مجموعة خبراء
أثار انخراط الولايات المتحدة الأمريكية في عمليات عسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) العديد من التساؤلات حول تكلفة هذه العمليات، ومدتها، ونطاقها. وفي هذا الإطار، استعرض مجموعةٌ من الخبراء في تحليل نشر على موقع 'مركز التقييمات الاستراتيجية وتقييمات الميزانية'، تحت عنوان 'تقييم تكلفة العمليات العسكرية ضد داعش'، مجموعة من التقديرات لتكلفة العمليات العسكرية ضد داعش إلى الآن، والتكلفة المتوقعة خلال المدى الزمني للعمليات.
تكاليف أولية للعمليات العسكريةبدأت الولايات المتحدة الأمريكية عملياتها العسكرية ضد داعش في يونيو 2014، وذلك مع زيادة الدعم المقدم للقوات العراقية والكردية في قتالها ضد داعش في العراق. وشمل هذا الدعم فرقة صغيرة من أفراد الجيش الأمريكي تقوم بمهام استشارية وتدريبية. وقد بدأت العمليات الجوية رسميًّا في 8 أغسطس 2014، عندما شرعت الولايات المتحدة في تسيير بعثات للإغاثة الإنسانية، وإجراء طلعات جوية ذات أهداف استخباراتية واستطلاعية، والقيام بغارات جوية محدودة للدفاع عن المدنيين والقوات الصديقة داخل العراق. وتُقدّر وزارة الدفاع الأمريكية كلفة هذه العمليات الأولية بما يقرب من 530 مليون دولار حتى 26 أغسطس 2014.
وفي 10 سبتمبر عام 2014، أعلن الرئيس أوباما أن الولايات المتحدة ستوسع عملياتها العسكرية بهدف تدمير القدرات العسكرية لداعش والمنظمات الإرهابية الأخرى الفاعلة في المنطقة. وشمل هذا التوسع زيادة عمليات المراقبة في كلٍّ من العراق وسوريا، ونشر أفراد عسكريين إضافيين لتدريب القوات الصديقة.
وفي ضوء ما تم الإعلان عنه بشأن عدد الأهداف التي تم ضربها، وأنواع الطائرات والذخائر المستخدمة، وحجم القوات البرية المنتشرة في المنطقة؛ فإن تكلفة العمليات الجوية والبرية الأمريكية من 27 أغسطس إلى 24 سبتمبر 2014 تراوحت بين 250 و400 مليون دولار. لتبلغ بذلك التكلفة الإجمالية من منتصف يونيو وحتى 24 سبتمبر ما بين 780 و930 مليون دولار. وهي التكلفة التي لا تتعدى نسبة 0.2% من ميزانية وزارة الدفاع للعام المالي 2014.
معايير احتساب تكاليف العمليات العسكرية:ويعتمد احتساب التكاليف المستقبلية للعمليات العسكرية الأمريكية ضد داعش على كيفية استمرار هذه العمليات، ومدى استقرار مستوى الهجمات الجوية، وعما إذا كان سيتم نشر قوات برية إضافية تتجاوز ما هو مُخطط له بالفعل. فالعمليات الجوية –عادةً– ما تبلغ ذروة كثافتها خلال الأيام أو الأسابيع الأولى من الحملات العسكرية، وبعد ذلك تصبح الأهداف الجوية أقل عددًا وأكثر صعوبة في التحديد والنيل منها، لذلك عادةً ما تنخفض وتيرة العمليات الجوية، في حين ترتفع كثافة العمليات البرية، مع وجود احتمال لنشر قوات إضافية.
ويطرح المقال ثلاثة سيناريوهات افتراضية حول التكلفة المستقبلية للعمليات العسكرية، اعتمدت بالأساس على تحديد مستوى كثافة العمليات الجوية والبرية. وقد تم اختيار هذه السيناريوهات لتغطية مجموعة واسعة من الالتزامات العسكرية الأمريكية التي يمكن تكبدها.
وفي ضوء عدم وجود إطار زمني محدد لهذه العملية، فقد تم تقدير التكلفة بمعدل شهري بدلا من حساب التكلفة الإجمالية للحملة العسكرية، مع وضع حدٍّ أدنى وأقصى للتكلفة الشهرية للعمليات.
