قراءات إعلامية » الحملة الإعلامية على لبنان: صناعها.. أدواتها وأهدافها

يشهد لبنان حملةً إعلاميةً وسياسيةً مكثفةً من قبل العدو وحلفائه، تستهدف زعزعة الاستقرار الداخلي، وتشويه صورة المقاومة، والتمهيد لعمل عسكري محتمل. تُستخدم لهذه الحملة أدواتٌ مختلفةٌ من وسائل التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام، والتصريحات المضللة من قبل المسؤولين الصهاينة والأمريكيين واللبنانيين.

أهداف الحملة:

• إضعاف الموقف اللبناني في وجه التهديدات الصهيونية: تُريد " إسرائيل" من خلال هذه الحملة إرعاب اللبنانيين ودفعهم للضغط على حزب الله للقبول بشروطها، وتصويره كطرف مُعرقل لأي حل.
وتتجلى هذه الاستراتيجية في تصريحات المسؤولين الصهاينة التي تُبالغ في قدرات جيش العدو وتُهدد بتدمير لبنان (كقول إيهود أولمرت أن فتح جبهة الحرب مع حزب الله قد يؤدي إلى اختفاء لبنان). كما تتضح في إطلاق الشائعات حول حرب وشيكة، وتضخيم عدد القوات العسكرية الصهيونية المُستعدة للاجتياح البري (كما ذكرت صحيفة معاريف).

• زرع الفتنة بين مكونات المجتمع اللبناني: تعمل "إسرائيل" ويسايرها بعض الذباب اللبناني وشخصيات من المعارضة اللبنانية ممن كانت لهم ارتباطات سابقة بالعدو على عدم المبالاة واستغلال الحساسيات الطائفية والمذهبية في لبنان، وتأليب الرأي العام ضد حزب الله، وذلك من خلال:

o الترويج لفكرة أن حزب الله هو المسؤول عن تدهور الوضع الاقتصادي والأمني في لبنان، وأنّه الطرف الوحيد الذي يريد الحرب.

o تضخيم التباين بين موقف حزب الله من الصراع مع "إسرائيل" وموقف بقية اللبنانيين.

o إبراز مظاهر الدّمار في الجنوب اللبناني ونسبتها إلى حزب الله.

o إثارة النعرات الطائفية من خلال التركيز على الهوية "الإيرانية" لحزب الله، وتصويره كجهةٍ غريبةٍ عن المجتمع اللبناني.

• تبرير عمل عسكري محتمل ضد لبنان: تُحاول " إسرائيل" من خلال هذه الحملة التّرويج لسردية أنّ حزب الله يشكل خطراً على أمنها القومي، وأنّ المجتمع الدولي يجب أن يدعم حقّها في الدّفاع عن نفسها بِكل الوسائل المتاحة. وتتجلّى هذه الاستراتيجية في:

o التركيز على خطر ترسانة حزب الله الصاروخية، وتضخيم مداها وقدراتها.

o نشر تقارير حول استخدام حزب الله لمطار بيروت المدني لِتخزين الأسلحة كالصواريخ، والتلميح إلى إمكانية استهدافه.

o التأكيد على ارتباط حزب الله بإيران، وتصويره كأداةٍ لِتنفيذ أجندتها في المنطقة.

o الدعوة إلى تطبيق القرارات الدولية التي تدعو إلى نزع سلاح حزب الله.

أدوات الحملة:

• التضليل الإعلامي: تستغلّ "إسرائيل" وسائل الإعلام الموالية لها لنشر معلوماتٍ مضلّلةٍ ومبالغٍ فيها حول حزب الله، واستخدام لغةٍ تحريضيةٍ ضده. مثال على ذلك تقرير صحيفة "التلغراف" الذي ادّعى وجود أسلحة في مطار بيروت، والذي نفته السلطات اللبنانية واتحاد النقل الجوي الدولي وتبين لاحقاً أن المقال هو مجموعة فبركات شاركت فيها الامارات وكتبها نديم قطيش ونشرتها التلغراف بأجر مدفوع.

الحرب النفسية على وسائل التواصل الاجتماعي: تستخدم "إسرائيل" وجيش من الذباب الالكتروني العربي والاجنبي حسابات وهمية وحقيقية على منصات التواصل الاجتماعي لنشر الشائعات، وتضخيم الأحداث، وإثارة الذعر بين اللبنانيين. من ذلك، نشر فيديو مفبرك يُظهر انفجار مرفأ بيروت مع التعليق "من يفهم سيفهم"، والتلميح إلى أنّ "إسرائيل" قد تستهدف مطار بيروت بالطريقة نفسها. كما تستخدم "إسرائيل" هذه المنصّات للترويج لأفكار الهجرة والتشاؤم، والتأكيد على أنّ لا مستقبل للبنان في ظلّ وجود حزب الله.

