د. علي دربج - باحث وأستاذ جامعي
عام 2017 ضجت وسائل التواصل الاجتماعي في مختلف أنحاء العالم، بخبر قيام السلطات الفاشية الإسرائيلية باعتقال حمار، بحجة عدم امتلاك صاحبه الفلسطيني، رخصة لحيازته.
اللافت أن السلوك الإسرائيلي المثير للسخرية، قد راق للمسؤولين في الهند (بالمناسبة تحرص نيودلهي على نقل التجارب السياسية والأمنية الإسرائيلية، وهو ما نراه واضحًا في ممارسات المستوطنين الصهاينة المتطرّفين في فلسطين، وتعمّد تطبيقها ضدّ المسلمين في هذا الهند)، فأقدموا على أسر حمامة صينية بعد اتهامها بالتجسس لصالح الصين.
المضحك أن الحمامة قضت بالأسر حوالي ثمانية أشهر، إلى أن جرى إطلاق سراحها الأسبوع الفائت، بعد أن قررت السلطات الهندية بأنها ليست عميلة، بل مجرد طائر سباق تايواني ضل طريقه.
ما قصّة هذه الحمامة وكيف جرى اعتقالها؟
في أيار 2023، عثرت الشرطة الهندية، على تلك الحمامة بالقرب من ميناء في مومباي في مايو مع حلقتين معدنيتين مربوطتين بساقها، وقد وجدت ما يشبه الكتابة الصينية على الجانب السفلي من جناحيها. وعلى الفور، تم احتجاز العميل السري المزعوم لأشهر طويلة، أولًا من قبل الشرطة، ثمّ من قبل مستشفى باي ساكارباي دينشو بيتي للحيوانات في المدينة، الأمر الذي أكد صحة تقارير وسائل الإعلام المحلية حول الحمامة وأصلها.
وتعقيبًا على ذلك قالت شرطة مومباي للصحافة الأجنبية إنه بعد "تحقيقات وتحقيقات عميقة ومناسبة، لم نجد أي مواد أو حقائق مشبوهة مرتبطة بالحمامة. لذا جرى تحريرها الأسبوع الماضي وهي بصحة جيدة".
وكانت إحدى المنظمات المعنية بالطيور، قد ساعدت في تأمين إطلاق سراح الحمامة. حيث قال مدير المنظمة "مثل جميع الطيور، يجب أن يكون الحمام حرًا في التحليق في السماء، والبحث عن الطعام، وتربية صغاره كزوجين" وأضاف إن "الحمام يظهر الوعي الذاتي والذكاء".
وفي هذا السياق، يقول الخبراء إن الطائر ربما ضل طريقه خلال سباق قبالة سواحل تايوان، أو يرجح أن يكون قد حط على أحد السفن، للقيام برحلة طولها 3000 ميل تقريبًا. وبالمثل، أكد يانج تسونج تي، رئيس منصة تجارة حمام السباق التايوانية نيس: "يمكن لحمام السباق أن يطير لمسافة تصل إلى 1000 كيلومتر [حوالي 620 ميلًا] في اليوم، ولكن لكي يطير إلى الهند، كان عليه أن يتوقف". كاشفًا أن بعض الحمام الزاجل من الجزيرة (أي تايوان) قد وصل إلى الولايات المتحدة وكندا.
لكن مهلا، فهذه ليست المرة الأولى التي تقوم فيها السلطات الهندية بحبس حمامة بشكل خاطئ بتهمة التجسس. إذ ان حادثة مماثلة في عام 2015 ادت إلى تبادل اتهامات طريفة بين الهند وباكستان. وفي عام 2020، احتجزت الشرطة الهندية لفترة وجيزة حمامة صياد باكستاني بعد أن حلقت فوق الحدود المدججة بالسلاح بين البلدين.
هل يمكن للحمام أن يتجسس فعلًا لصالح بلد ما؟
صحيح أن هذه الادّعاءات الهندية قد تبدو سخيفة في عصر الأقمار الصناعية والتجسس السيبراني وعصر الذكاء الاصطناعي، إلا أن الحمام له تاريخ في الاستخدام في عمليات الاستطلاع.
خلال الحرب العالمية الأولى، نشرت ألمانيا الحمام المزود بكاميرات مثبتة على صدورها. وأثناء الحرب العالمية الثانية، استخدمت قوات الحلفاء الطيور لتبادل الرسائل السرية، بحسب جمعية أودوبون الوطنية، وهي منظمة أميركية غير ربحية مكرسة للحفاظ على الطيور.
ولأن الحمام "نوع شائع"، فإن الطيور المجهزة بكاميرات يمكنها إخفاء جمع معلوماتها الاستخبارية "بين أنشطة آلاف الطيور الأخرى"، استنادا لوكالة المخابرات المركزية الأميركية، التي طورت أيضًا مثل هذه آلات التصوير هذه.
وعلى ذمة، متحف التجسس الدولي في واشنطن، فإن الحمام "يتميّز بسرعته وقدرته على العودة إلى موطنه في أي طقس". لذا، فإن هذه الصفات نفسها تجعل الحمام جيدًا للسباق، وهو الاستخدام الأكثر شيوعًا للطيور هذه الأيام حيث يجري إطلاق الحمام أحيانًا لتطير مئات الكيلومترات بعيدًا عن موطنها، بانتظار عودتها من قبل أصحابها.
ما علاقة الحمام بالسباقات؟
في الواقع، إنه أمر "كوميدي للغاية" أن ترى السلطات الهندية الكتابة الصينية وتفترض التجسس، خصوصًا بالنظر إلى الشعبية الهائلة لسباقات الحمام في بكين من جهة، وحقيقة أن الصين لديها العديد من الأدوات التجسسية "الأكثر تطوّرًا" من الحمام من جهة ثانية.
زد على ذلك، ان سباق طيور الحمام على حدّ قول كولين جيرولماك، الأستاذ في جامعة نيويورك ومؤلف كتاب "الحمام العالمي"، الذي كان يطلق عليه ذات مرة "سباق خيول الرجل الفقير"، أصبح عملًا تجاريًا كبيرًا، مشيرًا إلى أن الحمام الفائز يمكن أن يجلب عشرات الآلاف من الدولارات في المزاد - أو أكثر من ذلك بكثير.
ففي المسابقات التايوانية، يتم إحضار الحمام إلى البحر وإطلاقه على بعد يقدّر بحوالي 124 ميلا إلى 310 أميال من الشاطئ. ونتيجة لذلك، ليس من غير المألوف أن ينتهي الأمر بالحمام بالهبوط في البلدان المجاورة أو على متن قوارب تأخذه إلى مسافة أبعد"، استنادا للباحثة في جامعة بوسطن يا تشينغ هوانغ التي درس ثقافة سباقات الحمام في تايوان.
وبينما يؤكد مربو الحمام أن الطيور تحظى بعناية كبيرة أثناء التدريب، فإن جماعات حقوق الحيوان وعلماء الأخلاق انتقدوا هذه الرياضة منذ فترة طويلة. فوفقًا "لمنظمة بيتا"، يموت الملايين من الحمام كلّ عام في السباقات الموسمية في تايوان، ويغرق الكثير منها بسبب الإرهاق، أو يموت في العواصف أو يُقتل بسبب بطئه الشديد.
في المحصلة، قد يحصل عادة ان تستخدم الطيور في أعمال التجسس، وبالتالي من حق الدول اتّخاذ خطوات احترازية. لكن العصي على الفهم والاستيعاب، هو تصرّف السلطات الهندية، واحتجازها الحمامة لعدة اشهر، مع انه كان بالإمكان نزع الأسوار والكتابات من على جسم الحمامة، وتحريرها. ففي السباقات والتجسس، يستعمل الحمام كأدوات لأغراض بشرية. فضلا عن أي حمام، لا يختار إطلاق سراحه بعيدًا عن غرفه العلوية وحمل الرسائل أو العلامات أو الحلقات إلى المنزل.