وقد تم تقدير التكاليف باستخدام المعلومات المتاحة للجمهور فيما يتعلق بأنواع الطائرات، والذخائر المستخدمة، والقواعد العسكرية المتاحة لقوات الولايات المتحدة، والنفقات المُتكبدة خلال العمليات السابقة. وعلى ذلك فقد شملت تقديرات التكاليف المستقبلية ما يلي:
-التكلفة الحدية لساعات الطيران للمقاتلين، وقاذفات القنابل، وقيادة العمليات الاستخباراتية، وطائرات التزود بالوقود من الجو.
-تكاليف استبدال الذخائر المستهلكة.
-تكلفة الإبقاء على حاملة طائرات ثانية في المنطقة.
-تكلفة القوات البرية الأمريكية العاملة في العراق وسوريا.
ولا تشمل هذه التقديرات تكاليف عمليات الإغاثة الإنسانية، والأسلحة التي تزود بها القوات الأخرى المشاركة في الحملة العسكرية، وكذلك مساهماتهم في العمليات البرية والجوية. كما أنها لا تشمل العمليات السرية، لأن هذا التحليل يركز فقط على التكاليف المالية، ولا يحاول تقدير التكاليف البشرية، أو تكلفة الفرصة البديلة لهذه العمليات.
وقد افترض التحليل أن الولايات المتحدة سوف تستخدم مزيجًا من طائرات وذخائر محددة، تتنوع بحسب أنواع وطبيعة الأهداف. وتستند هذه الافتراضات إلى ممارسات الولايات المتحدة القياسية، والخبرة التاريخية في هذا الصدد. وتوضّح طبيعة العمليات العسكرية ضد داعش، أن الهجمات الجوية -وبسبب المسافات الطويلة- ستتطلب تزويد الطائرات بالوقود جوًّا، وهو الأمر الذي يرفع تكلفة الطلعات الجوية، ويتم احتساب متطلبات التزود بالوقود جوًّا اعتمادًا على المسافات من القواعد الجوية المتاحة للقوات الأمريكية إلى مسرح العمليات، ومعدلات استهلاك الوقود، وسعة الوقود لكل نوع من الطائرات.
ومن المرجح أن تتورط القوات البحرية الأمريكية في العمليات العسكرية ضد داعش. فبينما يمتلك الأسطول الأمريكي الخامس حضورًا كبيرًا في الخليج العربي، هناك إمكانية لنشر قوات إضافية في المنطقة. ويفترض هذا التحليل أن الولايات المتحدة ستقدم على نشر حاملتي طائرات في المنطقة، الأولى في الخليج لدعم العمليات ضد داعش، والثانية في بحر العرب لدعم العمليات في أفغانستان. وهو الأمر الذي سيضيف عبئًا ماليًّا إضافيًّا يتراوح بين 40 و50 مليون دولار شهريًّا لحاملة الطائرات، وما يُقدم لها من خدمات لوجستية.
ورغم عدم وضوح نطاق المهام العسكرية الأمريكية ضد داعش، فإن هناك احتمالا لإشراك القوات البرية الأمريكية في العمليات. حيث تُقدر تكلفة الجندي الواحد ضمن القوات البرية بما يتراوح بين 40 و70 ألف دولار شهريًّا، وذلك استنادًا إلى خبرة تكلفة العمليات في العراق في الفترة من 2004 إلى 2012، حيث بلغ متوسط تكلفة الجندي –مع حساب معدل التضخم– حوالي 66 ألف دولار شهريًّا.
السيناريوهات المستقبلية:تناول التحليل السيناريوهات الثلاثة لتكلفة العمليات العسكرية الأمريكية ضد داعش على النحو التالي:
- السيناريو الأول: هجمات جوية ذات كثافة منخفضة:
وهو السيناريو الذي يفترض أن تستقر وتيرة الطلعات الجوية عند مستوى 90 طلعة في اليوم الواحد و100 هدف للهجوم في الشهر الواحد. وسنجد أن الولايات المتحدة كانت تُجري حوالي 60 طلعة جوية يوميًّا في العراق قبل توسيع عملياتها في سوريا، وأصابت ما يقرب من 200 هدف في الشهر الماضي في كلٍّ من العراق وسوريا. ويفترض هذا السيناريو أيضًا ارتفاع عدد القوات البرية الأمريكية في العراق من مستواها الحالي الذي يبلغ 1600 فرد إلى 2000 فرد. وبذلك فإن تكاليف العمليات العسكرية الأمريكية -وفقًا لهذا السيناريو- سوف تتراوح بين 200 و320 مليون دولار شهريًّا.
- السيناريو الثاني: هجمات جوية ذات كثافة مرتفعة:
وهو السيناريو الذي يفترض ارتفاع الطلعات الجوية إلى مستوى الـ120 طلعة في اليوم الواحد و150 هدفًا للهجوم في الشهر الواحد. كما يفترض نشر ما يقارب من خمسة آلاف جندي أمريكي، وبذلك ستتراوح التكاليف بين 350 و570 مليون دولار شهريًّا.
- السيناريو الثالث: اتساع العمليات البرية:
يفترض السيناريو الثالث ارتفاع معدل الطلعات الجوية إلى 150 طلعة يوميًّا، وارتفاع عدد الأهداف ليصل إلى 200 هدف في الشهر الواحد. وتمشيًا مع التوصيات التي قدمها العديد من الخبراء، فإن هذا السيناريو يفترض نشر ما يقارب من 25 ألف جندي أمريكي في العراق وسوريا، ومن المفترض أن تتألف هذه القوة من عدة آلاف من قوات العمليات الخاصة، مدعومة من لواء طيران مقاتل، واثنين من الألوية المقاتلة، والقوات الأخرى التي تقدم الدعم اللوجستي والطبي. وبذلك فإن التكاليف سيصل معدلها إلى (1.1 : 1.8) مليار دولار شهريًّا.
وعلى أساس سنوي، فإن العمليات الجوية ذات الكثافة الأقل ستتكلف من 2.4 إلى 3.8 مليارات دولار سنويًّا. بينما ستتكلف العمليات الجوية ذات الكثافة الأكبر ما بين 4.2 و6.8 مليارات دولار سنويًّا. في حين أن نشر قوات برية على نطاق واسع سيحمّل الولايات المتحدة تكاليف سنوية تتراوح بين 13 و22 مليار دولار. وتجدر الإشارة إلى أن الإنفاق العسكري السنوي قد بلغ ذروته في العراق في العام المالي 2008 ليصل إلى 164 مليار دولار، وبلغ ذروته في أفغانستان في العام المالي 2011 ليصل إلى 122 مليار دولار، وذلك مراعاة لفروق التضخم.
وفي الختام، يذهب التحليل إلى أنه رغم أهمية عنصر التكلفة، فإنه ليس العامل الوحيد الذي يمكن من خلاله تقييم العمليات العسكرية. فما استعرضه المقال من تقديرات للتكاليف المتوقعة للعمليات العسكرية الأمريكية ضد داعش تعكس وجود درجة عالية من حالة 'عدم اليقين' في هذه العمليات. وأحد أهم مصادر حالة 'عدم اليقين' هي طبيعة ترتيبات مرحلة ما بعد تدمير داعش في العراق وسوريا، ومتطلبات هذه الترتيبات ونطاقها الزمني، وهو الأمر الذي يتعلق باستراتيجية وتكتيك الولايات المتحدة في هذه الحرب. وفي إشارة إلى عدم قدرة الولايات المتحدة على ضبط مسار الحرب مستقبلا وفقًا لمصالحها وخططها، فقد استعرض المقال مقولة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق 'ونستون تشرشل': 'عندما يتخذ رجل الدولة قرار الذهاب إلى الحرب وبمجرد إعطاء إشارة البدء، فإنه لا يصبح المتحكم في إدارة الأمور، ولكنه يصير أسيرًا لتلك الأحداث غير المتوقعة والخارجة عن نطاق التحكم'.
عرض: محمد محمود السيد - باحث متخصص في الشؤون العربية
النص الكامل للتحليل الأجنبي:
Estimating the Cost of Operations Against ISIL
http://www.csbaonline.org/wp-content/ascii117ploads/2014/09/Estimating-the-Costs-of-Operations-against-ISIL.pdfالمصدر: المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية