فرزين نديمي
تملك إيران تاريخاً طويلاً في تشكيل جماعات عرقية مقاتلة في جميع أنحاء الشرق الأوسط لخوض معارك غير تقليدية ضد إسرائيل والمصالح الغربية، ومؤخراً، ضد السلفيين السنّة. وفي الوقت المناسب، أصبح الوكلاء [الشيعة] من الأفغان والباكستانيين الذين جندتهم إيران للمساعدة في الدفاع عن نظام الأسد في سوريا، قوات هامة تستطيع أن تُستخدم في النهاية لإطفاء نيران الصراعات الإقيلمية الأخرى أو تأجيجها.
أين بدأ كل هذا؟
بعد أن إجتاحت اسرائيل جنوب لبنان في عام 1982، نشرت إيران وحدات عسكرية تقليدية في سوريا للمساعدة في صدّ المزيد من التقدم من قبل القوات الإسرائيلية. ولكن عندما لم تتحقق المساعدة الخارجية التي وعدت بها الدول العربية، عرِف آية الله روح لله الخميني أنّ قواته لن تستطيع مواجهة هجوماً اسرائيلياً من دون مد خط إمدادات مباشر إلى لبنان، لذلك أمر بعودة القوات وبدلاً من ذلك اختار تسليح جماعات شيعية لبنانية مقاتلة وتدريبها بالإنابة عن إيران. وفي وقت لاحق استخدمت طهران هذا النموذج من أجل تنظيم " جيش محمد" في أفغانستان و " الجهاد الإسلامي الفلسطيني" في غزة، و" فيلق بدر" وميليشيات أخرى في العراق (لقراءة آخر المقالات عن الميليشيات الشيعية العراقية الحالية. كما شَكلت " قوة القدس" [" فيلق القدس" ] النخبوية التابعة لـ " فيلق الحرس الثوري الإسلامي" الإيراني لدعم هذه الجماعات والقيام بعمليات عسكرية واستخباراتية أجنبية.
وفي السنوات الأخيرة، زادت قوات " فيلق القدس" من تجنيد المقاتلين الشباب من المجتمعات الشيعية الأفغانية والباكستانية. ففي أفغانستان يوجد حوالي 4.6 مليون شيعي، أو 15 في المائة من السكان؛ يعيشون بشكل رئيسي في الجزء الأوسط من البلاد، وغالباً ما تستهدفهم حركة " طالبان" . وتشكّل إيران وطناً لمجتمع أفغاني كبير، يتألف أكثر من 70 في المائة من عرقية الطاجيك والهزارة، وهذه الأخيرة شيعية بغالبيتها. ويعيش هناك بعض هؤلاء الأفغان ويعملون دون الوثائق اللازمة ولذلك هم في خوف دائم من أن يتم ترحيلهم إلى أفغانستان، حيث أن حوالي 40 في المائة من القوة العاملة عاطلة. ووفقاً لتقرير صادر عن الإتحاد الأوروبي، تزداد احتمالات الإندماج المحلي صعوبة بسبب الوضع الاقتصادي المتدهور.
وفي باكستان المجاورة، يعيش ثاني أكبر عدد من الشيعة بعد إيران (نحو 20 في المائة من السكان، أو 38 مليون شخص). وأدت التوترات الطائفية مع السنّة إلى قيام أضيق المجتمعات الشيعيية وأكثرها إنعزالاً، وشهدت البلاد عدة إنتفاضات شيعية في تاريخها الحديث. ومنذ الثورة الاسلامية عام 1979، دعمت إيران الشيعة الباكستانيين، وبصورة أساسية من خلال فتح المدارس الدينية للطلاب الباكستانيين.
وخلال الحرب الحالية، بدأت إيران في تجنيد متطوعين أفغان وباكستانيين بشكل جديّ بعد أن فشلت في جمع عدد كاف من السوريين لضمهم إلى مختلف الميليشيات المحلية غير النظامية التي تدعمها قوات " الحرس الثوري" منذ عام 2012. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو، ما الذي سيحدث لآلاف المحاربين بعد عودتهم من سوريا؟ فمن المستبعد جدّاً أن يتم السماح لهم جميعاً بالسكن بشكل دائم في إيران على غرار " فرقة الغوركا" من الجيش البريطاني. وبدلاً من ذلك، من المحتمل أن يتم تشجيعهم على العودة إلى بلدانهم، وذلك جزئياً كي تستطيع قوات " الحرس الثوري" الإيراني الإستعانة بهم بشكل منظّم في المستقبل. فعلى سبيل المثال، اقترح قائد " فيلق القدس" الجنرال قاسم سليماني، خلال زيارة قام بها مؤخراً لعائلة قائد عسكري أفغاني قُتل في سوريا، استمرار الجماعات مثل الميليشيات الأفغانية لواء " الفاطميون" في مساعدة إيران في الدفاع عن العالم الإسلامي بأكمله.
المجندون الأفغان
كان الأفغان من بين أوائل المقاتلين الأجانب الذين إنضموا إلى مقاتلي " حزب الله" في سوريا، بدءاً من عام 2014. فقد تم تجنيدهم من مجتمعات المهاجرين الأفغان في إيران وسوريا، ومن أفغانستان نفسها وفقاً لبعض التقارير عبر وكالات سفر مشاركة. وحتى أن بعضهم أتوا من بلدان أوروبية. وينضم هؤلاء المجندون لأسباب عديدة ومتنوعة منها دينية أو من أجل تحسين فرصهم في الحصول على الإقامة أو تصاريح العمل في إيران، أو من أجل التعويضات المالية، وهكذا دواليك.
وزعم نائب القائد الراحل لـ لواء " الفاطميون" ، سيد حسن حسيني، المعروف أكثر بـ" سيد حكيم" ، أنّ عدد الميليشيات الأفغان قد وصل إلى حوالي 14000 مقاتل، وهم منظّمون بين ثلاث كتائب في دمشق وحماة وحلب ومجهزون بوحدات مدفعية ومدرعات واستخبارات خاصة بهم. ولكن هذا العدد يبدو بعيد الإحتمال؛ وتقترح مصادر اقتبسها صحفيون غربيون أنّ عدد القوات أقل من ذلك بكثير، وربما يكون حوالي 3000 مقاتل. وذكر أيضاً قادة لواء " الفاطميون" أنّه يُدفع للمقاتلين راتباً شهرياً ضئيلاً قدره 450 دولار أمريكي بالإضافة إلى منافع هجرة مؤقتة لعائلاتهم في إيران، وذكرت مصادر أخرى أنّ الراتب يتراوح ما بين 600 و700 دولارٍ أمريكي.
وفي مقابلة كاشفة جرت مؤخراً مع وكالة الأنباء الإيرانية " مشرق" ، شدد قائد سابق في " الحرس الثوري الإسلامي" من ذوي الخبرة على الجبهة السورية، على انتقاد بلاده بقسوة بسبب عدم استفادتها بصورة أكبر من الشيعة الأفغان المقيمين في إيران كجنود مشاة للسياسة الخارجية، حتّى في الوقت الذي كانت تدعم بفعالية جماعات شيعية أخرى مثل " حزب الله" . ووفقاً له، " ينبغي أن يكونوا جزءاً لا غنى عنه من " جيش التحرير الفلسطيني" " .
وقبل نشر هؤلاء الأفغان، يتم تدريبهم من قبل أفراد من قوات " الحرس الثوري" الإيراني، الذين يشير إليهم العديد من المقاتلين الأجانب بـ " الأنصار" . ويشمل التدريب دورة أساسية قصيرة أمدها عشرين إلى ثلاثين يوماً في مدينة قرجك في جنوب غربي طهران. وقد اكتسب بعض أعضاء القيادة العليا لـ لواء " الفاطميون" خبرتهم، في بادئ الأمر، بالقتال مع لواء " أبوزار" التابع لقوات " الحرس الثوري" خلال الحرب بين إيران والعراق، أو مع " جيش محمد" ، وهو جماعة جهادية منحلة حالياً قاتلت سابقاً القوات السوفياتية وحركة طالبان في أفغانستان. وتلقّى البعض الآخر التدريب في " الجيش الوطني الأفغاني" وقوات الشرطة التي كان يشرف عليها مستشارون من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي؛ على سبيل المثال، ادّعى والد مقاتلٍ قُتل في الحرب أنّه تمّ تدريب ابنه مرّتين من قبل الأمريكيين أثناء خدمته في الجيش الأفغاني. ووفقاً لوكالة الأنباء الإيرانية شبه الرسمية " تسنيم" ، أكمل مؤخراً بعض المقاتلون الأفغان تدريباً أشد صرامة من قبل مدربين من " حزب الله" ، شملت دورة تدريبية للقناصة.
وبعد تلقي تدريبهم الأساسي، يتمّ نقل المقاتلين الأفغان جواً إلى سوريا لاكتساب الخبرة ضدّ قوات المتمردين، التي قيل لهم أنّها تشكل تهديداً للمواقع المقدسة الشيعية في البلاد. ووفقاً للعديد من المقابلات والمدونات التي تضم أفراد من لواء " الفاطميون" ، تريد قوات " الحرس الثوري" الإيراني أن تعمل وحداتها " الوكيلة" بأكثر استقلالية ممكنة. وفي 13 آب/أغسطس أعلنت " مؤسسة الشهداء" - النسخة الايرانية من وزارة شؤون المحاربين القدامى في الولايات المتحدة - أنها ستقدم الرعاية والخدمات الاجتماعية لعائلات الأجانب الذين قُتلوا أو أصيبوا بجروح في سوريا وهم يقاتلون بالنيابة عن الجمهورية الإسلامية، وذلك من أجل التخفيف من المخاوف المالية المتعلقة بأسرهم في إيران. ووفقاً للمؤسسة ومصادر إيرانية أخرى، قُتل على الأقل 200 مقاتل من لواء " الفاطميون" وأصيب المزيد منهم بجروج في الحرب.
المجندون الباكستانيون
يشكّل لواء " الزينبيون" الذي تم إنشاؤه قبل عامين ونصف، جماعة متطوعة أخرى تقاتل في سوريا، حيث تم تدريبه من قبل قوات " فيلق القدس" في المدينة الشيعية المقدسة مشهد. وقد وصفت " وكالة أنباء فارس" التابعة لـ " الحرس الثوري الإسلامي" وحدة " الزينبيون" كقوة هجومية من النخبة تضمّ أكثر من 5000 شخص من المقاتلين الشيعة الباكستانيين الشباب، غير أن وكالة أنباء " رويترز" ووسائل إعلام غربية أخرى تفيد أنّ العدد لا يزيد عن الألف. وعاش الكثير منهم في الأصل في باراشينار والقرى المحيطة بها في شمال غرب باكستان، ثمّ هاجروا إلى إيران أو إلى الإمارات العربية المتحدة. وفي حين ازداد الطلب على الانضمام إلى لواء " الزينبيون" ، كما ذكرت التقارير، بعد أن طردت دولة " الإمارات" 12000 عامل باكستاني شيعي في الأعوام الأخيرة، إلا أن أعضاء اللواء الأساسيين قد أتوا من " جامعة المصطفى الدولية" وهي مؤسسة دينية مقرها في قم، ولكن لديها فروع في إسلام أباد وبيروت أيضاً، بالإضافة إلى العديد من المنظمات التابعة لها في أماكن أخرى (على سبيل المثال، " الكلية الإسلامية في لندن" ، و" كلية إندونيسيا الإسلامية" ، و" جامعة العلوم الإسلامية في غانا" ).
ويشكل " المجمع العالمي لأهل البيت" إحدى المنظمات الإيرانية الرئيسية المرتبطة بجهود مماثلة في تجنيد المقاتلين؛ فهي تعمل من طهران تحت الإشراف المباشر للمرشد الأعلى علي خامنئي، وتملك أموال وافرة لـ " تثقيف" عقول الشباب الشيعة. ومنذ عام 1990، كان هذا " المجمع" يعمل على إيجاد شباب شيعة ومتحولّين جدد إلى الطائفة الشيعية وتنظيمهم وتدريبهم ودعمهم، فضلاً عن إدارة أنشطتهم في جميع أنحاء العالم الإسلامي. ويشارك " حزب الله" بصورة نشطة في المنظمة، وله عضو دائم في مجلس إدارته.
ووفقاً لمقابلة في مجلةٍ إيرانية مع القائد الحالي لـ لواء " الزينبيون" ، والمعروف فقط بـ " كربلاء" ، يتلقى المجندون بعض التدريب في مشهد قبل أن يتم نقلهم إلى سوريا. ويتلقى البعض أيضاً تدريب على استخدام الأسلحة الخاصة، من بينها دورة تدريبية للقناصة أمدها خمسة وأربعين يوماً.
وعند وصولهم إلى ساحة المعركة، تقود قوات " فيلق القدس" أو " حزب الله" وحدات لواء " الزينبيون" في بعض الأحيان. وفي خبر نُشر في 26 تموز/يوليو في " وكالة أنباء فارس" زُعم أن " الزينبيين" لديهم سمعة في المثابرة وموقف عدم التراجع، رغم أنّ هذا الواقع لم يُذكر على نطاق واسع في أماكن أخرى. وادعت هذه القصة أنّ المئات من مجندي لواء " الزينبيون" قد قُتلوا في المعارك في الأعوام الثلاثة الماضية، ومعظمهم عندما كانوا يحاولون فتح الحصار عن مدينتي نبُل والزهراء شمال حلب في شباط/فبراير الماضي. وفي حين أن أخبار التشييع لا تدعم هذا العدد، إلا أنّ معظم المقاتلين في لواء " الزينبيون" يفضلون إخفاء هويتهم خوفاً من أعمال الانتقام من قبل حركة " طالبان" أو الاستخبارات الباكستانية.
وقد بدأ العديد من أعضاء اللواء في التخمين عما سيحل بهم بعد حرب سوريا. ففي نفس الخبر من السادس والعشرين من تموز/يوليو الذي نشر في " وكالة أنباء فارس" ، انتقد قائد من لواء " الزينبيون" الطابع " غير الإسلامي" للجيش الباكستاني ثمّ أعلن " إن شاء الله، سيعود مقاتلو لواء " الزينبيون" [منتصرين] من الانتفاضة السورية وسيصبحون اليد اليمنى للمرشد الأعلى في العالم" . بالإضافة إلى ذلك، وعد قائد آخر أنّ مجندي لواء " الزينبيون" سيقاتلون الأعداء " الصهيونيين التكفيريين" فور عودتهم إلى باكستان. ومثل هذه التصريحات تشير إلى وجود طموحات للقيام بدور في المستقبل في مناطق مثل باراشينار، التي يتعرض مجتمعها الشيعي المنعزل لضغط متشددي " طالبان" منذ عام 2007. وبدورها، قامت إيران باستثمارات كبيرة في باراشينار ولاهور وكراتشي ومناطق شيعية أخرى من باكستان من أجل التنافس مع المملكة العربية السعودية في تشكيل الآراء المحلية وجذب المجنّدين.
وعلى نحو مماثل، عبّر أحد قادة لواء " الزينبيون" في عدد تموز/يوليو 2016 لمجلة " پنجره" الإيرانية المحافظة، عن استعداده للقتال على أي جبهة، يعتبرها المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي ضرورية، سواء في العراق أو إسرائيل أو المملكة العربية السعودية؛ وأعلن قائد آخر، " إن شاء الله، سنحرر بيت الله وندمّر العائلة المالكة في السعودية قبل أن نصل إلى القدس" . وفي الآونة الأخيرة، شدّد ايضاً أعضاء آخرين في " جبهة المقاومة" التي تقودها إيران على تلك الأولويات، فعلى سبيل المثال، قال رئيس المجلس التنفيذي لـ " حزب الله" هاشم صفي الدين في خلال مقابلة مع قناة " الميادين" اللبنانية في آب/أغسطس، أنّه " يجدر بالشيعة إزالة العقبات التي وضعتها أنظمة المنطقة الفاسدة والميؤوس منها قبل أن يدمروا إسرائيل" .
الخاتمة
ليس من الواضح تماماً حتّى الآن إلى أي قدر تكون هذه الميليشيات الأفغانية والباكستانية الجديدة نسبياً قوية ومدرّبة جيّداً ومندفعة [للقيام بمهامها]. ولكن في مرحلة ما في المستقبل، من المرجح أن يقرر هؤلاء المقاتلون من ذوي الخبرة حمل أسلحتهم مجدّداً أو سيتم أمرهم بذلك، والقتال تحت ظروف لا يمكن التنبؤ بها، ربما ضدّ متطرفين سنة مثل مقاتلي حركة " طالبان" وتنظيم " الدولة الإسلامية" ، أو ضدّ جهات حكومية أو حتّى ضدّ حكوماتهم المنتخبة ديمقراطياً. وإذا استطاع المقاتلون الأفغان والباكستانيون المحافظة على تماسكهم التنظيمي، قد يستطيعون تغيير وتيرتهم من حرب دفاعية إلى عمليات هجومية في أراضٍ يختارونها بأنفسهم. وكما أعلن قائد سابق في لواء " الفاطميون" قبل مقتله في إحدى المعارك، الجماعة " لا تعرف أي حدود، ولن تتوقف حتى يتم تحرير جميع أراضي المسلمين ... وهذه المقاومة لن تتوقف إلى أن يتم تحرير القدس" .
وفي الوقت الّذي تجتاح فيه الصراعات المباشرة وبالوكالة منطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا، ستستمر الخصومات مثل المواجهة الحامية بين السعودية وإيران في تجاوز الحدود الوطنية تاركة آثارٍ مزعزعة للإستقرار ولا يمكن التنبؤ بها. ومن خلال توسيع وحدات شبه عسكرية بصورة تدريجية وتزويدها بالمزيد من الأسلحة المتطورة وتدريبها على التكتيكات العسكرية، تبدو إيران عازمة على تشكيل جنود مشاة بأعداد كافية لتحقيق حلم آية الله الخميني بـ " إسلام بلا حدود" .
المصدر: معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى