مواد أخرى » حملة أفكار استراتيجية لمكافحة التحديات الإيديولوجية للأمن القومي الأميركي

Hudson Institute ( ورقة موجزة / الشؤون الأمنية والخارجية)
ـ دوغلاس ج. فيث (زميل كبير ومدير، مركز دراسات الأمن القومي، معهد هادسون)
ـ وليام أ. غالستون (رئيس Ezra k. Zilkha وزميل كبير، دراسات الحكم، معهد بروكينغز)
ـ أبرام ن. شولسكي (زميل كبير، معهد هادسون)

مقدمة
أثارت هجمات 11/9 ، التي هزت الأميركيين وجعلتهم يدركون أن الإرهابيين الإسلاميين يعتبرون بأنهم في حرب مع الولايات المتحدة، رداً أميركياً متعدد الأوجه. فالجيش، الاستخبارات، مؤسسات تطبيق القانون، الوسائل المالية والديبلوماسية كلها قد تم تسخيرها لهذا الغرض. ومنذ البداية، قال بعض كبار المسؤولين الأميركيين بأن الحرب على الإرهاب ينبغي أن تشتمل على مجهود جدي لمكافحة الإيديولوجية التي تشكل دافعاً لأعداء أميركا الإسلاميين المتطرفين. بالواقع، لقد قال بعض المسؤولين بأن " معركة الأفكار" ليست هامة ببساطة وحسب، بل إنها حيوية لأجل تحقيق النصر.
مع ذلك لم يُبذل مجهود جدي من هذا النوع لا من قبل إدارة بوش ولا من قبل إدارة أوباما. وقد أشار معلقون عبر الطيف السياسي إلى أن ما قامت به الحكومة الأميركية على مدى العقد الماضي في مجهودها لمكافحة الإيديولوجيات العدائية كان متواضعاً. هذا التعليق هو نتيجة الدراسات التي تمت داخل وخارج الحكومة.
في الحرب ضد الإرهاب الجهادي، لا يمكن للعمل العسكري وتطبيق القانون أن يكونا حاسمين. وكدولة ذات قيمة بحالتها الآن لجهة القبض على الإرهابيين وقتلهم وتعطيل موارد تمويلهم، لن تحقق الولايات المتحدة النصر إلا إذا تمكنت، بداية، من منع الناس من أن يصبحوا أعداء إرهابيين لنا. إن تحدي الأسس الإيديولوجية للتطرف الإسلامي ـ التشكيك بالمعتقدات التي تدفع بالأفراد لارتكاب الأعمال الإرهابية وتوفير الدعم المالي ووسائل دعم أخرى له ـ هو المفتاح للتقليل من خطر الإرهاب إلى درجة يتم احتواؤه يوماً ما بواسطة طرق فرض القانون العادية.
إن الثورات السياسية الأخيرة في العالم العربي جعلت الهواجس الأميركية بشأن التطرف الإسلامي تتوسع. وإن الانتخابات في مصر وتونس تنبئ بالكثير: ففي حين قد ترغب الولايات المتحدة بالقيام بعمل ما مع القوى العلمانية أو الليبرالية الموجودة ضمن هذه المجتمعات، فإن دعمهم الشعبي و" مؤهلات الشارع" تعتبر محدودة.  فبالنسبة للسنوات القليلة التالية، على الأقل، سوف تحدد  الأكثرية الإسلامية لهذه البلدان مصير الديمقراطية ومدى معارضة سياساتهم للمبادئ والمصالح الأميركية. ليس لدى الولايات المتحدة خيار سوى التشجيع على نوع من النقاش الإسلامي الداخلي المتبادل الذي قد يزيد من حدة الانقسامات بين المتشددين المتصلبين والقوى المستعدة لصنع سلامها وديمقراطيتها وتعدديتها. ففي مصر، هناك بعض إشارات على أن الإخوان المسلمين قد يكونون أكثر ارتياحاً بصياغة تحالف حاكم مع الأحزاب الليبرالية منه مع السلفيين، الذين فاجأ عرضهم الانتخابي القوي حتى المراقبين المتمرسين في المشهد المصري.
لقد وسَّعت الثورات السياسية في العالم العربي الهواجس الأميركية بخصوص التطرف الإسلامي. إذ ان الانتخابات في مصر وتونس تخبرنا الرواية نفسها إلى حد كبير: ففي حين قد ترغب الولايات المتحدة بالعمل مع قوى علمانية أو ليبرالية داخل هذه المجتمعات، فإن الدعم الشعبي لهؤلاء و" مؤهلات شارعهم" تعتبر محدودة. وبالنسبة للسنوات القليلة المقبلة، على الأقل، سوف تحدد الأكثرية الإسلامية لهذه البلدان مصير ديمقراطيتها ومدى معارضة سياساتها للمبادئ والمصالح الأميركية. وليس لدى أميركا خيار ما عدا تشجيع حصول نوع من النقاش الإسلامي الداخلي المتبادل الذي قد يجعل الانقسامات أكثر حدة بين قوى متشددة وقوى مستعدة لصنع سلامها  بالديمقراطية والتعددية. وفي مصر، هناك بعض الإشارات التي تقول بأن الإخوان المسلمين قد يكونون أكثر ارتياحاً بصياغة تحالف حاكم مع أحزاب ليبرالية منه مع السلفيين، الذين فاجأت قاعدتهم الناخبة حتى أكثر المراقبين حنكة وتمرساً بالمشهد المصري.
بعد فوز الإسلاميين في الانتخابات الشعبية في تونس، قالت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون لجمهور من الشباب التونسي: " هناك البعض في تونس وفي أماكن أخرى ممن يتساءلون عما إذا كان بإمكان الأحزاب الإسلامية أن تكون منسجمة ً مع الديمقراطية حقاً. حسناً، لقد كان لدى تونس فرصة الإجابة على ذلك السؤال بالإيجاب، ولتبرهن بأن لا تعارض بذلك". بالنسبة لحكمنا على الأمر نقول بأن هذا النوع من الانفتاح على الاحتمالات الديمقراطية هو أساس صحيح بالنسبة للسياسة الأميركية ـ إلا إذا قدمت الوقائع على الأرض جواباً سلبياً على تساؤل الوزيرة كلينتون. فمن مصلحة أميركا القيام بكل ما يمكنها للتشجيع على إجابة إيجابية، بما فيه من خلال حملة أفكار استراتيجية للنوع الموصوف هنا. إلى جانب أن ليس هناك من بديل عملي حتى الآن.
هواجس الحكومة الأميركية
إن قدرة الحكومة الأميركية على مكافحة الإيديولوجية العدائية من خلال حملة " أفكار استراتيجية" سوف تعطي ثمارها بشكل شامل في مجال الأمن القومي. إن إضعاف الإسلاموية المتطرفة والتأثير على المنظمات الإسلامية لرفض التطرف سيعزز الموقف الأميركي في العالم العربي ويحسن فرص تحقيق أهداف السياسة الخارجية هناك. وفي الوقت الذي تحصل فيه المنظمات الإسلامية على السلطة والقوة، فإن لدى هؤلاء موعد مع الواقع، واقع يصبح فيه  هؤلاء مسؤولين عن الحكم والتجاوب مع المطالب الاقتصادية، الاجتماعية والسياسية الشعبية بظل الظروف والتحديات الموجودة. ومن المرجح أن يكون هذا الوقت هو وقت الفوضى والاضطرابات الفكرية والسياسية بالنسبة لهم، وإن القدرة على التأثير عليهم بعيداً عن الإسلاموية الراديكالية سيكون مكسباً عظيماً  للسياسة الخارجية الأميركية.
إن تقصير الحكومة الأميركية  في هذا المجال سيكون له عواقب لأن التطرف الإسلامي يبقى مشكلة كبرى للأمن القومي. وبحسب " استراتيجية الأمن القومي" لإدارة أوباما:
.... ليس هناك من تهديد أكبر للشعب الأميركي من تهديد أسلحة الدمار الشامل، تحديداً الخطر الذي يشكله " مواصلة الحصول على أسلحة نووية من قبل متطرفين يمارسون العنف"  وانتشارها إلى دول إضافية.
لكن الإرهاب النووي  هو أحد الأوجه فقط لخطر أكبر يشكله التطرف الإسلامي. ويبقى التوصيف التالي الأوسع  للتهديد الموجود في " الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب" لإدارة بوش، صحيحاً:
إن العدو الإرهابي الرئيس الذي تواجهه الولايات المتحدة اليوم هي الحركة العابرة للحدود للتنظيمات والشبكات والأفراد المتطرفين ـ والداعمين الحكوميين وغير الحكوميين لها ـ حيث أن الأمر المشترك بين هؤلاء هو استغلال الإسلام واستخدام الإرهاب لغايات إيديولوجية.
لقد قالت إدارة أوباما ، " إننا في حرب مع شبكة محددة هي القاعدة، ومع الإرهابيين التابعين لها الذين يدعمون جهود مهاجمة الولايات المتحدة وحلفائنا وشركائنا". لكن هذا التعريف للعدو يبدو ضيقاً جداً. خذوا مثلاً  قضية المايجور نضال حسن، الطبيب في الجيش الأميركي، الذي قتل 13 شخصاً، بمن فيهم زملائه من الجنود، وذلك في Fort Hood في تشرين الثاني 2009. في هذه القضية لا يبدو بأن هناك أي دليل يربط المايجور حسن، "تنظيمياً"، بالقاعدة، رغم أنه جزء من  "الحركة العابرة للحدود" المذكورة آنفاً.
إذن، هناك حاجة لتعريف وتحديد دقيق لـ " التطرف الإسلامي"، تعريف يصف الرؤى- وليس مجرد التنظيمات ـ التي ينبغي لنا استهدافها ومكافحتها. ( القصد من البيان العقائدي المرفق مع هذا التقرير تلبية تلك الحاجة).  ويتعامل التقرير الحالي مع الوسائل الإعلامية التي قد يستخدمها المسؤولون الأميركيون لمكافحة الأصولية الإسلامية. إن استخدام وسائل أخرى (على سبيل المثال، النظام المالي، تطبيق القانون، أو العمل العسكري) لمكافحة المعتقدات فقط ( وليس الأفعال) يطرح تساؤلات ( كآنية التهديد، الاعتبارات القانونية، الخ.) بأننا لا نعالج الأمر هنا. نريد أن نتحدى أفكار الأفراد الذين يقدمون المبرر للإرهاب المرتكب من قبل آخرين، في الوقت الذي لا يؤيدون فيه الإرهاب مباشرة، ( مثلاً، عن طريق الخطب بأن الغرب معاد للإسلام حتماً) لكن هذا لا يعني بأنه سيكون من المناسب استخدام وسائل أخرى عدا الوسائل الإعلامية ضد أولئك الذين يحملون هذه المعتقدات.
هدف هذه الدراسة
في مراجعة لرد الحكومة الأميركية على التحدي الإرهابي الإسلامي، تبرز إحدى النقاط:  بالنسبة لكل التقدم الذي حققناه في مهاجمة الشبكات الإرهابية في الخارج وتعزيز الإجراءات الأمنية هنا في الداخل، كان هناك فشل عام في مواجهة " مركز الجاذبية" للتهديد الإرهابي. وتحدد هذه الدراسة الكيفية التي يمكن بها للحكومة الأميركية رفع جهودها لمعالجة هذا الفشل وتغيير الجو الإيديولوجي الموجود في العالم الإسلامي بشكل عام، كما ينكب التقرير بشكل خاص على  طرح نوع المنظمات الحكومية وغير الحكومية التي ينبغي إنشاؤها للقيام بهذا المجهود.
لقد تصور واضعو هذه الدراسة بأنه قد تمت دعوتهم إلى " المكتب البيضاوي" وبأن الرئيس تحدث إليهم وقال التالي: " لدينا نجاحاتنا العسكرية وفي مجال تطبيق القانون ضد الجماعات  الإرهابية.  لكن هذه الجماعات مستمرة باجتذابها لمجندين وداعمين جدد. نحن لم نقم بتلقيح الجماهير الأساسية ضد الأفكار الإرهابية. في نفس الوقت، لا يبدو بأننا في موضع جيد للتأثير على الطريقة التي يتطور بها الوضع السياسي في بلدان كمصر، تونس، وليبيا، وربما في أماكن أخرى في الاضطرابات السياسية الحالية التي تسود الشرق الأوسط. هذا إخفاق قديم في مجال " القوة الناعمة". ما الذي يمكننا القيام به بشأن هذه المشكلة؟ ماذا ينبغي أن تكون عليه مقاربتنا الأساسية؟ هل نحن بحاجة لوكالة حكومية أم لمنظمة غير حكومية للشروع بهذا المهمة؟ وما الذي ستفعله؟"
هذا التقرير، إلى جانب  البيان العقائدي المرافق، يمثل ردنا.
أما نقاطنا الأساسية فهي:
• مشكلة الإرهاب ليست مشكلة القاعدة فقط. لا يمكننا حلها بتركيز جهودنا على منظمة واحدة والتابعين لها. إن جوهر المشكلة إيديولوجي.
• الإيديولوجية العدائية هي نسخة متطرفة أو راديكالية للإسلاموية. فالإسلاموية، التي يشار لها أيضاً بالإسلام السياسي، هي إيديولوجية سياسية تؤكد على إمكاناتها في حل المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية أكثر من تأكيدها على الجوانب الروحية للإسلام، في الوقت الذي تستجدي فيه الهوية والحساسية الإسلامية. ففي نسخها المتطرفة والراديكالية، تبشر الإسلاموية بكون الغرب معاد حتماً للإسلام وينبغي محاربته، بما فيه بالوسائل الإرهابية. إن الثورات السياسية الأخيرة في العالم العربي ( المشار إليها بشكل جماعي  بالربيع العربي) تضع الولايات المتحدة |أمام رهانات متزايدة حول كيفية تطور منظمات إسلامية كالإخوان المسلمين في مصر.
• إن مكافحة التطرف الإسلامي مسألة أكبر من ديبلوماسية عامة أو اتصالات استراتيجية، وهذه نشاطات تشتمل، وبشكل رئيس، على نقل مسؤولين أميركيين رسائل لجماهير أجنبية. المفتاح هنا هو التحفيز على النقاش في أوساط المسلمين والتأثير عليهم بطريقة تعزز تفسير للإسلام لا يؤكد مشروعية الإرهاب أو يلمح له ضمناً. بمعنى آخر، لا يتعلق جوهر المسألة بما يقوله المسؤولون الأميركيون للمسلمين، بل بما يقوله المسلمون في أوساطهم هم. إن التحدي بالنسبة للمسؤولين الأميركيين هو عدم صياغة رسائل؛ إنه يتعلق بابتكار طرق لإحداث نقاش والمساعدة في تشكيله ضمن المجتمعات الإسلامية التي ستجعل نفوذ المتطرفين الإسلاميين يتضاءل.
• هناك ضرورة لوجود بعض الموظفين العاملين والمكاتب والترتيبات البيروقراطية للسماح للحكومة الأميركية بتطوير وتنفيذ استراتيجيات لمكافحة التطرف الإسلامي ومحاربة إيديولوجيات معادية أخرى. وفيما عدا أن المسؤولية بتطوير وتنفيذ هكذا استراتيجيات تقع صراحة على فرد أو مجموعة، فإن الديناميكية المطلوبة والاهتمام المستدام لن يظهرا قريباً.
• ستتطلب استراتيجيات كهذه التعاون بين عدد من الإدارات والوكالات المختلفة، بما في ذلك البيت الأبيض، وزارة الدفاع، وجماعة الاستخبارات. في كل الأحوال، ليس هناك من جدول بياني تنظيمي يضمن هكذا تعاون. إن الإستراتيجية المناسبة، إذا ما نفذت بشكل صحيح، لن تأتي إلا إذا طالب الرئيس رؤساء إدارته ووكالته، شخصياً، بجعل تلك الإستراتيجية أولوية لديهم في نطاق مسؤولياتهم التي يتحملونها. إن مهمة كهذه مشتركة بين الوكالات بطبيعتها لا يمكن أن تعمل وتشتغل على طريقة الطيار الآلي؛ إنها تتطلب قيادة ناشطة، بدءاً من الرئيس.
الإيديولوجية كـ " مركز جاذبية" للإرهاب
على خلاف الدول، لا يمكن للجماعات الإرهابية أن تجمع الموارد من خلال الضرائب؛ ولا يمكنها القيام بتجنيد إلزامي عسكري للقوى البشرية. بل هي تعتمد على جاذبية إيديولوجيتها للفوز بالمجندين والدعم المادي الضروري لعملياتها. فضلاً عن ذلك، لا تملك الجماعات الإسلامية المتطرفة والأفراد الذين يستهدفون الولايات المتحدة ( ودولاً أخرى) بالإرهاب روابط رسمية فيما بينهم؛ إذ ليس هناك، تحديداً، سلطة بشرية واحدة معترف بها ومطاعة من قبلهم جميعاً. ما يربطهم هي الإيديولوجية: معتقدات مشتركة حول واجباتهم كمسلمين تثير دوامة من العدائية الشديدة تجاه الولايات المتحدة والغرب عموماً.
من الصحيح بالطبع القول أن الإيديولوجية وحدها لا يمكنها تفسير سبب انجذاب الأفراد إليها والانضمام إلى مجموعة إرهابية أو دعمها. بإمكان العوامل الاجتماعية أو النفسية التي تحمل صفة الغرابة أن تلعب دوراً حاسماً وحساساً هنا. لكن في حين أن بإمكان العوامل النفسية أو الاجتماعية أن تفسر سبب شعور شاب بالغربة والنفور والعدائية، على سبيل المثال، فإنها لا يمكنها تفسير السبب الذي جعله يصبح ،دعونا نقول، إرهابياً إسلامياً بدلاً من أن يكون شيوعياً أو عضواً في حزب يميني متطرف، أو فرداً في شلة من الشباب أو طائفة دينية أخرى.
إنها الإيديولوجية التي تجتذب المجندين والدعم المادي للقضية الإسلامية الراديكالية وتحث أفراداً في الحركة على التصرف والعمل، حتى من دون وجود روابط " القيادة والتحكم" لزعيم الحركة. هذا هو السبب الذي يدعونا للقول بأن إيديولوجية التطرف الإسلامي هي " مركز الجاذبية" للحركة العابرة للحدود التي تشكل العدو الإسلامي لنا. إن الجدل الإيديولوجي القوي الموجود  في أوساط المتطرفين الإسلاميين يثبت الأهمية التي يعلقونها هم على الإيديولوجية.
نظراً لأهمية الإيديولوجية للخطر الإرهابي، ينبغي للولايات المتحدة أن تشن " حملة أفكار" ذات هدف نهائي هو نزع الشرعية عن الإيديولوجية الإسلامية المتطرفة،  كما حصل وتم نزع الشرعية عن الإيديولوجيات الفاشستية والشيوعية التوليتارية على نطاق واسع سابقاً.
تبقى وسائل مكافحة الإرهاب الأخرى هامة ( كالعمليات العسكرية الهجومية والدفاعية، تطبيق القانون، والنشاطات الاستخبارية). لكن لا يمكن إلحاق الهزيمة بالإرهابيين الإسلاميين مرة واحدة إلا من خلال نزع الشرعية عن إيديولوجيتهم. وإلا فإن بإمكان هؤلاء تجديد أنفسهم حتماً.
أما بما يتعلق بالتهديدات ذات الصلة بالإرهاب الصادرة من بلد أجنبي، فإن بإمكان الولايات المتحدة طبعاً عدم المخاطرة بالمصالح غير الإيديولوجية لذلك البلد، لكن يظل هناك فائدة في إضعاف الأساس الإيديولوجي للسياساتها العدائية.
السجل حتى الآن
على مدى العقد الماضي، أصبح المجهود الرئيس الذي بذلته الحكومة الأميركية لمكافحة الإيديولوجية الإسلامية المتطرفة موجود تحت عنوان " الديبلوماسية العامة". ذلك المصطلح يشار  عادة إلى النشاطات التي تعزز التواصل بين المسؤولين الأميركيين والشعوب الأجنبية ( كالبث الإذاعي والتلفزيوني، المواقع الإلكترونية التي برعاية الحكومة، والمكتبات أو مهرجانات الأفلام في المدن الأجنبية برعاية الحكومة) أو بين مواطنين أميركيين عاديين وشعوب أجنبية ( كبرامج تبادل الطلاب وبرامج التبادل العلمي والثقافي، المنح المقدمة لطلاب أجانب للدراسة في مدارس أميركية وبرامج التدريب للاختصاصيين الأجانب).
إن القصد من هكذا أنشطة هي تحسين فهم الشعوب الأجنبية للولايات المتحدة وحثهم على النظر إلى أميركا وسياساتها بإيجابية أكبر. وفي لغة Madison Avenue، هدف مسؤولو وزارة الخارجية في إدارتيْ كل من بوش وأوباما إلى تحسين صورة أميركا أو " شعارها" في الخارج، خاصة في العالم الإسلامي.
إن الإشارة للشعار كإعلان تجاري ليس مصادفة؛  فأول وكيل في وزارة الخارجية للشؤون والديبلوماسية العامة، شارلوت بيرز، جاءت من تلك الصناعة. وبحسب كلمات لوزير الخارجية الأسبق كولن باول، " جعلتني أشتري أرز أنكل بينز وبذلك ليس هناك من بأس بالحصول على شخص يعرف كيف يسوِّق لشيء ما".
إن فرضية  الديبلوماسية العامة هي أن الشعوب الأجنبية ستؤثر، إذا ما أصبحت أفضل إعداداً وتنظيماً بالنسبة للولايات المتحدة، على حكوماتها بطرق تكون مستحسنة وإيجابية للولايات المتحدة ـ أو، في كل الأحوال، تجعل من الأسهل على تلك الحكومات مواصلة العمل على سياسات مرضية وإيجابية. ومهما كان ذلك المفهوم معقولاً ومنطقياً فإنه لا يصل إلى صلب مشكلة الإرهاب الإسلامي الأصولي. فما يحرك الأفراد لارتكاب هكذا أعمال إرهابية ليس المواقف السلبية تجاه الولايات المتحدة.
هناك كثير من الناس لديهم مواقف من هذا النوع مع ذلك فإنهم لا يشكلون تهديداً إرهابياً.  الأساس هنا هو تقبل الإيديولوجية الإسلامية الراديكالية التي تبرر الجهاد في شكل الإرهاب ضد الولايات المتحدة وأهداف غربية أخرى، أو تأمر به بالواقع.
عموماً، إن التأكيد على تحسين " الشعار" الأميركي يبدو طموحاً أكثر من اللازم ومضللاً ـ مفرط الطموح، لأن من غير الضروري النسبة للناس أن تحب الولايات المتحدة، أو سياساتها أو شعبها كي يقتنعوا بأن مهاجمة الولايات المتحدة ليس منطقياً ولا مفهوماً بالنسبة لهم؛ ومضللاً لأنه يبدو بأنه يفترض أن تكون المواقف تجاه الولايات المتحدة، بطريقة ما، مسألة ذات أهمية جوهرية بالنسبة للشعوب الإسلامية، على قدم المساواة، على الأقل، مع الاعتبارات المتعلقة بمستقبل هذه الشعوب، ونوع المجتمعات التي يعيشون فيها مع أطفالهم.
لم تتولى إدارة بوش ولا إدارة أوباما مهمة نزع الشرعية عن التطرف الإسلامي. إذ غالباً ما تحدث بوش عن تعزيز الديمقراطية والحريات الشخصية في البلدان الإسلامية للتقليل من جاذبية إيديولوجية الإرهابيين. ففي خطابه الافتتاحي الثاني، شرح الرئيس بوش ذلك بقوله:
... طالما أن مناطق العالم كلها تغلي ببطء بمشاعر النقمة والطغيان ـ  المعرضة لإيديولوجيات تغذي الكراهية وتبرر القتل ـ فإن العنف سوف يتجمع ويتضاعف في شكل قوة مدمرة، ويعبر الحدود الأشد تحصيناً، ويرفع من مستوى التهديد القاتل. هناك قوة واحدة في التاريخ يمكنها كسر حالة النقمة والكراهية المسيطرة والسائدة، وتفضح ذرائع الطغاة، وترفع الآمال بالتسامح والحياة اللائقة، وهي قوة حرية الإنسان.
من جهة أخرى، ركزت مقاربة إدارة أوباما على تحسين الظروف الاجتماعية- الاقتصادية ، بما فيه حقوق المرأة، في الوقت الذي قللت فيه من أهمية الحرية السياسة. وقد نص خطاب مهم لجون برينان، المستشار الأساسي للرئيس أوباما، على استراتيجية " القوة الناعمة" هذه.  ففي حين  أنكر أن يكون الفقر أو نقص التعليم أسباباً للإرهاب فإنه أكد على القول بأن:
عندما لا يكون لدى الأطفال أمل بالتعلم، وعندما لا يكون لدى الشباب أمل بالحصول على عمل ويشعرون بأنهم منفصلين عن العالم الحديث، وعندما تفشل الحكومات بتوفير الحاجات الأساسية لشعوبها، عندها سيصبح الناس أكثر عرضة لإيديولجيات العنف والموت. لذا فإن العنف والتطرف والهجمات الإرهابية غالباً ما يشكلوا التجلي القاتل الأخير لعملية طويلة متجذرة بفقدان الأمل، الإذلال، والكراهية.
وتابع برنان مشدداً أكثر على القول:
لذا، ينبغي لأية مقاربة شاملة أن تنكب على معالجة العوامل الأولية التمهيدية ـ الظروف التي ساعدت على تغذية العنف والتطرف... لا يمكننا إخراج أنفسنا من هذا التحدي. نستطيع إخراج كل الإرهابيين الذي نريدهم ـ قيادتهم وجنودهم في أسفل السلم. لكن إذا ما فشلنا في مواجهة الظروف السياسية، الاقتصادية والاجتماعية الواسعة التي يزدهر فيها المتطرفون، عندها سيكون هناك مجنداً آخر في خط أنابيب التجنيد، هجوم آخر يأتي من المصب.
في كل الأحوال، وبما يتعلق بثورات 2011 السياسية المنتشرة على امتداد المنطقة العربية، بدأ مسؤولو إدارة أوباما التأكيد على أن من سياسة الولايات المتحدة القيام بتعزيز الدمقرطة على امتداد العالم الإسلامي. وفي أيار، 2011 قال الرئيس:
ستكون سياسة الولايات المتحدة تعزيز الإصلاح عبر المنطقة، ودعم عمليات الانتقال والتحول إلى الديمقراطية. ويبدأ ذلك المجهود في مصر وتونس، حيث الرهانات عالية ـ حيث كانت تونس في طليعة هذه الموجة الديمقراطية، ومصر أيضاً شريك قديم وأكبر بلد عربي في العالم. وبإمكان البلدان طرح مثال قوي من خلال انتخابات حرة ونزيهة، مجتمع مدني نابض بالحياة، مؤسسات ديمقراطية فاعلة ومُحاسبة، وقيادة إقليمية مسؤولة. لكن دعمنا ينبغي أن يمتد ليشمل دولاً لم تحصل فيها بعد عمليات الانتقال والتحول.
إن الرابط بين سياسة تعزيز الديمقراطية هذه وبين أهدافنا في مكافحة الإرهاب منصوص عليه في " الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب" التي صدرت في الشهر التالي:
إن تعزيز وجود حكومة تمثيلية متجاوبة هو من صلب عقيدة السياسة الخارجية الأميركية ويساهم مباشرة في أهدافنا المتعلقة بمكافحة الإرهاب. فالحكومات التي تضع إرادة شعوبها في المقام الأول وتشجع التغيير السلمي هي حكومات تتعارض مباشرة مع إيديولوجية القاعدة. فالحكومات المتجاوبة مع حاجات مواطنيها تجعل حالة النقمة لدى مواطنيها تتضاءل كما تجعل الدوافع المرتبطة بالظلم التي تستغلها القاعدة تتلاشى هي أيضاً. إن الحكم الفاعل يقلل من مجال وقوة جاذبية القاعدة، ما يقلل من صداها ويساهم بالذي تتخوف منه أكثر من أي شيء آخر ـ عدم الأهمية واللا صلة.
في 9 أيلول، 2011، أصدر الرئيس أوباما " الأمر التنفيذي 13854": الذي يعترف ويفوِّض رسمياً  قيام" مركز الاتصالات الاستراتيجي لمكافحة الإرهاب التابع لوزارة الخارجية"، الذي كان قد تم إنشاؤه قبل عام. إن الهدف من المركز هو " تطوير روايات استراتيجية أميركية لمكافحة الإرهاب واستراتيجيات اتصالات عامة لمواجهة الرسائل المتطرفة وإفقادها المصداقية". ويسعى المركز لتحقيق هذا الهدف عن طريق توفير صف الحجج لاستخدامها من قبل مسؤولي الحكومة الأميركية في واشنطن والخارج، وعن طريق الحوار مباشرة مع مسلمين على الإنترنت عبر المدونات، ومن خلال المشاركة في منتديات ومواقع الشبكات العنكبوتية الاجتماعية، ونشر أشرطة الفيديو. إن المبررات الإيديولوجية للإرهاب التي تضعها القاعدة والتابعين لها هي هدف المركز. وكما شرح مدير المركز السفير ريتشارد لوبارون:
وفي حين أني أود أيضاً ( بالنسبة لأولئك المعرضين لخطر التجنيد من قبل القاعدة) تطوير مفاهيم إيجابية عن الولايات المتحدة، لدعم سياساتنا وتقدير قيمنا، فإن ذلك ليس من مهمة المركز. إن عملنا هو دفع الناس برفق للسير بطريق مختلف؛ مساعدتهم على التساؤل حول بعض الفرضيات؛ والمساهمة في بيئة لا يعتبر فيها العنف خياراً قابلاً للحياة أو مقبولاً أو فاعلاً.
وبينما ينكب المركز على معالجة الجاذبية الإيديولوجية التي تفرضها القاعدة، فإنه يختصر التعاطي مع إيديولوجية التطرف الإسلامي بمستوى أكثر عمقاً؛ فالمركز، تحديداً، لا يعالج المفهوم القائل بأن تحريفاً متطرفاً ومسيساً لدين الإسلام هو مصدر الإيديولوجية الذي نحن مهتمون بها وقلقون منها. وبشكل مشابه، وتماشياً مع رأي إدارة أوباما بأننا في حرب مع القاعدة والمنتمين لها (بدلاً من أن نكون في حرب مع " الحركة الإرهابية العابرة للحدود"، التي حددتها إدارة بوش)،  يركز المركز على محاربة " رواية" القاعدة فقط.
الدراسات الأخيرة لجهود الحكومة الأميركية
هناك جدل عام دائر في أوساط المراقبين عبر الطيف السياسي، هو أن جهود الحكومة الأميركية بمكافحة الإيديولوجيات العدائية لم تكن فعالة. لقد كان هذا في الواقع الاستنتاج الذي خرجت به دراسات تمت داخل وخارج الحكومة منذ العام 2001. إن فريق مشروعنا يوافق على ذلك، لكنا نعتقد بأن هذه الأدبيات تعاني من قصور كبير.
تميل الدراسات للخطأ بفهم التحدي الإيديولوجي بصفته، وببساطة، مطلباً لمحاربة معاداة الأمركة عموماً أو لدحض الانتقاد لسياسات خارجية أميركية محددة مثيرة للجدل. فغالباً ما تؤطر هذه الدراسات القضية، وبشكل أساسي، بإطار تحدي العلاقات العامة، وليس بإطار مشكلة مكافحة نظرة معاداة شاملة لطريقة حياة الديمقراطيات الليبرالية الغربية.
على سبيل المثال، لقد حددت المشكلة، وإلى حد كبير،مجموعة مرموقة أسسها وزير الخارجية آنذاك كولن باول لدراسة قضية الديبلوماسية العامة بمصطلحات معارضة " معاداة الأمركة". وبشكل مشابه، يقدم تقرير لمعهد بركينغز المشكلة على أنها " تقدم رؤية أكثر دقة واتقاناً لأميركا" و " تعزز القيم المشتركة والمناصرين لها". وبالتالي، يوصي ذلك التقرير بمبادرة " لتنفيذ قيم أميركا حول العالم".
نظراً لهذا التركيز على معاداة الأمركة، من غير المستغرب أن تكون بعض المراجعات لجهود التواصل الاستراتيجي الأميركي قد خرجت بنتيجة هي أن  انكباب بعض المسؤولين الأميركيين غالباً الأحيان على التعامل مع الجماهير الإسلامية من وجهة نظر أميركية، بمصطلحات غريبة عن تلك الجماهير. إن انتقاداً كهذا يؤكد على أنه وجوب أن يكون جوهر الجهود المبذولة هو التأثير على الأفكار السياسية الحالية في العالم الإسلامي  بحيث يقلل ذلك من قوة عدائية المتطرفين تجاه الولايات المتحدة. على سبيل المثال، لقد أدركت " لجنة العلوم الدفاعية" ( Defense Science Board) بأن "الولايات المتحدة منخرطة في نضال جيلي وعالمي حول الأفكار"، وبأنه " ينبغي فهم أزمة الإسلام كمباراة أفكار والانخراط بالمنافسة وفقاً لذلك". مع ذلك يعتبر تقرير اللجنة القضية بأنها قضية  "مصداقية" أميركية، وفتح قناة تواصل"، بدلاً من اعتبارها قضية قدرة أميركا على التأثير بالجدل الدائر في العالم الإسلامي.
يتجاهل قسم كبير من الأدبيات الحالية المتعلقة بالاتصالات الإستراتيجية تجربة الحكومة الأميركية أثناء الحرب الباردة أو يقدم اعترافاً مختصراً بها، خاصة في السنوات الأولى ( أواخر الأربعينات، أوائل الخمسينات)، عندما طورت الولايات المتحدة قدرة متينة وقوية على القيام بحملات إيديولوجية من خلال عمليات إعلامية. هذا الفشل بتحليل الكيفية التي ينبغي بها لجهود الحرب الباردة أن تعلمنا ما ينبغي أن تكون عليه النشاطات والاستراتيجيات ذات الصلة بأفكار اليوم يمثل فرصة ضائعة.
أخيراً، لا تعالج الأدبيات المتعلقة بالاتصالات الاستراتيجية، بشكل مناسب وصحيح، المتطلبات التنظيمية والعملية لمجهود حكومي شامل بمكافحة إيديولوجية معادية. فهي تخفق بالاعتراف بوجوب إدارة الحرب الإيديولوجية ضد الأسلمة الأصولية المتطرفة من قبل مسلمين آخرين بالأساس ـ  إذ بإمكان مسلمين اجتذاب مسلمين آخرين بمصداقية أكبر. وبالتالي تخفق هذه الأدبيات  بفهم وجوب قيام الحكومة بتشجيع وتنشيط منظمات غير حكومية مختلفة ( مؤسسات، جامعات، مراكز أبحاث، وحتى شركات) على اتخاذ إجراءات؛ وفي بعض الحالات، إيجاد طرق لدعمها من دون تقويض استقلاليتها.
