عامر نعيم الياس - 12.01.2017
في سياق المتابعة اليومية للصحف الغربية الصادرة والتي يحتلّ الملف السوري صدر صفحاتها الأولى، على امتداد الأعوام الستة المنصرمة، باعتباره القضية الأكثر مركزية للسياسة الخارجية المبنية على واقع إنساني قابل للاستغلال والترويج لقيم الدمقرطة، مرّت الحرب على سورية بمراحل إعلامية شأنها شأن التطورات السياسية والميدانية المرافقة لهذه الحرب، بين احتلال الملف صدارة الصفحات الأولى وإفراد صفحات كاملة له في الأعوام الأولى خاصةً غداة الاحتفالات الغربية بذكرى آذار 2011 توقيت البدء بتدمير سورية، أو عند الأحداث المفصلية وعلى رأسها ملف الكيميائي السوري في آب عام 2013، وتداعيات قرار الرئيس الأميركي باراك اوباما بعدم التدخل العسكري المباشر في سورية الذي شكّل الانعطافة الأكثر واقعية في سياق الحرب على سورية، بما ضمن تحويلاً لأهداف هذه الحرب من إسقاط الدولة السورية إلى استنزافها بكافة الوسائل المتاحة وعلى رأسها الرهان على تمدّد داعش من أجل «دفع الأسد للتفاوض» وفق الاعترافات الأخيرة المثيرة لوزير الخارجية الأميركي جون كيري.
التدخل الروسي هو الآخر كان تحوّلاً مفصلياً في الحرب على سورية، لم يؤثّر على الإعلام بسحبه نحو الواقعية لكنه زاد محوراً يمكن البناء عليه في سياق البروباغندا المرافقة للحرب السورية، مضافاً إليه البعد الاستراتيجي المتعلّق بالصراع بين الغرب روسيا على خلفية صعود الأخيرة على الساحة الدولية.
اليوم وبعد انتصار حلب، تغيّر التعاطي الإعلامي الغربي وتحديداً الأميركي مع الملف السوري، فالصحافة الأميركية باتت أقلّ اهتماماً بالملف السوري بشكل لا يمكن إنكاره، وباتت أقرب للواقعية في تعاطيها مع هذا الملف منها إلى التحريض، والعامل الظاهر في هذا الأمر هو المرحلة الانتقالية القائمة على تسليم إدارة وتسلّم أخرى يقودها دونالد ترامب الذي يجمع الباحثون على تخليه عن السياسة الخارجية الأميركية التقليدية، ومحاولته إحداث انقلاب في التعاطي الأميركي مع ملف الحرب على سورية، لكن هذا الأمر لو كان العامل المؤثر الوحيد في تفسير تراجع الملف السوري في الإعلام الغربي وعن صدر الصفحات الأولى لكبريات الصحف الأميركية والبريطانية والفرنسية، لكان لوحظ التغيّر أيضاً في طريقة التعاطي البريطاني الفرنسي مع ملف الحرب على سورية، لكن الإعلام الفرنسي على وجه التحديد بقي خاضعاً بالمطلق لتوجهات الحزب الاشتراكي الحاكم في البلاد، ولم يظهر هذا التغيير في التعاطي مع الملف السوري، حتى أنّ زيارة الوفد الفرنسي النيابي إلى سورية لم تحظ بالتغطية المتوقعة وهي التي كانت إحدى نتائجها المباشرة إشارة النائب اليميني تيري مارياني إلى ملف التضليل الإعلامي المتعمّد في ما يخصّ الحرب في سورية وخداع الرأي العام الفرنسي والأوروبي، لكن الأمور لم تمنع هذا الإعلام من الاستمرار في نهجه المعادي لسورية والبعيد عن الواقعية في التعاطي مع مجريات الحرب فيها، ويبدو هذا ناتجاً من جملة أمور على رأسها:
الحرب في سورية والموقف منها باتت تندرج في سياق ملف أكبر يعني ويمسّ الداخل الأوروبي، والاتجاهات الجيوسياسية للعام 2017 الخاصة بالتغيير في بنى الأنظمة الأوروبية وبالتالي السياسة الخارجية التي تمسّ الملفات الأكثر حساسية ومنها الملف السوري، هنا نجد أنفسنا أمام وصول اليمين الكلاسيكي المحافظ إلى السلطة، وحتى اليمين الشعبوي في بعض الدول الأوروبية الذي بات رقماً لا يمكن تجاهله في كافة الانتخابات البلدية والنيابية وحتى الرئاسية، هذا الأمر بات ضاغطاً على النخب الأوروبية المنتمية إلى الأحزاب الكلاسيكية أو حتى تلك التقليدية داخل الحزب الواحد التي تقاتل من أجل عدم بروز تيار يميني محافظ على المستوى الخارجي السياسي وعلى المستوى الداخلي الاقتصادي الاجتماعي.
وضعية الدول في صياغة العلاقات الدولية، فالولايات المتّحدة الأميركية ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية تقود العالم الغربي وتخوض معاركه في فرض الهيمنة والإرادة الغربية على المستوى العالمي، وهي في الصف الأول سواء عبر التدخل غير المباشر مغلّفاً بحلف الناتو، أو عبر التدخل العسكري المباشر بالقوة الهائلة التي يملكها الجيش الأميركي، وسط تراجع قوة القوى الأخرى على الصعيد الدولي عموماً وفي الشرق الأوسط وما جرى به منذ العام 2010 على وجه الخصوص، وبديهي أنّ الدول التي تسعى للعودة إلى المشهد، أو تلك التي لا تكون منخرطة في الصراع مباشرة على الأرض وتتحمّل كلفه هي التي تكون على يمين الدولة التي تخوض الصراع بشكل مباشر، وهذا ما تعكسه الصحافة الأوروبية في مقابل الصحافة الأميركية، حيث تبدو الأولى على الدوام على يمين الأميركية سواء لو كانت الصحافة الأميركية تميل نحو التصعيد، أو كانت تميل نحو التهدئة.
الحرب في سورية التي يشكل الإعلام أحد أهمّ أذرعها واستطالاتها لم تنته بعد، لكن اليوم ما نشهده من تراجع ينتظر إعادة تموضع الصراع وفق العلاقات التي ستصوغها القوى الكبرى لإدارة المرحلة المقبلة.