كشف كتاب صدر فى فرنسا بعنوان: "قطر هذا الصديق الذي يريد بنا شرّا" عن كواليس إنشاء قناة الجزيرة القطرية، والأهداف الغامضة لتلك القناة التى أثارت جدلاً واسعاً فى الوطن العربي.
ويقول مؤلفا الكتاب " نيكولا بو وجاك ماري بورجيه" إنهما أجريا تحقيقات عميقة ومفصلة لكشف خبايا الصفقات الدولية التى عقدتها قطر، والعلاقات السرية بين أميرها حمد بن خليفة والدكتور يوسف القرضاوى المقيم بالدوحة وتفاصيل علاقتهما بإسرائيل وأمريكا.
ويدعي الكتاب نقلا عن اعترافات لطليقة الشيخ يوسف القرضاوى والتى تدعى أسماء بن قادة النائبة فى البرلمان الجزائرى ، أن القرضاوى زار إسرائيل سراً عام 2010، وأنه حائز على إشادة رفيعة المستوى الكونجرس الأمريكي، ودليلها على علاقته المتينة بالولايات المتحدة أنه غير موضوع على لوائح الأرهاب ولا ممنوع من دخول الأراضي الأمريكية.
كما قدم الكتاب سرداً للعلاقات التاريخية بين قطر وإسرائيل، ودور جهاز المخابرات الأمريكية فى ثورات الربيع العربى من خلال تدريب الكوادر والمختصين في الانترنت والحرب النفسية.
ويقول مؤلفا الكتاب إن حمد بن خليفة، أمير قطر، قرر أن يترك السلطة نهائياً عام 2016، على الرغم من الاعتراضات العنيفة لزوجته الشيخة موزة على هذا القرار... ويضيفان : «لم يعلن الأمير قراره هذا بعد، لكن الأمر لم يعد سراً بالنسبة لكل المقربين منه. لم يعد الأمير يخفى رغبته ولا قراره بتمرير السلطة إلى ابنه وولى عهده الأمير تميم، وهو على قيد الحياة».
وينقل الكتاب حواراً دار بين الأمير حمد وأحد أصدقائه فى ربيع 2012، قال فيه الأمير لصديقه: "لقد قررت أن أترك الساحة بعد أربع سنوات، لا بد من إفساح المجال أمام الشباب"، ويسأله الصديق: "أتظن أن حمد بن جاسم سيوافق على قرارك هذا، أو حتى إنه ينوى ترك السلطة بدوره؟". فيرد الأمير: "حمد سيفعل ما آمره به ".
يستمر اعتراض الصديق: "لكن حمد يصغركم بتسعة أعوام"، فيرد الأمير: «طالما أنا موجود فسيظل حمد موجوداً، أما لو ذهبت، فسيذهب معى".
وحسبما ينقل الكتاب يقول الأمير لصديقه القديم: "أتعلم، أنا أود الرحيل منذ فترة طويلة، لكن (الشيخة) موزة هى التى تعارض ذلك. إنها تحاول دفعى لأن أفعل مثلها، أن أستمر فى أعمالى فى قيادة قطر. وحتى عندما فكرت فى إسناد 80% من سلطاتى إلى تميم، رفضت موزة. إننا جميعاً أسرى لزوجاتنا، لكننى قلت لها أخيراً بوضوح: أربعة أعوام وبعدها "خلاص".. سوف أترك السلطة".
ويتوقف الكاتبان طويلا عند تأثير الشيخة موزة على الأمير حمد، ويوردان شهادة أحد المقربين الأجانب من الديوان الملكى القطرى عن شكل العلاقة التى تجمع بين الأمير وزوجته، يقول فيها : "عندما كنت فى الدوحة، كان الأمير يدعونى مع أسرتى لتناول الغداء مع أسرته فى نهاية الأسبوع، وفى أحد الأيام، استقبلنا مازحاً وهو يقول عن زوجته: (إنها فى مزاج سيئ اليوم، لحسن الحظ أنكم جئتم لتغيروا الجو). وجلسنا نتناول الغداء على المائدة، فى تلك الفترة كان الأمير أكثر بدانة بكثير من الآن، وكان يلكزنى بكوعه طيلة الوقت لكى تملأ المضيفة اللبنانية طبقى بالطعام وتملأ له طبقه بدوره، إلا أن الشيخة موزة كانت له بالمرصاد، ومنعته من الأكل الزائد قائلة: أعرف تماماً ما الذى تفعله. كفّ عن هذه الألاعيب!".
