قراءات إعلامية » الإعلام المقاوم المفهوم والمرتكزات والقيم

حمزة البشتاوي

للإعلام المقاوم دور أساسي في الحفاظ على القيم والمبادئ وترسيخها لدى الأجيال بعيداً عن أطر ومفاهيم التسويق الإستهلاكي بل وفق منظومة القيم الأخلاقية للمجتمع المقاوم ومن منطق الحق والمطالبة بالعدالة حيث ينطلق الإعلام المقاوم من مفاهيم ومرتكزات وقيم ترفض تشويه الحقائق وتواجه مشاريع الهيمنة والسيطرة وأن يعمل الإعلام المقاوم بصفته لسان حال الناس الذين هم البيئة الحاضنة الصانعة للنصر بمواجهة حرب إعلامية وحملات دعائية باتت تشكل الأداة الإستراتيجية الأهم في استهداف الروح المعنوية، وزعزعة الثقة بالنفس وبالقيادة والمقاومة.

الإعلام المقاوم على صعيد المفهوم

يرتبط مفهوم الإعلام بمفهوم الإتصال والمعلومات والحوار وتقديم الأخبار ونشر المعرفة وتثبيت القيم والسلوكيات تحقيق الفائدة على مستوى التواصل الثقافي والحضاري والإجتماعي والإنساني بين الأفراد والمجموعات والشعوب.

وترتبط المفاهيم بالقضايا التي يحملها الأعلام المقاوم بالثقة بالنصر وعدالة القضية مع الحفاظ على التوازن ما بين إشاعة الأمل والحفاظ على الكرامة ونشر الحقائق دون الإنجرار إلى العواطف أو الإنفعالات التي قد تضعف الموقف الأخلاقي للمقاومة، مع التركيز على تحويل الألم إلى أمل وتقوية مناعة المجتمع، في ظل عصر الإعلام والإتصالات والتحديات البالغة الأهمية على المستوى الإعلامي حيث باتت الكلمات والصور تشبه فعل القنابل والصواريخ لما تغيره من مفاهيم وتبدله من مواقف وتفرضه من سياسات.

ويحمل مفهوم الإعلام المقاوم مسؤولية صدق الخطاب وأمانة نقل الخبر، واقتراح الجمهور من التواصل بشكل دائم معه، استناداً إلى الإلتزام الديني والوطني والإنساني إضافة لشجاعة العاملين وتفانيهم في العمل والإبداع والإبتكار وصدق الإيمان بحتمية إنتصار قوى الحق على الباطل ونصرة فلسطين المحافظة على روح المقاومة وتعزيز مفهومها في الأوساط العربية والإعلامية خاصة، وفي مجتمعات أخرى مظلومة على امتداد العالم، مقابل مفاهيم إنهزامية، تروج لهما بعض وسائل الإعلام المرئية والمقروءة، لكن الإعلام المقاوم يعمل على تجديد الثقة والأمل بمواجهة الهجمة التي تستهدف منظمة القيم والمفاهيم والبناء وشعوب المنطقة، رغم ما يواجه إعلام المقاومة من صعوبات ومعضلات واقعية ومن أبرزها التزام إعلام المقاومة بالمفاهيم والقيم الأخلاقية والإنسانية والدينية والسياسة.

وإضافة للتعرف اللغوي والإصطلاحي لمفهوم إعلام المقاومة، فإن هذا الإعلام يعمل بصفته حارس البوابة بمفاهيم واضحة وفعّالة في كافة ميادين المواجهة السياسية والثقافية والإقتصادية والإجتماعية.

مرتكزات الإعلام المقاوم

يرتكز عمل إعلام المقاومة على إظهار الحق والمطالبة بالعدالة وفق مفاهيم وحقائق إنسانية بمواجهة مشاريع الهيمنة والتسلط وفق رؤية أساسها حرية الإنسان وكرامته، ويرتكز الإعلام المقاوم على مسؤولية الإنسان صاحب الحق بالمقاومة لصون حرية أرضه وحرية المجتمع الإنساني الذي يعيش فيه وذلك ضمن مرتكزين أساسيين هما:

1- تقييم ما تم تحقيقه.

2- التخطيط لما يجب فعله.