• الضغط الدبلوماسي: تستخدم إسرائيل نفوذها الدبلوماسي لحثّ الدول الأجنبية على اتخاذ مواقف معادية لِحزب الله، وتحذير رعاياها من السفر إلى لبنان. يتضح ذلك في التحذيرات الأمريكية والبريطانية والكندية والهولندية من السفر إلى لبنان، ودعوة رعاياها إلى مغادرته. وعدم تحذيرهم من السفر الى الكيان المؤقت. كما ضغط العدو على واشنطن لِرفض الطلب اللبناني لِلحصول على أسلحةٍ أمريكيةٍ للجيش اللبناني لِلدفاع عن نفسه.

تحليل الحملة

تُظهر المادة الدعائية المتداولة حملة إعلامية وسياسية مكثفة تشنها "إسرائيل"، بدعم واضح من الولايات المتحدة، ضد لبنان. وتهدف هذه الحملة إلى زعزعة الاستقرار الداخلي، وتأليب الرأي العام ضد حزب الله، وتهيئة الأرضية لعمل عسكري محتمل.
 

أبرز محاور الحملة:
 

التهويل والتخويف:
 

• التأكيد على اقتراب حربٍ شاملةٍ مع حزب الله، والمبالغة في قدرات العدو العسكرية وتصويرها كقوةٍ لا تُقهر. تُستخدم لهذِه الغاية التصريحات المتكررة من قبل المسؤولين الإسرائيليين، والتسريبات المزعومة من مصادر أمنية "مغفلة ومجهولة"، ونشر تقارير في وسائل إعلام عبرية وأجنبية موالية للكيان المؤقت.

• الترويج لسردية أن حزب الله هو الذي يسعى للحرب، وأنّ لبنان سيدفع ثمن أفعاله. تستهدف هذه السردية التقليل من شأن التهديدات الصهيونية المستمرة للبنان، وتحميل حزب الله مسؤولية أي تصعيد محتمل.

• تضخيم الخطر الذي يمثّله حزب الله على لبنان والمنطقة، وتصويره كمنظمةٍ إرهابيةٍ تشكل تهديداً للأمن والسلم الدوليين. تستهدف هذه الحملة عزل حزب الله داخلياً وإقليمياً، وتبرير أي عمل عسكري ضده.

• نشر معلومات مضللة حول وجود أسلحة وصواريخ لحزب الله في مطار بيروت المدني، والتّلميح إلى إمكانية استهدافه من قبل "إسرائيل". تستهدف هذه الحملة زرع الذعر بين اللبنانيين، والتّشكيك في قدرة الدولة على حماية مرافقها الحيوية.
 

التحريض على حزب الله:
 

• التّأكيد على أن حزب الله هو أداة إيرانية، وأنّه لا يعمل لمصلحة لبنان بل لمصلحة طهران. تستهدف هذه الحملة تخوين حزب الله وتصويره كعميلٍ لإيران، والتّشكيك في وطنيته وولائه للبنان.

• التّرويج لأفكار نزع سلاح حزب الله وتطبيق القرارات الدولية التي تدعو إلى ذلك، وتصويرها كحلٍّ وحيدٍ للأزمة اللبنانية. تستهدف هذه الحملة تجريد لبنان من قدرته على الدّفاع عن لبنان في وجه العدوانية الصهيونية.

• التّركيز على الخلافات السياسية والطائفية في لبنان، والتّرويج لسردية أنّ حزب الله هو سبب انقسام اللبنانيين. تستهدف هذه الحملة تعميق الشرخ بين مكونات المجتمع اللبناني، وإضعاف جبهته الداخلية.
 

الضغط الدبلوماسي والسياسي:
 

• دعوة رعايا الدول الأجنبية إلى مغادرة لبنان، والتّحذير من السفر إليه بسبب الوضع الأمني "الخطير". تستهدف هذه الحملة عزل لبنان دولياً، والتّأثير على اقتصاده وسياحته.

• الضغط على الحكومة اللبنانية لاتّخاذ موقفٍ أكثر صلابةً تجاه حزب الله، والتّهديد بفرض عقوباتٍ عليها في حال عدم الاستجابة. تستهدف هذه الحملة إضعاف الموقف الرسمي اللبناني، ودفعه إلى التّصادم مع حزب الله.

• التّنسيق مع فرنسا ودول أوروبية أخرى لِبحث سبل نزع فتيل التّصعيد بين كيان العدو وحزب الله، مع التركيز على أهمية تطبيق القرار 1701. تستهدف هذه الحملة تدويل الأزمة اللبنانية، وإيجاد حلولٍ لا تتناسب مع مصالح لبنان.

تشكّل الحملة الإعلامية والسياسية التي تشنّها "إسرائيل" جزءاً من استراتيجية أوسع تهدف إلى إضعاف لبنان وتجريده من قدراته الدفاعية، وتهيئة الأرضية لِعمل عسكري محتمل ضده.

ويتطلّب التّصدّي لهذِه الحملة توعية الرأي العام من مخاطرها، وتعزيز الوحدة الوطنية، والتّمسك بحق لبنان في الدّفاع عن نفسِه بكل الوسائل المتاحة.
 

وفي ظلّ التهديدات الإسرائيلية المتكررة للبنان، تُشنّ عمليات حرب نفسية داخلية تستهدف زعزعة الموقف الصلب الذي يتخذه لبنان، وزرع الفتنة بين مكوناته. إليك بعض المؤشرات التي تُشير إلى وجود هذه العمليات:
 

تضخيم الخطر الصهيوني:

•الترويج لشائعات حول حربٍ وشيكةٍ وإمكانية اجتياحٍ بريٍّ للجنوب اللبناني. تُستخدم لهذه الغاية وسائل التواصل الاجتماعي، وبعض وسائل الإعلام، والتصريحات المضللة من قبل بعض الجهات السياسية.

• المبالغة في قدرات الجيش العدو وسلاحه، والتقليل من شأن قدرات المقاومة اللبنانية. تستهدف هذه المحاولات إثارة الخوف والتّشاؤم بين اللبنانيين.

• التركيز على الخسائر المدنية والمادية التي يمكن أن تُلحق بلبنان في حال اندلاع الحرب. تستهدف هذه المحاولات زرع الشكوك حول جدوى المقاومة وإثارة الغضب ضدها.
 

التشكيك في وحدة اللبنانيين:
 

• الترويج لسردية أن الحرب يريدها حزب الله فقط، وأنّ بقية اللبنانيّين يرفضونها. تستهدف هذه المحاولات إثارة الفتنة بين مؤيدي المقاومة ومعارضيها.

• التأكيد على وجود انقسامات طائفية وسياسية عميقة في لبنان حول موضوع الحرب والمقاومة. تستهدف هذه المحاولات تعميق الخلافات الداخلية وإضعاف الجبهة الوطنية.

• الترويج لأفكار الفيدرالية والتقسيم كحلٍّ للأزمة اللبنانية، والتأكيد على أنّ لبنان غير قادر على الحفاظ على وحدته. تستهدف هذه المحاولات تفتيت لبنان وإضعافه من الداخل.

التشكيك في شرعية المقاومة:

• الترويج لسردية أن حزب الله "دويلة" داخل الدولة، وأنه يستأثر بقرار الحرب والسلم في لبنان. تستهدف هذه المحاولات التشكيك في شرعية المقاومة ووصفها بـ"الميليشيا الإرهابية".

• الترويج لأفكار نزع سلاح المقاومة وتطبيق القرارات الدولية التي تدعو إلى ذلك. تستهدف هذه المحاولات تجريد لبنان من سلاحه الذي يحميه من الاعتداءات الإسرائيلية.

• التأكيد على أن حزب الله يعمل لمصلحة إيران فقط، وأنه لا همّ له بمصالح لبنان. تستهدف هذه المحاولات عزل حزب الله داخلياً وإقليمياً.

الترويج لليأس والتّشاؤم:

• التركيز على الصعوبات الاقتصادية والمعيشية التي يعاني منها لبنان، والتأكيد على أنّ الحرب ستؤدي إلى تفاقم هذه الصعوبات. تستهدف هذه المحاولات زرع اليأس في نفوس اللبنانيّين ودفعهم إلى الاستسلام لضغوط العدو.

• التقليل من شأن انتصارات المقاومة في الماضي، والتأكيد على أنّ إسرائيل غير قابلة للهزيمة. تستهدف هذه المحاولات كسر معنويات اللبنانيين وجعلهم يفقدون الثقة بأنفسهم.

• الترويج لأفكار الهجرة واللجوء كحلٍّ للأزمة اللبنانية، والتأكيد على أنّ لا مستقبل للبنانيّين في وطنهم. تستهدف هذه المحاولات تفريغ لبنان من طاقاته البشرية وإضعافه من الداخل.

ساحة العمل:

ساحة العمل في وسائل التواصل الاجتماعي، وبعض وسائل الإعلام، والتصريحات المضللة من قبل بعض الجهات السياسية، تلعب دوراً رئيسياً في نشر هذه الأفكار والترويج لها.

الهدف من هذه العمليات النفسية:

الهدف من هذه العمليات هو إضعاف الموقف اللبناني الصلب في وجه التهديدات الإسرائيلية، وزرع الفتنة بين مكوناته المجتمعية، وتعطيل الطريق أمام كل حلٍّ سياسي عادل للقضية الفلسطينية.

ضرورة التوعية:

من الضروري التوعية من مخاطر عمليات الحرب النفسية الداخلية، والتصدي لها بشكل فعال من خلال تقريب الحقائق والتأكيد على أهمية الوحدة الوطنية وصمود المقاومة.
عناصر الحملة النفسية على لبنان.

هناك أنواعًا متعددة من الإجراءات التي يتبناها العدو وحلفاؤه ضمن حملة نفسية منظمة ضد لبنان، وذلك بهدف إضعاف المقاومة، وزرع الفتنة، والتمهيد لعمل عسكري محتمل.

الحرب النفسية العسكرية:

• التهديدات العسكرية المباشرة: تصريحات المسؤولين الصهاينة المضللة حول جاهزية الجيش لشنّ حرب على لبنان، والتلويح باستخدام أسلحةٍ فتاكةٍ لم تُستخدم من قبل. (مثال: تصريح يوآف غالانت "مصرون على إعادة سكان شمال "إسرائيل" إلى بيوتهم بأمان وإعادة بناء ما تهدم" وتصريح أفيخاي أدرعي "اعتداءات حزب الله المتصاعدة قد تدفعنا نحو حافة تصعيد واسع قد تترتب عليها نتائج مدمرة").

• التلويح بالاجتياح البري: تصريحات حول إمكانية اجتياح بريّ للجنوب اللبناني، وخلق منطقة فاصلة داخل الأراضي اللبنانية. (مثال: تصريح سموتريتش "إذا لم يستجب حزب الله لمطالبنا فعلينا شن حرب في العمق اللبناني" وما ورد في صحيفة معاريف حول ضرورة خلق منطقة فاصلة تسيطر عليها القوات الإسرائيلية).

• استعراض القوة: واستعراض القوة الجوية من خلال التحليق المكثّف للطائرات الإسرائيلية وخرق جدار الصوت فوق الأراضي اللبنانية. (مثال: تحليق الطيران الحربي الاسرائيلي على علو منخفض فوق بيروت والضاحية الجنوبية ومحيطها).

• تضخيم الاستعدادات للحرب: نشر أخبار حول نقل مرضى من مستشفيات الشمال، واستدعاء جنود الاحتياط، وجمع بيانات الشباب للتجنيد. (مثال: إعلان القناة 12 الإسرائيلية عن نقل مرضى العناية المركزة من مستشفيات الشمال ومصادقة الحكومة الإسرائيلية على قرار يسمح للجيش بزيادة قوات الاحتياط).

الحرب النفسية الإعلامية:

• نشر معلوماتٍ مضللةٍ وأكاذيب: استخدام وسائل الإعلام الموالية لـ"إسرائيل" لنشر أخبارٍ كاذبةٍ حول حزب الله، ونشاطاته، وأهدافه. (مثال: تقرير صحيفة "التلغراف" حول تخزين الأسلحة في مطار بيروت).

• الترويج لِسردياتٍ سلبيةٍ حول لبنان: تصوير لبنان كبلدٍ فاشلٍ، وغارقٍ في الأزمات، وغير قادرٍ على حماية نفسه. (مثال: مقال جريدة النهار حول تدمير حزب الله لموسم الاصطياف في لبنان).

• التحريض على حزب الله: تصوير حزب الله كمنظمةٍ إرهابيةٍ، وعميلٍ لإيران، وتهديدٍ للسلم الأهلي في لبنان. (مثال: تصريح يني غانتس "على (حزب الله) أن يقرر ما إذا كان لبنانياً أم إيرانياً، أو سيدفع الثمن").

• التشكيك في جدوى المقاومة: الترويج لفكرة أنّ المقاومة لا تستطيع إلحاق الهزيمة بـ "إسرائيل"، وأنّها ستؤدي إلى تدمير لبنان. (مثال: تصريح سموتريتش "لا مفر من حرب حاسمة وسريعة مع حزب الله").

الحرب النفسية الدبلوماسية:

• التحذيرات من السفر إلى لبنان: إصدار تحذيراتٍ من قبل الدول الأجنبية لرعاياها من السفر إلى لبنان، ودعوتهم إلى مغادرته. (مثال: تحذيرات الولايات المتحدة، بريطانيا، كندا، هولندا، ألمانيا).

• الضغط على الحكومة اللبنانية: ممارسة ضغوطٍ على الحكومة اللبنانية لاتّخاذ موقفٍ أكثر صلابةً تجاه حزب الله، والتهديد بفرض عقوباتٍ عليها. (مثال: تصريحات أنتوني بلينكن حول قلق واشنطن من التصعيد في الشمال، وعملها على احتواء الوضع).

• الترويج لِحلولٍ لا تخدم مصالح لبنان: دفع الحكومة اللبنانية نحو قبول اتفاقاتٍ وحلولٍ سياسيةٍ لا تستجيب لِمطالبها، ولا تحفظ حقوق لبنان. (مثال: الضغط الأمريكي على لبنان للقبول بوقف إطلاق النار في غزة كشرطٍ لوقف التصعيد على الحدود مع إسرائيل).

تحديد نوع الحملة النفسية على لبنان: دعاية رمادية أم سوداء؟

إنّ الحملة الممنهجة التي تشنها "إسرائيل" ضد لبنان تجمع بين عناصر متعددة من الدعاية والحرب النفسية، مما يصعّب تصنيفها تحت مسمّى واحد كـ “الإشاعات" أو "التضليل" فقط. إلا أنّ التحليل العلمي والأكاديمي يشير إلى أنّها أقرب إلى أن تكون دعاية رمادية مع بعض عناصر الدعاية السوداء.

أولاً: الدعاية الرمادية:

تتميّز الدعاية الرمادية بـ:

• المصدر المجهول أو الغامض: لا تُعلن الجهة المسؤولة عن نشر الرسائل بشكلٍ واضح، بل تعتمد على مصادر غامضة أو وهمية، أو تنسب المعلومات إلى "تسريبات" من مصادر أمنية أو دبلوماسية.

• مزيج من الحقيقة والكذب: تعتمد هذه الدعاية على خلط الحقيقة بالكذب، وتضخيم بعض الحقائق، وإخفاء أخرى، لإعطاء صورةٍ مضللةٍ للأحداث.

• الهدف التأثير على الرأي العام: تستهدف الدعاية الرمادية التلاعب بمشاعر الجمهور، وزرع الخوف أو الغضب، وتوجيه سلوكه نحو اتّجاهٍ معين.

أدلة على استخدام الدعاية الرمادية في الحملة الإسرائيلية:

• نشر تقارير في صحف أجنبية موالية لـ"إسرائيل" دون الكشف عن مصادرها بشكلٍ واضح: (مثال: تقرير صحيفة "التلغراف" حول تخزين الأسلحة في مطار بيروت).

• التسريبات المزعومة من مصادر أمنية حول جاهزية "إسرائيل" للحرب، وخططها العسكرية: مثال: (ما نقلته القناة 12 الإسرائيلية عن مصادر لم تحددها حول إبلاغ إسرائيل للإدارة الأمريكية بأنّها ربما تستخدم أسلحةٍ لم تستخدمها سابقاً ضد لبنان).

• الترويج لشائعات حول حربٍ وشيكةٍ على وسائل التواصل الاجتماعي من خلال حساباتٍ وهمية: مثال: (نشر فيديو مفبرك يُظهر انفجار مرفأ بيروت مع التعليق "من يفهم سيفهم") .
ثانياً: الدعاية السوداء:

تتميّز الدعاية السوداء بـ:

• المصدر الكاذب بشكلٍ كامل: تعتمد هذه الدعاية على فبركة الأكاذيب والمعلومات المضللة بشكلٍ كامل، دون أيّ أساسٍ من الحقيقة.

• الهدف التشويه والتخريب: تستهدف الدعاية السوداء إضرار سمعة الخصم، وزرع الغضب والكراهية ضده، وتعطيل كل محاولات التواصل والتفاهم.

أدلة على استخدام الدعاية السوداء في الحملة الإسرائيلية:

• نشر كلماتٍ تحريضيةٍ وعدائيةٍ ضد حزب الله وقيادته

• الترويج لِسردياتٍ تاريخيةٍ مضلّلةٍ لتبرير العدوان على لبنان

الاستنتاج:

تعتمد الحملة النفسية الإسرائيلية على لبنان على مزيجٍ من الدعاية الرمادية والسوداء، مما جعلها أكثر خطورةً وقدرةً على التأثير على الرأي العام. ويتطلب التصدي لها وعياً اجتماعياً وسياسياً قوياً، واستخدام أدوات إعلامية فعّالة للرد على الأكاذيب الإسرائيلية وكشف حقيقتها.

