مواد أخرى » وقف الفوضى السورية

روبرت كابلان ـ كامران بخاري
Strategic Forecasting
4 تموز، 2012

ماذا لو ذهب الرئيس السوري بشار الأسد حقاً؟ هناك فرضية في الغرب تقول بأن الطريق لتحقيق انتصار استراتيجي على إيران وتحسين وضع حقوق الإنسان داخل سوريا هو بإزاحة القائد السوري. صحيح أن فرص إيران بإبقاء سوريا نقطتها المركزية الأوسطية  أمر مرتبط، ربما، ببقاء نظام الأسد. لكن إزاحة الرئيس السوري قد يسرِّع الانزلاق في الفوضى في سوريا ولبنان، البلد المتاخم، بدلاً من إبطائه. إذ يمكن لرحيل الأسد حتى أن يثير تفسخ وانحلال بنية السلطة السورية  لتصبح بذلك في يد عصابات وميليشيات.
في نهاية المطاف، نحن نتحدث هنا عن إزالة رجل واحد أقل مما نتحدث عن سلالة حاكمة عمرها 42 عاماً. فالرئيس الأب، حافظ الأسد، جاء إلى السلطة في العام 1970 بعد 21 تغييراً حكومياً في السنوات الـ 24 الأولى من تاريخ الاستقلال – معظمها تم بانقلابات عسكرية. فضلاً عن ذلك،  لقد أجرت الدولة السورية الجديدة انتخابات عادلة ونزيهة في الأعوام 1947، 1949، و 1954، والتي تكسرت كلها عند أعتاب المصالح العشائرية، الإقليمية والمذهبية. وقد أنهى حافظ الأسد أخيراً حالة الفوضى بأن أصبح ليونيد بريجنيف العالم العربي: لقد درأ الخوف من المستقبل عن طريق مأسسة الخوف ( إضفاء الطابع المؤسساتي على الخوف)، حتى عندما لم يقم بشيء لرعاية وتنشئة مجتمع مدني خارج الانقسامات المتأصلة في البلد. للأسف، إن انهيار دولة كهذه هو عمل فوضوي. قد يكون الوعي المذهبي محفوراً بشكل أقل عمقاً مما عليه الحال في العراق، لكن ما أن تبدأ أعمال القتل فسيكون لدى الناس الميل للعودة لهذه الهويات الافتراضية.
إن الفوضى في سوريا لا تفيد أحداً. فالأتراك لا يريدون مشكلة لاجئين يطول أمدها على حدودهم. اللبنانيون خائفون من أن تصبح دولتهم جبهة أمامية في أية حرب أهلية سورية. النظام الأردني، غير المحبوب أساساً في الداخل، خائف أيضاً من اضطراب إقليمي. أما السعوديون، فهم خائفون، أكثر من الأردنيين حتى، من شبح تفتت دولة عربية كبرى – أمر يعرفون بأنه وارد بالنسبة لسلالتهم الحاكمة التي بلغ عمرها الثمانين عاماً الآن والتي هي في مرحلتها البريجنيفية المتعبة. وإذا كانت الرياض تريد الإطاحة بالأسد الموالي لإيران فهذا لا يعني، وببساطة، بأنها ستكون مسرورة بوضع مطول لا يكون فيه من هو مسؤول في سوريا. أما وجهة النظر الإسرائيلية فمشابهة. وتتخوف الحكومة الشيعية في العراق من إعطاء الحرية للإرهابيين السنة في منطقة الحدود السورية. أما بالنسبة للإيرانيين، فإنهم سيفعلون كل ما بوسعهم للحفاظ على النظام السوري الحالي في مكانه حتى ولو كانوا يمقتون قسوة الأسد غير الفعالة. ( لقد سحق الإيرانيون، وبفعالية، الحركة الخضراء في العام 2009 بقتلهم المئات وليس الآلاف). ويطلب الروس الاستقرار في دمشق فقط لأجل الحرية البحرية التي يملكونها في مرفأ طرطوس. فسوريا وإيران هما الرافعتان المتبقيتان لدى الكرملين في الشرق الأوسط. فضلاً عن ذلك، إن انهيار ديكتاتورية موالية لموسكو في الشرق الأوسط يحمل في إمكانية بث الخوف على امتداد دول آسيا الوسطى الاستبدادية. أما بالنسبة للأميركيين، فإنهم لا يريدون وضعاً على نسق يوغوسلافيا حيث يكونون فيه تحت ضغط القيام بتدخل عسكري.
بإمكان المرء القول أيضاً بأنه من منظور حقوق الإنسان، يمكن للفوضى أن تكون أسوأ من السلطوية. وللسخرية، ومن الطريف القول بأن سجل قطع الرؤوس الذي ينسب لأنظمة سلطوية رهيبة في العالم الإسلامي هو سجل قاتم. وقد انزلقت ليبيا في حالة من العنف والفوضى المنخفض الشدة، بحيث إن أوامر الحكومة المركزية مفقودة على امتداد مناطق واسعة من البلاد. كما اندلعت الفوضى في مالي المجاورة – وضع أشعله تغيير النظام في ليبيا.  لقد قطع جورج دبليو بوش رأس نظام صدام حسين في العراق، وهو عمل دفع ثمنه 200000 عراقي، ربما، في غضون سنوات قليلة، حتى ولو كان صدام قد قتل سابقاً أربعة أضعاف هذا العدد، ربما، على مدى ثلث قرن.
هناك أمثلة عن الاتحاد السوفياتي ويوغوسلافيا. إذ عندما انهار الإتحاد السوفياتي، أدى ذلك إلى موجة من الحروب الإثنية والإقليمية عبر القوقاز وآسيا الوسطى – قتل عشرات الآلاف في طاجكستان وحدها – في حين رست الحرب في يوغوسلافيا على مقتل 140000 إنسان. وتذكروا أن نظام الأسد، السلالة الحاكمة في سوريا، قد بُني على نموذج الكتلة الشرقية في ذروة الحرب الباردة.
صحيح أنه تم في رومانيا في العام 1989 إعدام الطاغية نيقولاي سيسيكو وزوجته إيلينا، ولم تنتج عن ذلك حرب إثنية ( بين الرومانيين والهنغاريين ) ولا فوضى. لكن ذلك حصل لأنه بدلاً من أن تحل ديمقراطية حقيقية مكان نظام سيسيكو فإنه استبدل، بشكل غير رسمي، بشعبة أخرى للحزب الشيوعي، الذي بشر بعملية انتقالية دامت نصف عقد من الزمن قبل تسلم أشخاص غير شيوعيين السلطة الحقيقية من خلال الانتخابات. لذا، قد تكون رومانيا الآن ذات صلة نوعاً ما بالوضع السوري.
إن اعتبارات الاستقرار الإقليمي والاعتبارات الأخلاقية تتطلب مرحلة انتقالية في سوريا، وليس ديمقراطية تركيا الباردة. فديمقراطية تركيا الباردة المقترنة مع انهيار النظام في سوريا، نظراً إلى السجل التاريخي، تحمل في طياتها خطر حصول فوضى دموية. قد تتطلب المرحلة الانتقالية صفقة ضمنية بين الولايات المتحدة وإيران. ولدى الولايات المتحدة وإيران سجل من التعامل بينهما خلف الكواليس؛ إذ قامت إدارة بوش وآيات الله بالتعامل مع بعضهم بعضاً أيضاً في العراق حتى عندما كانوا يحاربون بعضهم بعضاً.
إن الإيرانيين، كالأميركيين، يتطلعون إلى ما بعد الأسد. فهم يحددون الجنرالات ورجال الأعمال الذين بإمكانهم تولي الحكم مكانه والحفاظ على البنية الكاملة للنظام. وقد يصلون إلى نقطة حيث تتداخل المصالح الأميركية والإيرانية في سوريا على الأقل إلى حد الموافقة على استبدال الأسد. رغم ذلك، نعود ونكرر، الوضع في سوريا لا بد وأن يتدهور أكثر ربما، قبل التوصل إلى تلك المرحلة. ينبغي جعل إيران تشعر بأن الأسد لم يعد خياراً. نحن لم نصل إلى هناك بعد. إن واقع قدرة الدفاعات الجوية السورية على إسقاط طائرة تركية من دون استثارة رد فعل عسكري يعني أن الأسد لا يزال صعباً.
إن المساومة الحقيقية، إذا ما تمت ومتى ما تمت، قد تشمل تركيا وإيران. فتركيا تريد استبدال كامل بنية النظام؛ أما إيران فتريد العكس. هذا هو السبب الذي لأجله ستكون كل من أنقرة وطهران بحاجة للمساومة، تحديد سوريين رفيعي المستوى، من الصف العسكري ربما، الذين سيعملون على حماية مصالح كل من البلدين ويكون بالإمكان بناء نظام جديد على أساسهم. وإذا كان بإمكان تركيا وإيران التوصل إلى اتفاق من نوع ما، فإن بإمكان الولايات المتحدة وروسيا مباركته. بإمكان إدارة أوباما لعب دور في هذه العملية، لكن للقيام بذلك بفعالية سيتطلب الأمر واقعية سياسية ديبلوماسية أكبر مما سبق وأثبتته حتى الآن في أية أزمة. هذه قصة طويلة، لكن قد لا يكون هناك طريقة أخرى لتجنب حرب أهلية تزداد سوءاً.
هناك وعي مطلق لكل هذا: إذا ما خفضت الولايات المتحدة إستراتيجيتها تجاه طهران فقط لوقف برنامج التخصيب النووي لديها، فإن هذا يزيد احتمال تصاعد حمام الدم في سوريا. إن التخفيف من حدة خروج الأسد من السلطة يصبح أسهل عندما يُقدم بعض الاحترام لمصالح إيران وروسيا الإستراتيجية. وتريد واشنطن الآن أمرين قد لا يسيران جنباً إلى جنب: تسليم إيران ( وربما روسيا) هزيمة استراتيجية كاملة في سوريا، حتى عندما يكون سفك الدم قد انخفض هناك.
هذا الأمر قد يبدو كترضية، لكن تذكروا أن سوريا الأسد، المعتمدة للغاية على إيران، تمثل أساساً دولة تابعة تدور في الفلك الإيراني. لذا، فإن أية صفقة بين أنقرة وطهران حول نظام انتقالي جديد تحمل في طياتها احتمالاً بارزاً لوجود نظام أقل موالاة للنظام الإيراني في المستقبل، خاصة عندما يتم، في نهاية المطاف، إجراء انتخابات في سوريا بظل أي اتفاق. فبالنسبة لإيران سيشكل موضوع زعزعة سوريا ما بعد الأسد – مع عدم وجود أرض حدودية بين البلدين – وبالحد الذي زعزعت فيه العراق حالة من التمدد الإمبريالي الحامل في طياته عواقب هزيمة ذاتية.
إن وضع سوريا رهيب. فمن وجهة النظر الأخلاقية وكذلك الجيوسياسية للولايات المتحدة، يعتبر خوض حرب بديلة مع إيران وروسيا هناك أمراً أقل جاذبية من التواصل معهما.

موقع الخدمات البحثية