ويتطرق الكتاب إلى عادات حمد بن خليفة قائلا: «فى الصيف، يحب الأمير أن يبحر على متن يخته الخاص فى البحر المتوسط من جزيرة "مايوركا" فى إسبانيا وحتى "كوت دازور".
وغالباً ما يمر فى هذه الرحلة على باريس التى يمتلك فيها شقة مساحتها 800 متر مربع مكونة من طابقين فى حى ريفولى الراقى، إضافة بالطبع للقصر الفخم الذى يملكه فى فرساى. وعلى الرغم من أنه يحب أن يظل مرتدياً الزى القطرى التقليدى (الدشداشة) البيضاء معظم الوقت، فإنه يقوم أيضاً باستدعاء الترزى الإيطالى الأكثر شهرة فى العالم "البرتو كابال" لكى يقوم بتفصيل بِدله الرسمية الخاصة التى يرتديها فى
المناسبات الرسمية فى الخارج، والتى يتكلف المتر الواحد من قماشها 15 ألف يورو.
ويكشف الكتاب الطبيعة المغامرة لأمير قطر فيؤكد " أمير قطر يعشق ركوب الموتوسيكلات، والتجول بها فى مناطق جنوب فرنسا الساحرة، حيث يحب أن يتناول الغداء فى المناطق التى لا يعرفه أحد فيها هو وزوجته. ويحكى أحد أصدقائه الفرنسيين: فى يوم تلقيت مكالمة من الأمير حمد، كان يتناول غداءه مع الشيخة موزة، وطلب منى أن أنضم إليهما.
وعندما التقيته، كان يرتدى ملابس غير رسمية، وقال لى: هنا على الأقل، أنا واثق من أننى لن أقابل أحداً من عرب الخليج (الذين لا يحبهم على الإطلاق)، أنا هنا أنعم بالهدوء". " وعندما كان الأمير يقيم فى السنوات الأخيرة فى منزله فى مدينة كان الفرنسية، كان يحب أن يركب الموتوسيكل، ووراءه الشيخة موزة، ليكتشفا معاً المطاعم الصغيرة فى فرنسا"
كما يروى السفير البلجيكى السابق فى قطر «بول ديفولفير» أنه فى إحدى هذه الجولات اكتشف أمير قطر بطولة فرنسا» للدراجات، وبمجرد أن رأى الأمير المشهد صاح: هذا رائع، أريد من هذا عندى، هل تعرفون من يمكنه أن ينظم لى سباقاً مثل هذا؟. وبعدها بثلاثة أيام تم توقيع عقد لبطولة قطر للدراجات".
وفي محاولة لفهم سر العلاقة الوثيقة التى تجمع بين أمير قطر وزوجته يشير إلى أن طفولتهما الصعبة كانت أحد العوامل التى رأى الأمير أنها تقربه من زوجته .. ويقول الكاتبان :" وُلد الأمير حمد عام 1952، وتوفيت والدته عائشة العطية، أثناء ولادته، وتولى خاله على تربيته مع ابنه حمد العطية الذى أصبح لاحقاً رئيساً لأركان الجيش القطرى. لقد عانى الأمير فى طفولته من إحساسه القاتل بالعزلة، تماماً مثل زوجته
المستقبلية الشيخة موزة، التى عانت من استبعاد عائلتها ونفيها من قطر، وغالباً ما وجد الأمير نفسه متوحداً مع الصعوبات التى شهدتها زوجته فى صباها فى مرحلة ما. كان يعانى من العزلة والوحدة فى طفولته.. والطفولة الصعبة صفة مشتركة تجمعه بالشيخة موزة.
كما يتحدث الكاتبان عن عقدة الإحساس بصغر قطر وضرورة منحها حجما أكبر ، فيقولا : " كان الأمير مصراً على أن يمنح لقطر هوية، ويجعل لها وجوداً ملحوظاً ولافتاً على خارطة العالم، الأمر كله ينطلق من عقدة قديمة تكونت عنده عندما كان طالباً فى الأكاديمية العسكرية الملكية فى بريطانيا، وكان يشعر بالغيظ فى كل مرة يقدم فيها جواز سفره لضباط الجمارك الأوروبيين، فيسألونه: أين تقع قطر على الخريطة؟".
ويروى أحد أفراد العائلة المالكة القطرية لمؤلفى الكتاب عن واقعة حدثت بين أمير قطر وأحد أبناء عائلة الفردان، وهى إحدى العائلات الكبرى فى قطر: "فى مرحلة ما، ولسبب ما، قررعلى الفردان أن يتنافس مع الأمير حمد بشكل مستفز. صار يلاحقه فى كل الأماكن التى يقضى فيها إجازاته، وفى مرة كان الأمير يقضى إجازته فى جنوب فرنسا، فوصل على مستعرضاً نفسه جواره، يحيط به حراسه الشخصيون، وسياراته الفارهة، لم يتقبل حمد هذا الاستعراض، وقرر تأديبه فيما بعد بإفساد عدة صفقات تجارية مؤثرة له. لم يمنع هذا الأمير من أن يكون بدوره قناصاً بارعاً للصفقات والفرص خاصة بعد أن تولى الحكم.
وعندما طلب السعوديون من الأمريكان ترك الأراضى المقدسة، سارع حمد بدعوتهم لإقامة قواعدهم فى قطر، وكان هو الذى بادر وعرض ذلك عليهم.
يقول أحد الدبلوماسيين الفرنسيين السابقين فى الدوحة: هذا هو نفس المنطق الذى يتعامل به الأمير حمد فى دعمه لثورات الربيع العربى ووصول الإسلاميين للحكم فيها.
إنه لم يتصرف من منطلق عقائدى ولا دينى، فهذا ليس ما يشغل باله. إنه يتحرك مفكراً فى الفرص التى يمكنه اقتناصها. فمنذ اللحظة التى استضافت فيها قطر وقامت بتمويل الشيخ يوسف القرضاوى، ومنذ أن صار أصدقاؤه من الإخوان وحدهم، هم من يملكون قواعد منظمة فى قلب العالم العربى بفضل قناة الجزيرة التى قامت بتوصيل رسالتهم، قال الأمير حمد لنفسه إن أمامه فرصة لأن يكون مع الشارع، ويصبح له دور إقليمى فعلى وحقيقى فى نفس الوقت.
ويعتبر الكاتبان ثورات "الربيع العربي" نتاج تخطيط قطري غربي ومؤامرة حيكت بدقة في الغرف السوداء.
ويروي الكتاب قصة الباخرة "لطف الله" التي اوقفها الجيش اللبناني أثناء توجهها محملة بالسلاح إلى سوريا قبل نحو عام. مؤكدا أنه "مع بداية الربيع السوري، أغمضت الأسرة الدولية عيونها عن البواخر المحملة بالسلاح من قطر وليبيا عبر لبنان إلى سوريا، ولكن عمليات التهريب هذه ازدادت على نحو أقلق الموساد الإسرائيلي، فأسرع إلى إبلاغ قوات الطوارئ الدولية والجيش اللبناني، وهكذا تم توقيف الباخرة لطف الله في 27 أبريل العام 2012 في البحر، وكان ذلك إنذاراً للدوحة لكي تكون أكثر سرية في عملياتها ولتخفف من دعمها للجهاديين. اكتشف الجميع أن قطر ساعدت هؤلاء الجهاديين أيضاً بمستشارين، وبينهم عبد الكريم بلحاج القيادي القاعدي سابقاً، الذي أصبح لاحقاً احد المسؤولين السياسيين في ليبيا.
ويوضح الكتاب أن رئيس الوزراء الشيخ حمد بن جاسم الذي يعيش حالياً حالة تنافس صعبة مع ولي العهد الشيخ تميم، ليس من المتعاطفين مع الفلسطينيين. وينقل الكاتبان عن رجل أعمال مقرب من بن جاسم قوله إنه، وحين كان معه يشاهدان التلفزيون، سمعه يصرخ لما رأى المسؤولين الفلسطينيين :هل سيزعجنا هؤلاء الأغبياء طويلاً؟؟؟
ويغوص الكاتبان في أسباب تأسيس قناة الجزيرة فيقولان : خلافاً للشائع، فإن فكرة إطلاق قناة الجزيرة لم تكن وليدة عبقرية الأمير حمد برغم انه رجل ذكي. هي كانت نتيجة طبيعية لاغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين في العام 1995، فغداة الاغتيال قرر الأخوان ديفيد وجان فريدمان، وهما يهوديان فرنسيان، عمل كل ما في وسعهما لإقامة السلام بين إسرائيل وفلسطين ... وهكذا اتصلا بأصدقائهما من
الأميركيين الأعضاء في ايباك (أي لجنة الشؤون العامة الأميركية - الإسرائيلية) الذين ساعدوا أمير قطر في الانقلاب على والده لإقناع هذا الأخير بالأمر. وبالفعل وجد الشيخ حمد الفكرة مثالية تخدم عرابيه من جهة وتفتح أبواب العالم العربي لإسرائيل من جهة ثانية.
ويقول الكاتبان إن الأمير أخذ الفكرة من اليهودييْن وأبعدهما بعد أن راحت الرياض تتهمه بالتأسيس لقناة يهودية، ويتوقفان عند تعيين الليبي محمود جبريل مستشاراً للمشروع، بقولهما : إن الأميركيين غداة إطلاق الجزيرة، سلموه أحد أبرز مفاتيح القناة، وهذا ما يثبت أن هدف القناة كان قلب الأمور في الشرق الأوسط. هذه كانت مهمة جبريل الذي أصبح بعد 15 عاماً رئيساً للمجلس الوطني الانتقالي في ليبيا.
و ليس محمود جبريل وحده من يشار إليه كأحد البيادق الأميركية في الربيع العربي.. بل يضيفا :" اتخذت أميركا قراراً بتغيير الوطن العربي عبر الثورات الناعمة من خلال وسائط التواصل الاجتماعي. في سبتمبر 2010 نظم محرك جوجل» في بودابست منتدى حرية الانترنت. أطلقت بعده وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين اولبرايت مؤسسة شبكة مدوني المغرب والشرق الأوسط. سبق ذلك وتبعه سلسلة من المنتديات في قطر بعنوان "منتدى الديموقراطيات الجديدة أو المستعادة". شارك في احدها في فبراير 2006 بيل كلينتون وابنته وكونداليزا رايس، وآنذاك تم الاتفاق على وثيقة سرية باسم "مشاريع للتغيير في العالم العربي".
وكان من نتائج ذلك أن أسس مصري يدعى هشام مرسي، وهو صهر للشيخ يوسف القرضاوي، "أكاديمية التغيير". تضم المؤسسة عدداً من «الهاكرز» والمدونين. وهذه الأكاديمية أطلقت في يناير2011 عملية "التونسية" التي كانت تدار مباشرة من الولايات المتحدة.
ويذكر الكاتبان اسم الأمريكي "جيني شارب" صاحب فكرة "الثورة بدون عنف"، وهي الثورة التي تستند إلى الانترنت والى "فيديو التمرد" بحيث يتم تصوير مشاهد تثير التعاطف حتى ولو كانت مفبركة. وجيني شارب هو مؤسس "معهد اينشتاين" بإشراف الاستخبارات الأميركية مع الزعيم القومي الصربي سردجا بوبوفيتش الذي عمل للثورات البرتقالية في أوكرانيا وجورجيا.
ويؤكد الكتاب أن شارب "راح يستقبل المتدربين الذين ترسلهم قطر وأميركا إلى بلغراد، وفي معهد انشتاين هذا تدرب محمد عادل بطل الربيع العربي في مصر وهو عضو في أكاديمية التغيير في قطر".
ويضم الكتاب معلومات خطيرة عن كيفية احتلال ليبيا وقتل العقيد معمر القذافي، كما يشككان بحوادث مقتل 3 شخصيات على الأقل من العارفين بأسرار «كرم القذافي» مع الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي وغيره، وبينهم وزير النفط السابق شكري غانم الذي قيل إنه مات غرقاً في سويسرا.
ويضيفان : "مصالح مالية هائلة كانت وراء ضرب ليبيا، وبينها الودائع المالية الكبيرة للعقيد في قطر، وكان وراءه أيضا رغبة قطر في احتلال مواقع العقيد في أفريقيا، حيث مدت خيوطها المالية والسياسية والأمنية تحت ذرائع المساعدات الإنسانية".
ويورد الكتاب قصة غضب ساركوزي من القذافي حين حاول إغراء زوجته الأولى سيسيليا أثناء زيارتها إلى ليبيا لإطلاق سراح الممرضين المتهمين بضخ فيروس الإيدز في دماء أطفال ليبيين.. ويسوقان إشارة مماثلة عن الشيخة موزة والعقيد.
ويستند الكاتبان إلى السيدة أسماء مطلقة الشيخ يوسف القرضاوي ، وهي سيدة جزائرية اصبحت عضوا في مجلس الشعب في بلادها، وحسبما يذكر الكتاب فإنها تقول «بالنسبة لي فإنه (أي القرضاوي) وسيلة ضغط، وهو زار سراً إسرائيل مطلع العام 2010، وحصل على شهادة تقدير من الكونغرس الأميركي، ودليلي على أنه عميل هو أن اسمه ليس موجوداً على لائحة الشخصيات غير المرغوب فيها في الولايات المتحدة.".