذا معتقدات. وقد تفسر عوامل عدة هذا النمو.
إحدى العوامل هي الحالة الاقتصادية. فالأوقات الصعبة تزيد حالة العدائية. لكن هذه المرة قد تتجاوز مشاعر الاستياء التعافي الاقتصادي في نهاية المطاف. فالتقدم التكنولوجي والتنافس العالمي المتزايد، جنباً إلى جنب مع الإخفاقات في النظام التعليمي، قد جعل مجموعة هامة وبارزة من الأميركيين الذين ليس لديهم تعليماً متقدماً يواجهون مستقبلاً اقتصادياً قاتماً. إنهم يواجهون احتمال البطالة الدائمة أو الحصول على وظائف متدنية الأجر في أفضل الأحوال. هذا الانحدار الاقتصادي لشريحة هامة من السكان يتزامن مع التراكم الهائل للثروة في يد قلة، ما يخلق انقساماً عميقاً، مع ما يعتبره كثيرون حكومة فاسدة تقف إلى جانب كبار أصحاب المال.
تلعب التحولات الديمغرافية دوراً أيضاً، خاصة وأن سكان أميركا البيض سيصبحون أقلية في غضون عدة عقود. فالهجرة تغذي غرائز القومية والعدائية أكثر تجاه الحكومة الفدرالية، التي ينظر إليها على أنها غير مستعدة أو غير قادرة على وقف المد. يشعر كثيرون بأنهم قد خسروا بلدهم.
في كل الأحوال، إن أكبر سبب للغضب العظيم هو استبداد الحكومة الفدرالية الذي يتصوره هؤلاء، والمعبَّر عنه بالضرائب، التحكم بالسلاح ( سلاح البنادق)، تفويض الرعاية الصحية، التفتيش في نقاط التفتيش الأمنية في المطارات إضافة إلى إملاءات أخرى. هذه التصورات تتفتح على أفكار مجنونة ومليئة بالشك بأن لدى الحكومة خططاً لنزع سلاح السكان أو محاصرة الوطنيين المنشقين وسجنهم في معسكرات اعتقال تم بناؤها سراً من قبل وزارة الأمن الداخلي. إلا أن بعض الهواجس لها أساس بالواقع. فالإجراءات التي تم تمريرها لتعزيز الجهود الأميركية ضد الإرهاب، كعمليات الرصد الالكترونية المتزايدة وتأكيد سلطة الحكومة على احتجاز مواطنين أميركيين إلى أجل غير مسمى يتسبب بوجود خشية عميقة من الاعتقال، الأمر الذي لا يقتصر على المجانين المعادين للحكومة. وينظر إلى هذه الإجراءات كوسائل سيتم استخدامها في نهاية المطاف لقمع معارضة محلية.
إن التحزب السياسي المتنامي في الولايات المتحدة، إلى جانب الخطاب غير الحكيم الذي ولده، أمر غير مساعد. ففي أسوأ الأحوال، هو ينزع الشرعية عن المعارضين السياسيين ويغذي الفكرة القائلة بأن الحياة السياسية حرب. أما في أفضل الأحوال، فإنه يشوه سمعة كل القيادة السياسية.
لقد انخرط المتطرفون المناهضون للحكومة في أعمال عنف، وكان أكثرها دراماتيكية تفجير المبنى الفدرالي في مدينة أوكلاهوما، والذي أسفر عن مقتل 168 شخص – أسوأ حادث إرهابي على الأرض الأميركية حتى هجمات 11/9.  وكشفت السلطات عن عدد قليل من المؤامرات في الآونة الأخيرة. في كل الأحوال إن المتطرفين المناهضين للحكومة قانعون، في الوقت الراهن، بالحديث عن مقاومة مسلحة مبررة وعن الحرب الأهلية المقبلة. مع ذلك، فإن أسباب العدائية عميقة وتعكس توجهات طويلة الأجل. إن احتمالات العنف هي هناك، وإذا ما تحققت، فإنها ستمثل تهديداً للجمهورية أكبر بكثير من تهديد القاعدة أو أية مجموعة إرهابية خارجية أخرى.

استهداف السياح
 من بديهيات ومسلمات الإرهاب هو أن بإمكان الإرهابيين مهاجمة أي شيء، أي مكان، وفي أي وقت، في الوقت الذي لا يمكن فيه للحكومة حماية كل شيء وكل مكان كل الوقت. فالموارد المحدودة تتطلب قرارات تتعلق بتخصيص هذه الموارد. لذا فإنه لتقييم التهديد ينبغي ألا تحدد، فحسب، المجموعات التي قد تنفذ هجمات إرهابية، وإنما تحديد ما الذي قد تهاجمه وكيف.
إن كتيبات التدريب الجهادية تحث بقوة على القيام بهجمات على أهداف أيقونية أو 'عاطفية'، مثل مركز التجارة العالمي في نيويورك، البنتاغون، فندق تاج محل في مومباي؛ وهجمات يعتقد الجهاديون بأنها تتسبب بتعطيل اقتصادي، كالهجمات على مراكز البورصة أو المصارف؛ وهجمات تستهدف مراكز سكانية لإحداث عدد مرتفع من القتلى، كهجوم 'التايمز سكوير' المليء بالسياح، ومحطات القطارات المزدحمة، والاحتفال بإضاءة شجرة الميلاد في بورتلاند. وغالباً ما يبدو بأن عدد القتلى هو المعيار الأهم بالموضوع.
إن مراجعة للهجمات الإرهابية والمؤامرات الإرهابية التي أحبطت منذ 11/9 تظهر بأن الإرهابيين الجهاديين قد فكروا بسلسلة واسعة من الأهداف غير المحمية بمعظمها، بما فيها مبان حكومية وتجارية؛ كنائس و كنس؛ مطاعم ونواد ليلية؛ مراكز تسوق وأسواق؛ فنادق ومواقع سياحية؛ محطات طاقة؛ صهاريج؛ محطات وقود؛ وأنابيب نفط؛ جسور وأنفاق؛ مترو الأنفاق، قطارات، حافلات، وعبَّارات؛ شخصيات عامة وأولئك الذين يعتبرهم المتعصبون مسيئين للإسلام؛ أفراد الشرطة والجيش، خاصة أولئك الذين يمكن الوصول إليهم بسهولة، كضباط التجنيد؛ والتجمعات العامة.
ومن بين هذه الأهداف، مبان حكومية تسود المكان إلى جانب وسائل النقل العام، يعقبها الفنادق ومواقع سياحية، مؤسسات دينية، مبان تجارية والملاحة الجوية.
يظل الإرهابيون مهووسين بمهاجمة الطيران التجاري. ومع أجهزة فحص المسافرين المطورة، وأبواب مقصورة الطيارين المغلقة والمدرعة، وضباط الأمن الجويين والطيارين المسلحين، والأهم من كل هذا، عدم استعداد المسافرين في الطائرات البقاء متفرجين وسلبيين وإنما القيام بمهاجمة الخاطفين على الأرجح، فإن هذا قد يجعل عمليات الخطف الإرهابية للطائرات غير قابلة للتطبيق بعد الآن، لكن نسف الطائرات بمتفجرات مخفية يظل تكتيكاً إرهابياً مفضلاً.
منذ هجمات 11/9، قام الإرهابيون بست محاولات لتهريب قنابل على متن طائرات تجارية.  اشتملت أربع محاولات منها على طائرات متوجهة إلى الولايات المتحدة ( الانتحاري الذي وضع المتفجرة في الحذاء في العام 2001، الانتحارلاي الذي وضع المتفجرة في الثياب الداخلية في 2009، وقنبلتان على متن طائرة شحن في العام 2010). وكان هناك مؤامرات عديدة أخرى تم إحباطها، بما فيها مؤامرة مطار هيثرو في العام 2006، استعادة عميل سري لقنبلة ثياب داخلية مطورة في العام 2012، والاكتشاف الأخير لمؤامرة أخرى في بريطانيا لنسف طائرة أميركية. ويظل أمن الملاحة الجوية مسألة أمن وطني.
وفي حين يعتبر الإرهابيون الطائرات بمثابة الميدالية الذهبية كهدف، فإن المواصلات البرية العامة توفر إمكانية وصول أسهل لهم كما توفر مراكز سكانية في بيئات محدودة، ما يعزز تأثير المتفجرات والأسلحة غير التقليدية. لقد أصبحت المواصلات البرية ميدان قتل إرهابي. فما بين 11/9 ونهاية العام 2011، كان هناك 75 هجوماً إرهابياً على طائرات ومطارات في العالم أجمع، ما أسفر عن مقتل 157 شخص. وخلال الفترة نفسها كان هناك 1804 هجوم إرهابي على قطارات وحافلات، ما أسفر عن سقوط أكثر من 3900 قتيل. 
 لم تسفر معظم الهجمات على وسائل النقل البرية إلا عن عدد قليل من القتلى ولذا فإنها لم تلفت الانتباه كثيراً، إلا أن 11 هجوماً منها تسبب بسقوط 50 قتيل أو أكثر، وأسفرت ثلاث هجمات عن سقوط حوالي 200 قتيل في كل منها – وبمجملها يكون العدد مساوياً لتحطم سبع طائرات. إن الحل ليس في تطبيق نموذج أمني للملاحة الجوية على وسائل النقل البرية، الأمر الذي سيكون مكلفاً جداً وغير قابل للتطبيق بسبب حجم المسافرين الضخم. ينبغي تطوير مقاربة أخرى، بما في ذلك مشاركة أكبر للعاملين في هذا القطاع والمسافرين بواسطته. هناك مستوى ما من المخاطرة حتمي.
لقد اغتال الفوضويون في القرن التاسع عشر قادة سياسيون لكنهم لم يغضوا الطرف أيضاً عن تفجير مقاهي مليئة بالبرجوازيين. أما أحفادهم الإيديولوجيين فقد نأوا بأنفسهم عن الهجمات العشوائية وركزوا بدلاً من ذلك على رموز الرأسمالية والاضطهاد السياسي. إن مكاتب الشركات تسود المكان، إلا أن مؤامرة لإثارة الفوضى في الآونة الأخيرة اشتملت على تفجير جسر في أوهايو، ما يثبت بأن الاستهداف الإرهابي يمكن أن يكون متميزاً بالغرابة والنزوات المتقلبة.
يهاجم المتطرفون المناهضون للحكومة الفدرالية أهدافاً حكومية يعتبرونها رموزاً للاستبداد والطغيان. وإن تفجير المبنى الفدرالي في مدينة أوكلاهوما عام 1995 مثال على ذلك. لكنهم فكروا أيضاً بهجمات عشوائية على سكان مدنيين، على سبيل المثال تفجير خزانات غاز البروبين أو نشر مادة الريسين في مناطق مأهولة.

تكتيكات إرهابية
ظلت التفجيرات طريقة الهجوم الأكثر شيوعاً بالنسبة لكل الجماعات الإرهابية منذ بروز الإرهاب  المعاصر في أواخر الستينات. وسادت أجهزة التفجير للسيارات المفخخة على امتداد النصف الأول من العقد ما بعد 11/9 عندما سعت القاعدة الاستمرار لتنفيذ عمليات مذهلة، ومن ثم انخفضت. إن الاستخبارات المتطورة، الإجراءات الحكومية، واليقظة والحذر المتزايدين بشأن المتفجرات والعناصر الكيميائية جعل من الصعب أكثر على هؤلاء القيام بتجميع وتكديس كميات كبيرة من المتفجرات المطلوبة، على الأقل خارج مناطق الصراع. ولا تزال قنابل السيارات المفخخة النموذج السائد في العراق، أفغانستان، وباكستان. أما في الغرب، فقد شوهدت أجهزة السيارات المفخخة، غالب الأحيان، في المؤامرات التي أحبطت وفي عمليات الـ FBI .
بدأ المجاهدون، على سبيل المثال باكتشاف أجهزة التفجير التي تستخدم مواد متوفرة قابلة للاشتعال في محاولات عام 2007 في لندن ومحاولة 2009 في ' تايمز سكوير'، لكن واجهتهم صعوبات تقنية في إحداث انفجار. كما وظف هؤلاء أجهزة تفجير صغيرة يمكن تسليمها وإخفائها أو تحميلها، بسهولة، لشخص وتفجيرها في عمليات انتحارية. وهذا الأمر يظهر في أكثرية المؤامرات المكشوفة ما بعد 11/9 في الولايات المتحدة، رغم أن أيا منها لم ينجح. ولم يظهر المجاهدون الأميركيون ميلاً كبيراً لتنفيذ هجمات انتحارية، رغم أن هناك أميركيين من أصل صومالي فجروا أنفسهم في الصومال.
إن الهجمات المنفذة من قبل مسلحين بأسلحة ثقيلة تعتبر هجمات قليلة نسبياً. لقد أرهب عشرة مهاجمين مسلحين بأسلحة أتوماتيكية وذخائر كثيرة وقنابل يدوية وأجهزة تفجير صغيرة مدينة مومباي في العام 2008، ما أسفر عن سقوط 162 قتيل في النهاية. ومنذ 11/9، كان الهجومان الجهاديان اللذان تسببا بسقوط قتلى في الولايات المتحدة من تنفيذ رجل مسلح واحد في كل منهما.
نظراً لتوفر البنادق في الولايات المتحدة، فإن من المفاجئ ألا يكون المجاهدون قد استخدموا هذا التكتيك غالب الأحيان. إن احتدام القتل على يد مسلحين مختلين عقلياً أو مخبولين مؤقتاً يوضح  الاحتمالات بانتظام، إلا أن المجاهدين الأميركيين لم يظهروا ميلاً كبيراً للنزول وإطلاق الرصاص. ربما يعود ذلك إلى واقع عدم استعدادهم المشاركة في أية مهمة تنتهي بموت معين، أو بربط هذا النوع من الهجمات بسلوك مجنون معاكس  للشهادة.
إن درس المؤامرات التي تم إحباطها أو تلك التي لم تتحقق يقدم لنا لمحات عن الطموحات الإرهابية. تلك المؤامرات أكثر طموحاً من الهجمات التي نجحت. على سبيل المثال، ومنذ 11/9، ذكرت السلطات في تقاريرها وجود سبع مؤامرات لخطف طائرات وجعلها تصطدم بأهداف. ولم  تتخطى أية مؤامرة منها مرحلة التفكير بكثير.
لقد اشتملت ثماني مؤامرات جهادية في أوائل العقد الماضي على أسلحة كيميائية أو مادة الريسين، ما يعكس المهارات المحصلة حديثاً  لحفنة من الإرهابيين ممن تدربوا مع القاعدة. ولم تنجح أيا من هذه المؤامرات، واختفت الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، والى حد كبير، من التآمر الجهادي، رغم أن المتطرفين المناهضين للحكومة لا زالوا يفكرون باستخدامها.
لدى القيادة المركزية للقاعدة طموحات نووية، وهذا واضح، وقد بذلت جهداً للحصول على المادة الانشطارية والخبرة التقنية. في كل الأحوال، ليس هناك دليل على أن القاعدة حصلت أو حتى اقتربت من الحصول على أسلحة نووية، وفي مرحلة ما من العقد الأخير، تحول مشروع السلاح النووي للمنظمة من مجهود الحصول عليه  إلى برنامج بروباغندا المقصود منه إثارة أتباعها وإخافة أعدائها.

تقدير مستوى العنف الإرهابي
شهدت العقود الأخيرة من القرن العشرين تصعيداً ثابتاً في العنف الإرهابي، بدءاً من الحوادث المشتملة على عشرات القتلى وصولاً إلى حوادث تشمل مئات القتلى، ليصل الأمر إلى ذروته في سقوط آلاف القتلى في هجمات 11/9. لقد كان من الطبيعي في الظروف الموجودة عدم اعتبار هجمات 11/9 شيئاً شاذاً وإنما مؤشر على أمر أسوأ مقبل. أما الآن، وبعد مرور أكثر من عشر سنوات، فإن تلك الرؤية معكوسة.
في كل الأحوال، لقد تركت هجمات 11/9 ندوباً نفسية عميقة ولا يزال لها تأثير الشعور بالغدر على  تحليلات التهديد الإرهابي. لقد تبنت الولايات المتحدة العادة المنهكة بجعل كل تهديد إرهابي تهديداً كارثياً. ويتخوف محللو الإرهاب من الفشل بتصور الخطر أكثر مما يتخوفون من التسبب بإنذار لا ضرورة له. إن التنافس على الموارد المحدودة، خاصة في البيئة المالية الحالية، يشجع على المبالغة بتهديدات يحبذها هؤلاء المتنافسون. إذ من الصعب تحريك الدعم الشعبي والسياسي للعمل من دون وجود السيناريو الأسوأ. فمن دون التأكيد على قيمة تنبؤية، يكون من المفيد مع ذلك النظر إلى ما حدث بالفعل.
قبل أحداث 11/9، كانت أعداد قتلى أشد الحوادث الإرهابية دموية لا تتعدى المئات. وقد شملت هذه الحوادث نسف الطائرات و الشاحنات المفخخة الكبيرة جداً. ومنذ 11/9، وخارج مناطق الحرب في العراق وأفغانستان، تصاعدت أسوأ الهجمات الإرهابية لتصل إلى نفس المستوى تقريباً. فقد حقق الإرهابيون هذا المستوى من عدد الضحايا بآليات مفخخة كبيرة أو بتفجيرات متعددة منسقة. أما خارج العراق وأفغانستان، فلم يكن هناك أكثر من 20 هجوماً من هذا النوع. ولو أن المؤامرات الإرهابية التي تم إحباطها قد نجحت فإنها كانت ستتسبب أيضاً بسقوط ضحايا بهذا المستوى.
وتشتمل الهجمات بأجهزة تفجير متطورة أصغر حجماً على تفجير واحد أو تفجيرات متعددة.  وبإمكان التفجيرات المتعددة أن تكون أكثر فتكاً من تفجير آلية مفخخة كبيرة واحدة.
منذ هجمات 11/9، حاول الإرهابيون بمناسبة عدة إسقاط طائرات بقنابل تم تهريبها وزرعها على متن تلط الطائرات. لقد نجحوا بإسقاط طائرتين في روسيا، وقتل 88 شخصاً. ولو أن الانتحاري الذي زرع القنبلة في حذائه نجح في إسقاط الطائرة في العام 2001، لكان قتل 197 شخصاً آنذاك؛ ولكان قتل 290 شخصاً كانوا على متن الطائرة التي استهدفها الانتحاري الذي وضع القنبلة في ثيابه الداخلية في العام 2009. وكان التصور الموجود في مؤامرة مطار هيثرو هو إسقاط عدد من الطائرات الكبيرة العابرة للمحيط الأطلسي، الأمر الذي كان سيرفع ، وبسهولة، عدد القتلى إلى الآلاف.
ويبدو بأن الهجمات المسلحة هي التكتيك الأكثر فتكاً وإهلاكاً، ما يعكس، بشكل رئيس، هجوم 2008 على مومباي. في كل الأحوال، إن العدد الوسطي لهجمات كهذه هو سبعة.
وبناء على أساس هذه الحسابات القاسية باعتراف الجميع، فإن إبقاء الإرهابيين بعيدين عن الطائرات، ومنعهم من تكديس كميات كبيرة من المتفجرات لتفخيخ آليات، أو تجميع  خيوط مؤامرات كبيرة كفاية تحوي انتحاريين أو عصابات الرماة سيحرمهم من وسائل كانوا قد استخدموها لقتل المئات.
هذا الأمر يترك للهجمات الصغيرة احتمال تدني عدد القتلى فيها إلى العشرات – مؤامرات التفجير الصغيرة أو الرماة الأفراد. هذه الهجمات من الصعب حصرها واعتراضها، رغم ذلك فقد حققت السلطات، حتى الآن، سجلاً يكاد يكون ممتازاً في هذا المجال. أما عما إذا كان مستوى المخاطرة يمكن التساهل به فهو سؤال برسم رد الفعل العام.

الإرادة المشتركة والهدف المشترك
الإرهاب عدو بالقدر الذي هم فيه الإرهابيون الذين يحاولون خلقه أعداء. إن ردود فعلنا إزاء الإرهاب جزء من أي تقييم. فأميركا تخرج من خلال ظل 11/9 القاتم، لكن كأمة، هل نحن أقوى؟
إن التصرفات الشجاعة للأفراد تلهمنا، لكن الأميركيين لا زالوا قلقين بدلاً من أن يكونوا واثقين بقدرة بلدهم على البقاء في وجه التهديدات الذي يواجهها. فدعاة الخوف والمتشائمون لا زالوا يجدون جمهوراً متقبلاً لهم.
بدلاً من اعتمادنا التقليدي على النفس، يتطلع الأميركيون كثيراً للحكومة لحمايتهم، وانعكاس هذا الخطاب يقول لنا بأننا كأفراد لا يمكننا القيام بشيء أكثر من البقاء على حذر، بداً من الانخراط في مجهود وطني للتصدي  للإرهاب.
لقد توصل الأميركيون للتمسك بتوقعات غير واقعية بشأن الأمن، معتقدين بأن بالإمكان إلغاء الخطر. نحن أيضاً جاهزون لالتماس أحدهم لإلقاء اللوم عليه عندما نفشل.
وبدلاً من الرزانة الضرورية لقتال طويل، لا يزال الأميركيون عرضة لردود الفعل المبالغ بها.  إن هجوماً إرهابياً، حتى بمستوى متواضع، يمكن أن يثير نوبة من الهلع والذعر.
متى ما فكر المرء بالحكمة، أو الحماقة، من الحروب في العراق وأفغانستان، فإن تضحيات الحرب تغيب بشكل لا متكافئ. شعورنا هو أن المجتمع قد تآكل.
الإرهابيون لم يخلقوا القلق الأميركي. الإرهاب عمل كمكثف له فقط.  لن يكون الداخل الأميركي آمناً  في الممرات الجبلية لأفغانستان، شبه الجزيرة العربية، أو رمال الصحاري. إن ثروتنا المشتركة ، أي دفاعنا المشترك، لن تأتي سوى باستعادة شعورنا بالإرادة المشتركة والهدف المشترك.

موقع الخدمات البحثية