ترودي روبين(*)
الآن وبعد أن وضع أوباما أخيراً استراتيجيته لـ&laqascii117o;تقويض داعش وتدميرها"، يبقى هناك سؤالان يحتاجان للإجابة: هل هذه الاستراتيجية ضرورية فعلا؟ وهل بمقدورها النجاح وتحقيق المطلوب منها؟ جوابي عن السؤال الأول هو بالتأكيد &laqascii117o;نعم"، لكن فيما يتعلق بالثاني، ورغم الشكوك حوله، فأعتقد جازمة أنه لم يعد أمام أوباما أي خيار سوى التدخل لتطويق الموقف وضرب الإرهاب. هذا الموقف المتحمس للرئيس الأميركي ما كان دائماً بنفس الصرامة، فحتى إقدام &laqascii117o;داعش" على ذبح الصحفيين الأميركيين، ظل أوباما يعتقد أن تهديد &laqascii117o;داعش" لا يستحق بلورة استراتيجية شاملة، ففي يناير الماضي استبعد خطر التنظيم مشبهاً إياه بـ&laqascii117o;فريق الاحتياط" في ملعب الإرهاب، بل حتى عندما اجتاحت عناصره غرب العراق استمر في التقليل من خطره، لكن وبصورة مفاجئة اعترف الرئيس بالتهديد الذي يمثله &laqascii117o;داعش" وخطورته الحقيقية على أمن الولايات المتحدة.
ومهما تكن أسباب ذلك التغير المفاجئ، يبقى أنه وصل أخيراً إلى الاستنتاج الصائب حول ضرورة التصدي العاجل للإرهاب المتنامي في الشرق الأوسط، لذا سارع في الأسبوع الماضي إلى طرح &laqascii117o;استراتيجية مكافحة الإرهاب" التي ستعتمد على القوة الأميركية لمواجهة &laqascii117o;داعش" في العراق، وكذلك ولأول مرة في سوريا، مؤكداً أنه لن يرسل &laqascii117o;قوات برية" إلى الميدان، فيما سيتولى الحلفاء العرب التمويل وتوفير الجنود على الأرض.
غير أنه ليس عيباً أن نسأل، كما تفعل قاعدة الديمقراطيين في الولايات المتحدة، لماذا لا يخوض قادة الشرق الأوسط حربهم ضد &laqascii117o;داعش"؟ والجواب أنه من دون قيادة أميركية لن يستطيعوا ولن يفعلوا، وهو ما سيعرض الأمن الأميركي نفسه للخطر، فالشرق الأوسط يعيش حالياً مرحلة من السقوط المدوي، حيث يترنح كثير من الأنظمة تحت ضغط الشعوب الشابة في أغلبيتها والتي تثير نقمتها أحوال البطالة والفساد. وكان للغزو الأميركي للعراق الذي قاده بوش دور في إشعال الفتيل وتسريع السقوط، ثم جاءت رياح &laqascii117o;الربيع العربي" التي كشفت بأن نظام ما بعد الحرب العالمية الأولى الذي رسم حدود الشرق الأوسط، كما هي الآن، بات مترهلا ويوشك على الانهيار. ورغم بوادر التأزم العام، فشلت الدول العربية في بناء أنظمة سياسية جديدة، فكان أن تشظت سوريا والعراق، فيما تواجه مصر مخاض التحول، وتفتقر ليبيا للدولة، مع استمرار الملكيات في احتواء التغيير والتخفيف من تداعياته، والنتيجة أنه قليلة مِن تلك الدول مَن توفر على المؤسسات أو القيادة المؤهلة للاستجابة لتطلعات شعوبها التي انتقلت من خيبة أمل إلى أخرى دون ضوء في آخر النفق. وفي ظل هذا الفراغ الأيديولوجي انتعش الإسلام الراديكالي لما له من تأثير على الفئات المتضررة ولقدرته على استخدام العنف الهائل.
وبهذا المنطق ظهرت &laqascii117o;داعش" التي تهدف لإقامة دولة إرهابية في المنطقة تكون محجاً للجهاديين وتعمل على تدريبهم بغرض الرجوع إلى بلدانهم وإطاحة الأنظمة فيها، وإذا لم يتم التصدي لهذا الخطر فقد يتمدد التنظيم ليطال دولا عديدة، كما سيكون مصدر إلهام للإسلاميين الراديكاليين من نيجيريا وحتى تونس وباكستان. وقد بدأت بالفعل بعض الجماعات الإرهابية المحلية التابعة لتنظيم &laqascii117o;القاعدة" تعلن ولاءها الصريح لـ&laqascii117o;داعش". وإذا كان البعض يفضل إلقاء المسؤولية بالكامل على بلدان الشرق الأوسط باعتبارها المعنية الأولى بالخطر، فإنها تعيش جواً من الريبة والانقسام فيما بينها، كما تفتقد للقدرة والجيوش الموثوقة لمواجهة التحدي، فيما تظل الأمم المتحدة عاجزة عن التحرك بسبب الفيتو الروسي والصيني.. لذا وبدون القيادة الأميركية التي ستوفر التدريب والدعم لن يقوى الشرق الأوسط على محاربة &laqascii117o;داعش" لوحده. وذلك ما يقودنا للسؤال الثاني عن الفرص المتاحة أمام استراتيجية أوباما للنجاح وبلوغ أهدافها!
الحقيقة أن الثغرة الأبرز في خطة الرئيس هي إيجاد القوات البرية القادرة على مقاتلة &laqascii117o;داعش" في العراق وسوريا مدعومةً بالضربات الجوية الأميركية. وبدون شك كانت مسألة دحر الجهاديين في سوريا أسهل لو تحركت أميركا قبل عامين لدعم المعارضة المعتدلة بالسلاح، أما اليوم فإن معظم هذه الجماعات قُوضت بسبب وضعها الصعب بين النظام من جهة و&laqascii117o;داعش" من جهة أخرى، بل حتى خطط أوباما الغامضة حول تسليح معارضة معتدلة جديدة لم تعد كافية، فضلا عن كونها متأخرة جداً.
وفي إطار البحث عن قوات برية تبرز فرص جيدة مع القوات الكردية التي يمكن لأميركا الاعتماد عليها، أما القوات العراقية فليس مؤكداً بعد ما إذا كانت حكومة حيدر العبادي عازمة على القطع مع السياسات الطائفية لسلفه (المالكي)، والتي كانت وراء دفع السنة إلى احتضان &laqascii117o;داعش". ولأنه من الصعب في هذه المرحلة حشد القوات البرية الكافية للقتال في العراق، ناهيك عن سوريا، لضرب &laqascii117o;داعش" على المدى القريب، فإن الدور والقيادة الأميركيتين يصبحان أكثر إلحاحاً، لاسيما في استخدام القوة الجوية لمنع تمدد التنظيم وتدمير هياكله القيادية. ورغم المخاطر التي تنطوي عليها العملية وطبيعتها على المدى البعيد، فإن عدم القيام بها ينطوي على مخاطر أكبر.
(*) نقلا عن صحيفة الاتحاد