إضافة إلى مسؤولية المتعلقة بالمصداقية، وفهم نقاط ضعف العدو والتعامل معها بمسؤولية ووضع خطط إعلامية بمواجهة التحريف والتزوير والتضليل التي تستهدف ضرب الروح المعنوية.

وقد استطاع الإعلام المقاوم الذي يحظى بالإعتزاز الحماسي والعفوي من قبل الناس، وهو يهزم الخطاب الإعلامي الإنهزامي الرسمي ويحد بشكل كبير من تأثيراته وتداعياته، ويرتكز الإعلام المقاوم في الحوار الثقافي وعملية إنتاج الأفكار بصدق وشفافية للتأثير في العقل والوجدان في ظل حرب الأدمغة المستمرة، وقد نجح إعلام المقاومة في تسليط الضوء على صمود وثبات أهالي قطاع غزة رغم الدمار الكبير والدماء والأشلاء إضافة للتركيز على فعل المقاومة وعملياتها في الميدان، ومن أهم مرتكزات الإعلام المقاوم التركيز على أن فكرة المقاومة مبنية على حق الشعب بالقتال ضد إحتلال يفوقه في مجال موازين القوى العسكرية ولكن هذا لن يمنع المقاومة من تحقيق الإنجازات والإنتصارات بشكل تراكمي وتدريجي لهزيمة الإحتلال بالنقاط وليس بالضربة القاضية ويرتكز الإعلام المقاوم على إنجازات المقاومة في لبنان، وعلى أن مجرد بقاء إرادة المقاومة لدى الشعب الفلسطيني على ما يقارب قرن من الزمان، هي أكبر دليل يمكن الإرتكاز عليه للإشارة إلى قوة المقاومة وجدواها وقدرتها على تحقيق الإنتصار.

الإعلام المقاوم والقيم

يتمسك الإعلام المقاوم بالقيم باعتباره إعلام شعبي يمثل طموحات وتطلعات الشعوب بخبرات وطنية كما هي الحال في فلسطين ولبنان والعراق وكوبا واليمن وإيران وغيرها من الدول، وللإعلام دور أساسي في الحفاظ على القيم وترسيخها لدى الأجيال بواسطة وسائله المعروفة، والتي تتميز بالقدرة على التأثير والتفاعل مع المجتمع الذي يعكس الإعلام المقاوم قيمه الموجودة والإيجابية بوعي ليساهم في تقليل تأثير الدعاية الإسرائيلية المعادية بفعل وعي الجيل الجديد وتقديم الإعلام المقاوم لنماذج عملية يحتذى بها، وهذه النماذج لا تقتصر على البطولة الميدانية فحسب، بل تشمل أيضاً قيم الثبات على المبدأ والصمود الأخلاقي.

وقد التزم الإعلام المقاوم بالقيم والموضوعية التي تعني: الإقتراب من الحقيقة، وهي تختلف عن الحيادية، إذ لا يمكن للإعلام المقاوم إلا أن يكون منحازًا للمقاومة دون مبالغة أو مكابرة في التغطية والتحليل.

فمثلاً عندما نقول أنّ الحرب خدعة فهذا لا يعني بالضرورة ضياع المصداقية لصالح تقوية حجة ومصداقية عدونا، بل في ظل الصراع الإعلامي القائم والمفتوح أمام كاميرات العالم تغدو الحقيقة والمصداقية سلاحنا الذي نتبارى على امتلاك أدلته وادعاءاته في إعلامنا المقاوم؛ خاصة أن وسائل العدو لم تفسح مجالاً لعرض وجهة نظرنا أو القريبة منها، بل إن وسائل إعلام الغرب الأمريكية منها والعربية هي أبعد عن ذلك ... ومن ناحية أخرى، فإن موضوعية إعلام المقاومة تحتم عليه الوقوف على أخطاء الفعل المقاوم، وتحليل أسبابها وتداعياتها وكيفية تجاوزها بما يحفظ مشروع المقاومة.

ومن منطلق القيم يبرز السؤال حول ما هو:

الدور الذي يمكن أن تلعبه الرسائل الإعلامية الإيجابية في تحصين المجتمع من الهزيمة النفسية؟

الرسائل الإيجابية لا تعني التجميل أو الإنكار، بل تعني:

أولا، تأكيد قدرة الشعب على تجاوز المحن، واستدعاء تجارب الصمود السابقة، وتعزيز الخطاب المبدئي القيمي مثل: ربط التضحية بالشرف والبطولة، وليس بالحزن واليأس.

ثانيا، تحويل الألم إلى أمل، بإبراز نتائج التضحيات على المدى البعيد، وربطها بتحقيق أهداف سياسية أو عسكرية ملموسة.

كل هذا يساهم في تقوية "المناعة النفسية الجمعية"، وجعل الوعي الجمعي مقاومًا للاختراق، تمامًا كما يقاوم الجسم الفيروسات.

و "إظهار القوة" في الإعلام المقاوم كعنصرًا نفسيًا فاعلًا في ردع الاحتلال؟

وإظهار القوة هو أحد أهم عناصر الحرب النفسية المضادة، لأنه يكسر صورة "الجيش الذي لا يُقهر"، ويعيد تشكيل صورة المقاوم كندّ عسكري وأمني.

كما يبث الرعب في صفوف الجنود والمستوطنين الذين يتابعون باهتمام بيانات المقاومة المصورة وتسجيلات العمليات.

أيضا يعزز الثقة الداخلية لدى الشعب، ويمنحه شعورًا بأن المقاومة ما تزال تملك زمام المبادرة.

ومن هنا فإن مقاطع مثل تفجير آليات، إسقاط طائرات مسيّرة، أو تصوير اقتحام مواقع العدو، هي أدوات ردع إعلامي فعّالة تكاد تعادل الصواريخ على الجبهات.

كيف تؤثر روايات الشهداء:

تمثل روايات الشهداء ذخيرة رمزية حية في الوعي، حيث تؤدي دوراً محورياً في تشكيل وعي الجيل الجديد، فهي تقدم نماذج عملية يحتذى بها، لا تقتصر على البطولة الميدانية فحسب، بل تشمل أيضاً قيم الثبات على المبدأ والصمود الأخلاقي.

وعلاقة الإعلام بالقيم ليست علاقة سببية صرفة، ولا هي من تلك التي بالإمكان قياسها أو تفكيكها بأدوات كمية تضبط صيرورتها وتحولاتها وتفاعلاتها في الزمان والمكان.

هي علاقة مركبة للغاية، ليس من الهين ضبط طرف المعادلة بجهة من يؤثر في الآخر أكثر، أو الإمساك بدرجات الفعل المباشر وغير المباشر التي قد تترتب عنها بهذا الفضاء الإعلامي أو ذاك. ولما كان الأمر كذلك، فإن ذات العلاقة غالبا ما تكون خلف تباينات في الرأي عميقة، أفرزت تيارات متباينة في الشكل والمضمون بين:

من يرى بأن للإعلام دور أساس في المحافظة على القيم القائمة، وترسيخها لدى الأجيال المتعاقبة، بواسطة وسائله المعروفة، والتي تتميز بكونها قادرة على التأثير بشدة على أفراد المجتمع.

ومن يرى بأنه ليس من الضروري بالنسبة للإعلام بروافده المختلفة، أن يعكس القيم الموجودة في مجتمع معين، بل عليه أن يستنبت ويرعي قيما جديدة، قد تكون بالنسبة إليه أنجع أو أكثر تعبيرا عن واقع الحال، كما أنها (القيم) بالنسبة إليه ستكون متطورة ومراعية للتحولات الاجتماعية التي يشهدها العالم.

ليس لدينا عموما، إعلاما بالمعنى المنظومي للكلمة، أي ذاك الإعلام الذي يتخذ من دقة المعلومة رسالته، أو الذي يرتكز على الرأي المؤسس الباني، بمعنى الرأي الموجه للسلوك، المؤطر للتصرف، الموضح للرؤيا.

ودور الإعلام المقاوم، بكل روافده المختلفة، المكتوب منها كما المسموع كما المرئي، لا يقتصر على عكس ما يوجد بالمجتمع من قيم، ولا فقط أن يختار من ضمنها تلك التي يفترض تقديمها على غيرها، أو إبرازها أكثر.

إنه مطالب أيضا بالإسهام في استنبات قيم جديدة قد تفيد المجتمع، لكنها غالبا ما تكون غير مروجة بما يكفي أو متجاوز عليها، أو مصنفة ضمن مرجعيات أخرى، للمجتمع بإزائها بعض من المواقف السلبية المسبقة، أو بعض من التحفظ في حالات أخرى مع ضرورة تحكيم العقل والمنطق.

