محمد باقر ياسين
تتعرض الإنسانية جمعاء إلى ظاهرة شاذة عما فطرها الله عليه، هي ظاهرة الشذوذ الجنسي. وتعتبر المجتمعات العربية والإسلامية الأكثر حساسية حيال هذه الظاهرة التي باتت تفرض كتحدٍ وجودي. وتعتبر السعودية من أكثر الدول حساسية لما لها من بعدٍ عربي وإسلامي مفترض فهي بلاد الحرمين، فما هو الدور الذي مارسته السلطات هناك لمواجهة هذا الخطر الداهم على الأسرة والمجتمع؟
للوقوف بشكلٍ دقيقٍ عند هذه الظاهرة وتفاعلها في السعودية، لا بد لنا من رصد ثلاث جهات، وهي: الموقف الرسمي السعودي ــ الموقف الديني السعودي ــ الموقف المجتمعي السعودي.
الموقف الرسمي السعودي
من المعروف بأن السعودية تجرّم الشذوذ وتعاقب عليه بالإعدام، وهذا ما عبر عنه مبعوثها لدى الأمم المتحدة عبد الله المعلمي، الذي أكد موقف السعودية الرافض لمشروع قرار حول الشذوذ الجنسي في الأمم المتحدة، ومؤكدًا أنه يخالف عاداتها وتقاليدها وقيمها العربية والإسلامية والتاريخية. وبدوره قال الأمين العام لمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني عبد الله الفوزان "إننا اليوم أمام قوى تسعى بكل قوتها لفرض فكرة الشذوذ الجنسي على أنها أمور عادية، وأنها من حقوق الإنسان"، مشدداً على أن "أمامنا الآن مسؤولية عظيمة، كون الدولة لم تقصر، وعبرت عن موقفها الحاسم تجاه هذه الأمور، وهو الموقف المعبر عن كل المسلمين حول العالم"، مؤكدًا أن على مؤسسات التنشئة الاجتماعية، ممثلة في الأسر والمدارس والمساجد ووسائل الإعلام "الوقوف موقفًا توعويًا تنويريًا تثقيفيًا لمواجهة هذه الهجمة الشرسة".
أما في التطبيق، فلم تسجل أي عملية إعدام واحدة بسبب "الشذوذ الجنسي"، بل على العكس تماماً، صدر موقف مستغرب عن موقع السياحة الرسمي في المملكة، رداً على سؤال "هل مُرحبٌ بزيارة المثليين للمملكة العربية السعودية؟"، لتجيب "نحن لا نطلب من أي شخص الكشف عن التفاصيل الشخصية. نرحب بالجميع لزيارة بلدنا"، وأتى كذلك عرض الفيلم المشبوه "باربي" في دور السينما السعودية، رغم ملاحظات دول إسلامية وعربية عدّة حول ترويجه للشذوذ، ليعطي إشارات إيجابية لإمكانية وجود أرضية جيدة لقدوم من يسمون أنفسهم بـ"الشاذين" إلى السعودية.
الموقف الديني السعودي
من المعلوم بأن السعودية تستند في قوانينها وتشريعاتها الى فتاوى دينية، لذا تلقى الدعوة الى التأقلم مع "الشاذين جنسياً" كمواطنين عاديين ولهم حقوق، رفضاً من قبل دعاة السعودية، وهذا ما أشار اليه مفتي عام المملكة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ عندما تطرق الى "الهوية والميول الجنسية غير المتفق عليها وتعارضها مع هويتها العربية والإسلامية التاريخية"، معتبراً أن "جريمة الشذوذ الجنسي من أبشع الجرائم وأقبحها عند الله تعالى، فأصحاب هذه الجرائم ممقوتون عند الله تعالى، موصوفون بالخزي والعار في الدنيا والآخرة".
الموقف المجتمعي السعودي
المجتمع السعودي ما زال رافضاً لهذه الظاهرة، لكن بنفس الوقت تتستر العائلات على وجود أشخاص "شاذين" سيقودون بالمجتمع إلى التقبل التدريجي لها.
تفشي هذه الظاهرة الشاذة الخطرة في المجتمع السعودي مثبت وبشواهد عدة، نكتفي بعرض التالي منها:
- أخذ موقع "statista" للإحصاءات الدورية الإحصائية عينة من الفترة الممتدة بين كانون الاول/ ديسمبر 2015 إلى انون الثاني/ يناير 2016. تم من خلالها سؤال السعوديين التالي: "هل تعرف شخصًا مثليًا في السعودية؟". أجاب 32 بالمائة من المشاركين في السعودية أنهم يعرفون شخصًا ما من هؤلاء و32 بالمائة أنكروا معرفتهم بأشخاص من هذه الفئة، بالمحصلة نستنتج بأن هناك نسبة معينة من "الشذوذ الجنسي" منتشرة في المملكة.
- أشخاص عدة خرجوا من المملكة أكدوا أنهم من "الشاذين جنسياً" والأسماء تطول نذكر منهم (رهف القنون) وغيرها من الفتيات والشباب.
- مقطع متداول لشابين يلبسان لباس النساء ويتجولان في مدينة جدة السعودية.
- "منظمة مختلف"، ترأسها الفتاة السعودية روين عطيف، كشفت في حديث خصت به مؤسسة DW الإعلامية أن "فكرة إنشاء المنظمة بدأت في 2017 من قبل مجموعة من خمسة أفراد من الموجودين في السعودية"، مضيفة أن "تنفيذ الفكرة كان يستدعي وجود أفراد قادرين على الحركة والظهور الإعلامي ومن هنا قرر البعض منهم مغادرة المملكة".
في المحصلة، ما زالت السعودية وجهة غير آمنة لـ"الشاذين جنسيا" حتى الآن، وهذا بشهادة "دارن بيرن"، الرئيس التنفيذي لشركتي "Out Of Office "، وهي أكبر منصة سفر لـ"الشاذين" في العالم، حينما قال بأن "السعودية لا تقدم الضمانات التي تجعلني أشعر بأنني قادر على إرسال عملائنا بأمان إلى هذه الوجهة"، لكن تبقى كل الخشية من أن يتسلل "الشذوذ الجنسي" عبر الفعاليات السياحية والثقافية التي تقيمها السعودية. لذا على المملكة التنبه إلى الأساليب الملتوية التي يمارسها الداعمين لـ"الشذوذ الجنسي" من أجل تمكينهم من الدخول إلى أراضيها والسعي لإفساد مجتمعها.