مواد أخرى » التقرير الأمني الثالث عن الشرق الأوسط: المعارضة السورية المسلحة

موجز تنفيذي
يقدم هذا التقرير معلومات حول حركة المعارضة السورية، ملقياً الضوء على الهيكلية الموجودة ضمن هذه الحركة وأين يفتقر المتمردون السوريون للتنظيم. هذا التقرير لا يؤيد سياسة تسليح المعارضة السورية أو يقف ضده.
ـ قدم وزير الدفاع ليون بانيتا شهادته أمام لجنة الخدمات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ في 7 آذار 2012 حول القضايا التي تقيد الولايات المتحدة وتمنعها من دعم المعارضة المسلحة في سوريا. "من غير الواضح ما الذي يشكل المعارضة السورية – لم يكن هناك من بديل عسكري موحد واحد يمكن التعرف إليه أو تعيينه أو الاتصال به،" قال بانيتا.
ـ المعارضة السورية المسلحة يمكن تحديدها، منظمة، وقادرة، حتى ولو لم تكن موحدة. وبالتالي فالجيش السوري الحر، ومركز قيادته العامة شكلياً في تركيا، يعمل كمنظمة مظلة أكثر مما يعمل كسلسلة قيادة عسكرية تقليدية.
ـ تحافظ ثلاث من أكثر الميليشيات فاعلية في سوريا على علاقات مباشرة مع الجيش السوري الحر. وهذه الميليشيات تشمل لواء خالد بن الوليد قرب حمص؛ كتيبة هرموش شمال جبل الزاوية؛ وكتيبة العمري جنوب سهل حوران، الاسم المستخدم من قبل السكان المحليين للهضبة الزراعية التي تشكل محافظة درعا السورية. يضع الفهرس رقم 1 قائمة بالتفاصيل البيوغرافية لقادة التمرد التابعين لعدد من الوحدات القتالية الفعالة. ويقدم الفهرس رقم 2 نظام المعركة لمجموعات المعارضة السورية بحسب المحافظة.
ـ هناك مجموعات تمرد كبيرة وقادرة لا تحتفظ بعلاقات وثيقة كهذه مع مركز قيادة الجيش السوري الحر في تركيا، لكنها مع ذلك تنسب نفسها للجيش السوري الحر.
ـ برغم هجوم النظام على حمص في شباط 2012، لا يزال التمرد قادراً هناك. فالمتمردون الذين انسحبوا من حي بابا عمرو في حمص في أول آذار 2012 برهنوا عن انسحاب تكتيكي وتراجعوا للحفاظ على قوتهم القتالية.
ـ صعَّد نظام الأسد من هجماته ضد المتمردين بعدما دافعوا عن منطقة الزبداني ضد هجوم الجيش. ربما كان التحدي كافياً بحد ذاته، ولم يكن بإمكان نظام الأسد السماح للمتمردين بالإمساك بالأرض في مقابل الجيش. لكن الزبداني منطقة هامة وحيوية أيضاً بالنسبة للنظام ولإيران لأن المدينة بمثابة محور لوجستي لقوات القدس التابعة للحرس الثوري الإسلامي لتزويد حزب الله بالسلاح.
ـ من المرجح أن يستمر نظام الأسد باستراتيجية القوة غير المتكافئة التي ينتهجها في محاولة لإنهاء الثورة بأسرع ما يمكن. إن القصف العشوائي من سلاح المدفعية يتيح للنظام رفع ثمن الانشقاق والتمرد في الوقت الذي يحافظ فيه على قوته في المناورة الممتدة على نحو متزايد.
ـ إن مرونة المتمردين ستجعل قدرة التحمل لدى نظام الأسد مسألة صعبة، إلا أن الدعم الخارجي لنظامه يجعل التوقعات بسقوطه الوشيك أمراً سابقاً لأوانه. فالنظام السوري لم يبرهن بعد على قدرة على إدارة عمليات كبيرة كافية متتالية أو في آن معاً في عدد من المناطق الحضرية لقمع التمرد. لكن من المحتمل أن يؤدي الدعم المادي والتقني الذي تقدمه كل من روسيا وإيران إلى تمكين النظام من زيادة قوة سيطرته وقدرته على محاربة المتمردين في مناطق محلية متعددة من دون أن تبلغ الأمور ذروتها.
ـ سيكون على المتمردين الاعتماد على خطوط الإمدادات الخارجية للتزود ثانية بالسلاح والذخيرة إذا ما كانوا يريدون الاستمرار بتآكل سيطرة النظام.
ـ يشكل بروز خلايا إرهابية مرتبطة بالقاعدة تعمل ضد النظام مخاطر بالنسبة للولايات المتحدة كما يشكل تحدياً لأولئك الذين ينادون بدعم مادي للمعارضة المسلحة.
ـ في الوقت الذي يستمر فيه المقاتلون بمواجهة القوة النارية الطاغية للنظام قد يزداد الاحتمال بأن يصبح هؤلاء راديكاليين. فضلاً عن ذلك، قد يتحول المتمردون المحليون إلى القاعدة للحصول على أسلحة متطورة وتكتيكات مذهلة، حيث إن التصعيد الذي يمارسه النظام ضد المتمردين يترك هؤلاء في حالة من عدم القدرة على الرد المناسب، كما حدث في العراق في 2005-2006.
ـ إن تطوير العلاقات مع قادة المعارضة المسلحة والاعتراف بمنظمات تمرد محددة قد يساعد على ردع هذا التوجه الخطير.
ـ من المحتم على الولايات المتحدة وجوب التمييز بين المعارضة السياسية الاغترابية والمعارضة المسلحة ضد نظام الأسد على الأرض في سوريا.
ـ إن الأهداف الأميركية في سوريا هي التعجيل في سقوط نظام الأسد؛ احتواء الامتدادات الإقليمية الناتجة عن الصراع الجاري؛ وكسب النفوذ والتأثير على الدولة والقوات المسلحة التي ستبرز بعد الأسد.
ـ لذا، ينبغي للولايات المتحدة أن تدرس تطوير العلاقات مع عناصر حاسمة وحساسة في حركة المعارضة المسلحة السورية لتحقيق أهداف مشتركة، ولتدبر العواقب إذا ما سقط نظام الأسد أو طال الصراع وامتد.

في أواخر شباط/ فبراير 2012 شرح قائد هيئة الأركان المشتركة، الجنرال مارتن ديمبسي ، في مقابلة له مع الـ CNN المشاكل المرتبطة بتوفير السلاح لحركة المعارضة المسلحة السورية. "من السابق لأوانه اتخاذ قرار بتسليح حركة المعارضة في هذه المرحلة"، قال الجنرال ديمبسي. نأمل بهذا التقرير إلقاء الضوء على حركة المعارضة السورية وتحديد وجود الهيكلية في الحركة وأين يفتقر المتمردون السوريون إلى التنظيم. يهدف هذا التقرير، من دون تأييد أو معارضة سياسة تسليح المعارضة السورية، إلى تقديم معلومات مفصلة عن حركة التمرد لمساعدة قيادة الولايات المتحدة بهذا القرار السياسي الصعب.

إن الزيادة القياسية لالعنف في سوريا والإحباط المتنامي بسبب الافتقار إلى توفر خيارات سياسية أدى بكثيرين إلى اقتراح شروع الولايات المتحدة بتسليح المعارضة السورية في أوائل العام 2012. لقد أضرت العقوبات المفروضة على النظام من قبل ائتلاف دولي وإقليمي بالاقتصاد السوري لكنها أخفقت، حتى الآن، في تحقيق الغايات السياسية المطلوبة بإنهاء العنف ورحيل الأسد عن السلطة. أما الموقف القاسي الذي اتخذته كل من روسيا والصين في مجلس الأمن الدولي فلم يترك المجال لوجود أمل كبير لجهة إمكانية حصول عمل أممي ما. في هذه الأثناء، قد تكون القنوات الديبلوماسية التي دعمتها الولايات المتحدة لتطوير تسوية يتم التفاوض حولها قد تبخرت مع دعوة الأسد للتنازل عن السلطة وإغلاق السفارة الأميركية في دمشق في وقت لاحق. أما بخصوص أوائل العام 2012، فيعتقد عدد من المراقبين بأن الخيار السياسي الوحيد المتبقي لإحداث تغيير في سوريا سيكون من خلال الدعم المادي للثورة السورية.
قال المعارضون لمسار العمل هذا بأن المعارضة المسلحة مشرذمة ومقسمة كما هو حال نظيرتها المعارضة السياسية، وبأن تسليح التمرد لن يؤدي إلا إلى تغذية الانشقاق ليصبح فوضى فحسب. بالواقع، إن أي قرار بتسليح المتمردين السوريين لا ينبغي تناوله بخفة، حيث إن هذا المسار سينهي تحول الاضطرابات السورية من حركة معارضة سلمية إلى صراع بديل متعدد المستويات طويل الأمد.
في نهاية المطاف، ليس هناك من حلول سهلة في سوريا بالنسبة لصناع السياسة الأميركيين. في كل الأحوال، إن صعوبة تعريف وتحديد حركة المعارضة المسلحة السورية ليست بحاجة للتعتيم على قرار سياسي.
بصرف النظر عما إذا قرر قادة الولايات المتحدة تسليح المتمردين السوريين أم لا فإن عليهم الاعتراف بالدور المركزي لحركة المعارضة المسلحة في الصراع. إن مستقبل الصراع في سوريا سيعتمد إلى حد كبير على مصير ثوراتها المتمردة. ينبغي للولايات المتحدة أن تنمي علاقاتها مع قيادة التمرد السورية إضافة إلى تطوير سياسة تجاهها، ولو كان ذلك فقط لأجل الحفاظ على وضوح الرؤية لديها حول مجموعات تمرد تقوم قوى إقليمية بتسليحها. ففي جهود التطوير لبديل قابل للحياة لنظام الأسد، ينبغي أخذ قادة الميليشيات على الأرض بالحساب. وفي حين تتعثر المعارضة السياسية السورية، سيلعب قادة المعارضة المسلحة دوراً حاسماً في مستقبل سوريا.
مع ذلك قد ينتصر النظام السوري عن طريق سحق المعارضة باستخدامه القوة أكثر من أي وقت مضى، كما فعل في مجزرة حمص الشهيرة عام 1982. وكما وضح الأمر مسؤول في وزارة الدفاع السورية بداية آذار 2012، " لقد كنا نستعد للأسوأ على مدى أربعين عاماً – منذ الأسد الأب ( والد بشار). لقد خططنا لهذا النوع من الأمور". وفي شباط 2012، برهن النظام عن استعداده لتصعيد استخدامه للقوة لاستئصال التمرد، مسوياً حي بابا عمرو في حمص بالأرض خلال شهر من حصار جيب التمرد هذا. ففي أوائل آذار أجبر الجنود الموالون للنظام بقايا المقاتلين المتمردين على التخلي عن معقلهم. في كل الأحوال، لقد انسحب المتمردون لأجل الحفاظ على قوتهم القتالية والاستمرار بالقتال في أماكن أخرى. واستعاد النظام السيطرة على الأرض لكنه لم يهزم التمرد.

إن قرار نظام الأسد بتدمير جزء من حماه في العام 1982 أنهى تلك الثورة. أما تصعيد شباط 2012 في حمص فكان له ، حتى الآن، التأثير المضاد، مسرعاَ نمو حركة المعارضة المسلحة. لقد كان المتمردون السوريون قادرين على السيطرة على جيوب المنطقة لفترات متزايدة من الزمن عن طريق جعل القوى الأمنية الموالية للنظام تمتد وتنتشر على نحو هزيل وإجبارها على القتال على جبهات متعددة في وقت واحد.
أما بخصوص الهواجس بأن تظل المعارضة المسلحة السورية غير منظمة، فمن المهم التمييز بين الشرذمة والتنظيم المحلي. لقد أظهرت المعارضة المسلحة ميلاً للتنظيم على المستوى المحلي. إن حالات التمرد بطبيعتها غير مركزية؛ فالعثور على قائد واحد يقود حركة مقاومة من القاعدة الشعبية ليس بالتوقع المنطقي. برغم هذا القيد والعائق الطبيعي، فقد أظهر المتمردون عبر سوريا استعداداً للمساهمة باسم " الجيش السوري الحر"، حتى ولو كان هذا الانتماء يأتي من دون دعم لوجستي ذي معنى أو له تسلسل قيادي.
بعد تغطية مختصرة لمنهجية البحث وتقديم توضيح هام بخصوص العلاقة المحدودة بين المعارضة المسلحة والمعارضة السياسية، سيقوم هذا التقرير بمراجعة المفاصل الهامة في مسار حركة المقاومة المسلحة السورية، ودرس بعض المجموعات التي تشكل حركة التمرد ضد الأسد، ومعظمها تقاتل تحت علم الجيش السوري الحر. أخيراً، سيدرس هذا التقرير أدوار تهريب السلاح والجماعات الجهادية الدولية المرتبطة بالقاعدة في سوريا.

منهجية البحث
كان هذا البحث مستمداً، إلى حد كبير، من تقارير المعارضة المسلحة الخاصة على اليوتيوب ومن وسائل إعلامية أخرى. النتيجة هي أن أولئك العناصر من المعارضة المسلحة الذين لم يتواصلوا بشكل فاعل لن يتم احتسابهم هنا. وللسيطرة على نقص المعلومات حول مجموعات أخرى، طرحنا في هذا التقرير هذا الفهم حول معارضة مسلحة مهيكلة مع كل الهجمات والاشتباكات المذكورة في التقارير بين القوات الموالية للنظام وقوات التمرد. هذه المعلومات مستمدة من مصادر أكثر وغالباً ما ذكرت عبر مختلف القنوات التي تشمل إعلام الدولة السورية والوسائل الإخبارية الدولية. وعن طريق مطابقة عناصر المعارضة المسلحة مع الهجمات التي حدثت، نبرز صورة عن مستوى السيطرة العملية التي تمارسها هذه المجموعات في كل منطقة.

العلاقة مع المعارضة السياسية
من المهم فهم الكيفية التي سيشكل فيها نمو المقاومة المسلحة أمن سوريا في المستقبل. وسوف يعتمد قسم كبير من هذا الأمر على ما إذا كانت هذه المجموعات المسلحة ستعمل مع القيادة السياسية للمعارضة. في كل الأحوال، إن فشل المعارضة السياسية بتقديم بديل موحد وقابل للحياة لنظام الأسد منع، والى حد كبير، وجود تعاون هادف بين المقاومة المسلحة والمعارضة السياسية أعلى من المستوى المحلي. وفي حين أن هذه قضية تستحق درساً أكبر في تقارير أخرى مستقبلاً، فإنها تتخطى نطاق هذه الورقة، التي تركز، بشكل خاص، على جماعات المعارضة المسلحة العاملة في سوريا.

المعارضة المسلحة والقتال للحصول على الملاذ
على مدى الأشهر الستة الماضية، كافحت مجموعات المعارضة المسلحة في سوريا للامساك بأرضهم وتثبيت ملاذ ومأوى لهم يعملون منه على تنظيم وإطلاق عملياتهم. وفي حين نجحت هذه الجماعات في انتزاع جيوب صغيرة يسيطر عليها النظام لفترات قصيرة من الوقت، فإنها ظلت أقل عدة وعديداً بما يتعلق بوحدات النخبة من القوى الأمنية المؤللة. كان المتمردون مجبرين على التخلي عن مكاسبهم مرة بعد أخرى في أماكن مثل جسر الشغور، الرستن، والزبداني. لقد برهن نظام الأسد، وبوضوح، عن رغبته وقدرته على منع المعارضة المسلحة من الإمساك بالأرض على امتداد العام 2011. لكن بحلول أول عام 2012، برهن المتمردون عن فعالية متزايدة، وكانوا قادرين على الاحتفاظ بسيطرتهم على أراض أساسية قرب دمشق ووسط حمص لأسابيع في ذلك الحين، برغم جهود النظام. وقد حقق المتمردون هذه الانتصارات بإجبارهم النظام على القتال في عدة أماكن دفعة واحدة، وذلك بجعل القوى الأمنية تمتد وتنتشر بشكل هزيل. ففي شباط 2012، على سبيل المثال، وعندما ركز النظام على إلحاق الهزيمة بجيوب المقاومة المسلحة في حمص، فقد قدرته على معالجة التمرد المتسارع في ريف إدلب شمال سوريا.
غذت الفعالية المتزايدة للمعارضة السورية في العام 2012 عدد المتمردين المتزايد، لكنها أجبرت نظام الأسد أيضاً على زيادة استخدامه للقوة. ففي أماكن كحمص، قررت قوات الأسد محاصرة الأحياء أمامها وقصفها في عمليات تطهير. هذا الاستخدام المتزايد لسلاح المدفعية في العام 2012 يمثل خروجاً عن استراتيجية نظام الأسد بالقسوة الانتقائية في العام 2011. كما يؤكد أسوأ المخاوف لدى السوريين الذين عاشوا فترة مجزرة حماه 1982، وسمحوا باقتراحات تدعو إلى تسليح المتمردين السوريين لاكتساب قوة الجاذبية.

حزيران 2011: جسر الشغور، إدلب
جاء المثال الأول على التمرد المسلح خلال ثورة 2011 في شهر حزيران، عندما قتل رجال ميليشيا محليون، بالتنسيق مع منشقين عن الجيش السوري ربما، عدداً كبيراً من قوى الأمن التابعة للنظام في جسر الشغور، وهي بلدة معزولة في شمال سوريا على سفوح الجبال على الحدود التركية. ففي 4 حزيران، 2011، أطلقت القوى الأمنية التابعة للنظام النار على مظاهرة غير منضبطة، ما قاد المشيعين إلى عزل مركز الشرطة المحلية والاستيلاء على الأسلحة وقتل القوى الأمنية المحلية. وعندما وصلت وحدات الجيش برفقة الشرطة السرية وضباط الاستخبارات إلى مسرح الأحداث في اليوم التالي، رفض قسم من وحدة الجيش مهاجمة البلدة وانشقوا عن الجيش. وبعد وقت قصير من ذلك، قتل 20 جندياً في كمين وهم في طريقهم لتعزيز قوى الأمن المحاصرين في المدينة، وتم تجاوز مراكز القيادة الأمنية المحلية. أما التقارير حول الإحصاء النهائي فتختلف ، لكن في النهاية كان على النظام أن يتعامل مع مقاومته المسلحة الأولى.
رد النظام على هذا التمرد بشكل حاسم، بحيث التقت تشكيلات من مئات المدرعات في البلدة قادمة من ثلاثة اتجاهات. وتخلى المتمردون عن البلدة في مواجهة هذا الهجوم، هاربين إلى منطقة الجبال على طول الحدود التركية إلى جانب حوالي 10000 شخص من سكان جسر الشغور. واستمرت القوى الأمنية في مطاردتهم، ومع نهاية شهر حزيران كانوا قد أجبروا المتمردين والسكان المدنيين على السواء على الدخول إلى محافظة أنطاكية المجاورة في تركيا حيث تم تأسيس مخيمات للاجئين على وجه السرعة.

أيلول 2011: الرستن، حمص
المثال الثاني الهام على المقاومة المسلحة ضد النظام حدث في أواخر أيلول 2011 في الرستن، بلدة أساسية شمال حمص تسيطر على الطريق السريع الشمالي- الجنوبي الأساسي لسوريا. وبحلول أيلول 2011، أصبحت الرستن والبلدات المحيطة بها مركز المقاومة المسلحة ضد النظام حيث شكل المنشقون عن الجيش المعززون بالمقاتلين المحليين لواء خالد بن الوليد وقاموا بعدد من الغارات والكمائن الفتاكة في المنطقة.
وبدءاً من 27 أيلول 2011، حاصرت القوى الأمنية واستعادت السيطرة على الرستن في عملية تطلبت مجدداً مئات الآليات المدرعة. مع ذلك، وعلى خلاف الحال في جسر الشغور في حزيران، كان المتمردون قادرين على مقاومة هجوم القوى الأمنية مدة أربعة أيام، مستفيدين من المنطقة الحضرية للسيطرة على نقاط أساسية خانقة. بعد أيام من المقاومة الشديدة، فر لواء خالد بن الوليد من المنطقة لكنه تمكن من استعادة نسبة هامة من قوته القتالية، برغم خسارته السيطرة على الرستن.

كانون أول 2011: جبل الزاوية، إدلب
بدءاً من أواخر تشرين 2011، قامت مجموعة قادرة ومتمردة بسلسلة من الكمائن والغارات الفعالة على طول الطرق العادية والطرق السريعة الواقعة على حدود منطقة جبل الزاوية الجبلية شمال محافظة إدلب. ومع نهاية تشرين الثاني، قام المتمردون العاملون خارج الجبل المنعزل بما معدله هجوم واحد كل يوم، حيث كانوا يهبطون من الأعالي إلى الأرض للقيام بغارات ونصب الكمائن قرب الطريق السريع الجنوبي- الشمالي الأساسي وقرب الطريق السريع الشرقي- الغربي- الأساسي الذي يربط حلب بالساحل السوري. وفي كانون الأول، أظهرت سلسلة من أشرطة الفيديو مجموعات واثقة وكبيرة على نحو متزايد من الرجال المسلحين وهم يتظاهرون في بلدات بدت أنها خارج نطاق سيطرة النظام بالكامل.
في 20 كانون أول، 2011، فر المتمردون من مواقعهم الدفاعية عندما توجه طابور مدرع من القوى الأمنية التابعة للنظام نحو مجموعة البلدات الجبلية حول خان صفرا. وبحسب ما قال أحد الناجين، فإن أكثر من 100 شخص من المتمردين والسكان المحليين دخلوا إلى واد ضيق غرب القرية للاختباء من قوات الحكومة، لكنهم علقوا هناك وتعرضوا لست ساعات من إطلاق النار عليهم من أسلحة ثقيلة. وأمسكت القوى الأمنية قلة من المتمردين الذين نجوا من الهجوم وأعدمتهم في الموقع حالاً. انتهت هذه العملية بخسارة 70 من مقاتلي المعارضة وألقت الضوء على عدم قدرة المعارضة المسلحة على الإمساك بأرضها لفترات زمنية ممتدة في مقابل القوى الأمنية.

كانون الثاني 2012: الزبداني، ريف دمشق
في 18 كانون الثاني، 2012، وبعد أشهر من الفشل بالإمساك بالأرض في مقابل العمليات الهجومية للنظام، سجلت المعارضة المسلحة انتصاراً هاماً وبارزاً في الزبداني، البلدة الواقعة في واد بين الجبال، على بعد 30 كلم فقط شمال غرب دمشق. ودمر المتمردون دبابتين في منطقة القناة، ليوقفوا بذلك الهجوم المدرع ويجبروا النظام على التفاوض حول هدنة مؤقتة في البلدة الجبلية. هذا الانتصار شجع المتمردين على الاستيلاء على جيوب المنطقة في شريط البلدات التي تشكل الضواحي الشرقية لدمشق خلال الأسبوع الأخير من شهر كانون الثاني.
وفي حين استعاد النظام السيطرة على هذه المناطق في سلسلة من المداهمات وعمليات التمشيط التي لا جدال حولها في نهاية كانون الثاني، فإن هذا التحدي المسلح القريب للغاية من وسط دمشق شغل دمشق عن إعادة تجميع صفوفها لإصلاح تراجعها في الزبداني والتعويض عنه. في هذه الأثناء، وفي الوقت الذي كافحت فيه القوى الأمنية لاحتواء الأزمة حول دمشق، بدأ عناصر لواء خالد بن الوليد هجوماً متجدداً في الرستن، بتدمير عدد من الآليات المدرعة والسيطرة على الأحياء الغربية. هذه الأعمال المتزامنة في آن معاً ساعدت بمنع النظام من العودة إلى الزبداني مع القوة القتالية الضرورية لحوالي شهر تقريباً. أخيراً، وفي 11 شباط، 2012، وبعد أسبوع من القصف الشديد، عادت القوات الموالية للنظام ودخلت الزبداني.

شباط 2012: بابا عمرو، حمص
حاولت القوى الأمنية السورية أن تقمع الثورة من خلال القسوة الانتقائية على امتداد العام 2011، وبشكل حذر من قبلها كي لا تثير مسألة التدخل الأجنبي أو تخسر الدعم الحساس والحاسم من إيران وروسيا. في كل الأحوال، لقد جعل تنامي حركة المعارضة المسلحة في العام 2012 القوى الأمنية تمتد وتنتشر بشكل هزيل، ما سمح للمتمردين بالدفاع عن جيوب سيطرتهم لفترات زمنية متزايدة. هذان العاملان التوأمان قادا نظام الأسد إلى زيادة استخدام سلاح المدفعية ضد المقاومة، أشهرها في أحياء حمص التي يمسك بها المتمردون.
كان حي بابا عمرو ذو الغالبية السنية جنوب غرب حمص شوكة في خاصرة النظام منذ تشرين أول 2011 على الأقل، عندما كمن، مراراً وتكراراً، متمردون من لواء خالد بن الوليد كانوا قد فروا من الرستن في أواخر أيلول لقوى أمنية تحاول القيام بدوريات لحراسة الحي المضطرب. وفي نهاية عام 2011 سيطر المتمردون في بابا عمرو على مداخل الحي، مع القيام بمناوشات مع القوى الأمنية من مواقع قتالية معززة بأكياس بالرمل وأسلحة رشاشة ثقيلة ومتوسطة وقذائف صاروخية، أو الآر بي جي.
وبحلول أوائل شباط 2012، تخلت القوى الأمنية عن جهودها باستعادة بابا عمرو من خلال الهجوم البري وحده. فبقطعها كل الطرق المؤدية إلى داخل الحي وقصفه بسلاح المدفعية الثقيلة، أرخت القوى الأمنية بحصارها على بابا عمرو حتى نهاية الشهر. انتهى الاستخدام العشوائي للقوة في بابا عمرو بكارثة إنسانية مع مقتل وجرح آلاف المدنيين وتهجير عدد أكبر من ذلك بكثير. وبعد 26 يوماً من الحصار، شنت القوى الأمنية التابعة للأسد هجوماً برياً أجبر المتمردين في النهاية على التراجع وذلك في آذار 2012.

قد يكون نظام الأسد هزم المتمردين في الزبداني وبابا عمرو في شباط 2012، لكن هذه الانتصارات كانت باهظة الثمن. فالدعوات الدولية لتسليح المعارضة تزايدت، وانتشار ميليشيات التمرد في أماكن كإدلب وريف حماه تسارع. لقد استخدم النظام قوة مفرطة ليهزم مراكز مقاومة أساسية، لكنه بقيامه بذلك أنتج جيوباً يسيطر عليها المتمردون تجعل القوى الأمنية تمتد بشكل هزيل أكثر أيضاً. فكلما زادت المعارضة المسلحة للأسد، يزيد استخدام النظام للقوة أيضاً.

عناصر المعارضة المسلحة
قبل القيام بدرس بعض الجماعات التي تشكل المعارضة المسلحة، سيكون من المفيد درس صفات وخصائص جماعات التمرد هذه. تنسب وسائل الإعلام المعارضة، تكراراً، الاشتباكات المسلحة مع القوى الموالية للنظام إلى المنشقين (عن الجيش)، على الرغم من أن نسبة كبيرة من المتمردين ليسوا من المنشقين. وكما وضح الأمر أحد الصحافيين الذي التقى عدداً من مقاتلي المعارضة المسلحة، إن أكثريتهم من " المدنيين الذين حملوا السلاح". فالمتمردون ليسوا " عصابات مسلحة. بل هم كفاح أو تمرد شعبي مسلح، يستخدمون مصطلح " المقاومة" لوصف أنفسهم"، تابع الصحافي قائلاً.
لقد اعترف المتمردون أنفسهم بأن أكثريتهم من السكان المدنيين، لكن المنشقين شكلوا قوة تنظيمية هامة داخل المعارضة. وبحسب ما قال صحافي آخر كان قد تنقل في شمال سوريا ليتعرف إلى المعارضة المسلحة أكثر: " الجيش السوري الحر أكثر تنظيماً بكثير من مقاتلي التمرد في ليبيا. وبسبب تزايد عدد المنشقين، فإن هناك مخزوناً متزايداً من الجنود والضباط القادرين، المدربين في سوريا".
في كل الأحوال، لقد منع النظام، وبشكل فاعل ومؤثر، حصول انشقاقات فوق مستوى الوحدات الفردية والوحدات الصغيرة، ولا يزال ثمن الانشقاق باهظاً. وكما وضح الأمر أحد الجنود في الجيش السوري في مقابلة أجريت معه، " سوف أنشق غداً عن الجيش إن كان بإمكانكم حماية عائلتي، لكن إذا فعلت ذلك فإنهم سيعتقلون والدي وإخوتي ولن يكون لدى العائلة كلها أي مدخول. النظام لا يزال مسيطراً".
إن المعارضة المسلحة هي بغالبيتها الساحقة سنية، ما يرفع الهواجس المتزايدة بأن تكون مذهبية ومتطرفة. وبحسب أحد الصحافيين، " تجدر الإشارة إلى أن كل المقاتلين الذين التقيتهم – في محافظات حمص، إدلب، حماه، درعا وضواحي دمشق – كانوا من المسلمين السنة، ومعظمهم من المتدينين". مع ذلك فإن المعارضة ليست كما كان نظام الأسد متحمساً لإبرازها على أنها كلها من "السلفيين، الجهاديين، الداعمين للإخوان المسلمين، ومن القاعدة والإرهابيين". إنهم لا يقاتلون لأجل الإسلام وإنما يستلهمون منه. فالبعض يشرب الكحول، المحرم في الإسلام، ولا يصلي. وإخوانهم في السلاح لا يجبرونهم على الصلاة... مع ذلك هناك سبب للقلق، فكلما طال العنف كلما أصبح أكثر مذهبية. وكما وضح الأمر أحد الثوار في مقابلة أجريت معه في أوائل العام 2012، " إذا ما استمر هذا الأمر لثلاثة أشهر أخرى، سيكون هناك ما هو أسوأ من القاعدة للتعامل معه. فالسكارى والفاسقون الذين يلاحقون النساء، لم يعودوا متدينين فحسب، بل أصبحوا متطرفين. ألا يخيف هذا العواصم الغربية كي يساعدونا"؟

بروز " القيادة العامة" للجيش السوري الحر
في 10 حزيران، 2011، وما أن أغلقت القوى الأمنية التابعة للنظام الطرق المؤدية إلى بلدة جسر الشغور المتمردة، حتى أعلن المقدم في الجيش السوري حسين هرموش انشقاقه صراحة في بيان له على شريط فيديو. وقال ناشطون بأن الضابط انشق خلال عملية في بداما، بلدة تبعد إلى الغرب 10 كلم من جسر الشغور، وأخذ معه 150 من جنوده عبر الحدود إلى تركيا.
وفي شريط الفيديو، قدم هرموش نفسه معرفاً عن إسمه، رتبته وموقعه، وحمل هويته أمام الكاميرا لتثبيت أوراق اعتماده كضابط في الجيش السوري. وقال بأن مهمته بعد انشقاقه هي مهمة دفاعية بالأساس وليست هجومية: " إن هدفنا الحالي هو حماية المتظاهرين الذين يطالبون بالحرية والديمقراطية". فضلاً عن ذلك، وضع رسالته بإطار المواضيع العلمانية، مطمئناً " شعب سوريا العظيم وكل مذاهبه ومجموعاته وطوائفه المتنوعة بأن أهدافه هي " الحرية والديمقراطية" ومؤكداً على " السلام، السلام، لا انقسامات. واحد، واحد، واحد، الشعب السوري كله واحد". وقال " لكل الناس الذين ضللهم النظام، الشعب سوف يسامحهم جميعاً"، لكنه اتبع ذلك بتحذير موزون: " إذا لم تنضموا لنا، فستكونون عرضة مع الطاغية بشار لمحاكمة عادلة".
لقد بدأ انشقاق هرموش وبيانه على شريط الفيديو ما أصبح معروفاً وبسرعة بحركة الضباط الأحرار. إذ استنسخ أسلوب ولهجة بيانه والرسالة المتضمنة، مرة بعد الأخرى، ضباط منشقون آخرون، وكان انشقاق هرموش صانعاً وعاملاً هاماً في تقدم حركة المعارضة المسلحة، ولا يزال يحتل مكاناً هاماً في خطاب المعارضة كما في آذار 2012.
على امتداد شهريْ حزيران وتموز 2011، برزت سلسلة من البيانات المسجلة على أشرطة الفيديو من ضباط في الجيش السوري عبر البلاد. وفي معظم الحالات، كان الضباط يبدؤون بياناتهم بتقديم أسمائهم، رتبتهم، مركزهم وهويتهم، كما فعل هرموش، كما صرَّح كل منهم بنيته الانضمام إلى شكل ما من أشكال وحدات الميليشيا لحماية المتظاهرين.
مع نهاية شهر تموز، أعلن العقيد رياض الأسعد، إلى جانب ستة آخرين من ضباط الجيش السوري كانوا قد انشقوا عنه عن تشكيل الجيش السوري الحر وذلك من مخيم اللاجئين في محافظة أنطاكية التركية. وبدلاً من التصريح بمهمته حماية المنشقين كما فعل هرموش، قال العقيد الأسعد محذراً، "بدءاً من هذه اللحظة، سوف نعتبر أي عضو في القوى الأمنية التابعة للأسد التي تقتل شعبنا هدفاً لبنادقنا". ومضت المجموعة بتحديد هيكلية للتنظيم، وصرَّح كل مشارك في شريط الفيديو عن مركزه وعن كتائب الميليشيات التي تحملوا مسؤولية قيادتها.
كما زعم العقيد الأسعد أيضاً بأن أربعة ضباط آخرين ( بمن فيهم المقدم أحمد خلف، منشق في حمص، والنقيب قيس قطانة، منشق في درعا) هم جزء من الجيش السوري الحر، برغم عدم وجود هؤلاء في شريط الفيديو. من الصعب معرفة ما إذا كان هؤلاء الضباط قد تمت استشارتهم قبل ضم أسمائهم للتنظيم، رغم حقيقة زعم الأسعد قيادته الجامعة لهم. وبعد أيام فقط، وفي بيان آخر في 3 آب، بدا أن قطانة يفكر بنفسه بشكل مختلف، كقائد " للقطاع الجنوبي لحركة الضباط الأحرار"، وليس قائداً في الجيش السوري الحر. وبصرف النظر عما إذا كان للجيش السوري الحر السيطرة على العناصر التي ادعاها لنفسه، فإن ندرة الاشتباكات المذكورة في التقارير بين القوى الأمنية السورية والمعارضة المسلحة تعرض إلى أن أياً من هذه الميليشيات لم تكن ذات قوة قتالية فعالة في أواخر صيف 2011.
بحلول أوائل أيلول، برزت تقارير تقول بأن هرموش قد اختفى في مكان ما قرب ملجئه في جنوب تركيا. وفي مقابلة معه قال النقيب قطانة بأن هرموش اختفى بعد وقت قصير من الاجتماع مع مسؤول أمني تركي، لكنه لم يلق اللوم على تركيا بشأن هذا الاختفاء. أما الجانب الأشهر لهذه المقابلة فهو واقع ظهور قطانة، الذي عمل في محافظة درعا جنوب سوريا، كشخص مطلع على الأحداث في تركيا، ما يعرض وجود درجة رفيعة من الاتصالات في هذه المرحلة المبكرة من تطور حركة المعارضة المسلحة، إن لم يكن تطور القيادة والسيطرة.
بالواقع، لقد احتجزت القوى الأمنية السورية هرموش. وبثت وسائل الإعلام التابعة للحكومة السورية مقابلة في منتصف أيلول تراجع فيها هرموش عن تصريحاته السابقة، قائلاً بأن المعارضة هي في واقع الأمر عبارة عن " عصابات مسلحة" تقتل الناس. وتابع قائلاً بأن أول من حاول الاتصال به بعد انشقاقه هم الإخوان المسلمون ونائب الرئيس السوري السابق المنفي عبد الحليم خدام. تصريحان عززا ودعما قول النظام بأن مؤامرة خارجية هي المسؤولة عن الاضطرابات في سوريا. أما الإجماع العام في أوساط المعارضة السورية والمعارضة المسلحة فهو أن هرموش كان يتجاوب مع التهديدات أو التعذيب، وبأنه شخص مقدَّر ومحترم كبطل برغم هذه المقابلة المضرة. أما هرموش فقد حكم عليه بالإعدام ونفذ فيه الحكم في كانون الثاني 2012.

الحلقة الثانية

الحلقة الثالثة

الحلقة الرابعة

موقع الخدمات البحثية