تكتسب معركة الموصل أهمية خاصة لدى أطراف كثيرة معنية بالتطورات السياسية والأمنية في العراق. فالولايات المتحدة الأمريكية ترى فيها عملية حاسمة في الحرب ضد تنظيم " داعش" الذي تُعد الموصل أحد معاقله الرئيسية ورافدًا أساسيًّا لموارده المالية. فيما تراها إيران فرصة لدعم نفوذها الإقليمي، وعنصر إسناد قوي لخطتها في سوريا، بما يعني أن تلك العملية سوف تفرض تداعيات قوية ليس فقط على مصالح القوى المعنية بها وإنما أيضًا على التطورات الميدانية والسياسية في ملفات أخرى وعلى رأسها الملف السوري.
دلالات التوقيت:
في فبراير 2015، أعلنت القيادة المشتركة الأمريكية-العراقية عن استعدادات تجري تمهيدًا لعملية الموصل خلال أبريل 2015، لكنها لم تتم، حيث جرت عمليات أخرى لمهاجمة التنظيم في الأطراف وليس في المركز، بما يشير إلى أنها سعت إلى خنق التنظيم. لكن في هذه المرة لا يبدو أن هناك جدولا زمنيًّا معلَنًا عن العمليات، ولكن من المتوقع أن تبدأ العملية في غضون أسابيع أو شهر على الأقل من الآن دون حدوث تطورات درامية في المشهد العراقي. لكن هذا الاحتمال يتوقف على متغيرات عديدة تتمثل في:
1- الخلافات الأمريكية- التركية: فرضت هذه الخلافات تداعيات مباشرة على المشهد العراقي انعكست في الاتجاه للاعتماد بشكل أساسي على قاعدة " القيارة" ، جنوبي الموصل (60 كلم تقريبًا)، كقاعدة أساسية، ويجري الآن تحضيرها لهذه المهمة، وهو ما يقتضي رفع كفاءة القاعدة التي تعرضت لهجمات عديدة خلال فترة وجود " داعش" .
2- حجم المشاركات الدولية في المعركة: فالولايات المتحدة الأمريكية تُشارك كقوة أساسية في المعركة على مستويات متعددة إدارية وميدانية، ومن المحتمل أن تتولى قوى أخرى من التحالف الدولي مهام في العملية، بالإضافة إلى حلف الناتو، لكن من الواضح أن الحضور البريطاني سوف يكون هو الأعلى في مستواه خلال هذه المعركة، خاصة أن هناك وجودًا بريطانيًا موازيًا على الحدود العراقية-السورية، أكده إعلان بريطانيا، في 3 أغسطس 2016، عن استهداف قصر قديم للرئيس الأسبق صدام حسين هو أحد مراكز عمليات تنظيم " داعش" في الموصل، فضلا عن إحكام القوات البريطانية سيطرتها من الجانب الآخر على معبر الوليد الحدودي مع سوريا.
أما بالنسبة للقوة الأمريكية، فهناك قوة إضافية على وشك الوصول إلى العراق قوامها 400 جندي، وبالتالي يصل تعداد القوة الأمريكية في العراق إلى 1700 جندي، ورغم الإعلان عن أن تلك القوات سوف تُشارك بصفة استشارية فإن شكل انتشارها ونمط تجهيزها يشير إلى أنها سوف تشارك في العمليات العسكرية.
3- الخلافات بين الأكراد والحكومة المركزية: وهى متغير يتم توظيفه تكتيكيًّا في المعركة، على اعتبار أن إشراك الأكراد في المعركة سيكون غير مرحب به من جانب العشائر العربية في الموصل، ومن قبل الحكومة الاتحادية في بغداد، لكن -في الوقت نفسه- من المهم الإشارة إلى أن عدم وجود قوة من " البشمرجة" هو أمر يجب تعويضه بقوات بديلة، وعلى الأرجح فإنها ستشارك لأسباب عديدة، من أبرزها أن هناك برنامج تدريب أمريكيًّا خاصًّا بمعركة الموصل تم إشراك قوات كردية فيه.
4- التسليح: تسلمت الحكومة العراقية دفعة جديدة من مقاتلات " إف 16" من ضمن 36 طائرة تم التعاقد عليها عام 2015، ويتوافق ذلك مع استعدادات ميدانية أخرى تتعلق بما يُسمى بـ" معارك الجيوب" ، مثل معارك وادي العظيم ومطبيجية في ديالي وصلاح الدين في مواجهة التنظيم، ورغم أنها عمليات فرعية إلا أنها تحظى بأهمية خاصة.
استعدادات لوجستية:
من المهم أولا الإشارة إلى أن الموصل هى ثاني أكبر المدن العراقية، لكنها في الوقت نفسه تشتهر بأنها عاصمة السنة في العراق، بالنظر إلى تركيبتها الديمغرافية، وبالتالي فالتقديرات تشير إلى أن هناك ما يقرب من 700 -800 ألف عربي سني في تلك المدينة الكبيرة، وهو ما يشكل أول تحدٍّ أساسي في المواجهة القادمة، بالنظر إلى أمر أساسي وهو موقع الأطراف غير المرحب بها من المعركة، وتحديدًا " الحشد الشعبي" و" البشمرجة" الكردية. وبالطبع، فإن توفير ضمانات حكومية تتعلق بمسألة الإدارة اللاحقة للمناطق التي سيتم تحريرها، ومستقبل المحافظة بعد المعركة يكتسب أهمية خاصة، وهو ما يحتاج إلى اتفاقٍ مع تلك العشائر قبل الحرب.
الأمر الآخر المهم في الاستعدادات اللوجستية في المعركة يرتبط بدور ميليشيا " الحشد الشعبي" ، فبالنظر إلى المواجهات السابقة، تُعد المشاركة الأساسية لـ" الحشد" عنصر إضعاف في هذه المعركة تحديدًا، خاصة أن القوات التابعة لـ" الحشد" ارتكبت انتهاكات واسعة ضد القاطنين في تلك المناطق، كما لم تلتزم بخطوط الارتكاز المحددة لها، وساهمت في المعركة متجاوزة القيادة المشتركة.
أما بالنسبة لإيران، فيبدو أنها تسعى للمشاركة بشكل مباشر في المعركة القادمة، وليس عن طريق " الحشد الشعبي" فقط، وهو ما يبدو جليًا في تأكيد العميد أيرج مسجدي المستشار الأعلى في الحرس الثوري الإيراني، على أن " إيران سوف ترسل مستشارين وخبراء عسكريين لدعم القوات العراقية لتحرير الموصل" .
وقد أثارت هذه التصريحات تساؤلات عديدة عن حجم الوجود العسكري الإيراني في العراق، وعن الدور الذي يقوم به قائد " فيلق القدس" التابع للحرس الثوري قاسم سليماني، وعن الموقف الأمريكي من تلك المشاركة. ورغم أن ثمة اتجاهات عديدة أشارت إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية أعطت ضوءًا أخضر لمشاركة إيرانية في المعركة، إلا أن هذه التكهنات تواجه إشكاليات عديدة، في ظل إدراك واشنطن للتداعيات السلبية لانخراط الحرس الثوري في العراق ودوره في تأسيس بعض الميليشيات المسلحة، والذي مثل أحد الأسباب الرئيسية في تصاعد نشاط " داعش" في الشمال وهو ما أكدته المواجهات السابقة، إلى جانب اتساع نطاق الخلاف بين الطرفين سواء حول رفع العقوبات الدولية المفروضة على إيران بعد الوصول للاتفاق النووي، أو حول تطورات الأزمة في سوريا.
موقف التنظيم:
تشير التقديرات الأمريكية إلى أن تنظيم " داعش" في حالة ضعف وتراجع على مستوى القدرات والكفاءة، وهو أمر كان واضحًا في عملية الفلوجة، في ظل التكتيكات التقليدية التي اعتمد عليها التنظيم، من حفر الخنادق وإقامة السواتر، لكن من المؤكد أن التنظيم ليست لديه دفاعات جوية للتعامل مع الضربات الجوية المكثفة التي يجري الإعداد لها. ففي مطلع أغسطس 2016، أعلن المتحدث باسم التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب كريس جارفر أن مقاتلي تنظيم " داعش" في الموصل " يضعفون وتظهر عليهم علامات الإحباط قبيل بدء معركة استعادة المدينة" ، مشيرًا إلى كثرة مشاهد إعدامات عناصر التنظيم على خلفية محاولات الفرار من المناطق التي يُسيطر عليها، بالإضافة إلى قطع خطوط الإنترنت منعًا للتواصل بين المستويين المدني والعسكري.
لكن ذلك لا ينفي أن هناك تحديات كبيرة، فالموصل هى أكبر المدن العراقية التي ستُشَنُّ فيها حملة عسكرية في مواجهة التنظيم، وهناك مليون نسمة على الأقل في المدينة، في مقابل نحو 5000 عنصر تابع للتنظيم وفق التقديرات الأمريكية، وهو ما يمكن أن يدفع تلك العناصر للاحتماء في المناطق المدنية، بشكل يزيد من مخاوف المدنيين من تداعيات المعركة، ليس فقط بسبب العمليات العسكرية، ولكن أيضًا بسبب سياسة التصفية الجماعية التي قد تقودها ميليشيا " الحشد الشعبي" تحت مسمى عمليات التطهير.
وعلى ضوء ذلك، ربما يمكن القول إن معركة الموصل هى معركة حاسمة في مواجهة تنظيم " داعش" ، سوف يترتب عليها تداعيات عديدة، لن تقتصر على العراق فقط، وإنما ستمتد إلى الملفات الإقليمية الأخرى، وعلى رأسها الملف السوري.
المصدر: المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية