عثمان ميرغني
يبدو أنه بات من السهل القول إن الإسلام يتحمل مسؤولية الإرهاب، بينما من الصعب القول إن الغرب أو بالأحرى حكوماته تتحمل أيضا جزءا من المسؤولية. ففي ظل الجدل الحاد الدائر حول العالم تقريبا، والتراشق أحيانا في العالمين العربي والإسلامي، بات من الصعب مناقشة الموضوع بالمنطق الذي يتناول الأزمة بكل جوانبها وأبعادها بعيدا عن الحساسيات، إذا كان للعالم أن يهزم فعلا هذه الآفة الخبيثة والخطيرة.
لن تجد صعوبة في العثور على أصوات كثيرة تعتبر الإسلام كله مسؤولا عن الإرهاب، كما لن تجد صعوبة أيضا في العثور على أصوات ترد بالقول إن الغرب يتحمل المسؤولية كاملة. لكن بين هؤلاء وأولئك، هناك مساحة تتداخل فيها الخطوط بحيث لا يمكن إلقاء التهمة والمسؤولية على الإسلام والمسلمين وحدهم، وإعطاء صك براءة ناصع لكثير من الحكومات والمؤسسات الغربية، وتجنب الخوض في أي حديث عن أن هناك سياسات أو تدخلات أو حروب أسهمت أيضا في تفريخ بيئة تغذى منها الإرهاب والإرهابيون.
لا يمكن لعاقل أن يقول إن المسلمين لا يتحملون مسؤولية عن مناخات التطرف التي ينمو فيها الإرهاب، أو عن قيام عدد من أبنائهم بعمليات الإرهاب والقتل والذبح التي تحدث في المنطقة أو في عواصم الغرب. فالمسلمون عليهم مسؤولية، ولديهم دور لا بد من تحمل تبعاته في الحرب على الإرهاب وفكر التطرف وفي مواجهة شيوخه ودعاته. والدفاع عن صورة الإسلام يتطلب تنقيته من الشوائب التي علقت به جراء تصرفات قلة متطرفة، ومواجهة الفكر المنحرف الذي يضلل الشباب ويدفع بهم نحو محرقة الإرهاب. باختصار هناك حرب داخل دول الإسلام بين الاعتدال والتطرف، بين أغلبية مسالمة متشربة بالتسامح، وبين أقلية جانحة للعنف، ومتشربة بالغلو وفكر الكراهية. هذه الحرب لم يعد صمت الأغلبية مقبولا إزاءها.
في الجانب المقابل هناك مسؤولية تتحملها حكومات غربية مارست سياسات، أو قامت بتدخلات أسهمت في تغذية بؤر التطرف ومشاعر الغبن ومناخات العنف. حرب الإرهاب ذاتها التي أعلنها الغرب عقب هجمات سبتمبر (أيلول) 2001، انحرفت عن مسارها كحرب دولية على ظاهرة تتطلب بالفعل تعاونا وتنسيقا عالميا لمواجهتها وهزيمتها، فشهدت ممارسات أو أدت إلى نتائج من الفوضى والعنف، بما أوجد بيئة يتغذى منها الإرهاب ويستغلها شيوخ التطرف للترويج لخطابهم.
هناك محللون في الغرب تحلوا بالموضوعية والشجاعة وتناولوا بالنقد نتائج العمليات العسكرية في أفغانستان وفي العراق، أو غارات الطائرات من دون طيار التي قتلت إرهابيين مثلما راح ضحيتها أبرياء من المدنيين في كثير من الأحيان. في مقابل هؤلاء كان هناك من نفخ في روح الكراهية ضد الإسلام والمسلمين، رافضا إلا أن يروج لخطاب تعميمي جارح للأغلبية المعتدلة من المسلمين، ولم يستفد منه في النهاية سوى المتطرفين على الجانبين.
إذا كان خطاب الكراهية والتحريض مرفوضا من أئمة التطرف، ويجب أن يكون كذلك، فلماذا لا يكون خطاب التحريض والكراهية ضد الإسلام والمسلمين مرفوضا أيضا بذات الدرجة. فقد باتت هناك &laqascii117o;موضة&raqascii117o; في كثير من الدوائر الغربية تستسهل التهجم على الإسلام كدين، وتلجأ لرسم صورة نمطية لكل المسلمين، حتى انتشرت مشاعر العداء الأعمى للمسلمين والكره للإسلام في الغرب، بينما تنامى إحساس لدى كثير من المسلمين بأنهم مستهدفون وأن دينهم يتعرض لحملة تشويه. فعمليات الإرهاب تقوم بها قلة لا تمثل غالبية المسلمين الذين يرفضون الإرهاب ويدينونه بلا تحفظ أو تردد. فالمسلمون أيضا ضحية للإرهاب وللمتطرفين، بل هم الضحية الأولى. فالأرقام التي نشرت أواخر العام الماضي على نطاق واسع تؤكد أن العمليات الإرهابية التي شهدها العالم منذ عام 2000 أوقعت 107 آلاف قتيل معظمهم في الدول الإسلامية.
الغرب لا يمكنه إلا التوقف أمام أسئلة تكررت خلال الأعوام الأخيرة مثل: لماذا تنجح منظمات الإرهاب وفكر التطرف في استقطاب شباب مسلم ولد في الغرب وترعرع وسط قيمه، وتعلم في مدارسه ومن مناهجه؟ ولماذا يشعر شباب غربي مسلم بالغبن أو التهميش أو بالاستهداف مع تصاعد الإسلاموفوبيا، ونبرة العداء والشك إزاء كل مسلم؟
الإرهاب ظاهرة كريهة لكنها معقدة وأسبابها لا ترتبط بالعامل الديني وحده، فهناك عوامل سياسية واجتماعية، ومشاعر تغذيها صراعات اثنية أو قومية تصب في البيئة التي تفرخ التطرف والإرهاب. الغرب أيضا عانى من الإرهاب السياسي والديني والقومي، لكننا لم نسمع أحدا يدمغ المسيحية مثلا أو شعوبا بأكملها بالإرهاب، على غرار ما يحدث مع الإسلام والمسلمين اليوم. الحرب على الإرهاب تتطلب جهدا عالميا ومعالجة لكل الأسباب بما فيها البؤر التي تفرخ مشاعر التطرف أو تدفع للإحساس بالغبن أو الإذلال. فمن دون ذلك سنبقى ندور في حلقة مفرغة بينما يستمر الإرهاب في حصد الأرواح، وإحداث شرخ هائل بين العالمين الإسلامي والغربي.
المصدر: المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية.