محمد عباس ناجي(*)ربما لم يكن حرص تنظيم 'داعش' على تغيير اسمه الأصلي من 'تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام' إلى 'تنظيم الدولة الإسلامية' مصادفة، إذ أنه يعبر بدرجة كبيرة عن حدود التحول في التفكير الاستراتيجي للتنظيم، الذي ارتأى، على ما يبدو، أن فرض حدود جغرافية للتنظيم داخل العراق والشام ربما يقلص من قوته ويخصم من وجاهة الفكرة الرئيسية التي تأسس لتنفيذها وهى إقامة الخلافة الإسلامية العابرة للحدود، فضلا عن أنه يمكن أن يساعد القوى المضادة في محاصرته وتضييق الخناق عليه، خاصة بعد الضربات التي تعرض لها من جانب أطراف مختلفة.
من هنا، بدأ التنظيم في تبني فكرة 'الترانزيت الجهادي' التي تعتمد على متغيرين رئيسيين: أولهما، دعم عمليات المبايعة التي تقوم بها بعض التنظيمات الإرهابية المحلية، باعتبار أن ذلك يساعد في اختراق الحدود بين دول المنطقة وتقوية مساعي التنظيم في التمدد إلى مناطق جديدة. وقد بدا ذلك جليا في مبايعة تنظيم 'أنصار بيت المقدس' لـ'داعش' في 10 نوفمبر 2014، وتغيير اسمه إلى 'ولاية سيناء'.
وهنا تشير اتجاهات عديدة إلى أن العملية الأخيرة التي شهدتها مدينة الشيخ زويد في أول يوليو 2015، وشارك فيها نحو 300 إرهابي كانت، في جزء منها، استجابة لدعوة تنظيم 'داعش' إلى شن هجمات كبري في شهر رمضان، على غرار تلك التي شهدتها بعض العواصم العربية والأجنبية مثل الكويت وتونس وباريس في 26 يونيو 2015، بهدف السيطرة على إحدي المناطق داخل سيناء بعد طرد قوات الجيش والشرطة منها وإعلان تبعيتها للتنظيم، وهي التكتيكات نفسها التي تبناها التنظيم عند سيطرته على مدينة الموصل في شمال العراق في 10 يونيو 2014.
وثانيهما، تقديم مساعدات نوعية لتلك التنظيمات الإرهابية من خلال السعى إلى إدخال عناصر مسلحة وموارد مالية ومعدات قتالية نوعية للمساهمة في العمليات التي تقوم بها الأخيرة ضد مؤسسات وأجهزة الدولة.
ومن دون شك، فقد سارت العديد من التنظيمات الإرهابية الأخرى على النهج نفسه، مثل 'جبهة النصرة'، وهو ما يبدو جليا في اعتقال ومحاكمة السلطات المصرية لبعض العناصر التي التحقت في وقت سابق بالجبهة، حيث اعترف أحد العناصر الذين اعتقلوا ضمن 'خلية أجناد مصر 2 و3'، بالانضمام إلى الجبهة والتدريب على استخدام الأسلحة النارية لمدة شهر. كما ضمت الخلية التي نجحت أجهزة الأمن في محافظة القليوبية في القبض عليها، في 4 يوليو 2015، أحد الشباب السوريين الذي ينتمي إلى الجبهة.
تطور نوعيوبالطبع، فإن ثمة عوامل عديدة ساهمت في اتساع نطاق ظاهرة 'الترانزيت الجهادي' خلال الفترة الأخيرة تتمثل في:
1ـ مشاركة بعض العناصر الأجنبية في العملية الأخيرة التي شهدتها مدينة الشيخ زويد في أول يوليو 2015، والتي استهدفت عددا كبير من الكمائن التابعة للقوات المسلحة وقسم شرطة الشيخ زويد، حيث كشفت تقارير عديدة عن انخراط 300 إرهابي من بينهم عناصر أجنبية من العراق وسوريا واليمن وأفغانستان وبعض الدول الأوروبية في العملية.
2ـ تراجع قدرة السلطات في بعض دول الجوار على حماية الحدود ضد أية محاولة للاختراق من جانب العناصر الإرهابية، وهو ما يبدو جليا في حالة ليبيا، على ضوء التحذيرات العديدة التي أطلقها بعض المسئولين الليبيين من احتمال فرار عشرات الإرهابيين التابعين لتنظيم 'داعش' في ليبيا إلى دول الجوار ومنها مصر على ضوء الضربات التي تتعرض لها من جانب الجيش الليبي.
