مواد أخرى » خيارات السياسة الأميركية في سوريا

شهادة تمارا كوفمان ويتس(*)
السيد الرئيس، السيناتور لوغار، شكراً لدعوتكم إياي للظهور اليوم أمام اللجنة لمناقشة الخيارات السياسية للولايات المتحدة في سوريا.
إن الهدنة المؤقتة التي تم تثبيتها قبل أسبوع تنهار الآن، مع إشارة جماعات حقوق الإنسان إلى موت حوالي 20 سوري كل يوم منذ يوم الخميس الماضي. فالقوات السورية لا تزال تواصل قصفها وترفض الانسحاب من المناطق الحضرية، ويواجه المراقبون الدوليون تحديات شاقة وقاسية للبدء بعملهم على الأرض. مع ذلك فقد كانت الهدنة عبارة عن عنصر أولي واحد فقط من خطة كوفي أنان مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية المؤلفة من 7 نقاط. وكان الهدف النهائي البدء بعملية سياسية تضم المعارضة وتقود إلى تغيير ذي معنى. وبذلك، فإن الحقائق حتى الآن لا تبشر بالخير بالنسبة لإستراتيجية ديبلوماسية.
إذا ما سعى أنان لإنهاء العنف والبدء بتغيير سياسي، فإن ما رأيناه حتى الآن هو تقدم مهتز نحو الأول، من دون وجود تحرك نحو الثاني على الإطلاق. إن الانخفاض النسبي للعنف في الأسبوع الفائت فتح بالفعل كوة صغيرة بالنسبة للأمم المتحدة. إذ يمكن لمسألة إدخال المراقبين الدوليين، إذا ما استطاع هؤلاء العمل باستقلالية ذاتية وكانت لديهم حرية الحركة، أن تساعد على إبقاء العنف منخفضاً ويشجع على وجود احتجاجات سلمية متجددة. لكن ينبغي للعالم ألا يسمح لسوريا بتضييع الوقت بالمشاحنات والخلافات حول كل عنصر أولي من عناصر تنفيذ الهدنة. فمن دون بداية سريعة لعملية سياسية تقود إلى تغيير ذي معنى وهادف ، ليس هناك طريق أمامنا للديبلوماسية وحدها للتقليل من المعاناة الإنسانية وتعزيز الاستقرار الدائم لسوريا والمنطقة.
مع ذلك، تظل طريق ديبلوماسية الإكراه البديل الوحيد للتصعيد بالعنف على الأرض الأمر الذي سيكون له عواقب إنسانية رهيبة، وسيمثل خطر وجود دوامة من عدم الاستقرار في البلدان المجاورة لسوريا والمتفجرة أساساً.  لذا، يبقى الطريق المستحسن والمفضل لتحقيق الهدف الذي تتقاسمه الأمم المتحدة مع عدد من الحكومات، الهدف نفسه الذي عبَّر عنه الشعب السوري بوضوح وعلة الدوام على مدى أكثر من عام – إزالة بشار الأسد من السلطة.
ينبغي للمجتمع الدولي اليوم، إذن، التركيز بشكل لا هوادة فيه، على إحداث تحول سياسي وتثبيت حكومة سورية عرضة للمحاسبة أمام شعبها . إن أي مجهود ديبلوماسي ينبغي أن يكون مدعوماً بضغط قاس لا هوادة فيه مركزاً، بالتساوي، على الركائز الداعمة لنظام الأسد: الجيش، النخبة التجارية في حلب وأماكن أخرى، والمجتمع العلوي. إن العقوبات، وجهود المحاسبة في مجال حقوق الإنسان، والدعم للمعارضة السورية كلها أشكال ضغط مفيدة، لكن بالإمكان، ويجب، القيام بأكثر من ذلك. في النهاية، ينبغي التخطيط والتحضير لخيارات أكثر إكراهاً – ليس فقط في حال فشلت الديبلوماسية، وإنما لإعطائها أفضل فرص النجاح.
يظل دور روسيا حاسماً، وقد حان الوقت لقرار واضح. تواجه الحكومة الروسية، التي رمت أخيراً ومتأخرة بثقلها خلف خطة عنان، تحدياً بخصوص مصداقيتها الدولية إذا لم تكن قادرة على استخدام رافعتها بشكل فاعل ومؤثر لإجبار الأسد على الحفاظ على الهدنة، للسماح للمراقبين الدوليين بالعمل بحرية، ولإنجاز العناصر الأخرى من الخطة، بما في ذلك العنصر الأهم وهو السماح ببدء حوار سياسي. يجب أن يكون واضحاً لروسيا الآن بأن الأسد يواجه تحدياً دائماً لحكمه الذي لم يتغير – بأنه لا يمكن لقوات الجيش السوري سحق ، وبشكل حاسم، سواء التمرد المسلح أم حركة التظاهرات السلمية. لذلك فإن الوحشية المستمرة على هذا المستوى أمر عقيم لا يمكن تحمله على نحو متزايد، حيث إن الاقتصاد ينهار والجيش يتعب.
من الصعب، لكن ليس من المستحيل، تصور صناع السياسة الروسية بظل هذه الظروف يسعون لطريقة للحفاظ على علاقاتهم مع سوريا، لكن ليس مع الأسد نفسه. ينبغي للولايات المتحدة تركيز حوارها مع روسيا، ليس كلمات أو أفعال محددة في نيويورك، وإنما على تقييم واقعي يقود روسيا أخيراً إلى الرضوخ وبذل الجهود للتحرك باتجاه سوريا من دون الأسد. هذا التحول سيزيد، وبشكل كبير، من الضغوط على النظام السوري، وقد يساعد بحد ذاته على حث فاعلين سوريين أساسيين على السعي لإيجاد طريق للخروج، وجعل مسألة التغيير السياسي أمراً ممكناً. ينبغي للروس عدم إهدار وقت إضافي أو إهدار حياة عدد أكبر من السوريين في عملية صنع خيارهم.
أما في مسألة العقوبات، فقد عملت الولايات المتحدة مع حلفائها وشركائها، وبنجاح، في المنطقة وفي العالم لفرض ضغوط غير مسبوقة على النظام السوري وعلى شخصيات ضمن هذا النظام مسؤولين بشكل مباشر عن انتهاكات حقوق الإنسان. هذه العقوبات تجعل قدرة النظام على التمويل ومواصلة قمعه وتحصين مناصريه من الأذى تتآكل ببطء. إن ' مجموعة العمل' للعقوبات الجديدة التي اجتمعت هذا الأسبوع في باريس طريقة جيدة للحكومات لتقاسم المعلومات الضرورية لتحقيق أقصى حد من تطبيق العقوبات وتأثيرها. ونظراً للوقت، فإن هذا الضغط قد يساعد على تآكل وحدة المناصرين والداعمين للأسد في الجيش والنخبة التجارية في البلد، ويمكن أن يسهل التحول الذي يخرج الأسد من منصبه.
اجراءات المحاسبة أمر هام أيضاً، لأنها تزيد الحوافز والدوافع بالنسبة للداعمين للنظام كي يفكوا ارتباطهم به وينأوا بأنفسهم عن الوحشية الشديدة الممارسة الآن على المواطنين السوريين، وعن أولئك الذين يعطون الأوامر بها وينفذونها.
 إن مبادرة المحاسبة التي أطلقها ' أصدقاء الشعب السوري' يمكن أن توفر تأثيراً إيجابياً أكبر، ما يعني بجهودها لتدريب وتجهيز المواطنين لمراقبة حقوق الإنسان تحسن أيضاً قدرتهم على التواصل والتنظيم، مساعدين بذلك أولئك الذين هم داخل سوريا على تعزيز كفاءتهم وقدرتهم على الانخراط والمشاركة كجزء من المعارضة وتشكيل مستقبل بلدهم. لكن وبالرغم من أن كثيرين يفترضون بأن توثيق حقوق الإنسان موجه نحو التمكين من إحالة المتهمين إلى المحكمة الجنائية الدولية، فإن هذه الخطوة قد لا تكون منسجمة مع جهود سياسية تهدف إلى إرخاء قبضة الأسد على السلطة. أما في المرحلة الحالية، فلا معنى لتقييد الخيارات لعملية انتقال يتم التفاوض عليها بالمطالبة بأن يُحاكم الأسد على جرائمه، بصرف النظر عن مدى شناعتها التي لا شك بها.
من المهم أيضاً الإدراك بأن أعمالاً معينة، والتي قد تعتبر بمثابة زيادة الضغط على الأسد، يمكن أن تكون في الواقع غير مثمرة. إن الحظر الدولي على السلاح، على سبيل المثال، قد يعتبر خطوة تالية منطقية في فرض الهدنة والحفاظ عليها. في كل الأحوال، إن حظر الأسلحة لن يخفض العنف- في أفضل الأحوال، سوف يجمد عدم التوازن العميق الموجود في القدرات المسلحة الواضحة حالياً على الأرض، ما يترك للحكومة السورية مكسباً ضخماً ويحرم المتمردين السوريين المنتشرين من الوسائل الأساسية التي يحتاجونها لإبطاء هجمة النظام ضد المدنيين وإدامة الضغط على الجيش السوري. فضلاً عن ذلك، من غير المرجح أن ينجح الحظر – حتى لو كان بالإمكان إقناع روسيا بدعم هكذا إجراء في مجلس الأمن الدولي، فإن من غير المرجح، وبشدة، أن ينصاع الإيرانيون للقرار، ما يجعل التحرك غير مثمر كطريقة لتقييد قدرات النظام القمعية والحد منها.
ومع إمداد إيران النظام بكل حزم وإصرار، ومع تقديم دول الخليج الأموال النقدية لدفع رواتب جنود الجيش السوري الحر والحديث عن مساعدات فتاكة، عسكرة الثورة السورية تتواصل على قدم وساق. لكن وفي حين قد تكون المعارضة المسلحة قادرة على خوض حملة تمرد فاعلة، فمن غير الواضح كلياً ان كانوا سيكونون قادرين على إسقاط النظام. أما في أسوأ الأحوال، فإن العسكرة غير المنضبطة ستحول الثورة السورية إلى صراع أوسع يمكن أن يجر مجاهدين ومتطرفين آخرين على امتداد العالم الإسلامي، توفر ما يصل إلى حدود المجالات المغرية التي لا تسيطر عليها الحكومة لإرهابيين ومجرمين منظمين، وتنتج لاجئين وتأثيرات مضاعفة أخرى يمكنها أن تزعزع استقرار العراق ، لبنان، وربما بلدان مجاورة أخرى.
إلا أن هذا الاحتمال لا ينبغي أن يمنعنا من التفكير الواضح: لا يمكن للولايات المتحدة وقف أو قلب عسكرة الثورة السورية، ولا ينبغي لها أن تحاول. ما يمكن للولايات المتحدة القيام به بشكل مفيد هو إدارة هذه العسكرة بالعمل مع حكومات أخرى، خاصة جيران سوريا في المنطقة، في محاولة لتشكيل أنشطة العناصر المسلحة على الأرض بأسلوب يزيد أكثر الطرق فاعلية من الضغط على النظام - لاستنزاف قدرة وإرادة الجيش السوري على القتال، للمساعدة على حصول عملية انتقال سياسي، وبذلك وضع حد للعنف بالسرعة الممكنة. فمن دون تيارات قوية يسيرها منطق استراتيجي بإضعاف ركائز النظام، يمكن للفاعلين المحبطين داخل وخارج المنطقة أن يقدموا الدعم الفتاك
بطرق تفاقم من التأثيرات المنتشرة وتزيد من أضرار العسكرة التي ستصيب هدف استعادة النظام في سوريا ما بعد الأسد. وللقيام بذلك، على الولايات المتحدة قيادة الاشتباك والتخطيط الدولي الضروري لتحديد القادة والعناصر المسلحة، وتحسين التنسيق والتواصل، وبناء وحدات قتالية فاعلة، وتشكيل استراتيجية تمرد فعالة. في نفس الوقت، ستحتاج الدول المجاورة مباشرة لسوريا لدعم إضافي في مجال الأمن الحدودي، وإغاثة اللاجئين، ومجالات أخرى لضمان ألا تؤدي تأثيرات العسكرة إلى زعزعة استقرار هذه الدول أيضاً. إن العمل على إدارة عسكرة الثورة، وتركيز تأثيرها على نظام الأسد، واحتواء وقعها على دول الجوار أمر حيوي للتخفيف من حدة عدم الاستقرار الذي أطلق عنانه الأسد باختياره إعلان الحرب على شعبه.
في هذا السياق، من الحاسم تماماً أن تستمر الولايات المتحدة وحكومات أخرى بتصعيد دعمهم للتطور السياسي للمعارضة السورية. إن حاجة الناشطين في المعارضة الأكثر إلحاحاً المتعلقة بتحسين انسجامهم الداخلي وقدرتهم على تمثيل الشعب السوري بفاعلية ورسمياً في أية عملية سياسية – من دون هذا الأمر، من الصعب رؤية الكيفية التي سيقود بها التحول السياسي سوريا إلى مستقبل أفضل أو أكثر استقراراً. فالفئوية والانقسام وعدم الثقة المتبادلة الواضحة والجلية في أوساط الناشطين السوريين امتدادات غير مفاجئة للقمع الشديد والجمود السياسي للسياق السوري. هذا الموروث بالإمكان تجاوزه لكن ليس بالأمر ولا من خلال الحض، وليس بين ليلة وضحاها.
يحتاج ناشطو المعارضة السورية كي يصبحوا قوة موحدة وأكثر فاعلية إلى التركيز على ثلاثة أهداف أساسية: التضمين، رؤية مشتركة للمستقبل، وتواصل دائم وثابت مع سوريين داخل البلد وخارجه. قد يتساءل البعض في المعارضة عن فائدة التخطيط لمرحلة سوريا ما بعد الأسد، في الوقت الذي يخضع فيه السوريون للهجمة اليوم. بالواقع، إن تطوير وتسويق رؤية لمرحلة سوريا ما بعد الأسد يثبت أن وجود تنظيم والتزام بالتضمين والمحاسبة الديمقراطية ربما هي الوسيلة الأساسية التي يمكن من خلالها للناشطين تخطي خلافاتهم الموجودة، وحشد دعم أوسع، وتقديم شيء يتجاوز الفئات والشخصيات. وينبغي للمجتمع الدولي، بما فيه الولايات المتحدة، الاستثمار بقوة في مساعدة ناشطي المعارضة – داخل وخارج سوريا – على التواصل والتخطيط بشكل مشترك للمستقبل.
تطرح اللحظة الحالية أسئلة تحدٍّ بالنسبة للولايات المتحدة، ولكل تلك الحكومات العاملة على تكوين إجماع عام في نيويورك ومن خلال مجموعة اتصال ' أصدقاء الشعب السوري'. فالأسد قد برهن أساساً عن استعداده لاستخدام العنف بالقدر الذي يعتبره ضرورياً للحفاظ على نفسه في السلطة. في كل الأحوال، إن النظام الذي ظهر قبل أشهر قليلة مضت بأنه في مرحلة حاسمة ونقطة اللا عودة قد يستمر، سيكون ضعيفاً لكنه قابل للحياة. وإذا ما تراخى الضغط الدولي، أو إذا ما فشلت المعارضة بتقديم بديل فاعل، فإن الناخبين الأساسيين للأسد سيتوقفون عن التفكير بالتخلي عنه كطريقة للحفاظ على النفس. وسيكون الأسد الضعيف أكثر اعتماداً على إيران، وسيعاني الشعب السوري ليس فقط من حكمه المستمر وإنما من العزلة المستمرة والضائقة الاقتصادية إلى جانب عدم الأمان.
إذا ما فشلت خطة عنان بصنع طريق للتغيير السياسي ، كما هو مرجح على نحو متزايد، وإذا ما أدت الضغوط المتزايدة المتأتية من خطوات كالعقوبات، والعسكرة، والمعارضة الأكثر فعالية إلى إجبار الداعمين الداخليين للنظام السوري على إزالة الأسد والانفتاح على المعارضة، عندها سيكون هناك نتيجتان محتملتان: إما صراع أهلي طويل، مع كل المخاطر المترافقة بالنسبة لدول الجوار ولمستقبل سوريا؛ وإما الأسد الضعيف المستمر بالحكم، إنما مع قيود أقل على سلوكه، بما في ذلك دعمه لإيران أو حزب الله وعدائيته تجاه جيرانه. وإذا لم تكن أي من هذه النتائج مستساغة للولايات المتحدة، عندها علينا أن ننتبه ونأخذ حذرنا من الآن لما ينبغي القيام به لمنع مرور هذه النتائج.
قد يقول البعض بأن مواصلة العمل على مجموعة التوصيات المذكورة آنفاً يؤدي إلى بدء 'منحدر زلق' لتدخل مباشر. أما أنا فأقول بدلاً من ذلك بأن توقع فشل الديبلوماسية وتحضير خيارات قسرية أكثر ليس فقط أمراً واقعياً، بل إنه ضروري أيضاً لإحداث الضغط الذي سيعطي الديبلوماسية أفضل فرصة للنجاح. من الواضح تماماً بأن الأسد لا يتصرف إلا تحت ضغط بالغ، وبأن طلب ازالته هو تحد وجودي. إن التردد بخصوص الإجراءات الديبلوماسية، في الوقت الذي يتم فيه استثناء خيارات أكثر قسرية، هو الطريق الأسرع لسياسة أميركية غير ذات صلة. فضلاً عن ذلك، إن التشاور المبكر، التخطيط والتحضير لخطوات أكثر قوة سيمكن الولايات المتحدة من زيادة حد المشاركة بالموضوع التي قد يقوم بها آخرون أو حتى تولي القيادة في تلك الأعمال. هذا الأمر أيضاً، سيعزز عضلاتنا الديبلوماسية، ويزيد من احتمال حل أسرع، أقل كلفة وأكثر ارضاء بخصوص الأزمة السورية.
(*) مديرة مركز صبان لسياسة الشرق الأدنى في معهد بروكينغز. ـ ، دكتوراه في الفلسفة.

موقع الخدمات البحثية