والإعلام كمنظومة متجانسة ومتكاملة، محتكمة في تصورها كما في طبيعتها، إلى رؤية في الإعلام لا تزايد على الحد الأدنى من القيم القائمة، حتى، ولا تستفز المتلقي بقيم قد تكون إيجابية.

وفي كلمته المهنية بمناسبة الذكرى الثلائين لرحيل الإمام الخميني، بين الإمام الخامنئي خمس جوانب أساسية في منطق المقاومة, فنذكرها كما هي نظراً لأهميتها ونقوم بتلخيصها وعنونتها فقط:

1- طبيعة المقاومة: "إن المقاومة رد فعل طبيعي لأي شعب حر شريف مقابل العسف ومنطق القوة والظلم،  ولا حاجة  لسبب آخر فأي شعب يعير أهمية لشرفه وهويته وإنسانيته، عندما يرى أنهم يريدون فرض شيء عليه يقاوم ويمتنع ويصمد، وهذا بحد ذاته سبب مستقل ومقنع."

2- إمكانية المقاومة: إن المقاومة أمر ممكن، وهذا على الضدّ تماماً من التفكير الخاطئ للذين يقولون ويروجون بأنه لا فائدة من ذلك، وكيف تريدون ان تقاوموا؟ والطرف المقابل جبار ومتعسّف وقوي".

3- جدوانية المقاومة: "إن المقاومة تؤدّي إلى تراجع العدو، بخلاف الاستسلام، فإن تراجعتم خطوة إلى الوراء حين ممارسة العدو ظلمه وأعماله التعسّفية بحقكم؛ فإنه سيتقدّم بلا شك. والسبيل إلى ألا يتقدم هو أن تقاوموا وتثبتوا.

4- واقعية المقاومة: "ان للمقاومة تكاليفها على كل حال وهي ليست عديمة التكاليف، لكن تكاليف الاستسلام مقابل العدو أكبر من تكاليف مقاومته، فعندما تستلمون للعدو عليكم أن تتحملوا التكاليف.

وهذه النقاط الأربعة ترتبط بشكل مباشر بالقيم التحررية التي يتمسك بها الإعلام المقاوم في رسالته لجمهوره إلى العالم.

خاتمة:

إن الإعلام المقاوم الذي يحمل في عمله التثقيفي بعض الخطابية ويحضر في كل الميادين ليثبت المفاهيم بشكل واضح وفعال كي يعزز ثقافة المقاومة عبر تقديم طروحات إعلامية تلائم المواجهة وتحمل قيم لا يحملها الإعلام المعادي للمقاومة، فإن هذا الإعلام يصعب مواجهته بأسلوبه السيء لأن إعلام المقاومة يرتكز على مفاهيم وقيم وفق رؤية إعلامية أسست لمفهوم الإعلام المقاوم.

توصيات:

1- التركيز أكثر على القصص الملهمة التي ترفع الروح المعنوية والبطولات الميدانية، بما يساهم بربط الناس مباشرة بساحات المعركة ويعزز شعور المشاركة والتلاحم.

2- مخاطبة العقول والأفكار إستناداً إلى القيم وبشكل إبداعي في ظل ضخامة الهجمة الإعلامية المعادية خاصة الدعاية الإسرائيلية.

3- الإستفادة من السوشيال ميديا وبرامج التواصل الإجتماعي كونها إلى حد كبير متاحة وسهلة الإستخدام.

4- تجسيد الأفكار والقيم والمفاهيم عبر الأدب والفن.

5- إنتاج محتوى نوعي يرتكز على القيم ويبتعد عن المزايدات السياسية بمواجهة إعلام معادي ليس لديه أي مفاهيم أو مرتكزات أو قيم أخلاقية وإنسانية ودينية.

المصادر والمراجع:

1- كلمة الإمام الخامنئي في الملتقى الرابع للأفكار الإستراتيجية- 13/11/2012.

2- أبعاد الحرب الإعلامية بين المقاومة والإحتلال- دراسة بحثية- د. رامي أبو زبيدة، حزيران 2025.

3- نظرية المقاومة ودور الإعلام في التربية، مركز الأبحاث والدراسات التربوية، 2024.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد البشري


موقع الخدمات البحثية