ففي هذا السياق، أشار المستشار في الجيش الليبي الدكتور صلاح الدين عبد الكريم، في 3 يوليو 2015، إلى اختراق بعض العناصر الأجنبية التي تنتمي إلى التنظيم الحدود مع مصر، بعد العمليات العسكرية التي نفذتها القوات المسلحة الليبية في مدينة درنة التي تبعد 300 كيلو متر فقط عن الحدود المصرية، مرجحا مشاركتهم في العمليات الإرهابية التي نفذت في محافظتي القاهرة والجيزة وشبه جزيرة سيناء. ويبدو أن ذلك هو ما دفع مصر، حسب بيان لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) في 9 يوليو 2015، إلى طلب شراء معدات فائقة التكنولوجيا لمراقبة الحدود مع ليبيا تحديدا بقيمة 100 مليون دولار.
3ـ بروز مؤشرات حول تورط بعض الأجهزة الأجنبية في العمليات التي تنفذها العناصر الإرهابية في مصر، وهو ما أشار إليه بعض المسئولين المصريين في الفترة الماضية. ووفقا لبعض الاتجاهات فإن احتمال تورط بعض الأطراف الخارجية في دعم التنظيمات الإرهابية في سيناء مقابل تنفيذها لعمليات إرهابية تصعد من حدة عدم الاستقرار في مصر وتفرض مزيدا من الضغوط على القاهرة لا يمكن استبعاده، في ظل اتساع مساحة الخلاف بين مصر وبعض القوى الإقليمية بسبب تطورات المشهد السياسي في مصر.
وفي رؤية تلك الاتجاهات، فإن مشاركة عدد كبير من العناصر الأجنبية في العملية الأخيرة بالشيخ زويد، فضلا عن حصولهم على أسلحة نوعية على غرار مدفع 14.5 المضاد للطائرات والمحمول على السيارات المجهزة، إلى جانب تنسيق الهجوم على عدد كبير من الأكمنة في وقت واحد، كل ذلك يمثل مؤشرات على وجود دعم خارجي من جانب قوى لها مصلحة في تصعيد حدة الاضطراب وعدم الاستقرار في شبه جزيرة سيناء.
4ـ استمرار مشكلة الأنفاق مع قطاع غزة، فرغم الإجراءات التي اتخذتها السلطات المصرية خلال الفترة الماضية بتوسيع المنطقة العازلة، إلا أنه لا توجد مؤشرات تكشف عن انتهاء مشكلة الأنفاق التي تستخدمها العناصر الإرهابية سواء في الهجوم على كمائن الجيش أو الانسحاب من المواجهات المسلحة. وقد أشارت تقارير إعلامية إلى أن بعض العناصر الأجنبية التي شاركت في العملية الإرهابية في مدينة الشيخ زويد استخدمت أكثر من وسيلة للدخول إلى مصر منها الأنفاق التي لم تدمر بعد على الحدود مع قطاع غزة.
غياب الحاضن الاجتماعيومن دون شك، فإن نجاح القوات المسلحة والشرطة في التصدي للعملية الأخيرة التي شهدتها مدينة الشيخ زويد وتصفية عدد كبير من الإرهابيين، ربما يقلص، إلى حد كبير، من خطورة هذه الظاهرة، خاصة أنها تفتقد لمتغير في غاية الأهمية يتمثل في غياب الحاضن الاجتماعي، بسبب اعتمادها في المقام الأول على عناصر أجنبية عابرة للحدود، لا ترتبط بأية علاقة مع المكان الذي تسعى إلى السيطرة عليه.
ورغم أن كثيرا من التنظيمات الإرهابية تسعى إلى تكوين حواضن اجتماعية في المناطق الخاصة لسيطرتها، على اعتبار أن ذلك يمثل أحد أهم الآليات المتاحة ليس فقط في المواجهة مع القوات النظامية، وإنما أيضا في استقطاب عناصر جديدة للانضمام إليها وتعويض خسائرها البشرية، إلا أن إصرارها في الفترة الأخيرة على إضفاء طابع دعائي ضعيف التأثير على عملياتها وإشراك عناصر أجنبية متعددة الجنسية ربما يؤدي في كثير من الأحيان إلى إضعاف نفوذها وتراجع قدرتها على تحقيق أهدافها.
(*) باحث أول مشارك متخصص في الشئون الإيرانيةالمصدر: المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية