قراءة: عبير بسّام
نشر الكتاب في العام 2022، بواسطة دار روتلدج للنشر. وقد كتب كرسالة لنيل الدكتوراة من قبل "هادي وهاب". هادي وهاب: باحث في شؤون الشرق الأوسط حاصل على درجة الدكتوراه. من جامعة اكستر. وقد سبق له أن نشر مقالتين حول الهوية الطائفية والعلاقات بين الدروز في لبنان وسوريا وردهم على الإرهاب الديني، ومقال عن استخدام حزب الله للهوية الطائفية ودوره في الصراع الطائفي في سوريا.
بحسب مقدمة الناشر، يفحص هذا الكتاب مسار تحول حزب الله من جهة فاعلة غير حكومية مسلحة محلية إلى جهة فاعلة غير حكومية مسلحة إقليمية وغير حكومية. منطلقاً من تأريخ عمل حزب الله على المستويين العسكري والسياسي في لبنان، ومركزاً على مشاركة قوات حزب الله، على ما يعتبره الكتاب، بحسب التوصيف الغربي لما يحدث في سوريا، على أنه حرب أهلية طائفية. ويرى الناشر أن تدخل حزب الله في الصراع السوري كان محدوداً في البداية وتحول بشكل تدريجي إلى مشاركة واسعة النطاق عبر مساحات شاسعة من الأراضي السورية، مستغلاً هويته الطائفية (الشيعية) لتبرير مشاركته. فالروايات الطائفية كانت مجرد أداة لما يمكن وصفه بالمواجهة الجيوسياسية. وأدى تدخل حزب الله إلى إطلاقه ليصبح وكالة إقليمية فاعلة مسلحة. تطور هذا الانتقال بصورة مقبولة بسبب تفاعل ثلاثة عوامل: تعبئة حزب الله الطائفية واستغلال هويته الطائفية كأداة؛ تحول القوة العسكرية للحزب إلى شبه جيش يجمع بين تكتيكات وتشكيلات حرب العصابات؛ ترسيخ وجوده كشريك في المحور، الذي بات يمتد اليوم من بيروت إلى طهران.
في العام 2018، سمحت مجموعة من الشروط، قد يستحيل إعادة إنتاجها، بحسب الناشر، لحزب الله بالوصول إلى أوج قوته على الصعيدين المحلي والإقليمي. وهذا الكتاب يوضح كيف أن مجموعات مسلحة غير حكومية يمكنها أن تلعب أدواراً بارزة في النظام الإقليمي في الشرق الأوسط. فما بين أيدينا بحث دقيق عن حزب الله، ويعتبر دراسة شاملة مثالية للطلاب الجامعيين والمهتمين من المستوى الأعلى وما فوق بدراسات الشرق الأوسط وسياسة الشرق الأوسط والعلاقات الدولية.
يبدأ الكاتب الكتاب مستشهداً بقول ديفيد آرميتاج: "عالمنا ليس عالم السلام، إنه عالم الحروب الأهلية"، في التعريف بالمنطقة، ثم يسرد تاريخها الحديث ابتداءً من اتفاقية سايكس بيكو، التي كرست تقسيم المنطقة كما هو معروف اليوم، كما كرست استجلاب الصهاينة وإعلان دولة اسرائيل ككيان غريب في المنطقة العربية، إلى العدوان الثلاثي على مصر وصولاً إلى الحرب الأهلية في لبنان، ليبدأ الصراع الطويل الأمد في أرض شهدت مهد الديانات السماوية الثلاث.
وبالتالي فإن الكتاب يسعى نحو الإجابة على سؤال البحث الأساسي حول: ما هو تأثير الصراع الطائفي السوري على انتقال حزب الله ليصبح قوة إقليمية فاعلة في المنطقة؟
محتويات الكتاب
1- مقدمة وفيها:
الأسئلة الموجهة
معقولية التحولات
الإطار النظري: المجموعات المسلحة غير الحكومية والطائفية
شرح المصطلحات
خريطة الكتاب
2- الخلفية والظهور والولاءات الدينية والسياسية:
الخلفية التاريخية
العلاقة بين حزب الله والجمهورية الإسلامية الإيرانية: ولاية الفقيه
مناظرة حزب الله
الخلاصة
3- لبنان: وكر حزب الله
الانتخابات النيابية الأولى: سياسة الانفتاح
الانسحاب بعد سوريا: في الحكومة
مذكرة تفاهم
حرب يوليو: نحو توازن قوى جديد ؟
اشتباكات "7 مايو" واتفاق الدوحة: مواجهة مرموقة
صعود عون إلى النفوذ
"إن عدتم عدنا": تلال عرسال القاحلة
الانتخابات البرلمانية لعام 2018: فوز حزب الله الهائل
رد حزب الله على انتفاضة 17 أكتوبر
الخلاصة
4- المسابقة الجيوسياسية ومركز حزب الله الطائفي
فلسطين: سبب وجود حزب الله
حزب الله في عراق ما بعد صدام
المعركة من أجل سوريا
من القصير إلى القلمون: التعبئة الطائفية لحزب الله
ساعات الحرب المجنونة: إزالة الغموض عن اشتباكات حزب الله الشاملة
حزب الله في الباحة الخلفية السعودية: اليمن
الخلاصة
5- الانتقال: ممثل إقليمي مسلح غير حكومي
الصراع الطائفي في سوريا: حرب الضرورة
التحول إلى شبه جيش
من بيروت إلى طهران: شراكة مبهمة
الخلاصة
6- ذروة حزب الله: ماذا بعد؟
بعد الغوص في المقدمة التي تحتوي على السؤال الأساسي للبحث، يسعى الكاتب إلى تقديم جديد الكتاب وما يميزه كقيمة علمية تختلف عن ما سبق نشره فيما سبق. وأهم ما فيه أنه يبحث في الحاجة لحزب الله كقوة تواجه المشروع الأميركي الصهيوني في المنطقة. ويتناول الفصل الثاني شرح صعود الشيعة كجزء من ظهور الإسلاموية في الشرق الأوسط، ويفترض الكاتب هنا أن الإسلاموية جاءت لتحل محل مشاعر العروبة. وبالتوازي مع سبق، بدأت جماعة شيعية صغيرة بالإنتشار في جميع أنحاء لبنان من خلال مشاركات متفرقة في النشاط السياسي. اذ يبدأ هذا الفصل نقطة انطلاقه من تاريخ الشيعة في لبنان، ثم يتراجع قليلاً لشرح أصل حزب الله الذي يكمن أساساً في حزب الدعوة وحركة أمل. فيبحث الفصل في أصول حزب الله وانتمائه إلى ولاية الفقيه، وهو مفهوم ديني أدخله آية الله الخميني بعد انتصار ثورة 1979. بتنسيق ودعم من الحرس الثوري الإيراني، وفيلق القدس، الذي تأسس كداعم للعمليات، كما حزب الله، في محاربة الاحتلال الإسرائيلي في لبنان. كما يوضح هذا الفصل العلاقة الرباعية ما بين الطرفين: فهي علاقة دينية وسياسية وعسكرية ومالية. كما يوضح هذا الفصل الجدل القائم حول إذا ما كان حزب الله جماعة مقاومة أم إرهابية. في وقت يسعى فيه الفصل لتسليط الضوء على تاريخ صعود الشيعة في لبنان وليس فقط على تاريخ حزب الله، الذي يعد صعوده جزء من حركة الصعود هذه.
يدرس الفصل الثالث المناورات التي قام بها حزب الله في لبنان خلال الأعوام 2004 حتى 2018. فيشرح بداية كيف دخل حزب الله للمرة الأولى إلى السلطة من خلال مشاركته في الانتخابات النيابية عام 1992. ثم يبحث الفصل في مخاوف الحزب من المؤامرة الموجهة ضده بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، والتي اتهم بها الحزب لاحقاً. كما يعالج الفصل التخوفات من إمكانية التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي 1559. قرار دعا إلى انسحاب القوات السورية ونزع سلاح حزب الله ضمناً. حيث دفعت التغيرات الجوهرية في ميزان القوى الداخلي الناتج عن انسحاب سوريا من لبنان في العام 2005 حزب الله إلى المشاركة في أول حكومة لبنانية. وينظر الفصل أيضًا في "مذكرة التفاهم"، وهي اتفاقية وقعها، الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله وزعيم التيار الوطني في لبنان يومها الجنرال ميشال عون، والذي أصبح فيما بعد رئيس الدولة اللبنانية. في هذه المرحلة، وبعد اغتيال الحريري، انقسم لبنان إلى تيارين: الأول سمي بتحالف 8 آذار الموالي لسوريا، بحسب تعبير وهاب، والآخر 14 آذار المناهض لسوريا.
ويشرح الفصل أن تصاعد الأحداث في لبنان لم يتوقف عند ذلك، بل شهد البلد مظاهرات واعتصامات لمجموعة 8 آذار طالبت باستقالة حكومة السنيورة الموالية للغرب. انتهت هذه المرحلة باشتباكات 7 أيار/ مايو 2008، فسيطر مقاتلو حزب الله على البلد، ولم تنتهي المرحلة إلا من خلال ما عرف يومها باتفاق الدوحة. في الحقيقة إن القراءة التي يقدمها وهاب في إعادة سرد وقائع هذه المرحلة هام جداً، وبغض النظر عن الموقف الشخصي، يقوم الكاتب بإعادة التنبيه إلى تسارع تطور ومن خلال سرد الحقائق التاريخية دون مواربة. ويبقى الأمر مرتبطاً بشكل ما بقناعات الكاتب والناشر على حد سواء. ويستمر الفصل برواية الأحداث السياسية في لبنان وصولاً إلى حرب الجرود وإطلاق شعار " وإن عدتم عدنا. لينتهي الفصل بتأريخ "انتفاضة" 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، وهنا يتهم الكاتب الحزب بالرد على جماهير الإنتفاضة عبر استخدام القوة.
يتناول الفصل الرابع مناورات حزب الله خارج المسرح السياسي اللبناني، ويغمز الكاتب باب الإستغلال للهوية الطائفية للحزب كأداة تحدد دورها بالوكالة مواجهات إيران في فلسطين والعراق. ويعتبر أن الملف الفلسطيني هو سبب وجود "حزب الله"، وأنه لولا الدعم الايراني لما كان ليتمكن أحد من إعطاء الفصائل الفلسطينية الدعم السياسي واللوجستي الذي تحتاجه خلال عملية المقاومة. ويرى الفصل أن الفصائل الفلسطينية، السنية ، ليست جزءًا كاملًا من المحور، لأن الضغوط التي ألحقت بهم أثناء صعود الطائفية في خضم الحرب الأهلية السورية أبعدتهم عن حلفائهم في المحور، وذلك في إشارة تؤكد بحسب قراءة الكاتب لدور حزب الله الطائفي! ومنعه سقوط النظام السوري برئاسة بشار الأسد. وتدخل حزب الله في سوريا في بلدة القصير على الحدود اللبنانية السورية وفي ريف دمشق، حيث برر حزب الله هذا الانخراط بسرد طائفي. فوعد بحماية القرى اللبنانية [الشيعية] حول القصير والمزارات الشيعية في بلدة السيدة زينب، والتي تقع على بعد بضعة كيلومترات جنوب دمشق.
كما يدعي هذا الفصل أن الروايات والأساطير والرموز والمظالم الخاصة بحزب الله ساعدت في تفاقم الانقسام السني الشيعي. فانتشرت تدريجياً قوات حزب الله في جميع أنحاء سوريا، وامتدت من درعا والقنيطرة في الجنوب إلى دير الزور في الشمال الشرقي، وإدلب وحلب في الشمال الغربي . وغطى وجود الحزب العديد من المحافظات الداخلية، في ريف دمشق وحمص وتدمر. كما يدرس الفصل الرابع تباعاً دور حزب الله بالوكالة في عراق ما بعد صدام، حيث نفذ أجندة طهران الإقليمية من خلال المساعدة في إنشاء نسخ أيديولوجية شيعية متماثلة تحت مراقبة إيران، عمل يؤكد، برأي الكاتب، على تورط حزب الله في الحرب الأهلية السورية، كما يفحص هذا الفصل المواجهات التي قادها الحزب ويخلص إلى أن حزب الله أصبح شبه جيش يخلط بين تكتيكات وتشكيلات حرب العصابات والجيش الكلاسيكي. علاوة على ذلك ، هناك مؤشرات على أن حزب الله أصبح شريكاً وصانع قرار في محور يمتد من بيروت إلى دمشق وصولاً إلى بغداد وطهران، مع دور قوي في الهجمات البرية والمساحات العملياتية حتى مستوى القيادة. أدى التفاعل بين هذه المتغيرات في النهاية إلى تحول حزب الله إلى قوة مسلحة إقليمية غير نظامية، مما مكنه من المساعدة في قلب ميزان القوى في سوريا لصالح الأسد وحلفائه. ويختتم الفصل الرابع بفحص موجز لدور أنصار الله وكيل حزب الله في اليمن، حيث ساعد إيران على تنفيذ أجندتها الإقليمية من خلال دعم الحوثيين ضد النظام المدعوم من السعودية على أمل موازنة الرياض على حدودها.
يتعمق الفصل الخامس في شرح الجوانب التي أدت إلى انتقال حزب الله إلى قوة إقليمية مسلحة. إذ أن حزب الله أرسل قواته إلى سوريا للمساعدة في منع انهيار نظام بشار الأسد، الذي كان وما زال حليفه الاستراتيجي طويل الأمد. وسوريا هي جسر العبور البري من طهران إلى بيروت، وكان من الممكن في حال دمار هذا الجسر سيقلب ميزان القوى لصالح خصومه. ويتهم هذا الفصل بأن الحرب الأهلية السورية كانت حرباً ضرورية لحزب الله من أجل ضمان بقائه. ومن وجهة نظره فقد كانت مواجهة جيوسياسية بين قوى محلية وإقليمية ودولية على أرض سوريا. مكن ذلك الحزب من الانتقال إلى قوة مسلحة إقليمية من خلال ثلاثة متغيرات: استغلال حزب الله لهويته الشيعية، والمواجهات العسكرية التي حولته إلى شبه جيش، وانتقاله إلى شريك وصانع قرار في المحور. وبعد التدخل في سوريا، دخل حزب الله ساحة معركة جديدة مختلفة عن تلك التي اعتاد عليها في لبنان ضد عدو جدي. واضطر الحزب للتكيف، اذ كان عليه أن يجمع بين حرب العصابات وتكتيكات الحرب الكلاسيكية مع تشكيلات الجيش الكبيرة والوحدات المتخصصة، وبالتالي فقد تطور إلى شبه جيش. خلال هذه المواجهات، ترسخ حزب الله أكثر في المحور كشريك وصانع قرار، ويمتد اليوم من بيروت إلى دمشق وبغداد وطهران وصنعاء. ومع ذلك، يعرف الحزب أن سوريا ليست النسخة الأيديولوجية لإيران، لكن لديه معها نقاط تقاطع أكثر من نقاط الاختلاف فيما يتعلق بالسياسات الإقليمية.
يلخص الفصل السادس مقارعات الكتاب للمواضيع المختلفة، ويفحص الموقف الجديد لحزب الله في المشهد الاقليمي وينظر إليها من خلال التغيرات الناتجة في النظام الاقليمي. ويشدد على أن توازن القوى المتغير في الشرق الأوسط وفر أرضاً خصبة للمجموعات المسلحة غير الحكومية لتزدهر وتوسع نفوذها. ومع ذلك، من بين جميع المجموعات المسلحة غير الحكومية ، لعب حزب الله الدور الأكثر حسماً على المسرح اللبناني وخارجه. إضافة إلى ذلك، فإن حزب الله ساهم في تعميق الانقسام السني الشيعي من خلال أجندته الطائفية ومساعدته في ترميز الصراع السوري. هذا الصدع لن ينتهي في القرن الحادي والعشرين وستبدأ كنتيجة حتمية له مواجهات جديدة كما هو الحال في العراق وسوريا ودول عربية أخرى، خاصة بعد أن نجح في المساعدة في منع انهيار النظام السوري في عهد بشار الأسد، وفي ترسيخ نفسه بقوة أكبر في المحور الذي يمتد الآن من بيروت إلى صنعاء. وأخيراً ، يسلط الفصل السادس الضوء على انعكاسات عناصر حزب الله فيما يتعلق بأدوارهم وتطلعاتهم المستقبلية. ويختم الفصل بلفت النظر إلى إنه في ظل الفوضى السائدة في المنطقة، فإن القضاء على حزب الله سيكون أصعب مما يتوقع منافسيه.
اذاً يستعرض هذا الكتاب دور أحد أيقونات المجموعات المسلحة غير الحكومية في الشرق الأوسط: حزب الله. الحاضر من ضواحي بيروت إلى جنوب وغرب لبنان، حيث يعكس عرض اللافتات والرموز الخاصة بالشيعة والتماثيل الإيرانية العلاقة العميقة بين حزب الله وإيران. وفيما تعمل الهوية الطائفية كنقطة علام للتضامن الجماعي في حالات عدم التجانس الطائفي العالي، فقد تكيفت المجموعات الطائفية والمواطنون مع هذا الوضع الراهن. ولهذا يعد حزب الله مثال واضح على قدرة المجموعات الغير نظامية المسلحة على لعب دور إقليمي هام في المنطقة.
في 16 شباط/ فبراير 1985، في رسالته المفتوحة الموجهة إلى العالم، أعلن حزب الله رسمياً عن نفسه كمقاومة، ليس فقط ضد الاحتلال الإسرائيلي في لبنان ولكن ضد الاحتلال الإسرائيلي في كل مكان. ضمن مفهوم الدولة الإسلامية الذي طبقه آية الله الخميني، الزعيم الروحي الراحل لجمهورية إيران الإسلامية والأمة. هذا المفهوم في الدور الذي تلعبه دولة ما تدعم حزب معين في دولة أجنبية، عالجه أنطونيو غرامشي في قضية "الحزب السياسي" من خلال شرح كيفية تدخل الدول الأجنبية في بلدان أخرى لدعم حزب معين لحسابات الدولة، وليس لحسابات الحزب. ومع ذلك ، يواصل جرامشي القول إن "الأطراف تتجنب حتى المظهر" المبرر "للعب لعبة شخص آخر، خاصة إذا كان هذا الشخص دولة أجنبية". ولكن وهاب يقول أن ليس هذا هو الحال بالنسبة لحزب الله، كما هو الحال مع معظم الأحزاب والجماعات اللبنانية، التي تسعى دائمًا للحصول على دعم خارجي من أجل تنفيذ أجندتها المحلية وفي نفس الوقت تكون بمثابة أداة للدولة الراعية. بالإضافة إلى ولائهم السياسي والديني الواضح لإيران، يقر حزب الله بشكل صارخ بأن دعمه المالي يأتي من طهران.
بداية، يرى وهاب أن حزب الله ظهر في أوائل الثمانينيات كمنظمة محلية هجومية ومتشوقة لمحاربة الإسرائيليين من خلال تكتيكات حرب العصابات ـ الكر والفر بوحدات صغيرة. وشهدت العقود التالية تحولات فكرية وعسكرية وسياسية، اذ تحولت السياسة العامة لحزب الله بسبب التغيرات في النظام الإقليمي والدولي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وبدء عهد التفوق الأمريكي، إضافة إلى التحول داخل إيران، التي أصبحت بيئة أكثر براغماتية. تم تشكيل هذا السلوك الجديد خلال الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) وأصبح أكثر وضوحًا بعد وفاة آية الله الخميني والتأثير المتزايد لشخصيات أكثر اعتدالًا بقيادة آية الله خامنئي، المرشد الأعلى الجديد. بعبارة أخرى، أصبحت مصالح الأمن القومي الإيراني أكثر أهمية من الأيديولوجيا. في موازاة ذلك ، بدا أن حزب الله أدرك على مضض عدم ملاءمة إنشاء دولة إسلامية في مجتمع متعدد الطوائف مثل لبنان، وبالتالي، فقد رضخ حزب الله لحالة الوضع الراهن. وفي الوقت الذي واجهت فيه هذه الفكرة المهيمنة الحقائق على الأرض، سعى حزب الله إلى التكيف من خلال اتباع "سياسة الانفتاح" وقرر الترشح للانتخابات البرلمانية عام 1992 على قوائم عابرة للطوائف.
ثانياً، وخلال نفس العقد، انخرط حزب الله مرتين بحرب مع الإسرائيليين: عملية المحاسبة في تموز/ يوليو 1993 وعملية نيسان/ أبريل 1996 عناقيد الغضب. لم يفشل جيش الدفاع الإسرائيلي في إخضاع حزب الله فحسب، بل زوده بمزيد من المصداقية والمحبة في نظر اللبنانيين والعرب. وشهدت التسعينيات هجمات وهجمات مضادة بين حزب الله والجيش الإسرائيلي. في وقت لاحق، في 25 أيار/ مايو 2000، "خرجت" إسرائيل من جنوب لبنان وكان لحزب الله الفضل في التحرير، على الرغم من أن مجموعات أخرى قاتلت الإسرائيليين في مراحل سابقة.
ثالثًا ، ضغط خروج الجيش العربي السوري من لبنان عام 2005 على حزب الله، لأول مرة، للمشاركة في الحكومة لملء فراغ السلطة الذي خلفه.
رابعاً، في تموز/يوليو 2006، اندلعت حرب جديدة بين حزب الله والجيش الإسرائيلي استمرت 33 يوماً وحولت حزب الله إلى قوة عسكرية ماهرة.
خامساً، وهو الأهم، الحرب الأهلية في سوريا رسخت حزب الله كشريك في المحور الممتد من إيران إلى لبنان، عبر سوريا، ومؤخراً العراق، وحولته من قوة مسلحة محلية إلى قوة مسلحة إقليمية.
من النقاط الهامة التي يشير إليها الكاتب هي مصطلح "المحور"، الذي تم تقسيمه إلى قسمين: ففي حين أطلق عليه جورج دبليو بوش، رئيس الولايات المتحدة السابق، اسم "محور الشر"، أطلق عليه حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، والقادة الإيرانيون اسم “محور المقاومة"، وهي الجهات الفاعلة في الشرق الأوسط والتي تسعى إلى مواجهة المصالح الغربية في المنطقة، وتحديداً مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل. ضم هذا التحالف تاريخياً، نظام الأسد في سوريا وحزب الله اللبناني، وفي السنوات الأخيرة، قامت إيران أيضاً بتدريب مقاتلين شيعة عراقيين كأحدث أعضاء هذا التحالف.
ويرى الكاتب أنه وبشكل عام، فإن مصير حزب الله مرتبط بإيران وفي رعاية الأخيرة له أهمية قصوى في قدرة الأولى على التحمل. علاقة مفيدة للطرفين! فبينما ينفذ حزب الله أجندة إيران ويزودها بنفوذ إقليمي، تساعد إيران حزب الله في الوقوف ضد إسرائيل وتضخيم نفوذها المحلي والإقليمي. في الآونة الأخيرة، ومن خلال التعاون مع الحرس الثوري الإيراني، قاد حزب الله خطة دعم الفصائل الفلسطينية التي ابتدأها في أوائل التسعينيات، وفي عراق ما بعد صدام شارك في مساعدة وتدريب الجماعات الشيعية العراقية من أجل محاربة الولايات المتحدة وزيادة النفوذ الإيراني.
وبينما اختار حزب الله عدم التدخل في بداية الحرب السورية، في عام 2012، عندما كانت سوريا تتفكك في الفوضى وكان مقاتلو المعارضة يغلقون على دمشق، بدأ مقاتلو حزب الله المجهزون والمدربون جيداً مشاركتهم التدريجية للمساعدة في منع انهيار نظام الأسد. كان التدخل تدريجياً ويمليه التوازن العسكري المتغير على الأرض. فكلما ضعف النظام وزاد خطر سقوطه، ازداد تدخل حزب الله لملء الفراغ وتقديم الدعم اللازم. حقيقة تدخل في مواجهة جيوسياسية خاطرت بإمالة ميزان القوى لصالح خصومها. حداد يؤكد ذلك في حزيران / يونيو 2013، "رفع نصر الله المخاطر من خلال اتهام القوى الأجنبية بالتآمر ضد "محور المقاومة" - إيران وسوريا وحزب الله والفصائل الأخرى الموالية لإيران. يؤكد نصر الله: "سنكون خيث يجب أن نكون"، وكان تدخل حزب الله في سوريا وساعد ذلك في قلب الموازين.
يعتمد هذا الكتاب على التحليلات على مستوى المنطقة للأحداث من أجل شرح مناورات حزب الله والموقف العام بين عامي 2004-2005 و 2018 ، مع تغطية مقتضبة لانتفاضة 17 أكتوبر في عام 2019. وبينما يبحث في الدور الذي لعبه حزب الله في لبنان ، فإنه يركز على عملياتها في المسرح السوري خلال الحرب الأهلية الطائفية. ويستطلع مساهمة حزب الله في تغيير ميزان القوى خلال الصراع السوري من خلال المساعدة في منع انهيار نظام بشار الأسد. كما يشرح بالتفصيل كيف أن الصراع الطائفي في سوريا، وهو حرب الضرورة لحزب الله، قد حوله من كونه لاعباً محلياً إلى لاعب إقليمي. في الصورة الأوسع. كما تورط حزب الله في الاضطرابات الإقليمية من دمشق إلى صنعاء، عبر بغداد، مما أدى إلى تسريع انتقاله من وكالة محلية إلى وكالة إقليمية.
في شباط/ فبراير 2010، أقام الأسد، مع الإشارة الكاتب يصر إلى عدم الإشارة إلى الرئيس الأسد إلا بكونه رئيس نظام مع عدم الإشارة إلى أنه رئيس دولة سوريا، عشاء رئاسي بحضور محمود أحمدي نجاد، رئيس إيران آنذاك، ونصر الله. كان هذا التجمع اعترافاً بحزب الله كشريك وصانع قرار في المحور حتى قبل بدء الصراع السوري. لكن الحرب الأهلية كانت نقطة التحول في هذه الشراكة حيث أطلقت حزب الله على طريق أن يصبح شريكاً وليس بديلاً لكل من إيران وسوريا. بشكل عام ، كان التفاعل بين ثلاثة عوامل هي التي شكلت حزب الله على أنه وكالة لقوة مسلحة إقليمية: مستغلاً هويته الطائفية كأداة للتحول إلى شبه جيش وشراكته في المحور والمشاركة في عملية صنع القرار.
إن الهدف الشامل لهذا الكتاب ذو شقين: أولاً، دراسة انتقال حزب الله إلى قوة مسلحة غير حكومية إقليمية، ويقدم حزب الله كدراسة حالة للتأكيد على أن المجموعات المسلحة غير الحكومية هي مفتاح النظام الإقليمي. ثانياً، إن الحزب يساهم في الجدل الطائفي من خلال فحص كيفية تحول رواية حزب الله من المركزية الطائفية لتبرير انخراطه في الصراع السوري المرتبط بالطائفية إلى معركة جيوسياسية طائفية مفتوحة، بالطبع، هذا لا ينفي حقيقة أن حزب الله قد تخلى عن استغلاله السياسي للهوية الطائفية، لكنه يحاول إظهار أنها كانت مجرد أداة لتبرير انخراطه. فيجادل هذا الكتاب بأن السبب المباشر لتدخل حزب الله هو خطر فقدان حليف استراتيجي في حالة انهيار نظام الأسد، وبالتالي سيواجه انتكاسة إقليمية. يشرح كريستوفر فيليبس ذلك بشكل أفضل: "سوريا، قبل كل شيء، كانت دائمًا الحبل السري الذي غذى وضمن قدرة حزب الله على التحمل على الرغم من المحاذير الصغيرة بين الجانبين".
يمضي الكتاب في دراسة سياسات حزب الله المتمحورة حول الطائفية ، وتسخيره السياسي للهوية الطائفية ، وأهمية الرموز والروايات الخاصة بالطائفة. وهي تدقق في علاقتها مع إيران ومناوراتها السياسية والعسكرية على المسرح الداخلي، والتي امتدت من ظهورها عام 1982 إلى التغيرات في سلوكها السياسي الذي أصبح أكثر براغماتية منذ أوائل التسعينيات بمرور الوقت، اذ "حوّل حزب الله نفسه من جهاز سري غير معروف عنه إلا القليل أسسه الحرس الثوري الإيراني إلى واحد من أقوى الأجهزة غير الحكومية".
في الفصل الثالث، عندما يوصف الكاتب معركة جرود عرسال ضد ميلشيا داعش والنصرة الإرهابيتين، فإن الكاتب يعتمد أسلوباً سلساً وبسيطاً ومحايداً، يجعل من أهداف المعركة وسيرها ونتائجها وحتى المواقف الدولية منها تسير عبر منحى علمي محايد. ومع ذلك فهي تُظهر في الوقت ذاته اهمية القرار المتخذ خلال فترة رئاسة الرئيس ميشيل عون وأهمية التعاون ما بين حزب الله والجيش اللبناني.
بعد ذلك يدخل الكتاب لنقاش مرحلة القرار السياسي، خاصة وأن حزب الله وحلفائه قد فازوا بالأغلبية في البرلمان اللبناني في العام 2018، انتخابات تأجلت ثلاث مرات، مرحلة فاجئت الجميع وكان التعامل معها قراراً مفصلياً أخذ لبنان نحو حصار أميركي مانزال نشهد تبعاته المدمرة حتى يومنا هذا. يوصف وهاب القرار السياسي في تلك المرحلة بأنه بات بيد حزب الله. ولكن عند تشكيل الحكومة، وجد حزب الله، أنه وحلفائه غارقون في النظام الطائفي اللبناني منذ العام 2005، وأنهم لم يكونوا قادرين على التغيير، مع أنهم يملكون الأغلبية البرلمانية. وهذاما رفع مستوى الشك بأن حزب الله قادر على مكافحة الفساد وعلى فرض التغيير على المستوى الإقتصادي والإجتماعي، وأن الأمر برمته لا يعدو كونه أضغاث أحلام ووعود زائفة. وبالتالي، فقد نجت الأنظمة الحالية والرؤساء والوزارات القائمة على المحسوبية والمحسوبية الرأسمالية والاستقطاب والفساد. وفضحت أن تراجع الأداء الإقتصادي بالتدخل الأجنبي، وبخاصة خلال الوجود السوري، كان مجرد أداة لتبرير الواقع الفاسد، وبعد خروج القوات السورية من لبنان، تم تفكيك هذه الحجة، الأمر الذي قدم أدلة واقعية على مدى تحمل النخب السياسية وكبار رجال الأعمال العبء الأكبر في مسؤولية فشل الدولة وليس القوى الخارجية.
يقرأ الكتاب في الواقع اللبناني حتى ما بعد ما يسمى بثورة 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، والتي أفرزت اصطفافات جديدة بانت نتائجها في الإنتخابات الأخيرة، ولكن الكاتب يعتبر أن إعتصامات 17 تشرين كانت تعبيراً وطنياً يشبه ما أفرزه تحرك 1943 ضد الفرنسيين، وهو مختلف عما حدث في لبنان في العام 1958 أو 2005، حيث خلقت إحساسًا بالهوية الوطنية الجماعية يتجاوز الطريق الطائفي المسدود، والكاتب هنا مخطئ تماماً. فالتحركات في 1958، لم تعرف أبداً المنحى الطائفي، وكانت عابرة للطوائف، وهي تعبير عن قوى وطنية وعروبية وارتبطت بالمشروع العربي وقضية فلسطين ضد الإستعمار الغربي، وكذلك كان التحرك 2005، الذي أفرز مشروعين، الأول كان لبنان منتمي لقضايا التحرر الوطني والمقاومة والالتزام بقضية فلسطين، والآخر جلب اجتياح 2006 على لبنان، بأقل ما يمكن ان يقال فيه. وما حدث في 17 تشرين قد يكون قد ابتدأ كتحرك ضد الغلاء، ولكنه تمدد ليصبح مشروعاً قضى على آخر مقومات الدولة في لبنان، أو لنقل بانه أسقط ورقة التوت عن آخر مستورات التدخل الاميركي والإقتصاد اللبناني المنهار.
لكن يعود الكاتب ليوضح بأنه، شيئاً فشيئاً، بدأت المجموعات المسيسة ذات الأجندات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الواضحة في التطور. علاوة على ذلك ، فشلت أيضاً في أن تصبح ثورة تفاوضية لأنها بينما لم تكن قادرة على إزاحة النظام القديم ، رفضت أيضًا أي مفاوضات معها تاركة الجميع في مأزق وتنتظر تغييراً محتملاً في الانتخابات المقبلة. ولكن وهاب هنا لا يوضح بالتأكيد علاقة حزب الله بعدم وضوح الرؤيا السياسية لهذه المجموعات التي بان موقفها السياسي وتحولت التظاهرات لتصبح مسبات للقيادة في الحزب.
مع أن وهاب يرى أن الحرب السورية حولت حزب الله إلى قوة استراتيجية كبرى وذات خبرة أكبر وأن هذه النقطة يتوافق عليها كل من الأميركيين، على لسان بومبيو، وزير الخارجية الأميركي. وأن دوره توسع في اليمن وازدادت وتيرة لعبة عض الأصابع ما بين ايران والسعودية في العام 2012 مع إرسال إيران وكلائها لحماية نظام بشار الأسد من الانهيار، ودخل الحرس الحرس الثوري الإيراني ليلعب دوراً جديداً في سوريا، ومن ثم في اليمن. ولكن في الواقع، لم يكن انتقال حزب الله ليصبح قوة إقليمية هو الذي ابتدأ الحرب في سوريا، ولكن ما يهم هو أن حزب الله، الذي أسيء إليه من قبل خصومه وأشاد به مؤيدوه، اكتسب سمات القوة المسلحة الإقليمية التي لعبت دوراً رئيسياً في تغيير الوضع الإقليمي. مع بلوغ حزب الله ذروته إقليمياً ومحلياً في عام 2018 ، يبقى السؤال الحقيقي: ماذا سيحدث بعد ذلك؟
لقد فشل الكاتب في توضيح أن القوى التي يسميها الكاتب بالوكلاء لم تبدأ في المنطقة مع حزب الله، ولكنها عبارة عن تجربة مستمرة وناجحة في قتال المستعمرين الأوروبيين وغير الأوروبيين في المنطقة العربية على طول التاريخ الحديث. وأن تسميتها بالوكلاء هو في الحقيقة تعريفات غربية تهدف إلى ضعضعة الثقة بالقوى المقاومة في المنطقة. وتهدف أيضاً إلى سحب شرعية دورها كقوى محررة من الإحتلالات، من خلال اتهامها بأنها طائفية، وترتبط بأجندة خارجية. مع العلم أن هذه المقاومة لربما هي من استفاد من الوضع الإقليمي لصالح تحرير بلادها. فما كان يسمى بالعصابات خلال فترة الإحتلال العثماني والتي كانت تهاجم القوات العثمانية و"تسرق" منها الطحين والحبوب التي كانت تنقل إلى الجيوش التركية حول العالم، والتي كانت تسرق من بيوت الناس الضعفاء في الأساس، هي عبارة عن "وكلاء" للوطن غيرت مجرى التاريخ بعد أن اصبحت قوة كبيرة وأعلنت الثورة العربية من نجد إلى بغداد. وهي القوى نفسها التي التزمت بقيادة الثورة بفتح تحت اسم الفدائيين، والتي قوضت أمن الكيان في الشمال الفلسطيني. ولكن الكتاب على الرغم من محاولات الكاتب الحثيثة ليكون موضوعياً في بحثه، إلا أنه وقع في فخ ما يفرضه أساتذة الغرب على طلابهم، ووقع في فخ الكثيرين بما يتعلق برؤية السياسات الغربية في المنطقة والتي يقع فيها أمثال الكثيرين في شؤون الشرق الأوسط من المثقفين السيادين اللبنانيين.