يامن صابور
«هنالك تدهور واضح على الصعيد السياسي حيال فهم الديموقراطية في المجتمع الغربي» بهذه الكلمات وصف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قرار البرلمان الأوروبي الذي تم التصويت عليه يوم الأربعاء الماضي بشأن التصدي للإعلام الروسي في دول الاتحاد الأوروبي والدول الأخرى الحليفة.
رد الرئيس بوتين كان الأبرز على ذلك القرار، فقد أشار في تصريح صحافي وفقاً لوكالة «رويترز» الى أن «أوروبا، وبعدما أشبعتنا محاضرات حول الديموقراطية، تحاول اليوم إسكات الآراء المعارضة لها». مشروع القرار المذكور جاء على شكل توصية غير ملزمة للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وقد عملت على إعداده عضو البرلمان عن بولونيا (ووزيرة خارجية بولونيا السابقة)، آنا فوتيغا، وأشارت فيه إلى أن روسيا تستخدم البروباغندا، من خلال مجموعة من الأدوات والأذرع الإعلامية، التي تشكل تهديداً للاتحاد الأوروبي، وذلك بترويجها لرؤيتها الخاصة ولسياساتها عبر الدول الأوروبية عبر تحديها للمبادئ الديموقراطية والليبرالية وخلقها حالة من الإحباط والشك.
سمّى القرار وفقاً لوكالة «تاس» وموقع «دويتشه فيله» كلاً من «آر تي (روسيا اليوم)» و «سبوتنيك» ومؤسسة «روسكي مير (العالم الروسي)» ووكالة «روسوترودنيشيستفا الفدرالية (التعاون الروسي)» التابعة لوزارة الخارجية الروسية كأبرز المتهمين في التضليل الإعلامي ونشر المعلومات المغلوطة. وقد حضر 691 نائبا جلسة التصويت، وصوّت لمصلحته 304 نواب، فيما عارضه 179 نائبا، وامتنع 208 نواب عن التصويت. والجدير بالذكر أن الأحزاب الأوروبية اليمينية المشككة بكيان الاتحاد الأوروبي ودوره كحزب الاستقلال البريطاني والجبهة الوطنية الفرنسية على سبيل المثال كانت ممن رفض تبني القرار.
قابلت أجهزة الإعلام الروسية القرار بالشجب، وعملت على تحليل حيثياته ودحضها. واستضافت كل من «آر تي» و «سبوتنيك» العديد من الخبراء والمحللين الإعلاميين على شاشاتها باللغة الروسية والإنكليزية والعربية من أجل التعليق على ما اعتبرته افتراءات أوروبية وتعدياً على حرية الرأي. اعتبرت ماريا زاخاروفا، الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية، أن القرار «ألعوبة بهلوانية» تقوم بها مجموعة من البرلمانيين الأوروبيين. وهي أكدت أن روسيا لا تعمل على توجيه بروباغندا مضادة للاتحاد الأوروبي، ودعت المشرعين الأوروبيين إلى معالجة مشاكلهم الداخلية بدل اتهام روسيا بالتسبب بها. من جهتها، صرحت رئيسة تحرير «آر تي» أن محامي الشبكة يدرسون التقدم بطعن بالقرار أمام المحكمة الأوروبية. وهي شددت على أن هذا القرار يمثل ضربة حقيقية لحرية الصحافة ولحقوق المشاهدين في الحصول على المعلومات من مختلف المصادر. كان من اللافت في مشروع القرار الذي بحث فيه البرلمان الأوروبي أنه يوازي بين الإعلام الروسي وإعلام التنظيمات التكفيرية والمتطرفة، كتنظيم القاعدة أو الدولة الإسلامية على سبيل المثال، التي تهدد أمن روسيا كما أمن الاتحاد الأوروبي على حد سواء. وبدا طرح قرار كهذا محاولة من السياسيين الأوروبيين للهروب إلى الأمام من مشاكلهم الداخلية، التي تؤثر على بنية الاتحاد الأوروبي بحد ذاتها، وإيجاد شماعة يعلقون عليها كل المعضلات السياسية والقانونية التي تواجه الاتحاد، بالإضافة إلى أزمات الركود الاقتصادي واندماج المهاجرين واللاجئين والتورط في صراعات إقليمية ودولية شتى.
اتهم القرار، بحسب موقع «دويتشه فيليه»، روسيا مباشرة ببث دعاية مضللة ومغرضة وعدائية تهدف إلى تشويه الحقائق ونشر الشك في وضع الاتحاد الأوروبي ومستقبله مع شركائه في أميركا الشمالية، ما قد يؤدي لحصول انقسامات حادة في هذه البلدان. ومن أجل هذه الأهداف، تعمد روسيا إلى إقامة مراكز بحث وتأسيس شبكات تلفزة ومواقع إلكترونية هدفها إسقاط وحدة واستقرار الاتحاد الأوروبي. هذه العبارات الاتهامية، التي تظهر الكثير من «الفوبيات» على حد تعبير زاخاروفا، ترجع صدى ممارسات احترفها الغرب طيلة أعوام الحرب الباردة ولم ير فيها أي خطأ أخلاقي أو سياسي أو مجتمعي. ألم تعمل كل من أميركا وأوروبا على تأسيس مراكز بحوث وأجهزة إعلام ودعاية مضادة كان هدفها الأوحد ذات يوم زعزعة الاتحاد السوفياتي وتفكيكه؟
المصدر: صحيفة السفير