تشارلز د. فريليتش ـ The Middle East Institascii117te
مقالة سياسية لـ MEI ـ ربيع 2013
كان اتخاذ قرار الأمن القومي في مقدمة الحياة الإسرائيلية لأكثر من ستة عقود. فالحروب المتكررة، الأعمال العدائية الجارية على مستويات منخفضة، الحاجة إلى مواجهة تهديدات وخيمة وحتى وجودية، ومبادرات السلام المختلفة، جميعها أمور جعلت قرارات الأمن القومي في إسرائيل مشبعة بأهمية غير عادية. لقد أصبح صنع القرار الإسرائيلي، المعقود تقليدياً ليكون رد فعل في طابعه في المقام الأول، استباقياً، وعلى نحو متزايد، في العقود الأخيرة. في الوقت نفسه، هناك العديد من المبادرات الدبلوماسية والعسكرية التي اضطلعت بها إسرائيل قد انحرفت عن طريقها، وأصبح عدد الاخفاقات السياسية أمراً يتعذر الدفاع عنه. في الواقع، لقد عانت إسرائيل من عقود طويلة من المآزق السياسية الداخلية ـ ويمكن القول من أزمات ـ حول مسائل تتعلق بوجودها الأساسي، بما في ذلك القضية الفلسطينية، مع النظام السياسي غير القادر على فصل التيارات المتنافسة في الرأي.
على الرغم من كونها دولة صغيرة جداً، فإن لـإسرائيل تأثير غير متناسب، بشكل واضح، على الشؤون العالمية، وبالتالي فإن عمليات صنع القرار مصدر قلق كبير بالنسبة للولايات المتحدة والمجتمع الدولي ككل. وعلى الرغم من العلاقة الوثيقة الفريدة مع الولايات المتحدة على أساس النظم الديمقراطية المشتركة، والتقاليد الثقافية، وفرضية التفاهم الثنائي المتبادل الناتجة عن ذلك، فإن الواقع هو أن العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل تعج بسوء الفهم.
بالتالي، إن فهم عملية صنع القرار في إسرائيل (DMP) أمر ضروري. هذه المقالة تعرض، وباختصار، القوى الدافعة وراء عملية صنع القرار الإسرائيلي، وتؤكد على أنه لم يعد يمكن لـإسرائيل تحمل إخفاقات عملياتها على صعيد صنع القرار. ويخلص التقرير إلى توصيات بخصوص تحقيق الإصلاحات المطلوبة والضرورية على المستوى المؤسساتي في المقام الأول، ولكن على الصعيد الانتخابي كذلك.
أكد بحث سابق على أن عمليات صنع قرار الأمن القومي الإسرائيلي تشكلها، وإلى حد كبير، ثلاثة عوامل سببية: أولاً، بيئة خارجية قاسية وخطيرة بشكل فريد من نوعه، والتي تتميز بالتغير السريع والكاسح وبطواعية محدودة فقط، الأمر الذي يشكل خيارات الأمن القومي الإسرائيلي ويقيدها إلى حد كبير؛ ثانياً، نظام التمثيل النسبي الإسرائيلي (PR)، والذي يسبب انقساماً سياسياً عميقاً ، وحاجة ناجمة للحكم من خلال حكومات ائتلافية، مع عواقب واضحة مترتبة على أدوار رئيس الوزراء ومجلس الوزراء، وأخيراً، الضعف النسبي لأجهزة الأمن الوطنية المدنية الأساسية (وزارتي الخارجية والدفاع و طاقم الأمن الوطني) في عملية صنع القرار الوطني، مقارنة مع قوات الدفاع الإسرائيلية وأجهزة الاستخبارات.
وقد وجدنا بأن هذه العوامل السببية تؤدي إلى عشر خصائص أولية وحالات مرضية:
(1) تركز عملية صنع القرار الإسرائيلي بشكل كبير على المدى القصير وغالباً ما تكون ارتجالية وتسلسلية. بالتالي، إن صياغة سياسة على المدى الطويل مسألة في حدها الأدنى.
(2) يظهر الوزراء، وبشكل حاسم، توجهاً واضحاً لتجنب تخطيط سياسي منهجي، وخاصة في مجلس الوزراء، لكن أكثر حتى في اللجنة الوزارية للدفاع (MCoD) وفي منتديات صنع القرار الرسمية. ونتيجة لذلك، فإن أهداف السياسة، الأولويات، والخيارات ليست موضحة بشكل جيد عادة، مما يعيق بشكل كبير قدرة إسرائيل على تحقيق أهدافها.
(3) إن مجلس الوزراء واللجنة الوزارية للدفاع عادة ما يعانيان من اختلال وظيفي، بالتالي، فإن عملية صنع القرار الحقيقية يجريها رئيس الوزراء في منتديات غير رسمية مع وزير الدفاع، رئيس الموظفين ، وغيرها من كبار مسؤولي الدفاع، وفي بعض الأحيان، وزراء الخارجية وغيرهم. بالتالي، ليس لدى إسرائيل منتدى قانوني فعال لصنع قرار الأمن القومي.
(4) في الوقت الذي تصل فيه قضية ما إلى مجلس الوزراء، يكون رئيس مجلس الوزراء والوزراء ذوي الصلة قد رسوا عادة على مسار العمل المفضل وتقديم خيار واحد فقط يمكن المصادقة عليه أو رفضه. إن إنشاء مجلس الأمن القومي الإسرائيلي (INSC) في عام 1999 قد خفف جزئياً من هذا الأمر، لكن اعتبارات الخيارات غير الكافية لا تزال تمثل مشكلة أساسية.
(5) إن عملية صنع القرار مسيسة بشدة، وإن كانت أقل فيما يتعلق بقرارات استخدام القوة العسكرية. ما الذي سيعبر، وليس ما قد يكون مطلوبا حقا، هو المحدد الأساسي لقرارات مجلس الوزراء ـ وبعبارة أخرى، هناك حاجة إلى حد أدنى من الإجماع للحصول على موافقة مجلس الوزراء . إن الرأي العام له تأثير قوي جداً على السياسة، كما أنه مناسب للديمقراطية. مع ذلك، ونظراً لتعقيد وأهمية العديد من القضايا التي تواجهها إسرائيل، ونافذة الوقت الضيقة المتاحة لاتخاذ القرارات عادة، يمكن أن يكون للرأي العام تأثير ضار أيضاً في بعض الأحيان.
(6) لدى الوزراء الإسرائيليين عدد قليل من الصلاحيات القانونية، وقوتهم الفعلية مشروطة على نحو غير ملائم بالمهارات السياسية ومقتضيات التحالف. فأولئك الذين يحظون بسيطرة ثابتة من أحزابهم وائتلافاتهم زعماء أقوياء، لكن غالباً ما كانوا يضطرون حتى لقطع مسافات طويلة استثنائية وتحمل مخاطر سياسية غير عادية ـ بمن فيهم أولئك الذين أنهوا حياتهم السياسية ربما ـ من أجل تحقيق أهدافهم. كان رؤساء وزراء آخرون رهائن ، ولو جزئياً على الأقل، تحالفاتهم.
(7) إن مؤسسة الدفاع، وخصوصا جيش الدفاع الإسرائيلي، حتى الآن، اللاعب البيروقراطي الأكثر تأثيراً. مع ذلك، لا يزال جيش الدفاع الإسرائيلي بعيدا عن كونه صاحب نفوذ كلي؛ إذ يتصرف رؤساء الحكومة في بعض الأحيان دون علمه، أو بشكل معارض له.
(8) إن التكامل والاندماج السياسي بين الوكالات وتنسيق العمل منقوص، وذلك لأسباب مزمنة موجودة لدى الحكومات في كل مكان، والتي تفاقمت بسبب طبيعة نظام التمثيل النسبي. مع ذلك، فإن حدة القضايا التي تواجهها إسرائيل بين الفينة والأخرى تنتج نوعاً ما أكبر من الانضباط من ذاك الموجود في بيروقراطيات وطنية أخرى.
(9) إن عملية صنع القرار الإسرائيلي شديدة الغرابة. وإن كان من المحتمل أن ذلك ينطبق ويصح في معظم البلدان، فإن عملية أكثر مأسسة، نوعاً ما على الأقل، قد تعمل، جزئياً، على وقف النزوات الفردية.
( 10) إن التسريبات متفشية ولها تأثير هام على هذه العملية، ما يعني، كيفية معالجة رئيس الوزراء للقضايا في مجلس الوزراء مع مستشاريه. مع ذلك، وبالنسبة للجزء الأكبر من الموضوع، نجد بأن التسريبات تكون، وبشكل رئيس، عن القضايا السياسية، مثل من الذي استلم وأي منصب استلم، بدلاً من أن تكون حول معلومات ثابتة تتعلق بالقدرات والنوايا الإسرائيلية. وتبدو التسريبات أيضاً أقل انتشارا فيما يتعلق بأعمال أو شؤون عسكرية، وإن كانت هناك استثناءات هامة بهذا الصدد. ففي 2011-2012، على سبيل المثال، نشب جدل كبير حول تقارير من مواقع مختلفة لقادة إسرائيليين تتعلق بهجوم محتمل على برنامج إيران النووي، الخطر الاستراتيجي الأكبر الذي يواجه البلد. فضلاً عن ذلك، أصبحت بعض التفاصيل العملية الحساسة علنية خلال حرب 2006 مع لبنان.
على الرغم من هذه الحالات المرضية ، فإن لدى عملية صنع القرار الإسرائيلي عدد من نقاط القوة بالفعل، وهي تنجح من وقت لآخر في تحويل بعضاً من قصورها وعجزهاعلى المدى الطويل إلى مزايا قصيرة الأمد. وتشمل بعض الأمثلة على ذلك القدرة على القيام بردود سريعة ومرنة، الطبيعة الفعالة لعمليات التخطيط داخل المؤسسة الدفاعية ( رغم أنه ليس في مجلس الوزراء)، والطابع العملي عموما لصنع القرار على المستوى السياسي ـ قضية الاستيطان استثناء بارز ـ ونوعية الأشخاص المعنيين ودوافعهم.
تم تأسيس مجلس الأمن الوطني الإسرائيلي ( INSC) في عام 1999 ، وبالتالي فإن تردد رؤساء الحكومات في الانخراط في تخطيط سياسة منهجية لم يعد نابعاً، وهذا واضح، من نقص في القدرة التنظيمية، هذا إن كان هناك من نقص، ولكنه نابع من قرار واع. في الواقع، يمكن للمرء أن يخلص فقط، وبشكل مثير للجدل، إلى أن في نظام حكومة وزارية ـ ائتلافية إسرائيلية، يمكن لتخطيط سياسة منهجية (صياغة منهجية والنظر في أهداف السياسات البديلة، الأولويات، والخيارات)، أن يكون ضاراً بأبرز الاحتياجات السياسية، وأحياناً على طرفيْ نقيض منها. وما يلي يفسر السبب.
أولاً، من خلال توضيح الأهداف والأولويات، والخيارات، يخاطر رئيس الوزراء باحداث شرخ مع شركاء التحالف، حتى داخل حزبه/ حزبها، ويترتب على ذلك تهديد لمستقبل التحالف. وفي اللحظة الي يصبح فيها الهدف أو الخيار معروفاً لمجلس الوزراء، وبالتأكيد لوسائل الإعلام، فإن من المرجح أن يصبح مقحماً في الجدل السياسي المستعر في اسرائيل، ليخاطر رئيس الوزراء بفقدان السيطرة على العملية. إن مخاوف رؤساء الحكومات من التسريبات، التسييس، وما يترتب على ذلك من فقدان الحرية بالمناورة تفوق عادة تقييمهم للفوائد المحتملة المصاحبة لتخطيط سياسة منهجية. علاوة على ذلك، إن توضيح الأهداف والأولويات، والخيارات يجبر رؤساء الحكومات على مواجهة قضايا وخيارات قد لا يكونوا راغبين في التعامل والتعاطي معها، سواء من الناحية السياسية، الموضوعية، أو كليهما. فالغموض يمكن أن تكون بناءاً، وبدلا من زيادة مجموعة الخيارات لرئيس الوزراء ، فإن عملية تخطيط سياسة منهجية قد تقلص، أو حتى تهدد حياته/ حياتها السياسية.
فضلاً عن ذلك، وفي دولة مستقطبة سياسيا، قد يكون لسياسة الارتجال وعملية صنع قرار تسلسلية فائدتان عظيمتان: أنها تمكن من العمل من دون الحاجة إلى صياغة أهداف وخيارات واضحة المعالم ومحددة الأولويات ـ وهو صميم عملية التخطيط السياسي ـ وتسهيل اتخاذ القرارات المرنة في أوقات التغيير والأزمات. إن عدم وجود أهداف وأولويات واضحة أمر مريح بالتأكيد لرئيس الحكومة ومجلس الوزراء العاملين في بيئة سياسية محمومة، ما يعفيهم، وإلى حد كبير، من المسؤولية في الفشل بتحقيق هذه الأهداف.
إن المنافسة الدائمة من أجل البقاء السياسي والخوف من التسريبات يعني أن رؤساء الحكومات والوزراء يفضلون التركيز على مناقشة وسائل تنفيذ مقاربتهم ونهجهم المفضل، بدلاً من مناقشة الأهداف والخيارات ـ ما يعني،مناقشة الكيفية، وليس الماهية. أخيرا، وبالنظر إلى الطبيعة المسيسة لمجلس الوزراء واللجنة الوزارية للدفاع، يميل الوزراء لاعتبارها منتديات للحوار الحزبي، وليس لصياغة السياسات الصحيحة. بالتالي، هم يسعون عادة لابقاء على القضايا الهامة بعيداً عن هذه المنتديات إلى حين تبنيهم خيارهم المفضل، أو حتى تحول الأحداث دون البدائل. إن مناقشات مجلس الوزراء الموضوعية للأهداف والخيارات عادة ما تكون آخر شيء يريده رؤساء الحكومات.
كان هناك اعتراف، وعلى نطاق واسع، بالحاجة إلى إصلاح عملية صنع القرار منذ السنوات الأولى لانشاء إسرائيل. وتم عرض عدة توصيات على مر السنين، على الرغم من أن العديد منها إما لم ينفذ عملياً وإما فشل في تحقيق الغايات المرجوة. وكان قسم كبير من الدافع وراء هذه الإصلاحات يأتي من جراء اخفاقات كبرى في اتخاذ قرارات كبيرة أو بسبب صدمات وطنية، أبرزها حرب يوم الغفران عام 1973 وحرب لبنان 2006. وتشمل التغييرات المؤسساتية الأساسية حتى الآن إنشاء فرع التخطيط في جيش الدفاع، والتغييرات في أقسام البحوث والتخطيط في وزارة الخارجية ، وأقسام البحوث في الموساد والشين بيت (جهاز المخابرات الخارجية والداخلية، على التوالي). يمكن القول، أن التغيير الأهم على المدى الطويل كان إنشاء مجلس الأن الوطني الإسرائيلي (INSC) في عام 1999، الذي سُن قانون أساسي بإنشائه في عام 2008. وقد نمت وكبرت جميع أجهزة وزارتيْ الخارجية والدفاع بما لا يقاس من حيث الحجم والتطور في العقود الأخيرة.
بموجب قانون 2008، يكون طاقم الأمن الوطني (NSS) ـ الاسم الجديد الذي يطلق على مجلس الأمن الوطني الإسرائيلي (INSC) بموجب القانون ـ هو المسؤول عن إعداد وتنسيق كل منتديات رئاسة الوزراء ومجلس الوزراء التي تتعاطى مع شؤون الأمن القومي، توصيات المواضيع والمشاركين في هذه المنتديات، وصياغة الخيارات السياسية العامة والتوصيات، ومتابعة تنفيذ السياسة العامة. فضلاً عن ذلك، يولي القانون اهتماماً لجهة تحديد أن يكون طاقم الأمن الوطني (NSS) مسؤولا عن أربع مجالات أثبتت وجود إشكالية خاصة فيها في الماضي: التقييمات السياسية ـ العسكرية السنوية والمتعددة سنوياً، عمل فريق الموظفين والخيارات في الدفاع وموازنات الشؤون الخارجية، صياغة استراتيجية دفاع إسرائيلية، ومشاريع الدفاع الرئيسة.
خلال العقد الأول، تم تهميش مجلس الأمن الوطني الإسرائيلي (INSC) من قبل رؤساء الحكومات وهم في مناصبهم، وبحالات نادرة استثنائية، تم تكليفه ببعض المهام ذات الأهمية. مع ذلك، ومع تمرير قانون NSS ، فقد أصبح الآن لاعباً اساسياً دائماً، وحصل على دو له تبعات ونتائج أكبر ( رغم أنه لا زال محدودا)، وربما يكون له تأثير متزايد في المستقبل.
لقد كانت إسرائيل في نواح كثيرة نموذجاً للتنمية الناجحة في المجالات السياسية والاقتصادية، الاجتماعية، والشؤون الأمنية. مع ذلك، وفي العقود الأخيرة، تبدو علل عملية صنع القرار قد حاصرت إسرائيل، وفشل البلد مراراً وتكراراً بتحقيق أهداف سياسته، مهملاً غالب الأحيان صياغة أهداف واضحة حتى عندما كانت لديه المبادرة لذلك. إن الزعم بأن البيئة الخارجية المتطلبة بشكل غير عادي لـإسرائيل تجعل صياغة الأهداف صعبة للغاية وتقيد قدرتها على تحقيقها أمر صحيح بالتأكيد إلى حد ما، لكنها بيئة أقل تطلباً مما كانت عليه في الماضي. إذ تتمتع إسرائيل الآن بخط عرض أكبر اليوم لتشكيل مستقبلها بشكل استباقي. مع ذلك، فإن الفجوة بين احتياجات إسرائيل وقدرة النظام على الوفاء بها قد اتسعت بشكل ملحوظ، وزاد عدد الاخفاقات السياسية، وأصبح الثمن باهظاً للغاية، وذلك لأسباب عدة.
أولاً، تسعى إسرائيل لأن تكون مركزاً علمياً وثقافياً ومركزاً للتكنولوجيا الفائقة على الصعيد الدولي، لتكون بذلك بمثابة الموطن الروحي للشعب اليهودي، وبالتالي توفير أسلوب حياة غربي، تشجيع الهجرة إليها، وتثبيط الهجرة منها. وتقوض الأزمات السياسية والاستراتيجية المزمنة هذه التطلعات الوطنية الأساسية.
لم تربح إسرائيل، بشكل لا لبس فيه، أي اشتباك عسكري كبير منذ عام 1967، إما بسبب إخفاقاتها هي أو بسبب تحسن القدرات العربية. إذ كان الردع الإسرائيلي يقوم، تقليديا، على الإثبات للدول العربية بأن لا أمل لديهم بالنصر ولذا فإنه ينبغي على العرب الامتناع عن الأعمال العدائية كلياً أو تخفيض طموحاتهم وفقاً لذلك. وقوض الفشل المتكرر في العقود الأخيرة مكانة الردع الاسرائيلية؛ يمكن القول بأن نتيجة أو اثنتين من النتائج غير الحاسمة قد تكون مقبولة ولكن سلسلة منها تحدد وجود نمط خطير.
في العقود الأخيرة، وما أن تصدع جدار العداء العربي الذي كان متجانساً ذات يوم، حتى اتسعت قدرة إسرائيل على التأثير على بيئتها الخارجية، وأصبحت استباقية الفعل على نحو متزايد، وقامت بعدد من المبادرات الرئيسة. وتشمل هذه المبادرات اتفاق أوسلو، عروضات السلام الدراماتيكية لرئيسيْ الوزراء باراك وأولمرت المقدمة للفلسطينيين والسوريون، فك الارتباط لشارون من قطاع غزة، فضلا عن العمليات العسكرية في لبنان وغزة. مع ذلك، وفي معظم هذه الحالات، فشلت إسرائيل مراراً وتكراراً بتحقيق أهدافها، وذلك يعود، جزئياً، لأسباب خارجة عن إرادتها، ولكن أيضا بسبب فشل عملية صنع القرار الخاص بها.
تواجه إسرائيل مجموعة متنوعة من التهديدات الصعبة بشكل غير عادي اليوم، وفي بعض الحالات، تكون التهديدات من التعقيد بشكل لم يسبق له مثيل. فالمواجهات مع حماس وحزب الله خاصة تمثل شكلاً جديداً وصعباً من الحرب غير المتماثلة بشكل خاص. وتشكل إيران تهديداً، حتى أن القوة العظمى العالمية، أي الولايات المتحدة، مترددة في مواجهتها.
أصبحت القضايا التي تواجه إسرائيل أكثر تعقيدا، وارتفع ثمن الخطأ. نتيجة لذلك، فإن عمليات صنع القرار الارتجالية والمتتابعة التي غالبا ما خدمت إسرائيل جيداً في العقود الأولى أصبحت، وعلى نحو متزايد، غير متوافقة مع الواقع الجديد الذي تواجهه. فالردود على التهديدات الاستراتيجية، كتلك التي تشكلها إيران، يستغرق عقودا من التطوير. لقد تم حل الأجزاء السهلة نسبياً لعملية السلام منذ فترة طويلة، وتُركت القضايا الجوهرية المعقدة والخطيرة حقاً. إن تطوير الأسلحة الحديثة عادة ما تستغرق عقداً أو عقدين من الزمن، وتكون التكاليف هائلة.
في بيئة عالمية متكاملة اليوم، تتأثر مصالح الأمن القومي لـإسرائيل بالتطورات في جميع أنحاء العالم، ولأعمالها صدى عالمي. نتيجة لذلك، انخفض هامش الخطأ لدى إسرائيل، ومن المرجح أن تصبح البيئة الإقليمية المحمومة أكثر سخونة حتى في المستقبل.
لقد عانت إسرائيل عانت دائماً من وجود تفاوت عددي كبير في مقابل أعدائها العرب، لكنها كانت تتمتع بميزة عسكرية نوعية متفوقة عليهم. وبينما اصبحت المجتمعات والجيوش العربية أكثر تطوراً، وبسرعة، في العقود الأخيرة، وهو اتجاه من المرجح أن يتواصل، فإن الفجوة النوعية تضيق وتزيد الحروب غير المتكافئة، النموذج المنتشر في المنطقة الآن، من اضعاف الميزة النوعية لـإسرائيل. وفي حين أن إسرائيل قد حققت تفوقاً تقليدياً واضحاً، فغنها مرت بأوقات أكثر صعوبة بكثير في تطوير الردود الفعالة على التهديدات التي تشكلها جهات الفاعلة غير حكومية كحزب الله وحماس.
أخيرا، إن صعود الجهات الفاعلة غير المتماثلة وتغير المعايير الدولية قد عقد أكثر قدرة إسرائيل المحدودة أساساً على التكهن بنتائج أعمالها، العسكرية والدبلوماسية على حد سواء، كقدرتها على تقييم علاقة العلة والمعلول وربط السياسات بالعواقب.
من أجل تحسين عملية صنع القرار الإسرائيلي، يجب الانكباب على معالجة ثلاثة أسباب جذرية لحالاتها المرضية: البيئة الخارجية المتطلبة، النظام السياسي النسبي، وضعف أجهزة الأمن الوطنية المدنية. أما عملياً، فإن مجال التحسين على المستويات الثلاثة كلها محدودة.
إن قدرة إسرائيل على تشكيل بيئتها قد نمت بالتأكيد على مدى عقود من الزمن، ويعتقد كثيرون أنه ينبغي أن تكون أكثر استباقية واستعدادا، بالنسبة للقضية الفلسطينية في المقام الأول. في الواقع، ان السلام مع الفلسطينيين سيكون له انعكاسات بعيدة المدى على الوضع الاستراتيجي لـإسرائيل، كما فعلت عملية السلام أوسلو المحدودة، وسوف تزيد من قدرتها، بشكل هام، على تشكيل بيئتها الإقليمية. مع ذلك، إن السلام غير مرجح لسوء الحظ في المستقبل المنظور، حيث أنه مرهون بالتطورات السياسية المثيرة للجدل للغاية في داخل إسرائيل كما هو مرهون بالمواقف الفلسطينية. فضلا عن ذلك، ستبقى بيئة إسرائيل بيئة متطلبة للغاية، حتى بعد السلام مع الفلسطينيين وسوريا.
إن الإصلاح الانتخابي أمر ضروري، بالواقع إنها الوسيلة الوحيدة لمواجهة علل عملية صنع القرار الإسرائيلي بشكل حقيقي. فمن دون إصلاح النظام الانتخابي، سوف يستمر النظام النسبي في تقويض أي تحسينات تحققت سواء من خلال التغييرات في ظروف إسرائيل الاستراتيجية أو عن طريق الإصلاحات للمؤسسات والعمليات. إذ بعد فشل محاولات الإصلاح الانتخابي في الماضي، فمن غير المرجح أن تقوم إسرائيل بإصلاحات كبرى على المدى الطويل، رغم أن مثل هذه الإصلاحات تبقى حيوية.
بالنسبة للمستقبل المنظور، فإن مجال التغيير الأولي بالتالي، وبسبب العجز، هو ما يتعلق يتعلق بالسبب الجذري الثالث: ضعف أجهزة الأمن الوطنية المدنية. ففي كل الأحوال، وبعد ما يقرب من أربعة عقود من الإصلاح المؤسساتي، فإن جميع الأجهزة اللازمة للحكومة موجودة الآن، إذ لدى إسرائيل مؤسسة أمنية وطنية ناضجة مؤسساتيا وبالتالي فإن الحاجة لعرض إصلاحات مؤسساتية إضافية محدودة. وهكذا فإن التركيز الأساسي ينبغي أن يكون على وسائل تعزيز قدرات هذه الأجهزة وتحسين العمليات المشتركة بين الوكالات بشكل خاص. وننتقل أولا إلى عدد من التوصيات للتحسين في هذه المجالات، فقبل اقتراح بعض التوجيهات لمزيد من التغييرات الأساسية، ينبغي أن يصبح إصلاح النظام الانتخابي أمراً ممكنا في مرحلة لاحقة.
دعم وتعزيز طاقم الأمن الوطني (NSS)
يجب أن يكون جميع مستشاري رئاسة الوزراء المسؤولون عن الشؤون الخارجية والدفاع خاضعين لمستشار الأمن القومي (NSA) حتى يكون هناك نقطة اتصال واحدة في مكتب رئيس مجلس الوزراء تتحمل المسؤولية في هذا المجال. أما الوضع الشاذ الحالي ـ الذي بموجبه يكون طاقم الأمن الوطني (NSS ) هو المسؤول عن توفير الدعم لشؤون السياسة الخارجية لرئيس الوزراء ولاجتماعات اللجنة الوزارية الدفاعية ، بينما يوفر السكرتير العسكري لرئيس الوزراء الدعم لشؤون الدفاع ولـ Octet ـ فيجب أن ينتهي. فالسكرتير العسكري ليس لديه قدرات التخطيط السياسي الخاصة به، معتمداً على جيش الدفاع الإسرائيلي لأجل كل المساهمات والمعلومات. وبالتالي فإن الوضع الحالي يؤكد أن جيش الدفاع الإسرائيلي، وليس طاقم NSS، يظل المصدر الرئيس لرئيس الوزراء ومجلس الوزراء الرئيسي للتخطيط السياسي في شؤون الدفاع.
بما يتصل بهذا الموضوع، يجب على طاقم (NSS) أن يكون مسؤولاً عن التوظيف واستيعاب في كل الاجتماعات والشؤون ذات الصلة بالأمن الوطني الرسمي وغير الرسمي لرئيس الوزراء. وستكون إحدى التغييرات السهلة نسبياً ـ وذات الأهمية في حد ذاته ومؤشر أيضاً على تغيير العقليات ـ هو جعل مستشار الأمن القومي ( NSA ) يحل محل السكرتير العسكري بصفته المشارك الآخر الوحيد في الاجتماعات الأسبوعية المقررة لرئيس الوزراء مع رؤساء أجهزة المخابرات، وكذلك في لقاءاته المنفردة الأقل تواتراً مع رئيس الموظفين.
إن بعض اجتماعات رئيس الوزراء مع وزيري الدفاع والخارجية هي بغالبيتها الساحقة ذات طبيعة سياسية، ومن المرجح أن تستمر كذلك رغبة في الحفاظ على حرية التصرف، أي الاجتماع من دون وجود كبار المسؤولين. لقد نظر معظم مستشاري وكالة الامن القومي حتى تاريخه، ومعظم القادة، الى مستشار الأمن القومي باعتباره موظفاً حكومياً محايداً، أي مركزاً قضائياً تقريبا في مجال الأمن القومي، والذي يبقى فوق السياسة. عن طريق تغيير هذا التصور والمفهوم بعض الشيء والاعتراف بمزايا حقيقة كون مستشار الأمن القومي (NSA) مستشار سياسي معين ـ شخص ينبغي أن يكون قريباً من التفكير السياسي لرئيس الوزراء، لكنه يحتفظ أيضاً بالاستقلال المهني والنزاهة، يشبه إلى حد كبير حالة مستشار الأمن القومي الأميركي (NSA) ـ هذه المشكلة يمكن أن تحل جزئياص على الأقل ، ويمكن أن يكون مستشار الأمن القومي قادراً على المشاركة في بعض هذه الاجتماعات، إن لم يكن كلها. وفي نظام حكومة ائتلافية اسرائيلية، ستظل المناقشات غير الرسمية بين رئيس الوزراء ووزير الدفاع أو وزير الخارجية جزءاً من هذه العملية، ويجب أن يكون طاقم NSS في وضع يمكنه، على الأقل، من متابعتهم، إن لم يكن إعدادهم.
سيكون على الأجهزة المختلفة ، بما في ذلك وزارة الخارجية، وزارة الدفاع ، أجهزة الاستخبارات، وخصوصاً جيش الدفاع الإسرائيلي، التكيف والتعديل بمرور الوقت إزاء عملية جديدة مشتركة بين الوكالات، التي لا تعود فيها هذه الاجهزة تتحمل السلطة وحدها بالنسبة لمجالات المسؤوليات الرسمية المناطقة بكل منها، والعمل تحت إشراف طاقم NSS. فبظل نظام الحكومة الائتلافية القائم، من غير المتوقع من وزراء الخارجية والدفاع أخذ التوجيهات من مسؤول رسمي معين، وحتى في النظام الرئاسي الأمريكي الأكثر مركزية بكثير، هناك توتر راسخ بين مستشار الأمن القومي ووزراء الخارجية والدفاع. مع ذلك، بإمكان الوزارات والأجهزة الحكومية، ويجب عليها، الخضوع لعملية يقودها طاقم (NSS)، خصوصا في صياغة الأهداف والخيارات. فضلاً عن ذلك، لا بد وأن يستخدم طاقم (NSS) سلطته القانونية لإقامة تخطيط سياسي رفيع المستوى بين الوكالات ولجان التنسيق، أقرب ما يكون إلى منتدى المبادئ المفوض التابع لمجلس الأمن القومي الأمريكي ومنتديات رفيعة أخرى. والآن وبعدما خلف موشيه يعالون ايهود باراك كوزير للدفاع، فإن فرص حدوث ذلك أكبر إلى حد ما. وخلافا لباراك، المعارض القديم لعملية بقيادة طاقم (NSS)، يبدو يعالون أكثر انسجاماً مع الحاجة الضرورية لمثل هذه المحافل لتخطيط السياسات، على الرغم من أن ذلك سيحدث عملياً فقط إذا ما كان رئيس الوزراء أيضاً على استعداد للدعم ووضع ثقل منصبه خلف هذا الأمر .
يجب على طاقم (NSS)، أخيرا، البدء بانجاز العمل بمجالات المسؤولية الخاصة الأربعة المسندة إليه وفق قانون (NSS) ، أي تقييم الأمن القومي السنوي ولعدة سنوات، تخطيط السياسات المتعلقة بميزانية الدفاع ومشاريع الدفاع الرئيسة، ومتابعة تنفيذ السياسات. إن الفشل في القيام بذلك أمر يناسب الحاجات السياسية لرئيس الوزراء، لكن هذه المهام الآن مفوضة بالقانون وهامة في حد ذاتها.
ان التحسن الوحيد الأكثر أهمية على مستوى العملية هو صياغة أهداف، وأولويات، وخيارات سياسية واضحة المعالم وقابلة للتنفيذ إلى جانب دول واضحة الغايات. ليس هناك من فشل آخر كان له تأثير أكثر ضررا من ذلك على عملية صنع القرار الإسرائيلي. مع ذلك، وللأسباب المذكورة آنفا، من المرجح أن يظل رؤساء الحكومات معارضين لتخطيط سياسة منهجية. وفي انتظار إصلاح النظام الانتخابي، من غير المرجح حصول تحسن كبير في هذا المجال في الجلسة المكتملة لمجلس الوزراء واللجنة الوزارية الدفاعية. وبالتالي قد يكون أكبر مجال للتحسين هو في عمل المنتديات غير الرسمية المشكلة خصيصاً لذلك، مثل Octet التابعة لنتنياهو وخلفائه في المستقبل، وكما هو حاصل كذلك في العمل الخاص لرئيس الوزراء، الذي يوجد فيه حرية أكبر بكثير لانشاء عمليات صنع قرار تتفق مع حاجاته ورغباته.
واليوم أساساً، وبعد صدور قانون (NSS)، يتمتع رئيس الوزراء بدعم سياسي أفضل مما كان عليه في الماضي. أما نقطة الانطلاق الجيدة لمزيد من التحسين فستكون تلك القضايا التي تعتبر ذات أهمية كبيرة، لكن على أن يكون أي نقاش سياسي أساسه الموضوعية، وليس الحزبية، كالنقاش حول البرنامج النووي الإيراني أو ترسانة صواريخ حزب الله. إن إضفاء الطابع المؤسسي على عمليات التخطيط المنهجي على مثل هذه القضايا في المحافل الرسمية، بما في ذلك Octet والمشاورات الصغيرة التي يجريها رئيس الوزراء، ستكون ذات فائدة كبيرة في حد ذاتها، وقد يكون للتجارب الإيجابية التراكمية تأثير إيجابي غيرمباشر، جزئيا على الأقل، على القضايا الأخرى الأكثر إثارة للجدل.
في السنوات الأخيرة، أصبح طاقم NSS يشارك بعمق في تقديم الخدمات اليومية لشؤون رئيس الوزراء على حساب التخطيط الاستراتيجي الأكثر عمقاً. إن وجود هيئة استشارية لا تشارك في الشؤون الحالية ينطوي على خطر عدم اهميتها وعدم صلتها، الأمر الذي عانى منه طاقم (NSS) في الماضي. يجب إيلاء العناية والاهتمام اللازمين لضمان احتفاظ طاقم (NSS) بدوره الفريد باعتباره موجوداً في عمق كيان التخطيط الاستراتيجي ، لا أن يصبح، وببساطة، وكالة أخرى من الوكالات في إسرائيل التي تتعاطى مع القضايا الأكثر إلحاحا. يمكن لعملية جدية بقيادة طاقم NSS توفير توازن صحي لنزعة إسرائيل واستعدادها للارتجالية وعملية صنع القرار المتتابعة.
إن المصالح والضغوط السياسية، القادرة على عرقلة عمليات التخطيط الأكثر فاعلية حتى، ستكون موجودة دائما. بالتالي فإن المساهمة الأساسية لطاقم (NSS) قد تكمن في العمليات الرسمية، وتغيير العقليات والثقافة التنظيمية بمرور الوقت، مع رؤية وهدف بـ جعل الأمور تجري بشكل صحيح في كثير من الأحيان، بدلاً من أمل غير واقعي بالقيام بذلك كل الوقت.
دعم وتعزيز وزارة الخارجية
كانت وزارة الخارجية ولفترة طويلة بمثابة الربيب لعملية صنع قرار الأمن القومي الإسرائيلي، وإن تعزيز دورها بشكل كبير أمر ضروري وحيوي. وقد بدأت وزارة الخارجية بحد ذاتها بالقيام بذلك من تلقاء نفسها في السنوات الأخيرة فعلا، أي اجراء تغييرات هامةعلى المستوى الهيكلي والإجراءات التنظيمية على حد سواء.
كان للممارسة المستمرة لجهة تعيين وزراء خارجية لأسباب تتعلق بالائتلافات السياسية، في المقام الأول، بدلا من المؤهلات المهنية والمكانة الشخصية، كوزير الخارجية الأخير افيغدور ليبرمان، أثر مدمر على مكانة وزارة الخارجية. لن يكون هناك تغير مجد في الحظوظ التنظيمية لوزارة الخارجية قبل أن تصبح النظرة إلى تعيين وزير الخارجية، كوزير الدفاع، أولا وقبل كل شيء، نظرة مبنية على أساس الجوهر. عندها فقط سوف يكف رؤساء الحكومات عن الممارسات الحالية، حيث يتم عادة استبعاد وزراء الخارجية عن اجتماعات الدفاع، الدبلوماسية بطبيعتها إلى حد كبير.
كانت وزارة الخارجية، ومنذ فترة طويلة ، مشاركا سلبيا إلى حد كبير في عملية صنع القرار، ما يعني كونها ناطقة بلسان سياسات وضعت في مكان آخر، وليس وكالة تنفيذية ذات ثقافة تنظيمية ومهمة موجهة وذات أهداف محددة بوضوح. ينبغي أن تصبح وزارة الخارجية ضالعة بشكل عميق في صياغة السياسة في حد ذاتها، سواء ذات الطابع الدبلوماسي البحت أم تلك ذات الطابع السياسي والعسكري الأوسع نطاقا. ومع ذكر مثال حيوي واحد فقط، يجب على وزارة الخارجية أن تشارك فعليا في كل قرار باستخدام القوة العسكرية، على عكس الوضع الحالي حيث يتحمل رئيس الوزراء ووزير الدفاع المسؤولية وحدهما عن هذا الأمر في حالات العمل المحدود، أو حيث تقدم القرارات إلى مجلس الوزراء واللجنة الوزارية للدفاع للموافقة عليها في حالات عمليات أكثر أهمية، وكل ذلك دون أي مشاركة من وزارة الخارجية الإسرائيلية.
للمساعدة في تأمين هذا الدور المشددة الجديد، يجب أن يصبح وزير الخارجية أو مدير عام وزارة الخارجية أحد المشاركين الدائمين في كل الاجتماعات التنفيذية ذات المنحى السياسي لرئيس الوزراء مع وزير الدفاع ورئيس الموظفين. إن تعيين المدراء العامين في وزارة الخارجية الإسرائيلية المعينين لآجل محددة ، مثل رئيس الموظفين أو رؤساء أجهزة المخابرات، بدلا من وزير خارجية جديد في كل مرة، بمعدل كل سنتين ونصف، سيزيد من تعزيز مكانتهم ومن مكانة الوزارة، ومن توفير قدرة أكبر بكثير على إجراء تخطيط للسياسات. فضلاً عن ذلك، ينبغي أن يصبح المدير العام لوزارة الخارجية مشاركاً دائماً في الاجتماعات ذات الصلة لهيئة الأركان العامة وجميع محافل صنع القرار المناسبة الأخرى التابعة لوزارة الدفاع وكبار الضباط في جيش الدفاع الإسرائيلي، بما في ذلك تلك التنفيذية. وبالمثل، ينبغي أن يكون أحد كبار الضباط في الجيش الإسرائيلي مشاركا دائماً في أرفع محافل صنع القرار في وزارة الخارجية.
ومن المهم بصفة خاصة تعزيز شعبتيْ التخطيط السياسي والأبحاث داخل وزارة الخارجية، من حيث الخبرة المهنية والقوة التنظيمية، وأن يكون عملهما متكاملاً بشكل أفضل من ذلك الذي للأقسام الإقليمية والوظيفية. أخيرا، لا بد من تعزيز وزارة الخارجية من حيث حجم الموظفين، استقلالية الشؤون الإدارية، والميزانيات.
دعم وتعزيز وزارة الدفاع
هناك مجال آخر لإصلاح ممكن في العلاقة بين جيش الدفاع الإسرائيلي ووزارة الدفاع، بغية إخضاع الجيش الإسرائيلي إلى مزيد من الرقابة المدنية. إن جيش الدفاع الإسرائيلي، بصفته قد تشكل منذ تأسيس إسرائيل، هو في الواقع اللاعب المهيمن في البلد، وليس وزارة الدفاع. إذ يقدم كلاهما تقريراً منفصلاً إلى وزير الدفاع، كما أن وزارة الدفاع غير مصممة ولا مجهزة بفريق عمل لإجراء إشراف وزاري على السياسة والميزانيات. إن مؤسسة الدفاع تتمتع ككل أيضاً باستقلالية الموازنة عن وزارة المالية.