إن إحدى مزايا المنظمات الخاصة هي أن لا تحمل " وصمة" مشاركة الحكومة الأميركية في مسائل حساسة كهذه. لكن فضلاً عن هذا الاعتبار حتى، تقدم هذه المنظمات خبرة وموارد لا بأس بها، وتحتفظ بالقدرة على التصرف بسرعة ومرونة أكبر من الوكالات الحكومية.

مقترحات تنظيمية
بعد سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي، استنتج عدد من القادة الغربيين بأن الحروب الإيديولوجية العظيمة للقرن العشرين قد انتهت بنصر أكيد للديمقراطية الدستورية، الأسواق الحرة، والحرية الفردية. ولم يكن الإنفاق الدفاعي فقط هو الذي انخفض بعد الحرب الباردة، وإنما تقلص  عدد المؤسسات التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية لمحاربة انتشار الشيوعية أو تم التخلص منها. ففي العام 1999، تم حل الوكالة الإعلامية الأميركية ( USIA) ونقل عدد من وظائفها إلى وزارة خارجية معترف بها. ( تم دمج أنشطة البث بظل كيان جديد، Broadcasting Board of Governs أو BBG).

لقد حطمت أحداث 11/ 9 وما أعقبها الوهم والاعتقاد بأنه لم يعد هناك من أعداء إيديولوجيين للديمقراطية الليبرالية وكشفت بأن هناك تهديدات هامة وبارزة موجودة، ليس فقط بالنسبة للمصالح الأميركية وإنما لمبادئنا وطريقة حياتنا. وتتفق التقارير والتوصيات العديدة المتعلقة بمكافحة الإيديولوجيات العدائية التي صدرت منذ 11/ 9 ـ وفقاً لمسح جرى مؤخراً على الأقل ـ على أن الحكومة الأميركية ليس لديها بنية لإحداث وتنفيذ خطة فعالة لهذا الهدف. لقد فشلت الآليات المخصصة بالحصول على نتائج مطلوبة، وبعضها أنتج العكس.
بالأحرى إن الواقع المدهش هنا هو أن لا أحد في الحكومة الأميركية يحمل مسؤولية محاكمة العنصر الإيديولوجي للحملة إزاء إرهابيين إسلاميين متطرفين. وحتى لو قرر الرئيس تعيين مسؤولية كهذه، فهو لا يملك خيارات جيدة جداً.
إذا كان الوضع القائم غير مرض، فما هي الخيارات؟ خلال العقد الماضي، احتلت ثلاث مقترحات جدية لترتيبات جديدة داخل الحكومة الأميركية مركز الصدارة: (1) تأسيس وكالة مستقلة جديدة لمكافحة الإيديولوجيات العدائية ـ بالواقع، USIA القرن 21 ـ ودمج الوظائف المتناثرة والموزعة الآن لتكون تحت رعايتها؛ (2) تعزيز قدرة وزارة الخارجية ـ حالياً الوكالة القيادية ـ لإدارة مجهود حكومي واسع؛ أو (3) إنشاء كيان جديد ضمن " المكتب التنفيذي" للرئيس مفوض لقيادة أنشطة في هذا المجال وليس " التنسيق" فقط. أما الاحتمال الرابع الموصى به من قبل دراسات عديدة فهو نوع ما من أنواع المنظمات الغير حكومية التي يمكنها الجمع ما بين التمويل العام والخاص، وجلب الموارد الضخمة للمشاريع، المؤسسة العالمية، والأوساط الأكاديمية لتؤثر في هذا التحدي الإيديولوجي.
إن توصيتنا هي وجوب تبني المقترح الثالث، ومساعدة منظمة غير حكومية لهذا الكيان الأمر الذي سيحل مشاكل مؤسساتية معينة سوف يواجهها الكيان الجديد. وسنشرح لاحقاً سبب كون تفوق  عيوب المقترحين الأولين مزاياهما؛ وسبب كون الخيار الثالث الأكثر تقديراً؛ كما سنشرح ماهية الدور الذي ستلعبه منظمة غير حكومية في جهود مكافحة الإيديولوجيات المعادية.

USIA القرن الواحد والعشرين
إن القضية المتعلقة بوكالة جديدة مستقلة تعتبر صريحة ومباشرة. فهي ستلقي الضوء على أهمية مكافحة الإيديولوجيات العدائية وتضمن التعبير ووضوح الرؤية للقضية في المناقشات المشتركة بين الوكالات. وستنتج كادراً من المتخصصين الذين سيركزون على مهمة واحدة ويكافئوا على مساهمتهم بذلك ـ فريق يمكن لرؤساء الوكالة توجيهه ونشره بحسب الضرورة. وهي ستفصل التحدي الاستراتيجي القديم حول تعزيز البدائل للتطرف الإسلامي عن الضغوط التكتيكية للديبلوماسية اليومية.
يشير عقد من الخبرة والتجربة إلى أنه في كل جانب من هذه الجوانب ( وأخرى إلى جانبها)،  هناك وكالة مستقلة تقدم مزايا ومكاسب هامة تفوق مكتب موجود ضمن كيان أكبر كوزارة الخارجية.

o بإمكان وكالة جديدة أن تنظم تجنيد وتدريب سلك من الاختصاصيين للقيام بحملات مكافحة الإيديولوجية الإسلامية المتطرفة ( وربما إيديولوجيات عدائية أخرى في المستقبل)، وإعطائهم مهنة تفتح الطريق أمامهم وتقودهم إلى مواقع المسؤولية. بإمكان أفراد هذا السلك أن يخدموا في السفارات والقنصليات الأميركية في الخارج إضافة إلى خدمتهم في مراكز قيادة الوكالة في واشنطن. هذا الترتيب سيزيد فرص التنفيذ المتجانس للبرامج.

o في تطويرها لمناهجها التدريبية، بإمكان هذه الوكالة المساعدة على إطلاق شرارة تطوير البرامج التعليمية في معاهد أكاديمية غير حكومية. إن برامج من هذا النوع ستؤدي إلى تعزيز الخبرة في هذا المجال عموماً. إذ بإمكان الوكالة الجديدة رعاية بحوث حول قضايا ذات صلة بالاتصالات الاستراتيجية وبجهود إيديولوجية أخرى.

o ىستكون الوكالة الجديدة متموضعة بشكل جيد لتطوير وتنفيذ استراتيجيات طويلة الأمد لحملات الأفكار. وفي حين أن بالإمكان ضمان التنسيق الشامل مع السياسة الخارجية عن طريق جعل مدير الوكالة الجديدة يرسل التقارير لوزير الخارجية، فإن مستويات العمل ستكون معزولة عن أية محاولات من قبل مكاتب البلد التابعة لوزارة الخارجية لحماية مصالحها الديبلوماسية التكتيكية عن طريق قمع جهود الوكالة الجديدة أو التخفيف منها.

في كل الأحوال، وبرغم هذه المزايا، فإن وكالة جديدة مستقلة من هذا النوع لا تعتبر المقاربة الفضلى. ومن الجدير بالذكر بأن المراقبين حتى الذين يدركون التأثيرات المؤذية لإلغاء USIA لا يدعون إلى إعادة إنشائها. وبحسب تقرير لـ RAND، هناك " معوِّقات هامة" تعترض إعادة تأسيس USIA: " أولاً ، إنها تستلزم بعض الوقت... ثانياً، سوف تسلخ الوكالة الجديدة سوف الموظفين العاملين عن المؤسسات الموجودة وتفكك الشبكة الموجودة، وبالتالي ينتهي الأمر بخطوة إلى الخلف وخسارة الوقت قبل اتخاذ الخطوة التالية. ثالثاُ، من غير الواضح ما إذا كانت USIA الجديدة ستكون حلاً كاملاً.
إن عيوب الوكالة الجدية المستقلة لا تنتهي هنا. فحتى مناسبات إعادة التنظيم الحكومي الأكثر توافقاً تتعطل وينتج عنها كلفة مادية وبشرية كبيرة. فقدامى العاملين في USIA يذكرون، وهذا شائع، بأن نقلهم إلى وزارة الخارجية انتهى بفقدان الزخم والحيوية التنظيمية اللتان لم تتعافى منهما بعثتهم بالكامل أبداً. وهناك أسباب وجيهة للشك بأن تكون مسألة إعادة التنظيم الجديدة محل توافق وإجماع.  ليس فقط لأن وزير (ة) الخارجية سيقاومها بشراسة، على الأرجح، بل لأنه سيكون هناك معارضة أساسية وجوهرية لها في مجلس الشيوخ.  فبعض المسؤولين والجماعات التي دفعت للتخلص من USIA في منتصف التسعينات سيعارضون إعادة إحيائها مجدداً. عموماً، إن الجو السياسي لإنشاء وكالة حكومية جديدة لا يمكن أن يكون أقل ايجابية؛  فكل الضغوط هي في الاتجاه الآخر. ومن المحتمل تماماً ثبات عدم إمكانية التغلب على هذه العوائق. إذ أن بالإمكان تجاوزها فقط، إذا ما حصل ذلك، بانفاق الرأسمال السياسي الذي لن يكون متوفراً لمعارك تالية على حساب أولويات وموارد.
في كل الأحوال، إن أهم عيوب تأسيس وكالة مستقلة جديدة موجودة في مكان آخر: فهي توحي لإدارات أخرى بأن حملة الأفكار هي من مهام شخص آخر بحيث أن لا داعي لاشغال أنفسهم بها. تلك الرسالة تكون مقبولة لو أن موارد الوكالة الجديدة وامتدادها كافيان لإنجاز العمل. لكن من غير المرجح أن يكون الأمر كذلك، نظراً للوقائع المالية الحالية. إذ لا يمكن شن معركة الأفكار ضد التطرف الإسلامي من المقر الرئيس في واشنطن. وهي تتطلب أيضاً وجوداً ناشطاً وفاعلاً على الأرض في عدد من البلدان. وتتطلب المهمة تعاون وزارة الخارجية، وزارة الدفاع، جماعة الاستخبارات الفاعل للمساعدة على تحريك فرق العمل في البلد وقيادات المقاتلين.
وفي حين أن فكرة USIA  لها بعض الداعمين المتحمسين، فإن المنتقدين لها عددهم أكبر بكثير، حتى في أوساط أولئك الذين يؤيدون برنامجاً أكثر قوة ونشاطاً لمكافحة التطرف الإسلامي. ومع كل الأمور التي تم درسها، لا يمكننا تأييد هذا الخيار على أنه الطريق الواعد أكثر من غيره أمامنا.

وزارة خارجية معززة
بالمقابل، يبدو بأن تعزيز قدرة وزارة الخارجية يمثل السبيل الذي يلقى أقل مقاومة. فبعد كل شيء ، لدى وزارة الخارجية الآن مهمة الديبلوماسية العامة وقد ورثت قسماً كبيراً من USIA؛ فضلاً عن ذلك، تتضمن بنيتها التنظيمية، أساساً،  وكيل وزير الخارجية للديبلوماسية والشؤون العامة.
ليس هناك من شك كبير، كما هو الحال بين وزارتيْ الخارجية والدفاع، بأن الخيار السابق سيكون الخيار الأفضل. إذ ينظر إلى الاتصالات الاستراتيجية ( خارج العمليات العسكرية)، منطقياً،  على أنها وظيفة مدنية لا تتناسب وعمل وزارة الخارجية كوكالة قيادية. كما أنه في حملة الأفكار، غالباً ما ستكون النشاطات الأميركية أقل فعالية إذا ما نظر إليها على أنها تخدم سياسة الحكومة الأميركية. هذه المشكلة ستتفاقم إذا ما نظر إلى النشاطات على أنها تخدم المصالح " العسكرية " للحكومة بشكل خاص. فضلاً عن ذلك، تتضمن هيكلية الاتصالات الاستراتيجية لوزارة الدفاع ثلاث كيانات منفصلة: مكتب وكيل وزير الدفاع للشؤون السياسية، مكتب مساعد وزير الدفاع للشؤون العامة، وهيئة الأركان. إن التنسيق بين هذه العناصر مرهق ومعقد، عمل يتطلب عمالة مكثفة، وغالباً ما يكون غير قابل للانجاز، أصعب من مشاكل التنسيق بين الدوائر البيروقراطية داخل وزارة الخارجية.
إلا أن اعتبارات أخرى تشير إلى أن من غير المرجح أن ينتج عن الجهود المبذولة لزيادة قدرة وزارة الخارجية ما هو أكثر من التغيير التدريجي. وتبقى الديبلوماسية العامة بمثابة الطفل الربيب ضمن وزارة الخارجية؛ إن تعييناً ما في ذلك المجال لا يعتبر تعزيزاً للمهنة. ففي حين أن بإمكان وكيل وزارة لديه التصميم أن يحقق بعض الأمور المفيدة، كما برهن عن ذلك جايمس غلاسمان في الأشهر الأخيرة من عهد إدارة جورج دبليو بوش، فإن النجاح يتطلب التجذيف عكس التيار في بيئة غير داعمة.
هناك أسباب ثقافية متجذرة بعمق بهذا الأمر. إذ تشدد الديبلوماسية على التعامل مع الحكومات الأجنبية بما يتعلق بالمصالح المباشرة والعملية -  مصالحها ومصالحنا-  في حين تتطلب الاتصالات الاستراتيجية وعمليات تغيير الطريقة التي يفكر بها الناس تركيزاً على قضايا إيديولوجية. فتصادم المصالح يضفي على الموضوع حزماً أو يتطلب التخفيف من حدته من خلال المساومة، الأمر الذي بإمكان الديبلوماسية الترويج له بسهولة وتعزيزه. في كل الأحوال، لا يمكن التوفيق غالب الأحيان بين الاختلافات الإيديولوجية من خلال المساومة والتسوية، لذا فإنها، تقليدياً، ليست هدف الديبلوماسية. وفقاً لذلك، يميل مسؤولو وزارة الخارجية إلى مقاربة المشاكل تكتيكياً، التأكيد على ما هو هنا والآن. بالمقابل، تتطلب حملة أفكار استراتيجية مفهوماً للأمد الطويل، نظراً لأن عدداً من النشاطات لا يمكن أن تثمر إلا بعد فترة تتجاوز السنوات.
هناك مشكلة أخرى بإعطاء وزارة الخارجية مسؤولية القيام بمبادرات الأفكار الاستراتيجية وهي أن هذه المسؤولية ستتضارب في نهاية المطاف مع متطلبات الديبلوماسية اليومية. فغالباً ما يكون على الديبلوماسيين الأميركيين محاولة العمل بشكل بناء على مسائل عملية مع مسؤولي الدول (السعودية، باكستان، والصين ، على سبيل المثال) التي تعزز أو تمثل وجهات نظر للولايات المتحدة مصلحة في محاربتها. وإذا ما كانت وزارة الخارجية مسؤولة عن الديبلوماسية وعن مكافحة الإيديولوجيات العدائية، فإن الأخيرة، لكونها مشروع قديم ذي نتائج غير ملموسة، ستكون ثانوية في النهاية إزاء المتطلبات اليومية الضاغطة للديبلوماسية. وستكون هذه النتيجة متماشية مع ظاهرة المعايير المتعلقة باستبعاد الأمر الهام لصالح الطارئ.
أما الصعوبة الأخيرة، بحسب ما هي محددة عرفاً، فهي أن الديبلوماسية العامة تشكل جزءاً أو شريحة فحسب من حملة الأفكار الاستراتيجية الشاملة. فبما يتخطى التبادل الثقافي، التواصل بين مواطن ومواطن، المكتبات، والترجمة التي هي مواد الديبلوماسية العامة، سوف تشتمل حملة من هذا النوع على تعزيز أصوات المواطنين الأصليين. هذا تمايز مع اختلاف. فالنقطة هنا هي تطوير أهداف أميركية محددة، وليس بالضرورة تحسين الصورة العامة للولايات المتحدة. والأصوات التي هي بحاجة للقيام بذلك قد لا تكون أصواتاً أميركية بغالبيتها الساحقة ـ وكي تحارب التطرف الإسلامي لا يمكنها أن تكون كذلك. لذا وفي حين أن بإمكان وزارة الخارجية صنع مساهمات هامة بما يتعلق باستراتيجية كاملة، فإن الـ DNA البيروقراطية لها، كما كانت، تجعلها غير مناسبة للدور القيادي.
 
التوصية الأولى: مجلس الأمن القومي (NSC ) المعاد تشكيله ليكون في موقع الصدارة
باعتقادنا أن المقاربة الأفضل ستكون إنشاء كيان جديد في " المكتب التنفيذي" للرئيس يركز على مكافحة الإيديولوجيات العدائية. وسنسمي الكيان الجديد " لجنة مكافحة الإيديولوجية الإرهابية"  CTIC)). هناك طرق عديدة لإنشاء هذا الكيان. أما الطريقة الأسهل فستكون من خلال أمر تنفيذي، طريقة كان هناك سوابق عديدة لها. وطريقة تسير، بالتحديد، بموازاة الجدل الدائر حالياً حول مستقبل الحملات الإيديولوجية.
ما أن اشتدت الحرب الباردة أواخر الأربعينات، حتى فوَّض الرئيس هاري ترومان وزارة الخارجية لتولي زمام القيادة بما اصطلح على تسميته آنذاك بـ " الحرب النفسية". وفشلت هذه الخطوة بتحقيق أهدافها، ولأسباب لا تزال موجودة اليوم. ووفقاً لما يقوله المؤرخ دوغلاس ستيوارت، فقد كانت وزارة الخارجية " بطيئة بالعمل ومترددة بالارتباط بعمليات سرية قد تضر بسمعة الوزارة إذا ما أصبحت علنية". باختصار، لم تكن وزارة الخارجية مستعدة لإدارة حرب نفسية بطريقة قد تستبدل، أو تجعل طريقة عملها والأهداف الديبلوماسية التقليدية ثانوية. رداً على ذلك، أصدر الرئيس ترومان أمراً تنفيذياً بإنشاء " لجنة الإستراتيجية النفسية" ( PSB) ضمن  "مجلس الأمن القومي" ( NSC). وكانت اللجنة، المشتملة على مسؤولين معينين من قبل وزارتيْ الخارجية والدفاع والـ CIA، مسؤولة عن تقديم " تخطيط وتنسيق فعال، وإدارة .... عمليات نفسية" ـ جهود تم تعريفها على أنها مصمَّمة لتعزيز الدفاع الوطني وأهداف السياسة الخارجية من خلال وسائل أخرى غير الوسائل الإعلامية العلنية.
وقد بدأت اللجنة عملها في حزيران 1953، عندما تحولت تظاهرة عمالية في برلين الشرقية إلى عنف وشغب ضد نظام ألمانيا الشرقية المدعوم من قبل السوفيات. ومن بين الإجراءات التي أوصت بها اللجنة كانت هناك توصية ببذل الجهود لإقناع السوفيات بأن احتمال استمرار المقاومة هو أعلى مما عليه الأمر في الواقع. فالفكرة كانت بأنه إذا ما آمن السوفيات بهذا الأمر فمن الأرجح أنهم سيلجأون إلى اتخاذ إجراءات قوية وإجبارية،الأمر الذي كان بإمكانه تقويض الاستقلالية والمشروعية المتصورة لحكومة ألمانيا الشرقية. 
وكانت " لجنة الإستراتيجية النفسية" ( PSB) تجتمع بانتظام، غالباً بحضور الرئيس، وأصدرت تحليلاً وتوصيات مفيدة. لكنها قصَّرت في بلوغ أهدافها المنشودة. ففي غياب التفويض التشريعي، لم تكن سلطة اللجنة  تتناسب مع مسؤولياتها، وكانت قدرتها على تحويل الخطط إلى عمل فاعل ومؤثر على الأرض محدودة. وما كان بإمكان رئيس أن يفعله، لم يكن بإمكان الرئيس التالي فعله. فبغضون تسعة أشهر من استلامه منصبه، أصدر الرئيس أيزنهاور أمراً تنفيذياً ينهي فيه عمل لجنة PSB ونقل بعض وظائفها إلى لجنة جديدة تابعة لمجلس الأمن القومي.
وفي حين أنه قد يكون صحيحاً، كما يقول ستيوارت، بأن " ليس هناك من حل مؤسساتي لمشكلة التعاون المشترك بين الوكالات"، فإننا نعتقد بأنه كان يمكن لمقاربة تشريعية أن تكون أكثر فاعلية قبل ستة عقود مضت وستكون أكثر فاعلية اليوم. وللقيام بحملة أفكار فعالة، يحتاج الكيان الجديد إلى صفتين افتقرت إليهما لجنة PSB ـ  الحصول على سلطة رسمية من مجلس الشيوخ لحث الإدارات والوكالات المتصلبة على دعم سياسات الرئيس.
برغم سهولة

موقع الخدمات البحثية