عبير بسّام
في حين حسم السباق الرئاسي ما بين الديمقراطيين، بإعلان الرئيس الأميركي جو بايدن دخوله السباق الإنتخابي 2024، منذ أكثر من عام، بكامل عدته وعتاده السابقين، مايزال الأمر متأرجحاً ما بين الجمهوريين، وطرحت منذ ذلك الوقت أسماء عدة، وكان هناك تشكيك كبير بقدرة دونالد ترامب لترشح اسمه في السباق الرئاسي. مع أن الإستطلاعات كانت تؤكد قوة ترامب في الوصول ثانية كمرشح الجمهوريين. حيث أن ترامب تعرض للهجوم عليه ما قبل الإنتخابات الماضية في 2020، وكان يرى أنصاره، أنه قد تم الإيقاع به في فخ قضية مقتل جورج فلويد، الذي قتلته الشرطة الأميركية أثناء اعتقاله في أيار 2020. لم يحسم السباق الجمهوري- الجمهوري بعد، وبانتظار انتخابات كارولينا الجنوبية ماتزال الأنفاس ما بين الجمهوريين محبوسة.
نجاحات ترامب حتى الساعة لم يأت من فراغ، فالنهوض الإقتصادي الذي شهدته الولايات المتحدة في السنة الأولى كان بسبب السياسات التي اتبعها ترامب والتي أتت أكلها في زمن بايدن، ثم ابتدأت الأمور بالإنحدار، ومن أسبابها الحرب التي شنها ترامب ما بين أوكرانيا وروسيا، والتي أدت إلى غلاء المحروقات في أمريكا وخاصة البنزين. وهذا الأمر يتسبب باضطراب كبير في صفوف الناخبين الأميركيين، خاصة وأنهم يقطعون مسافات طويلة بين مكان العمل ومكان السكن في الضواحي. ثم أن "الإصلاحات" التي ابتدأها بايدن ومحاولة استصدار قوانين تمنع حمل السلاح في الولايات المتحدة، خاصة وأن الحق مكرس في الدستور الأميركي، والتسهيلات التي منحت لقانون الإجهاض وتسهيل الإجراءات في حماية وإسكان المهاجرين الغير شرعيين، لعبت دوراً هاماً في تراجع شعبية بايدن. واستعاد بذلك ترامب ألقه كشخص أبيض وصاحب اعمال ناجح ومسيحي بروتستانتي من أصول أنغليكانية، والده ووالدته مهاجران أبيضان أوروبيان جاؤوا بالتتالي من ألمانيا واسكتلندا وأسسوا عائلة وعملاً ناجحاً في مجال العقارات، وبذا فترامب يمثل الحلم الأميركي الذي جاء هاجر من أجله الأوروبيون من بلادهم إلى أميركا من أجل تحقيقه.
دخول ترامب السباق الرئاسي بعد شهر تقريباً من مرحلة الإنتخابات الجمهوريين لإختيار رئيس لهم بات ممهداً، خاصة وأن ترامب دفع بأهم منافسيه رون دوسانتيس، حاكم فلوريدا السابق، ضمن خطة ممنهجة إلى الخروج من السباق ومن ثم تبني ترشيح ترامب. وبعد التفوق الواضح على هيلي في نيوهامبشاير، اتضحت تماماً ماهية مزاج الجمهوريين بشكل عام. غير أن حملة ترامب الإنتخابية تعلق الأمل الكبير والذي سيحسم السباق بخروج هيلي، بعد التفوق عليها في معقلها الأساس في الإنتخابات الحزبية في ولاية جنوب كارولينا في 24 من هذا الشهر، وبذا يمكن أن تعلن هزيمة نيكي هيلي النهائية ويصبح ترامب المرشح الجمهوري الأوحد وسيدخل السباق الرئاسي مع بايدن خلال الإنتخابات العامة في تشرين الثاني/ نوفمبر القادم.
إذن ما يحسم انتصار ترامب، بوصوله إلى السباق الرئاسي، هو الإنتخابات القادمة في جنوب كارولينا، معقل هيلي، لأن ترامب إذا استطاع هزيمتها هناك بعد هزيمة نيوهامبشاير المرة، فهذا يعني ان مزاج الناخب الجمهوري الأميركي بالشكل العام أصبح مع ترشيح الحزب الجمهوري لترامب بالتحديد. ومع دعم السيناتور تيم سكوت وخروجه من السباق الرئاسي في جنوب كارولينا، والذي صادق على تبني ترامب، ووجه ناخبيه بإتجاه انتخابه متخلياً عن السباق الرئاسي، بحسب ما جاء من نتائج مكالمته مع سكوت في 13 و14 الشهر الماضي. يحاول ترامب فوز المعركة مع هيلي حتى قبل أن تبدأ ، خاصة وأن العضو عن مجلس الشيوخ ليندسي غراهام هو من داعمي ترامب في الولاية نفسها، إلى جانب كل من حاكم الولاية هنري مكماستر ومسؤولين آخرين في الولاية.
وحاز ترامب على دعم "دوغ برغم"، حاكم داكوتا الشمالية ،وقبله "فيك راماسوي"، وهو رجل أعمال ترشح عن ولاية أيوا، ثم قام بتبني ترامب للترشح لرئاسة الجمهورية، خاصة وأن داعمي ترامب تلقوا اهم الوعود التي اطلقها بتفاؤل كبير، والتي وسعت له الساحة ما بين الجمهوريين، حين أعلن عن سياسته في تخفيض الضرائب، والسياسة المتشددة ضد الصين، وموقفه المتشدد ضد الهجرة، وأخيراً هو يحوز على دعم اليمين الصهيوني، ومع تصريح بن غافير في الأيام الماضية حول سياسة بايدن المتخاذلة تجاه "اسرائيل"، فقد حاز ترامب على دعم هذا اللوبي بشكل تلقائي، مما سيجعله الرئيس المفضل بين الجمهوريين، ولربما لاحقاً بين الأميركيين.
بحسب موقع اكسبوس، وراء ترامب إدارة حملة انتخابية قوية وقد استطاع ترامب استقطاب اسماء هامة في إدارة حملته هذه المرة، ومن بينهم سوزي وايلز وكريس لاسيفيتا، ويديراها بشكل منظم، والأهم من ذلك أن ترامب يلتزم بقوانين اللعبة بشكل حوَّل 91 اتهاماً ضده لتعمل لصالحه. والأمر الآخر فإن وايلز، كانت كبيرة المستشارين السياسيين لحاكم فلوريدا السابق رون دوسانتيس، أي أن ترامب استطاع عبرها تسديد ضربة محكمة أخرجت دو سانتيس من السباق. كما ان مديرا الحملة يتعاملان بإنسجام تام كفريق عمل مع بريان جاك، كبير مستشاري ترامب، وهذا النوع من الإنسجام هو ما كان ينقص ترامب خلال حملة انتخابات 2020.
بعد انسحاب عدد من منافسي ترامب من السباق وفي إحدى فعاليات الحملة الإنتخابية في أواخر كانون الأول/ديسمبر، طُلب من حاكم ولاية ساوث كارولينا السابق نيكي هيلي توضيح موقفها من الترشح كنائبة لترامب إذا فاز بالانتخابات. رفضت هيلي الإقتراح تماماً فقالت: "يمكنني أن أقول لك ما تريد أن تسمعه...لكنني سأستمر بإخبارك بالحقيقة... حتى عندما كنت في الإدارة، عملت أنا والرئيس ترامب بشكل جيد معاً، لماذا؟ "لأنني أخبرته الحقيقة". ونشر تصريح هيلي في الصحف الأميركي. كما أن هيلي قبل الترشح، اتصلت بترامب وقالت انه أنها ستترشح للإنتخابات الرئاسية 2024، وكان جواب ترامب: "ثقي بما يمليه عليك قلبك". لكن هناك أراء متضاربة حول العلاقة ما بين الإثنين وبأنها ولم تكن على مايرام كما قالت هيلي. ولهذا السبب فذهاب هيلي المندفع نحو الموقع الرئاسي الأول ليس فقط رغبة بأن تكون الشخص الأول في البيت الأبيض، ولكن أحد أهم أسبابه هو العلاقة المتوترة مع ترامب، وخاصة بعد الهجوم عليه بعد حادثة الكابيتول في كانون الثاني/ يناير 2020، اذ قامت هيلي بمهاجمة ترامب، واتهمته بالإنقلاب على الإنتخابات، وبأنه تخلى عن نائبه مايك بنس ولم يدافع عنه.
الخلاف الكبير ما بين هيلي وترامب يعد مشكلة كبرى يمكنها أن تتسبب بتشتيت الناخبين الجمهوريين، سيجد فيه الحزب الديمقراطي عاملاً إيجابياً لصالحه من أجل فوز بايدن. فبدلاً من الإعتماد على الناخبين الديمقراطيين الذين تراجعت نسبة دعمهم لبايدن في ولاية ميشغن على سبيل المثال من 59% إلى 17%، بات الديمقراطيون يعتمدون على التنافس ما بين هيلي وترامب. فإن لم تتراجع هيلي وتبدأ بدعم ترامب، ويبدو أنها تعمل بشكل ممتاز مع ناخبيها الأوفياء ومع ممولي حملتها، فإنه يمكن بذلك تحويل الأصوات الداعمة لها لصالح بايدن، حتى من خلال امتناعهم عن التصويت. وإذا ما فاز ترامب في كارولينا الجنوبية هناك شك في الحصول على تبني هيلي له، ولذا لابد أن هناك صفقة ما ستلوح في الأفق ما بين الإثنين حتى يتم ضمان وضع أصوات الجمهوريين في مكانها الصحيح، ومع ذلك فإن المحللين السياسيين الأميركيين يشككون بان يكون لهيلي أي دور في إدارة ترامب إذا ما وصل سدة الرئاسة.