بنديتا بيرتي ـ يورام شويتزر ـ INSS Insight No. 529 ـ 19 آذار، 2014
منذ بداية الحرب الأهلية الدامية في سوريا قبل ثلاث سنوات، والبيئة السياسية والأمنية لحزب الله تصبح أكثر تعقيدا، وذلك مع تورط التنظيم الشيعي اللبناني في حرب أهلية طويلة لها آثار إقليمية قوية، ومع وضعه داخل لبنان المتنازع عليه على نحو متزايد. وهكذا، وفي حين لا يزال حزب الله أقوى منظمة عسكرية في لبنان، فان حرية عمله وقدرته على استعراض القوة قد تم تقييدهما. إذ يجب على حزب الله، حالياً، التعامل مع التحديات على الصعيدين المحلي والإقليمي.
أما داخل لبنان، فإن حزب الله يتصارع مع حالة من عدم الاستقرار منذ فترة طويلة، حيث إن البلد أكثر استقطاباً من أي وقت مضى بين مؤيدين ومعارضين لبشار الأسد. إضافة إلى تعقيد الوضع، هناك الضغط على لبنان الناجم عن التدفق المستمر للاجئين السوريين، الذين بلغ عددهم مليون شخص بحلول نهاية عام 2013 ـ أكثر من 20 في المئة من إجمالي سكان لبنان ـ وهو رقم يتوقع أن يرتفع إلى 1.5 مليون بحلول نهاية عام 2014 .
في هذا السياق الهش، لحزب الله مصلحة، ككثير من الأحزاب السياسية الرئيسة الأخرى، في إنهاء الفراغ السياسي الذي امتد أحد عشر شهرا لم يكن هناك في البلد أي حكومة ثابتة. وقد انتهى الوضع في منتصف شهر فبراير/ شباط عام 2014، عندما كسر رئيس الوزراء المعين، تمام سلام، الجمود أخيراً وأعلن عن تشكيل حكومة وحدة وطنية تنفيذية على أساس صيغة مثيرة للجدل هي 8-8-8، حيث يمنح كل من حركتيْ 14 آذار و 8 آذار بقيادة حزب الله ثمانية مناصب وزارية، مع تعيين رئيس الوزراء مع الرئيس سليمان للمقاعد الثمانية المتبقية. ويتطلب الاتفاق من جميع الأطراف، بما في ذلك حزب الله، تقديم تنازلات، على سبيل المثال عن طريق السماح بذهاب المناصب الوزارية الرئيسة ـ بما في ذلك الدفاع، العدل، والداخلية ـ إلى معسكر 14آذار.
مع ذلك، لم يتحمل حزب الله مخاطر كبيرة بالموافقة على الحكومة الجديدة ، حيث يبدو أن كل ائتلاف، وبحكم الواقع، متمسك بحق النقض، وبالتالي التأكد من عدم تبني أي قرار وطني كبير دون موافقته. هذا مهم بالنسبة لحزب الله، حيث أن الحكومة بحاجة إلى اتخاذ عدد من القرارات الحاسمة في الأشهر المقبلة، بما في ذلك القرارات المتعلقة بالانتخابات الرئاسية، المقرر إجراؤها في ربيع عام 2014، وإصلاح القانون الانتخابي استعدادا للانتخابات البرلمانية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2014. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الحكومة التعامل مع تصاعد العنف الداخلي، مشاركة حزب الله في الحرب الأهلية السورية، والتعاون مع المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، التي افتتحت أخيراً جلساتها في 16 يناير/ كانون الثاني 2014 .
منذ إنشاء مجلس الوزراء، أوضحت إجراءات حزب الله أن استعداد المجموعة لتقديم تنازلات لا ينطوي على تنازل عن السيطرة على أسلحتها، كما أنه لا ينطوي على التراجع عن مشاركتها في سوريا. وقد أكد حزب الله هذه النقاط في مناقشات مجلس الوزراء بشأن صياغة بيان برنامجي مشترك، وأصر على إدراج بند من شأنه تأييد ' المقاومة'- فيما لا يمكن وصفه إلا بالمساومات الصعبة ضد خصومه السياسيين. في كل الأحوال، لقد كان مجبراً على التنازل عن إدراج إشارة ' الصيغة الثلاثية ' (الجيش والشعب والمقاومة) والرسو بدلاً من ذلك على تأييد اشارة أكثر غموضا وهي أن من حق كل مواطن 'مقاومة الاحتلال الإسرائيلي '. وبالمثل، كان لدى حزب الله في الآونة الأخيرة انتقادات شديدة لدعوات الرئيس سليمان للحفاظ على إعلان بعبدا، وهي وثيقة تهدف الى ابقاء لبنان على الحياد في سياق الصراعات الإقليمية الجارية بشكل عام والحرب الأهلية السورية على وجه الخصوص.
أما ما هو أكثر من ذلك، فهو أن الحكومة الجديدة تمثل فرصة لحزب الله للضغط على الخصوم السياسيين للتعاون في مسألة التعامل مع ما وصفته المنظمة بالتحدي ' التكفيري'، وهو صعود الجماعات السلفية الجهادية التي تعمل من داخل لبنان. وقال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله نفسه ذلك خلال كلمة طويلة ألقاها في 'يوم الشهداء' في ذكرى وفاة شخصيات بارزة في حزب الله. وأشار نصر الله إلى الخطر الذي يشكله صعود الجماعات التكفيرية العاملة في سورية ولبنان، محذراً من أن هذه الجماعات تُستخدم من قبل إسرائيل وغيرها من ' الداعمين العرب ' (في إشارة إلى المملكة العربية السعودية) لزرع الفتنة والانقسام.
أما بما يتعدى الخطاب الذي يمكن التكهن به، فإن متاعب حزب الله مع الفصائل السلفية العنيفة المحلية ليست سياسية فقط في الواقع. ففي الاثني عشر شهراً الماضية كان هناك ارتفاع مستمر في الهجمات العنيفة ضد حزب الله، بما في ذلك اغتيال مسؤول رفيع المستوى وقائد عسكري هو حسن اللقيس، فضلاً عن عدد من الهجمات الإرهابية ضد أهداف إيرانية، مثل السفارة الإيرانية في بيروت ومعاقل حزب الله ، مثل مربع الضاحية في جنوب بيروت.
وفي حين أن ليس هناك من شك بأن حزب الله على المستوى العسكري هو أفضل بكثير من ناحية التنظيم، التجهيز، والرسوخ من نظيراته التنظيمات الجهادية، فإن العدد المتزايد من أعمال العنف المرتكبة ضد حزب الله ودائرته الشيعية تشير إلى تداعيات سياسية أكبر نابعة من تورط الجماعة في الحرب الأهلية السورية، فضلاً عن تآكل سمعة المجموعة من أنها ' لا تقهر '. للرد على هذا التهديد الداخلي، على حزب الله زيادة الرصد والمراقبة لمعاقله، مع تسليط الضوء على مشاركته وحضوره في مجتمعاته. هذه التدابير مهمة للحفاظ على الهيبة والمصداقية داخل الطائفة الشيعية، وإقناع المؤيدين المتحمسين أن بامكانه الدفاع عنهم والتقليل من ردة الفعل التي يعانونها بسبب سياسة حزب الله في سوريا.
أما في التعامل مع الهجمات العنيفة، فقد سعى حزب الله أيضاً إلى تعاون القطاع الأمني في لبنان. هذه المساعدة تعتبر ذات مغزى من الناحية العملية وكذلك من الناحية السياسية، كما أن من المهم لحزب الله التأكد من اعتبار الهجمات ضده وضد مجتمعه بمثابة تهديدات ارهابية وطنية وليس هجمات مضادة موجهة تحديداً الى حزب الله، لتكون بالتالي هذه المشكلة مشكلته هو حصراً.
بالإضافة إلى ذلك، تصبح التحديات الداخلية لحزب الله أكثر تعقيداً بسبب مشاركته الواسعة في سوريا، حيث تم جر المنظمة بعمق إلى الصراع لتصبح، من خلال مشاركتها النشطة في كل العمليات الهجومية والدفاعية، قوة مضاعفة حاسمة بالنسبة لنظام الأسد. بعبارة أخرى، وبخصوص سوريا، حزب الله حاليا 'كله داخلها'، بل يبدو من غير المحتمل أن يتغير هذا الأمر في المستقبل القريب. في المقابل، إن هذه الاعتبارات الاستراتيجية تساعد في تفسير السبب بكون ذلك يصب في مصلحة المنظمة للحفاظ على مستوى أساسي من الهدوء داخل لبنان ومنع، أو على الأقل، تأجيل تصعيد التوترات الحالية مع العدو اللدود، إسرائيل، على حد سواء.
مع ذلك، وبما يتعلق بهذه النقطة، وجد حزب الله نفسه مؤخراً في ورطة غير سهلة، ففي حين كانت المنظمة قادرة على النظر في الاتجاه الآخر عقب العمليات الإسرائيلية المزعومة ضد عمليات نقل أسلحة متجهة الى حزب الله على الأراضي السورية، فإن كلفة اتخاذ الموقف نفسه بما يتعلق بالهجوم الاسرائيلي المزعوم في 24 فبراير/ شباط 2014 ضد حزب الله على الأراضي اللبنانية من شأنه، على المدى الطويل، أن يكون أعلى من ذلك بكثير. فبالنسبة لمنظمة تتمحور حول ' المقاومة ' لإسرائيل، فإن التجاهل المتكررللعمليات الاسرائيلية في لبنان يمكن أن يعرض للخطر مصداقية المجموعة أكثر، وبالتالي خلق وضع خطير للغاية وقابل للاشتعال .
في هذا السياق، كان هناك في الأسابيع الثلاثة الماضية أربع هجمات صاروخية مختلفة على الأقل عبر الحدود وهجمات بعبوات ناسفة على جانب الطرق والتي حدثت في كل من مرتفعات الجولان ومنطقة جبل دوف، وأخطرها كان ما وقع أمس، أي في 18 مارس/ آذار 2014 . في كل الأحوال، لقد ظهر حزب الله بوصفه مرتكب محتمل، محاولاً بذلك تلميع سمعته كقائد للمقاومة الوطنية و' المدافع عن لبنان ' ضد العدوان الإسرائيلي، بينما كان يحاول أيضاً تجنب حدوث تصعيد عسكري كامل داخل لبنان. فمن خلال استهداف إسرائيل عبر الجولان، يمكن لحزب الله أن يعطي إشارة إلى إسرائيل أن الفريق قادر على إثارة المتاعب على حدود إسرائيل عبر سوريا دون توسيع ساحة المعركة في لبنان. في هذا السياق، من المهم لإسرائيل أن تأخذ في الاعتبار مصلحتها في عدم الانجرار إلى الحرب الأهلية في سوريا أو الغرق في مستنقع عدم الاستقرار الداخلي في لبنان. وبذلك فإن إسرائيل تحسن صنعاً في محاولة منع التصعيد والحفاظ على أي رد عسكري محدوداً ومركزاً.
(*) ترجمة إيمان سويد ـ خاص موقع مجموعة الخدمات البحثية