مواد أخرى » استراتيجية روسيا

جورج فريدمان ـ Strategic Forecasting ـ 24 نيسان، 2012

قلب انهيار الاتحاد السوفياتي في العام 1991 عملية كانت تجري منذ بروز الإمبراطورية الروسية في القرن السابع عشر، عملية كانت لتدمج في النهاية أربعة عناصر عامة: أوروبا الشرقية، آسيا الوسطى، القوقاز وسيبيريا. وكان محور سان بطرسبرغ – موسكو قلب هذه الإمبراطورية، وبيلاروسيا وأوكرانيا مركز جاذبيتها. كانت الحدود ديناميكية ومتحركة دائماً، تتوسع غالب الأحيان لكنها تتقلص من فترة لأخرى بحسب ما يستدعيه الوضع الدولي. ففي أبعد حد لها، ومن العام 1945 إلى العام 1989، وصلت الإمبراطورية إلى ألمانيا الوسطى، لتهيمن بذلك على أراض استولت عليها في الحرب العالمية الثانية. لم تكن الإمبراطورية الروسية في حالة سلام أبداً. وكما هو الحال مع إمبراطوريات عديدة، كان هناك أجزاء منها تطرح موضوع المقاومة دائماً ( العنيفة أحياناً) وأجزاء أخرى تقع على حدود قوى طامعة بها – إضافة إلى أجزاء من دول أخرى كانت روسيا تطمع بها.
قوضت الإمبراطورية الروسية الفرضية القائلة بأن القوة السياسية والعسكرية تتطلب اقتصاداً قوياً:  لم تكن مزدهرة أبداً، لكن كثيراً ما كانت قوية. فقد هزم الروس نابليون وهتلر وواجهوا الأميركيين الأكثر غنى منهم  بكثير على مدى أكثر من أربعة عقود في الحرب الباردة، برغم اقتصادهم الأقل تقدماً وتطوراً. لقد زعزع اقتصاد روسيا الضعيف، بالتأكيد، قوتها العسكرية أحياناً، لكن كي نفهم روسيا، من المهم البدء بفهم العلاقة بين الجيش والقوة الاقتصادية وبأنها ليست علاقة بسيطة.

الاقتصاد والأمن 
هناك أسباب عديدة للخلل الاقتصادي الروسي، لكن التفسير الأول، إن لم يكن التفسير الكامل، هو الجغرافيا والمواصلات. فالروس والأوكرانيون يمتلكون أفضل المزارع في العالم، مقارنة مع تلك الموجودة في الغرب الأوسط الأميركي. الفرق هو المواصلات، والقدرة على نقل الحصاد إلى باقي الإمبراطورية والبعد عن المراكز السكانية. ففي حين لدى الولايات المتحدة نظام نهر الميسيسيبي- ميسوري- أوهايو الذي يدمج المنطقة الواقعة بين جبال الروكي والابالاتشيا، فإن أنهار روسيا لا توفر طريقاً سريعاً مدمجاً لروسيا، ونظراً للمسافات والافتقار لطرق المواصلات السريعة، لم تكن سكك الحديد الروسية قادرة أبداً على تحمل مشقة النقل الزراعي الضخم الدائم.
هذا لا يعني القول بأنه لم يكن هناك من دمج وتكامل في اقتصاد الإمبراطورية وبأن هذا الأمر لم يخدم كعامل يربطها معاً. إنه يعني بأن الافتقار للتكامل الاقتصادي، والضعف في النقل الزراعي تحديداً، يحد إلى حد كبير من الازدهار في الإمبراطورية الروسية والاتحاد السوفياتي. في نفس الوقت، فإن التخلف الاقتصادي للإمبراطورية والاتحاد السوفياتي جعل من المستحيل بالنسبة لهما منافسة أوروبا الغربية بنجاح. لذا، كان هناك دافع اقتصادي ضمن الأجزاء التأسيسية المكونة للإمبراطورية والاتحاد السوفياتي للاندماج والتكامل مع بعضها البعض. قد يكون هناك تآزر وتضافر على مستوى أدنى من التنمية بين هذه البلدان.
 كانت الاقتصادات إحدى العوامل التي ربطت الإمبراطورية الروسية والاتحاد الروسي معاً. أما العامل الآخر فكان الجيش والأجهزة الأمنية. لقد لعبت الأجهزة الأمنية الروسية، تحديداً، دوراً هاماً وبارزاً في تماسك الإمبراطورية أولاً ومن ثم في تماسك الاتحاد الروسي؛ فمن نواح عديدة، كانت هذه المؤسسة الأكثر حداثة وكفاءة لديهما. ومهما كان من أمر الإغراءات التي ربما كانت موجودة لدى الجمهوريات التأسيسية لترك الإمبراطورية أو الاتحاد السوفياتي، فإنها كانت تقمع، وبشكل منهجي، من قبل قوى الأمن الداخلي التي كانت تتقصى أثر المعارضة وتدمرها من قلبها. يمكن وضع الأمر على النحو التالي: الجيش خلق الإمبراطورية. إن مواءمته للمصالح الاقتصادية كانت القوة الضعيفة التي جعلته يتماسك، وكانت الأجهزة الأمنية هي القوة القوية. فلو أن الإمبراطورية والاتحاد السوفياتي بقيا واستمرا، فإنهما كانا سيحتاجان لعلاقات اقتصادية منظمة على هذا النحو بحيث إن بعض المناطق يعاني من الحرمان، ومناطق أخرى تستفيد ولها امتيازات. هذا الأمر يمكن أن يحصل فقط إذا كانت الدولة قوية بشكل كاف لفرض هذا الواقع.  وبما أن الدولة نفسها كانت محدودة في معظم الأبعاد، فقد استعاضت بالأجهزة الأمنية وحلت هذه محلها. وعندما فشلت الأجهزة الأمنية، كما حدث في نهاية الحرب العالمية الأولى أو في 1989-1991 ، لم يتمكن النظام من البقاء. وعندما نجح فعلاً، فإنه تماسك كله.
أما في الإمبراطورية الروسية، فقد تم استكمال القوة الاقتصادية والقوة الأمنية بإيديولوجية شاملة:  تلك التي للكنيسة الأرثوذكسية الروسية، التي وفرت المبرر والأساس المنطقي للنظام. وقد عملت أجهزة أمن الدولة مع الكنيسة كما عملت ضد العناصر المنشقة في ديانات أخرى في الإمبراطورية.  أما في الإتحاد السوفياتي، فقد استكملت الإيديولوجية الدينية بالإيديولوجية الماركسية- اللينينية العلمانية. لقد استخدم الإتحاد السوفياتي أجهزته الأمنية في محاولة لتحويل الاقتصاد وسحق المعارضة وذلك في أعلى ثمن دفعه لهذا التحول. لقد كانت الماركسية- اللينينية، بمعنى من المعاني، إيديولوجية أكثر فعالية، بما أن الأرثوذكسية الروسية أحدثت فوارق دينية في حين كانت الماركسية – اللينين معادية  لكل الديانات وغير مبالية، نظرياً على الأقل، بالنسبة لكثير من الإثنيات والأمم.
بدأ سقوط الاتحاد السوفياتي، حقاً، مع أزمة في الاقتصاد خلقت أزمة في القوى الأمنية الـ KGB. لقد كان يوري أندروبوف، رئيس الـ KGB، هو أول من بدأ يفهم درجة فشل اقتصاد الاتحاد السوفياتي  بظل الفساد المتنامي في عهد بريجنيف وبظل كلفة الإنفاق الدفاعي. لقد فهم الـ KGB أمرين اثنين:  الأول هو أنه كان على روسيا  إعادة هيكلة البريسترويكا أو الانهيار. الأمر الثاني هو أنه كان ينبغي تحويل العزلة التقليدية للاتحاد السوفياتي وأن على السوفيات الانفتاح على التكنولوجيا والطرق الغربية (غلاسنوست). كان ميخائيل غورباتشوف إصلاحياً، لكنه كان شيوعياً يحاول إصلاح النظام لإنقاذ الحزب. كان يسير انطلاقاً من أسلوب الـ KGB. لقد كان رهانه ورهان أندروبوف هو أن بإمكان الاتحاد السوفياتي الاستمرار والبقاء والانفتاح على الغرب من دون أن ينهار وبأن بإمكانه مقايضة مصالحه الجيوسياسية، كهيمنة أوروبا الشرقية، مقابل علاقات اقتصادية وذلك من دون تحطيم الاتحاد السوفياتي.

انهيار الاتحاد السوفياتي
 كانت التسعينات فترة كارثية بالنسبة للاتحاد السوفياتي السابق. ففيما عدا مناطق قليلة، أدى انهيار الدولة السوفياتية والأجهزة الأمنية إلى فوضى، وتحولت الخصخصة إلى سرقة. وليس من المستغرب أن يكون الـ KGB، الجزء الأكثر تعقيداً وحنكة وتنظيماً في الأجهزة السوفياتية، قد لعب دوراً رئيساً في الفساد الحكومي المستفحل وعلى أعلى المستويات وفي الإبقاء على هويته المؤسساتية، أكثر من أية مؤسسة أخرى. وبمرور الوقت، انتعشت سيطرته على الاقتصاد بشكل غير رسمي، إلى أن برز أحد ممثليه، فلاديمير بوتين، كقائد للدولة.
طور بوتين ثلاثة مبادئ. المبدأ الأول أن النظام الأمني هو قلب الدولة. الثاني أن موسكو قلب روسيا. أما الثالث فكان أن روسيا هي قلب الاتحاد السوفياتي السابق. هذه المبادئ لم تفرض فجأة. فقد انتقلت سلطة الـ KGB، الذي أعيد تسميته بـ FSB و SVR، ببطء، من نظام الهيمنة غير الرسمية من خلال الفساد الحكومي المستفحل إلى هيمنة أكثر منهجية لأجهزة الدولة بواسطة الأجهزة الأمنية، معيداً بذلك تأسيس النموذج القديم. وتولى بوتين السيطرة على الحكومات الإقليمية المحلية عن طريق تعيين محافظين والسيطرة على الصناعة خارج موسكو. أما الأهم، فهو إرجاع روسيا، وبحذر، لتكون الأولى بين المتساوين في الاتحاد السوفياتي السابق.
جاء بوتين إلى السلطة في أعقاب حرب كوسوفو. وأصرت روسيا على عدم مضي الغرب بالحرب مع صربيا، ما تبقى من يوغوسلافيا السابقة. تم تجاهل روسيا، وترك افتقارها للتأثير والنفوذ الرئيس بوريس يلتسين في حالة من الذل. لكن الثورة البرتقالية في أوكرانيا هي التي أقنعت بوتين بأن الولايات المتحدة تنوي تحطيم روسيا إذا ما قادها شخص مثل يلتسين. فأوكرانيا بلد حيوي اقتصادياً وجغرافياً بالنسبة للأمن الوطني الروسي، ورأى بوتين أن محاولة إنشاء حكومة موالية للغرب تريد الانضمام إلى حلف الناتو في الوقت الذي كانت واشنطن تستخدم المنظمات غير الحكومية الممولة من قبل الـ CIA للدفع باتجاه تغيير النظام، هي محاولة لإضعاف روسيا بشكل دائم. وما أن نجحت الثورة البرتقالية حتى تحرك بوتين لتدارك الوضع.
وكانت الخطوة الأولى هي التوضيح أن روسيا قد استعادت جزءاً أساسياً من قوتها وهي مستعدة لاستخدامها. أما الخطوة الثانية فكانت الإثبات بأن الضمانات الأميركية لا قيمة لها. وقد حققت الحرب الروسية- الجورجية عام 2008 الغايتين. فقد نفذ الروس عملية هجومية ولم يتمكن الأميركيون، الغارقون في وحل العراق وأفغانستان، من الرد. لم يكن الدرس لجورجيا فقط ( التي سعت، وبشكل مشابه لأوكرانيا، إلى عضوية الناتو). لقد كان درساً لأوكرانيا وكل الدول الأخرى في الاتحاد السوفياتي السابق أيضاً، ما أثبت أن روسيا ستكون مجدداً قلب أوراسيا. بالواقع، إن أحد أحدث مشاريع بوتين هي ' الاتحاد الاوراسي'، الذي يربط روسيا، كازاخستان، وبيلاروسيا معاً، وهو جزء اقتصادي وعسكري كبير من الاتحاد السوفياتي السابق. أضف أوكرانيا لهذا الاتحاد ويبرز الاتحاد السوفياتي السابق بشكل أكبر حتى.

إعادة صنع الاتحاد
بالنسبة لروسيا، فإن إعادة إنشاء إتحاد مسألة ذات ضرورة استراتيجية. وكما وضح الأمر بوتين، لقد كان سقوط الاتحاد السوفياتي كارثة جغرافية. إن روسيا بحاجة للدمج والتكامل الاقتصادي، نظراً للإستراتيجية الاقتصادية الجديدة لروسيا ما بعد الحقبة السوفياتية تحديداً، وهي تصدير المواد الخام، الطاقة تحديداً. إن المواءمة مع دول مثل كازاخستان في الطاقة وأوكرانيا في الحبوب يوفر لموسكو رافعة في باقي العالم، تحديداً في أوروبا. فمن حيث الأهمية، يوفر هذا الأمر عمقاً استراتيجياً لروسيا. ويعلم باقي العالم بأن غزو روسيا مسألة لا يمكن تخيلها. والروس يمكنهم وضع تصور لذلك. فهم يتذكرون أن ألمانيا في العام 1932 شُلت، وأن روسيا بحلول عام 1938 كانت قوية بشكل ساحق. إن ست سنوات ليست بالفترة الطويلة جداً. وفي حين أن تطوراً من هذا النوع أمر غير مرجح الآن، من وجهة  النظر الروسية، فإنه ينبغي أخذ الموضوع بجدية على المدى الطويل – التخطيط للأسوأ والأمل بالأفضل.
لذا، فإن قلب الاستراتيجية الروسية، بعد إعادة إحياء القوة في روسيا، هو إنشاء منظومة علاقات ضمن الاتحاد السوفياتي السابق توفر مواءمة اقتصادية وعمقاً استراتيجياً لكنها لا تعطي روسيا التزاماً لا يمكن تحمله بتعهد السياسات المحلية للدول الأخرى. فعلى خلاف الإمبراطورية الروسية أو الاتحاد السوفياتي، سوف تستفيد استراتيجية بوتين من العلاقات على أساس متبادل من دون تحمل مسؤوليات الدول الأخرى.
وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، كانت الحروب الأميركية في العراق وأفغانستان بمثابة هدية من السماء. فحتى 11/9، كانت الولايات المتحدة متورطة بعمق بسلخ أجزاء من الاتحاد السوفياتي السابق عن روسيا كدول البلطيق ودمجها بالأنظمة الغربية. ومع هجمات 11/9، أصبحت الولايات المتحدة مهووسة بالحروب الجهادية، ما أعطى روسيا الفرصة للعمل على استقرار الأوضاع فيها وزيادة قوتها الإقليمية.
وبينما تعمل الولايات المتحدة على إخراج نفسها من أفغانستان، فإن على روسيا أن تقلق بشأن استكمال واشنطن لتركيزها على الصين مع تركيز متجدد على روسيا. أما النهاية المحتملة لهذه الصراعات فليست في مصلحة روسيا. لذا، إن أحد أجزاء الاستراتيجية الخارجية الروسية هو تزايد أرجحية استحواذ الهاجس الإيراني على الأميركيين. إن روسيا وإيران حالياً، على سبيل المثال، هما البلدان الرئيسان الوحيدان اللذان يدعمان نظام الرئيس السوري بشار الأسد. فروسيا تريد رؤية سوريا موالية لإيران – ليس لأن ذلك في مصلحة موسكو على الأمد الطويل وإنما لأن أي شيء يستوعب ويمتص الولايات المتحدة، على المدى القصير، سيريح روسيا من ضغط محتمل ويعطيها وقتاً أكثر لإعادة تنظيم الاتحاد السوفياتي السابق.
إن الأزمة في أوروبا أمر مفيد لروسيا بشكل مماثل. فحالة القلق وعدم الارتياح الموجودة لدى ألمانيا مع الاتحاد الأوروبي لم تبلغ حد الانفصال عنه، وقد لا تصل لذلك أبداً. في كل الأحوال، إن قلق ألمانيا يعني أنها تفتش عن شركاء آخرين، وذلك عائد جزئياً إلى تخفيف التوتر والضغط الموجود على ألمانيا والى خلق خيارات في جزء آخر من الموضوع. وتعتمد ألمانيا على صادرات الطاقة الروسية، وفي حين أن هذا الاعتماد قد ينخفض في السنوات المقبلة، فإن روسيا تتعامل مع المستقبل العاجل. إن ألمانيا تبحث عن شركاء اقتصاديين محتملين آخرين، الأهم  أن ذلك يجري في وقت تمر فيه أوروبا بضغط بالغ وشديد، وألمانيا لا تريد أن تنشغل وتُحاصر بمحاولة أميركية لإعادة رسم الحدود الروسية. إن منظومة الصواريخ الدفاعية البالستية غير هامة، بمعنى أنها لا تهدد روسيا، وإنما الوجود الأميركي في المنطقة هو المقلق بالنسبة لموسكو. فبالنسبة لروسيا، سيكون تجنيد ألمانيا، وفق الرؤية بأن الولايات المتحدة هي قوة مزعزعة للاستقرار، إنجازاً هائلاً.
القضايا الأخرى هي قضايا جانبية. فالصين وروسيا لديهما قضايا، لكن الصين لا تشكل تهديداً هاماً للمصالح الروسية الجوهرية إلا إذا اختارت غزو ساحل روسيا، وهو ما لن تفعله. هناك قضايا اقتصادية وسياسية، بالطبع، لكن الصين ليست في قلب الهواجس الاستراتيجية لروسيا.
بالنسبة لروسيا، إن الهاجس الاستراتيجي الطاغي  هو الهيمنة على الاتحاد السوفياتي السابق من دون أن تصبح راعياً له. وأوكرانيا هي العنصر الأساسي المفقود هنا، وهناك لعبة سياسية واقتصادية معقدة تجري. أما اللعبة الثانية فموجودة في آسيا الوسطى، حيث روسيا تؤكد قوتها بشكل منهجي. واللعبة الثالثة في دول البلطيق،  حيث لم تقم بنقلتها هناك بعد. وهناك صراع لا ينتهي في شمال القوقاز الأمر الذي يفتح الباب أمام تأكيد القوة الروسية في الجنوب. إن السياسة الخارجية الروسية مبنية على الحاجة لشراء الوقت لنفسها لإكمال تطورها.
للقيام بهذا الأمر، ينبغي للروس إبقاء الولايات المتحدة مشتتة. والاستراتيجية الروسية في الشرق الأوسط تخدم تلك الغاية. أما الجزء الثاني فهو ضمان الغرب عن طريق جر ألمانيا إلى شراكة مفيدة ومتبادلة في الوقت الذي لا يولد ذلك مقاومة كبرى في بولندا أو ينتج وجوداً أميركياً هناك. أما عما إذا كان بالإمكان تحقيق هذا الشيء فإن الأمر يعتمد على إيران بالقدر الذي يعتمد فيه على روسيا.
لقد قطعت روسيا شوطاً بعيداً من حيث كان يلتسين قد أخذها ووضعها. إن القوى الأمنية هي قلب الدولة مجدداً. فموسكو تهيمن على روسيا.  وروسيا تتحرك للهيمنة على الاتحاد السوفياتي السابق. إن عدوها الرئيس، أي الولايات المتحدة، مشتت، وأوروبا ضعيفة ومنقسمة. إن روسيا تعاني، بالطبع، من خلل على المستوى الاقتصادي، لكن هكذا كان الحال لقرون وهذا لا يعني أنها ستكون ضعيفة دائماً. أما في الوقت الراهن، فإن روسيا قانعة ومرتاحة البال بأن تكون قوية بما تسميه الخارج القريب، أو الاتحاد السوفياتي السابق. وبقطعها كل هذا الشوط ، فإنها لا تحاول حل مشاكل غير قابلة للحل. 

موقع الخدمات البحثية