أحد الاحتمالات هو زيادة تعزيز قدرات التخطيط الاستراتيجي لوزارة الدفاع ، بما في ذلك مجموعة واسعة من القضايا السياسية والعسكرية والدبلوماسية التي يتم التعاطي معها حالياً من قبل فرع التخطيط في جيش الدفاع. وقد طغت هذه المسألة على علاقة وزارة الدفاع ـ الجيش الإسرائيلي منذ إنشاء فرع التخطيط في السبعينات، وأحياناً حتى، تم انشاء هيئة مشتركة لجيش الدفاع ووزارة الدفاع. كان من المفترض من إنشاء الشعبة السياسية ـ العسكرية في أوائل العقد الأخير من القرن الماضي أن يحل المشكلة، لكن وكما هو الحال مع غيرها من ترتيبات التسوية، فإنها لم تقم بذلك أبدا بشكل كامل. إن التوصل إلى حل نهائي لهذه المعضلة المستمرة أمر مهم، وإن لم يكن حيوياً. أما بما يتعلق بالرغبة بمزيد من السيطرة المدنية في حكم ديمقراطي، فإن الترتيب الحالي قد نجح عموما على نحو فعال، ويجب تناول التغيير في هذا المجال بحذر.
أخيرا، وعلى مستوى العملية، إن الخوف من التسريبات له تأثير مهم على توقعات صناع القرار وعلى عملية صنع القرار ككل. ففي عملية الإصلاح، سيكون على رئيس الوزراء ضمان السرية من خلال اتخاذ تدابير وقائية، ومعاقبة الجناة، وفوق كل ذلك، مراقبة المعايير الجديدة نفسها. إن مسألة التسريبات مرض مزمن في جميع الديمقراطيات وستبقى كذلك في إسرائيل. مع ذلك، لقد كانت المعايير أكثر تقييدا في الماضي ويمكن أن تصبح كذلك مرة أخرى، وذلك، وإلى حد كبير، من خلال تصميم رئاسة الوزراء.
الإصلاح الانتخابي
يتطلب حصول تغيير جوهري حقا في عملية صنع القرار الإسرائيلي إجراء إصلاح انتخابيا أساسي وجوهري، لا يقتصر فقط على إصلاحات المؤسسات والعمليات القائمة. إن عرض العلاج الشامل للإصلاحات اللازمة يقع خارج نطاق هذه الورقة، لكن هناك قضيتان رئيستان يجب معالجتهما إذا ما كان يراد تحقيق قدرة أكبر على الحكم وتحقيق فعالية صنع القرار العام. أولا، يجب تعزيز السلطة الرسمية لرئيس الوزراء وذلك لجعل الحكومة أكثر خضوعا للمساءلة بالنسبة له ولضمان أن يكون بإمكانه أن يكون في الخدمة لولاية كاملة مدتها اربع سنوات. أما في الوضع الحالي، فإن وزيريْ الدفاع والخارجية عادة ما يكونا منافسيْن له، ولا تخدم الائتلافات عادة أكثر من سنتين إلى ثلاث سنوات، مع وجود تأثير ضار للغاية على صناعة قرار الأمن القومي الإسرائيلي.
إن توقع الحصول على فترة ولاية كاملة مدتها أربع سنوات يقلل كثيرا من الضغط على رؤساء الحكومات والوزراء لجهة التركيز غالباً على اعتبارات سياسية مباشرة وعلى إنجازات على المدى القصير، وسوف تمكنهم من اجراء عملية أكثر استنادا إلى السياسات والتخطيط، تكون معارضة للعمليات القائمة على الآراء السياسية.
ثانيا، يجب إعادة هيكلة مجلس الوزراء بطريقة تهدف إلى جعله أقل تسييسا وأكثر فعالية بكثير بالنسبة إلى هيئة صنع القرار. وينبغي أن تركز الجهود ، في المقام الأول، على اللجنة الوزارية للدفاع، التي، ولكي تكون فعالة، يجب اجراء تخفيض كبير في حجممها وتقييدها بما يتصل بالوزراء المعنيين. أما من الناحية المثالية، فإن اللجنة الوزارية للدفاع ستتكون من رئيس الوزراء ووزيريْ الدفاع والخارجية، نائب رئيس الوزراء أو مساعده (وبالتالي إعطاء فحوى لهذه العناوين المشرفة)، ومن وزيريْ الأمن الداخلي والمالية بحسب الحاجة. ولن يتجاوز العدد الكلي للمشاركين الوزاريين الدائمين 5-7 أشخاص. أما كبار المسؤولين فيشاركون بحسب الضرورة.
في الختام، هناك ما يبرر الحذر. ليس هناك من شيء يسمى عملية صنع قرار الأمن القومي أو نظام انتخابي صحيح يناسب الكل؛ فالترتيبات المعتمدة من مختلف البلدان تعكس ظروفها وطابعها الخاص والفريد. فضلاً عن ذلك، إن كل الانظمة الانتخابية وعمليات صنع القرار الوطني تنطوي على علل خاصة بها، ونحن متأكدون عملياً من احداث علل جديدة من خلال إصلاح هذا النظام. يمكننا، ويجب علينا، السعي للتحسين، لكن لا توجد ضمانات للنجاح، وليس هناك علاج شامل يشفي. إن أفضل العمليات حتى تكون مضغوطة جداً عند الانكباب بفعالية على معالجة متطلبات بيئة إسرائيل الخارجية المعقدة.
حتى الآن، وبعد 65 سنة من الاستقلال، لا تزال نفس العمليات السياسية الأساسية التي أدت إلى صعود إسرائيل بنجاح في سنواتها التكوينية على حالها إلى حد كبير. ورغم أن حجم وتطور المؤسسة الأمنية الوطنية قد تغير بعد الاعتراف بالدولة، فإن عمليات صنع القرار على صعيديْ رئاسة الوزراء ومجلس الوزراء لا زالت على حالها إلى حد كبير، وغير قادرة، وبشكل متزايد، على معالجة المطالب المفروضة عليهم. وعلى الرغم من الاعتراف الواسع بالحاجة الأساسية للإصلاح، فإن الخلل الوظيفي لنظام التمثيل النسبي، والذي يمثل جزءاً كبيراً من اخفاقات النظام، هو أيضا أكبر العوائق التي تحول دون حصول تغيير.
(*) ترجمة: إيمان سويد ـ خاص موقع مجموعة الخدمات البحثية