دور العنصر الداخلي اللبناني في الحملة النفسية الإسرائيلية

لعب العنصر الداخلي اللبناني دوراً أساسياً في نجاح الحملة النفسية الصهيونية. ويتطلب التصدي لهذه الحملة وعياً اجتماعياً وسياسياً قوياً، والعمل على تعزيز الوحدة الوطنية، ومواجهة كل محاولات التشويه والتخوين.

لا تقتصر الحملة النفسية الصهيونية على استخدام أدواتها الخارجية، بل تعتمد بشكل أساسي على دور فاعل لعنصر داخلي لبناني يُساهم في تضخيم وترويج الرسائل التي تريد "إسرائيل" إيصالها، سواء بوعي أو بغير وعي.

وظيفة العنصر الداخلي:

• تضخيم الرسائل الإسرائيلية وإضفاء المصداقية عليها: يُعيد العنصر الداخلي نشر التقارير والتصريحات الإسرائيلية عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام اللبنانية، مما يُضفي عليها صبغةً محلية، ويُوحي بأنّها تعكس مخاوف وهموم اللبنانيين أنفسهم.

• ترويج السرديات التي تخدم المصالح الإسرائيلية: يُساهم العنصر الداخلي في ترويج الأفكار التي تريد إسرائيل زرعها في المجتمع اللبناني، مثل فكرة أنّ حزب الله هو الذي يسعى للحرب، وأنّه يُعرّض لبنان للخطر، وأنّه يعمل لمصلحة إيران فقط.

• التشكيك في قدرة المقاومة والترويج لِليأس والاستسلام: يعمل العنصر الداخلي على كسر معنويات اللبنانيين، وجعلهم يشعرون بالعجز أمام التهديدات الإسرائيلية، ودفعهم نحو الاستسلام والقبول بشروط إسرائيل.

• التحريض على الفتنة الطائفية والسياسية: يُساهم العنصر الداخلي في تعميق الانقسامات الداخلية في لبنان، وزرع الغضب والكراهية بين مكونات المجتمع اللبناني.

أدلة على دور العنصر الداخلي:

• التفاعل الواسع مع التقارير والأخبار الإسرائيلية على وسائل التواصل الاجتماعي: انتشر تقرير صحيفة "التلغراف" بشكلٍ واسعٍ على منصّات التواصل الاجتماعي في لبنان، وتفاعل معه الكثير من النشطاء اللبنانيين، مما ساهم في إضفاء المصداقية عليه، رغم أنّه كان مبنيّاً على معلوماتٍ مضلّلة.

• إعادة نشر التصريحات التهديدية للمسؤولين الإسرائيليين في وسائل الإعلام اللبنانية: نقل العديد من وسائل الإعلام اللبنانية التصريحات التهديدية للمسؤولين الإسرائيليين دون التعليق عليها أو التحليل لِمضمونها، مما ساهم في تضخيم هذه التهديدات وزرع الخوف بين اللبنانيين.

• استخدام الكلمات والمصطلحات التي تُروج لها "إسرائيل" في وصف حزب الله: استخدم العديد من النشطاء والسياسيين اللبنانيين الكلمات والمصطلحات التي تُروج لها "إسرائيل" في وصف حزب الله، مثل "المنظمة الإرهابية" و"الدويلة" و"عميل إيران"، مما ساهم في تخوين حزب الله وتشويه صورته.

• التركيز على الخلافات الداخلية في لبنان والتقليل من أهمية الوحدة الوطنية: ركز العديد من النشطاء والسياسيين اللبنانيين على الخلافات الداخلية في لبنان، وروّجوا لأفكار التقسيم والفيدرالية، مما ساهم في تعميق الشرخ المجتمعي وإضعاف الجبهة الوطنية في وجه التهديدات الإسرائيلية.

أمثلة على ذلك:

• نشطاء القوات اللبنانية: شنوا حملةً واسعةً على وسائل التواصل الاجتماعي لِلتصويب على حزب الله، وتحميله مسؤولية تدهور الوضع في لبنان، والترويج لفكرة أنّه يعمل لمصلحة إيران فقط.

• بعض نشطاء التيار الوطني الحر: انضموا إلى الحملة ضد حزب الله، وانتقدوا مواقفه من الصراع مع إسرائيل، وطالبوا بنزع سلاحه.

• بعض وسائل الإعلام اللبنانية: أعادت نشر التصريحات الإسرائيلية والتقارير المضلّلة حول حزب الله، وبالغت في تغطيتها لأحداث الجنوب اللبناني، مما ساهم في زرع الخوف والتردد بين اللبنانيين.

دور العنصر الإقليمي في الحملة النفسية على لبنان

لعب العنصر الإقليمي، وخاصةً دول التطبيع، دوراً أساسياً في نجاح الحملة النفسية الإسرائيلية على لبنان. وساهم هذا الدور في عزل لبنان إقليمياً، وإضعاف موقفه في وجه التهديدات الإسرائيلية. ويتطلب التصدي لهذا الدور تعزيز العلاقات مع الدول العربية التي تتمسك بخيار المقاومة، والعمل على بناء جبهةٍ عربيةٍ لدعم لبنان وحقوقه.

لا تقتصر الحملة النفسية الإسرائيلية على أدواتها الداخلية والخارجية فحسب، بل تعتمد بشكلٍ فاعل على دور العنصر الإقليمي، وخاصةً دول التطبيع، لتضخيم أثرها وضمان وصول رسائلها إلى أكبر قطاع ممكن من الجمهور اللبناني والعربي.

وظيفة العنصر الإقليمي:

• توفير منصات إعلامية للترويج للرواية الإسرائيلية: تستغلّ "إسرائيل" وسائل الإعلام في دول التطبيع لنشر تقارير وتحليلات تؤيد موقفها وتُبرّر تهديداتها للبنان، وتُشوّه صورة حزب الله والمقاومة.

• ممارسة الضغوط السياسية على لبنان: تستخدم النفوذ السياسي لدول التطبيع للضغط على الحكومة اللبنانية لاتخاذ موقفٍ أكثر صلابة تجاه حزب الله، وربما الدعوة إلى نزع سلاحه.

• عزل لبنان إقليمياً: تسعى دول التطبيع إلى عزل لبنان عن محيطه العربي، وتعطيل الطريق أمام أيّ دعمٍ عربيٍّ له في وجه التهديدات الإسرائيلية.

• الترويج للتطبيع مع "إسرائيل" كحلٍّ للصراع في المنطقة: تستخدم دول التطبيع تجربتها في التطبيع مع "إسرائيل" للترويج لفكرة أنّ التطبيع هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، وأنّ المقاومة لا تجدي نفعاً.

أدلة على دور العنصر الإقليمي:

• التغطية الإعلامية المنحازة: قدّمت وسائل الإعلام في دول التطبيع، وخاصةً القنوات الإخبارية السعودية والإماراتية، تغطيةً منحازةً للأحداث في لبنان، حيث ركزت على التهديدات الإسرائيلية، وقلّلت من شأن الاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب اللبناني، وشوّهت صورة حزب الله والمقاومة.

• التصريحات السياسية الداعمة لـ"إسرائيل": أصدر العديد من المسؤولين في دول التطبيع تصريحاتٍ سياسيةٍ دعمت موقف إسرائيل، وانتقدت بشكل غير مباشر حزب الله، وطالبت لبنان بضبط سلاح الحزب معربة عن خشيتها من ان يجر المنطقة كلها لحرب اقليمية.

• غياب الدعم العربي للبنان: امتنعت دول التطبيع عن تقديم أيّ دعمٍ سياسي أو دبلوماسي للبنان في وجه الحملة الإسرائيلية، بل ساهمت في عزله إقليمياً.

• الترويج للتطبيع مع إسرائيل: استغلّت دول التطبيع هذه الأزمة للترويج لفكرة أنّ التطبيع مع إسرائيل هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام في المنطقة، وأنّ المقاومة في فلسطين ولبنان هي المسؤولة عن التوتر والصراعات.

أمثلة على ذلك:

• تغطية قناة "العربية" السعودية للأحداث في لبنان: ركزت القناة على التهديدات الإسرائيلية، وقلّلت من شأن الاعتداءات الإسرائيلية، وشوّهت صورة حزب الله والمقاومة.

• تصريحات وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد: انتقد حزب الله، ودعا لبنان إلى ضبط سلاح الحزب.

• غياب أيّ موقفٍ رسميٍّ من قبل جامعة الدول العربية لدعم لبنان: امتنعت الجامعة العربية عن إصدار أيّ بيانٍ يدعم لبنان في وجه الحملة الإسرائيلية، رغم أنّها أدانت الاعتداءات الإسرائيلية على غزة. بعد 9 أشهر اعلنت بشكل موارب رفع حزب الله عن لائحة الارهاب لديها وبدا هذا الاعلان كأن الجامعة العربية تبرؤ مجرماً بسبب التصريحات الخجولة التي صدرت عن المسؤولين المعنيين الكبار في الجامعة.

وسائل الإعلام المستخدمة في الحملة النفسية على لبنان

اعتمدت الحملة النفسية الإسرائيلية على لبنان على استراتيجيةٍ إعلاميةٍ متكاملةٍ، استخدمت فيها وسائل الإعلام التقليدية والجديدة لنشر رسائلها والتأثير على الرأي العام. ويتطلب مواجهة هذه الحملة وعياً اجتماعياً وسياسياً قوياً، واستخدام كل الوسائل الإعلامية المتاحة للرد على الأكاذيب الإسرائيلية وكشف حقيقتها.

وتستغلّ الحملة النفسية على لبنان مجموعةً واسعةً من وسائل الإعلام، سواء التقليدية أو الجديدة، لتضخيم أثرها وضمان وصول رسائلها إلى أكبر قطاع ممكن من الجمهور اللبناني والعربي والدولي.

الإعلام التقليدي:

• الصحف: اعتمدت الحملة على نشر تقارير وتحليلات في صحف إسرائيلية وأجنبية موالية لها، مثل صحيفة "معاريف" وصحيفة "يديعوت أحرونوت" في إسرائيل، وصحيفة "التلغراف" في بريطانيا، وصحيفة "نيويورك تايمز" في الولايات المتحدة. ركزت هذه التقارير على التهديدات الإسرائيلية، وشوّهت صورة حزب الله والمقاومة، وروّجت لِسردياتٍ سلبية حول لبنان.

• القنوات الإخبارية: لعبت القنوات الإخبارية دوراً أساسياً في نشر الرسائل الإسرائيلية، وخاصةً القنوات الموالية لها مثل "القناة 12" و"القناة 13" و"القناة 14" في إسرائيل، وقناة "العربية" و"الحدث" في السعودية. ركزت هذه القنوات على تغطية التصريحات التهديدية للمسؤولين الإسرائيليين، وإجراء مناورات عسكريةٍ على الحدود مع لبنان، ونشر أخبارٍ مضلّلةٍ حول نشاطات حزب الله.

الإعلام الجديد:

• منصات التواصل الاجتماعي: استخدمت إسرائيل منصات التواصل الاجتماعي، مثل "تويتر" و"فيسبوك" و"إنستغرام"، بشكل واسع لنشر الإشاعات والترويج للدعاية ضد لبنان ومقاومته. اعتمدت على إنشاء حساباتٍ وهمية وحقيقية للتأثير على الرأي العام، ونشر محتوى مصمم بعناية لزرع الخوف والتردد في نفوس اللبنانيين.

• مواقع الأخبار الإلكترونية: اعتمدت الحملة على نشر مقالاتٍ وتقارير على مواقع إخبار إلكترونية موالية لإسرائيل، وتُرجمت بعض هذه المواقع إلى اللغة العربية لاستهداف الجمهور اللبناني بشكلٍ مباشر. ركزت هذه المواقع على نفس المحاور التي غطّتها وسائل الإعلام التقليدية، مع إضافة بعض اللمسات "الحديثة" مثل استخدام الفيديوهات والصور والرسومات التوضيحية.

أمثلة على استخدام وسائل الإعلام في الحملة النفسية:

• نشر صحيفة "التلغراف" البريطانية تقريرًا حول تخزين الأسلحة في مطار بيروت: انتشر هذا التقرير بشكلٍ واسعٍ على منصات التواصل الاجتماعي في لبنان، وساهم في إثارة الخوف والذعر بين اللبنانيين، رغم أنّه كان مبنيّاً على معلوماتٍ مضلّلة.

• تغطية قناة "العربية" السعودية للأحداث في الجنوب اللبناني: ركزت القناة على التصريحات التهديدية للمسؤولين الإسرائيليين، وقلّلت من شأن الاعتداءات الإسرائيلية، وشوّهت صورة حزب الله والمقاومة.

• إنشاء حساباتٍ وهميةٍ على تويتر لنشر الشائعات والترويج للدعاية ضد لبنان: انتشرت العديد من الشائعات حول حربٍ وشيكةٍ مع إسرائيل، وحول استعدادات الجيش الإسرائيلي للاجتياح البري، وحول إمكانية استهداف مطار بيروت، كل ذلك من خلال حساباتٍ وهميةٍ على تويتر.
المصدر: مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد البشري


موقع الخدمات البحثية