د. علي دربج باحث وأستاذ جامعي.
على وقع انهار الدماء التي ارقاتها حكومة اسرائيل الفاشية بغزة، يقوم جيشها النازي بتسويق نفسه كقوة عظمى مسلح بتكنولوجيا فتاكة عالية التطور، ويتحدث عن الأسلحة الآلية وتقنيات المراقبة بالحوسبة الفائقة التي "تم اختبارها في ساحة المعركة" على أجساد وجمام اطفال القطاع الطريّة مع عائلاتهم، في أفظع وأكبر حملة ابادة جماعية في التاريخ الحديث.
وبينما ينفق المستثمرون الأموال من مختلف أنحاء العالم (بما في ذلك بعض الدول العربية) على شركات الأسلحة الإسرائيلية الناشئة بمعدلات أسرع فأسرع، يستعد الرؤساء التنفيذيين لتكنولوجيا الحرب، لأن يكونوا المنتصرين الوحيدين في هذه الحرب، ولو على حساب أرواح جنودهم الذين يسقطون يوميا بالميدان بنيران المقاومة الفلسطينية، التي كسرت نظرية تفوق هذه التكنولوجيا.
وما هي التكنولوجيا التي اختبرها الاحتلال بغزة؟
في الواقع يتعامل قادة إسرائيل الدمويون، مع الفلسطينيين كحقل تجارب بشرية بالنسبة لأجهزة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية وصناعات الأسلحة والتكنولوجيا. فالطائرات بدون طيار، وتكنولوجيا المراقبة بما في ذلك برامج التجسس و التعرف على الوجه، والبنية التحتية لجمع القياسات الحيوية، إلى جانب الأسوار الذكية، والقنابل التجريبية، والمدافع الرشاشة التي يتم التحكم فيها بواسطة الذكاء الاصطناعي، كلها يجري اختبارها على السكان المحاصرين بغزة، حيث تؤدي إلى نتائج مميتة. وبعد ذلك، تُعتمد هذه الأسلحة والتقنيات على أنها "تم اختبارها في المعركة" ثم بيعها في جميع أنحاء العالم.
من هنا، في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، نشرت شركة Smartshooter الإسرائيلية الناشئة في مجال تكنولوجيا العسكرية، صورة مشوشة على فيسبوك تظهر ثلاثة جنود إسرائيليين يصوبون بنادقهم الهجومية على مبنى خرساني مدمر في مكان ما في قطاع غزة، وقد كتب تحتها تعليق مفاده: "إن SMASH 3000 يعمل الآن مع وحدة ماغلان لـ Sayeret Maglan، الاستطلاعية القتالية، مما يؤدي إلى تحول في سيناريوهات القتال القريب. وفي مقابلة نشرها موقع Ynet بعد شهر، وصف الرئيس التنفيذي للشركة، ميشال مور، الحرب الإسرائيلية على غزة، والتي أودت بحياة ما يقرب من 30 ألف فلسطيني، بأنها زيادة في المبيعات.
اكثر من ذلك، يضخ المستثمرون أموالهم في شركات ناشئة أصغر حجما، يقع مقر العديد منها في إسرائيل. وتبعا لذلك يتم الترويج بشكل متزايد للمدافع الرشاشة الآلية، والأسلحة السيبرانية السرية، والطائرات الانتحارية بدون طيار، والدبابات المعززة بالذكاء الاصطناعي، باعتبارها أحدث تقنيات كسب المال في وادي السيليكون.
اللافت انه من بين الشركات الإسرائيلية التي حققت أعلى عوائد على الأسهم في نهاية عام 2023، كانت شركات ناشئة تعلن عن أسلحة متطورة ينشرها الجيش داخل غزة. فالتكنولوجيا العسكرية، تعد واحدة من الصناعات القليلة التي يعول القادة الصهاينة على ازدهارها بسبب عدم الاستقرار الجيوسياسي.
وتعقيبا على ذلك، قال نوعام بيري، منسق الأبحاث في لجنة خدمة الأصدقاء الأمريكية – وهي مجموعة كويكر مقرها الولايات المتحدة تتعقب الأسلحة المستخدمة في حرب إسرائيل على غزة "لقد تمت تجربة أنظمة أسلحة جديدة متعددة لأول مرة الآن في غزة".
وبعد أيام فقط من 7 أكتوبر، أطلق المستثمر آرون كابلويتز المقيم في ميامي صندوق رأس المال الاستثماري يسمى "1948 Ventures". وقال كابلويتز للصحفيين إن "الغزو البري الإسرائيلي قدم فرصة غير مسبوقة "لاختبار قتالي" لأنظمة جديدة، في حين وعد بأن مساعيه التي تبلغ قيمتها ملايين الدولارات، تضع مصالح الإسرائيليين في الاعتبار.
بموازاة ذلك، في الشهر الماضي، حثّ رجل الأعمال الإسرائيلي يوناتون ماندلباوم، الشركات الإسرائيلية الناشئة على التحول نحو تصنيع الأسلحة، ووعد بأن ابتكار أسلحة جديدة هو "خدمة وطنية" للأمة.
وماذا عن الطائرات بدون طيار؟
خلال حروبه المتكررة على غزة وصولا الى المذبحة الاخيرة القائمة حاليا بالقطاع ، عمد جيش الاحتلال الى اختبار كميات هائلة من الطائرات بدون طيار فوق القطاع، بعضها مسلح، فيما الآخر تقتصر مهامها على الاستطلاع والتجسس، وقد استخدمت جميعها في مختلف الغزوات والتوغلات والضربات الإسرائيلية في غزة ولبنان.
يُطلق على هذه الطائرات بدون طيار اسم "تم اختبارها في المعركة" بهدف اغراء المشترين من الدول، وقد نجحت الشركات الصهيونية ببيع اعداد كبيرة منها، في كافة مناطق العالم .
المفاجأة الكبرى، ان الاتحاد الأوروبي، هو من أكبر زبائن اسرائيل، والاكثر استخداما لهذه الانواع من الطائرات، وفقا ل أنتوني لوينشتاين، مؤلف كتاب "المختبر الفلسطيني: كيف تصدر إسرائيل تكنولوجيا الاحتلال حول العالم".
فمع تزايد ارقام المهاجرين المتوجهين عبر البحر الى اوروبا، انشأ الاتحاد الأوروبي "وكالة فرونتيكس" لمراقبة وحماية الحدود الخارجية له، بعدما تزويدها بطائرات دون طيار اسرائيلية، تقوم على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع بالتحليق فوق البحر الأبيض المتوسط، وترسل صورًا لما يحدث في الوقت الفعلي إلى فرونتكس، التي يوجد مقرها في وارسو، بولندا، إذ بدا واضحا ان الاتحاد الأوروبي اتخذ قراراً بالسماح للناس بالغرق، فبالكاد يصدرون قوارب الإنقاذ ويجرمون الأشخاص الذين يحاولون إنقاذ المهاجرين. كما ظهرت هذه الانواع من الطائرات في الهند والعديد من البلدان الأخرى.
وما هي أرقام صادرات الاسلحة الاسرائيلية؟
عمليا، تعد إسرائيل عاشر أكبر تاجر أسلحة على هذا الكوكب، وتبيع تكنولوجيتها وأسلحتها إلى ما يقدر بنحو 130 دولة، بما في ذلك الديكتاتوريات العسكرية في آسيا وأمريكا اللاتينية.
من هنا، واصلت إسرائيل تحطيم أرقامها القياسية في مبيعات الأسلحة – وهو ارتفاع يُعزى جزئيًا إلى الصفقات المربحة مع الدول العربية المجاورة التي سهلتها اتفاقيات إبراهيم. ففي عام 2022، كانت صادرات الدفاع الإسرائيلية هي الأعلى على الإطلاق، حيث بلغت 12.5 مليار دولار.
وبفضل الحرب في غزة، يتوقع الخبراء العسكريون، أن تكون المبيعات العالمية في عام 2024 أعلى من ذلك. كما ان علاقتها الوثيقة مع أجهزة مراقبة الأمن الداخلي العسكرية وجمع المعلومات الاستخبارية ووكالات إنفاذ القانون، تفسر الدعم الكبير الذي يقدمه حلفاء إسرائيل لحملة الإبادة الجماعية في غزة.
ما تجدر معرفته ان إسرائيل، كانت تزود السلفادوريين والغواتيماليين بالأسلحة، بما في ذلك النابالم. كما تعاون جيش الاحتلال مع تشيلي في عهد الديكتاتور بينوشيه، وكذلك جرى ارتكاب الإبادة الجماعية في رواندا بأسلحة إسرائيلية.
اما حاليا، فلا تزال اسرائيل تبيع اجهزة المراقبة والاسلحة القاتلة، الى نظام ميانمار، بالرغم من اتهام الامم المتحدة له، بارتكاب إبادة جماعية ضد اقلية الروهينجا.
وهل أثبتت التكنولوجيا الاسرائيلية فعاليتها بغزة؟
تقدم العروض التقديمية الاسرائيلية صورة وردية لحرب تكنولوجية أقل دموية وأكثر إنسانية. لكن الحروب في غزة وتحديدا الاخيرة، جاءت بنتائج عكسية. فخلال العقدين الماضيين من الصراع العسكري المتصاعد في إسرائيل وفلسطين - وهي المنطقة التي توصف غالبا بأنها مختبر لصناعة الأسلحة العالمية - يظهر أن الابتكارات في إطلاق النار والقتل، لا تفعل شيئا يذكر للتعويض عن الدمار الذي يخلفه الاحتلال والحرب التي طال أمدها.
اما الشاهد الأكبر على ذلك، هو عملية طوفان الاقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول، عندما فشل الجيش الإسرائيلي في رصد أو منع عناصر المقاومة من تخطي السياج الالكتروني بغلاف غزة، والذي يعتبر الأكثر حداثة وتطورا وتجهيزا وتسليحا بالعالم.
ولهذه الغاية، يؤكد الخبراء إن اعتماد الجيش المفرط على أنظمة المراقبة الخوارزمية، والطائرات الاستطلاعية بدون طيار، والطائرات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، مهّدت - جميعها سلع رائجة في عالم تكنولوجيا الدفاع - الطريق لخسارة مأساوية وغير مسبوقة في الأرواح، بعدما تمكنت حماس من إيقاف غالبية أجهزة المخابرات الإسرائيلية وترسانة الأسلحة الآلية.
وتعلقيا على على ذلك، قال نيف جوردون، أستاذ حقوق الإنسان والقانون الدولي في جامعة كوين ماري بلندن، "أعتقد أن أحداث 7 أكتوبر تظهر مشكلة متأصلة في الوعد بهذه المنتجات. ومع ذلك، لا يمكن لمصنعي التكنولوجيا الدفاعية أن يعترفوا أبدا بأن الاعتماد على منتجاتهم يمثل استراتيجية ذات طريق مسدود. وعلى حد تعبير جوردون: "الآن لدى الصناعة مصلحة راسخة في إظهار أن الفشل لم يكن بسبب تقنياتها".
في المحصّلة لم تنجح أي من التقنيات الجديدة التي تم اختبارها في غزة في تقريب إسرائيل من تحقيق أهدافها المعلنة في الحرب. كذلك فإن وعد التكنولوجيا بتحقيق قدر أكبر من الدقة في الحرب، غائب عن الهجوم الإسرائيلي الحالي، والدليل حجم الدمار والشهداء.
والاسواء، ان بنادق القناصة المعززة خوارزميا، لم تفعل الكثير لردع القوات عن إطلاق النار على المدنيين الفلسطينيين، بما في ذلك ثلاثة اسرى إسرائيليين. كما فشلت أنظمة الاستهداف التي تعمل بالذكاء الاصطناعي في حماية حياة أكثر من 8000 طفل قتلوا في الغارات الجوية الإسرائيلية.