مواد أخرى » لعبة الإخوان المسلمين الطويلة: حزب مصر الحاكم يحبك مؤامرته للطريق إلى السلطة

إيريك تراغر ( زميل من الجيل التالي في معهد واشنطن) ـ Foreign Affairs  ـ 6 تموز، 2012

خلال الثمانية عشر شهراً منذ الإطاحة بحسني مبارك، صعد الإخوان المسلمون بسرعة من الكهف إلى القلعة. إذ أسسوا في نيسان الماضي حزب الحرية والعدالة المهيمن الآن، وفازوا بأكثرية هائلة في الانتخابات البرلمانية في الشتاء، واحتفلوا في الأسبوع الماضي بفوز مرشحهم للانتخابات الرئاسية المصرية. وبعد 84 سنة من استخدامهم شبكات الخدمات الاجتماعية التابعة لهم لبناء دولة إسلامية من الألف إلى الياء، يكون الإخوان المسلمون ، وللمرة الأولى, على وشك تشكيل مجتمع مصري من القمة نزولاً إلى القاعدة.
في كل الأحوال هناك شيء ملفت: معظم مكاسب الإخوان موجودة بالاسم فقط. ففي أوائل حزيران، أبطلت محكمة مصرية الانتخابات البرلمانية وحلت  البرلمان الذي هيمن عليه الإخوان. بعدها، وقبل الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية تماماً، أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة إعلاناً دستورياً صادر السلطة التنفيذية من الرئاسة، ما يجعل مرسي في النهاية شخصية عاجزة وضعيفة عموماً.
لكن بعد أسابيع من تزايد التوتر مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بما فيه التظاهرات الضخمة ضد إمساك المجلس العسكري بالسلطة، يعيد الإخوان المسلمون حساباتهم. فهم يخافون من أن يؤدي التحريض للحصول على سلطة أكبر إلى إثارة اضطرابات وتنفير شعب منقسم بعمق. كما أنهم حذرون مما حدث في الجزائر في العام 1991، عندما ردت الحكومة المدعومة من قبل الجيش على النصر الانتخابي لحزب إسلامي بحملة قاسية توجت بحرب أهلية. ولتجنب عنف أكبر  وتمتين مكانهم في الحياة السياسة المصرية، يأمل الإخوان المسلمون الآن بفترة هدوء في المدى القصير بحيث يتمكنون من التصرف بطريقة أكثر حزماً في المستقبل.
بداية، يحاول الإخوان المسلمون صياغة جبهة موحدة مع أحزاب سياسية أخرى. لقد بدأ الإخوان هذه الجهود قبل أسبوع من إعلان انتصار مرسي لثني المجلس الأعلى للقوات المسلحة عن تزوير الانتخابات لصالح المرشح أحمد شفيق، والأخير من حقبة مبارك. وخلال يومين من المفاوضات المكثفة، اجتمع مبارك مع طيف واسع من الجماعات والناشطين السياسيين، واعداً بتسمية امرأة  وشخص مسيحي كنائبين للرئيس وتعيين حكومة لا يكون فيها الإخوان مهيمنين عليها. وقد استخدم قادة الإخوان هذا الاتفاق لإثبات نيتهم ببناء حكومة ممثلة للشعب. " نحن نقف مع كل القوى السياسية لأجل نفس المطالب"، قال لي خالد ديب، النائب من الإخوان المسلمين.
مع ذلك، إنها ليست المرة الأولى التي يحاول فيها الإخوان المسلمون عزل أنفسهم بالمواءمة مع فئات أخرى، ويعرض التاريخ إلى أن هذه  الاتفاقيات قصيرة العمر. ففي حزيران 2011، انضم الإخوان إلى حزب الوفد في إنشاء " التحالف الديمقراطي لأجل مصر"، وهو ائتلاف انتخابي  شمل في إحدى المراحل حوالي أربعين حزباً سياسياً، تتراوح من الأحزاب الاشتراكية وصولاً إلى السلفية. لكن بحلول أيلول، انهار " التحالف الديمقراطي" على خلفية إصرار الإخوان على التحفظ على 40 بالمئة  من مرشحي التحالف لصالح أعضائهم، تاركين بذلك مقاعد قليلة جداً لإرضاء شركائهم، معظمهم ممن انسحبوا. الأمر بالكاد يهم: ثلاثة أشهر من الوحدة مكنت الإخوان المسلمين من بناء صورتهم ككيان سياسي قيادي، وفازوا بالنهاية بأكثرية 47 بالمئة في الانتخابات البرلمانية في الشتاء.
يبدو أن مشروع الوحدة الحالي للإخوان سيلاقي المصير نفسه. فبالرغم من التقارير المبدئية التي تصور الإخوان بأنهم لن يشغلوا سوى 30 بالمئة فقط من الحقائب الوزارية،  فقد قال رئيس البرلمان الإخواني فريد اسماعيل مؤخراً في صحيفة الأهرام بأن  المنظمة قد تحتل نصف الوزارات الحكومية. كما يبدو بأن لدى الإخوان نية السيطرة على عملية اختيار مجلس الوزراء لضمان أن يكون عدد من الوزراء غير الإخوانيين من غير الخبراء الإيديولوجيين المتوازنين مع مساعدي الوزراء المنتمين للإخوان. " لدينا أكثر من مرشح ( إخواني) لكل منصب وزاري، وبعض هؤلاء قد يكونوا مساعدي وزراء، وقد نسمي واحداً ذي خلفية تكنوقراطية أو نطلب من أحزاب أخرى أن تسمي"، قال لي النائب سعد الحسيني القيادي في الإخوان.
إن وعد الإخوان المسلمين بتسمية شخص مسيحي وسيدة كنائب للرئيس أمر له علاقة بالرمزية أكثر مما له علاقة بتقاسم السلطة الحقيقي. وقد عرضت مصادر الإخوان إلى أن مرسي قد يعين حوالي 5 نواب له، ليخفف بذلك تأثير النانبين، المسيحي والسيدة. فضلاً عن ذلك، ولمنع أن يخلف مرسي قبطي أو امرأة في حال موته، سيسعى الإخوان للحفاظ على الفقرة الدستورية الحالية  التي تخول رئيس البرلمان - حالياً القيادي في الاخوان سعد القطاني – بتولي منصب الرئاسة. " إن دولة ذات أكثرية مسلمة لا يمكن أن يحكمها شخص غير مسلم"، أخبرني محمود حسين، قيادي في مكتب مرشد الإخوان، مستشهداً بمبدأ في الشريعة الإسلامية.
أما الشق الثاني من إستراتيجية الإخوان للتهدئة المؤقتة فتشتمل على تنسيق الحركة مع الجيش.  "هذه العلاقة تم التأسيس لها من اليوم الأول. لا صدام، ولا اتفاق"، هذا ما قاله لي ديب النائب الإخواني. وفي الأسبوع الذي أفضى إلى إعلان فوز مرسي، التقى القياديان في الإخوان المسلمين قطاني وخيرت الشاطر، من بين آخرين، مع جنرالات في المجلس الأعلى للقوات المسلحة تكراراً، لتجزئة صفقة بحسب الظاهر وضمان انتخاب مرسي في الوقت الذي طرحوا فيه مجالات أخرى للخلاف. إن وجود هذه الاجتماعات، التي تتضمن مرسي الآن، أدت إلى تحول في خطاب الإخوان. فبعد أشهر من اتهام المجلس الأعلى  للقوات المسلحة بالسعي لتصميم انتخابات رئاسية والتحضير لانقلاب، يثني قادة الإخوان الآن على إدارة وإشراف المجلس العسكري. وفي حفل تنصيبه يوم السبت، أعلن مرسي قائلاً، " لقد أنجز المجلس الأعلى للقوات المسلحة وعوده والقسم الذي أداه، بألا يكون بديلاً عن الإرادة الشعبية".
كما أشار الإخوان أيضاً إلى أنهم سيقبلون الآن مطالب المجلس الأعلى للقوات المسلحة التي كانوا قد عارضوها سابقاً. وفي هذا السياق، ومباشرة بعد إعلان انتصاره في الانتخابات، صرَّح مرسي بأنه لن يؤدي القسم سوى أمام البرلمان، ليضغط بذلك على المجلس العسكري للتراجع عن حل البرلمان. مع ذلك فقد وافق في نهاية المطاف على القسم في المحكمة الدستورية العليا،  التي اعترفت ضمنياً بصحة الإعلان الدستوري للمجلس العسكري.
كما ألمح قادة الإخوان أيضاً إلى أن بإمكانهم التعايش مع السلطة التي خصصها المجلس العسكري لنفسه عبر الإعلان الدستوري، على الأقل الآن. " الإعلان الدستوري لا يعطي المجلس العسكري سلطة كاملة –  يعطيه فقط حق التشريع. الرئيس يملك سلطة الاعتراض ( الفيتو)"، قال لي النائب الحسيني القيادي في الإخوان. يبدو الإخوان مستعدون حتى لتقبل استقلالية المجلس العسكري بشأن  الموازنات العسكرية، المطلب الأساسي له، ما دام لجنة مدنية صغير مطلعة على التفاصيل. " لا يمكنني جلب الموازنة العسكرية ووضعها أمام البرلمان ومناقشتها علناً. ينبغي مناقشتها بين قلة في البرلمان وبسرية"، قال لي عزة الغرف النائب الإخواني. نتيجة لذلك، يبدو بأن قطاع الأعمال والمؤسسات القابضة التابعة للجيش، التي يقال بأنها تشمل ما بين 15 و40 بالمئة من الاقتصاد المصري، آمنة في الوقت الحالي.
إن اتفاق الإخوان المسلمين مع المجلس العسكري ليس مفاجئاً. فهو ينسجم مع استراتيجية المنظمة التي طالما تمسكت بها وهي تجنب المواجهة مع السلطات الأقوى منها عن طريق التفاوض حول مدى نشاطاتها السياسية. بالواقع،  لقد كان مرسي الرجل المعين للإخوان في هذه المفاوضات خلال السنوات الخمس الأخيرة من حكم مبارك، مستخدماً الصفقات لتنسيق مشاركة الإخوان في الانتخابات البرلمانية والتفاعل المحدود مع مختلف حركات التظاهر. وكمنظمة منسجمة ومتجانسة يبلغ عمرها 84 عاماً، يضع الإخوان أهدافاً تنظيمية عادة، كتحقيق السلطة تدريجياً، حول أهداف مجتمعية أوسع، كإنهاء الحكم الاستبدادي بشكل فوري. " إن برنامجنا طويل الأمد، وليس للأمد القصير. لو أننا نستعجل الأمور، عندها لا أعتقد أن هذا يقود إلى وضع مستقر حقيقي"، قال لي مرسي في آب 2010.
في كل الأحوال، بالكاد يعني هذا أن الإخوان ينوون استيعاب مع الجيش حتماً. ففي تشرين الثاني الماضي، على سبيل المثال، عقد المجلس العسكري والإخوان صفقة وافق فيها الإخوان على تجنب التظاهرات العنيفة في ميدان التحرير مقابل موافقة المجلس العسكري على إجراء انتخابات برلمانية في الوقت المحدد. لكن الاتفاق انهار في آذار، عندما هدد المجلس العسكري أولاً بحل البرلمان وتخلى الإخوان فجأة عن وعدهم بأنهم لن يخوضوا الانتخابات الرئاسية بمرشح من قبلهم. فضلاً عن ذلك، يبدو من غير المرجح أن يقبل الإخوان حدوداً طويلة الأمدة للسلطة التي فازوا بها في الانتخابات. " الجيش ملك الشعب. الإشراف المدني على الجيش هي إرادة شعبية – ولا أحد يمكنه وقف الإرادة الشعبية"، قال لي أسامة سليماني النائب الإخواني.
باختصار، إن المواجهة التي طال انتظارها بين المجلس العسكري والإخوان قد تم تأجيلها – ولذلك فإنها كثيراً من المصريين يشعرون بالامتنان. فبعد كل شيء، بدت القاهرة على شفير كارثة قبل بضع أسابيع، عندما تجمع عشرات الآلاف معظمهم من الإسلاميين في ميدان التحرير، حيث أعلن بعضهم استعدادهم للموت إذا ما تمت تسمية شفيق رئيساً لمصر. لكن الهدوء الحالي، ومحاولة الإخوان للظهور بمظهر الشامل، والمستوعب للمجلس العسكري، لن يدوم. فالإخوان المسلمين سيستخدمون هذه الفترة لبناء شرعيتهم كحزب مصر الحاكم المقبل، واستئناف اندفاعهم للحصول على سلطة أكبر ما أن تبرد الحرارة.

موقع الخدمات البحثية