ورقة نقاش تحمل الرقم 98-70 ـ مركز العلوم والشؤون الدولية، جامعة هارفرد
إعداد: شين م. لين ـ جونز(*)
تمهيد
بعد انتهاء الحرب الباردة، بدا أن تعزيز الانتشار الدولي للديمقراطية على استعداد للحلول محل الاحتواء كمبدأ توجيهي للسياسة الخارجية الأميركية. فقد تبنى باحثون، وصناع قرار، ومعلقون الفكرة بأنه يمكن للدمقرطة أن تصبح ' مهمة أميركا التالية'. في كل الأحوال، وفي السنوات الأخيرة، قال ناقدون بأن نشر الديمقراطية قد يكون أمراً غير حكيم أو حتى مؤذياً. تنكب هذه الورقة على معالجة هذا الجدل الدائر. وتقول بأن على الولايات المتحدة أن تعزز الديمقراطية وتفند بعض أهم الحجج ضد الجهود الأميركية لنشر الديمقراطية. وبعد مناقشة مختصرة لتعريفات الديمقراطية والليبرالية، توجز الورقة سبب كون نشر الديمقراطية – خاصة الديمقراطية الليبرالية- مفيداً لمواطني الديمقراطيات الجديدة، تعزيز السلام الدولي، وخدمة المصالح الأميركية. ولأنه نادراً ما كان يُلم بموضوع الدمقرطة بشكل شامل، فإن هذه الورقة تقوم بشرح الحجج بخصوص تعزيز الديمقراطية للحريات، منع المجاعات، وتعزيز التنمية الاقتصادية. ويتم إيجاز المنطق والدليل على السلام الديمقراطي أيضاً، كما توجز الطرق التي يمكن بها تعزيز المصالح الأمنية والاقتصادية الأميركية في عالم من الديمقراطيات. وتتضمن هذه المكاسب بالنسبة للمصالح الأميركية انخفاضاً في منسوب التهديدات للولايات المتحدة، عدداً أقل من اللاجئين الذين يحاولون دخولها، وشركاء اقتصاديين أفضل بالنسبة لقطاعيْ التجارة والاستثمار الأميركيين. وتتحول هذه الورقة لتفنيد أربع حجج برزت مؤخراً ضد فوائد نشر الديمقراطية: (1) الزعم بأن السلام الديمقراطي ما هو إلا أسطورة؛ ( 2) الحجة بأن عملية الدمقرطة تزيد مخاطر الحرب؛ (3) الحجج بأن الانتخابات الديمقراطية مؤذية في مجتمعات ليست ليبرالية بالكامل؛ (4) المزاعم بأن بإمكان ' القيم الآسيوية' أن تكون الأساس في دراسة أنظمة سياسية حاكمة مبنية على ' السلطوية الناعمة' التي تتفوق على الديمقراطيات الليبرالية. وتقول الورقة بأن هذه الانتقادات الأخيرة للجهود الأميركية لترويج وتعزيز الديمقراطية لم تقدم قضية مقنعة تدل على أن نشر الديمقراطية فكرة سيئة. إن الانتشار الدولي للديمقراطية سوف يقدم مكاسب عديدة لديمقراطيات جديدة وللولايات المتحدة. يبدو أن مقترح السلام الديمقراطي قوي، حتى ولو كان الباحثون بحاجة للاستمرار بتطوير تفسيرات متعددة عن سبب ندرة ذهاب الديمقراطيات للحرب،هذا إن حصل. إن الدليل حول ما إذا كانت الدمقرطة تزيد من مخاطر الحرب هو دليل مختلط، في أفضل الأحوال، وبالإمكان صياغة سياسات ، بمهارة، للتقليل من أية مخاطر للصراع في هذه الحالات إلى أدنى حد. لقد كان هناك مبالغة في مشكلة ' الديمقراطية غير الليبرالية'؛ فالانتخابات الديمقراطية، عادة، تكون جيدة أكثر مما تكون مضرة. في كل الأحوال، ينبغي للولايات المتحدة أن تهدف إلى تعزيز القيم الليبرالية إضافة إلى تعزيز الديمقراطية الانتخابية. كما أن تحدي 'السلطوية الناعمة' للديمقراطية الليبرالية لم يكن تحدياً مقنعاً، حتى قبل تقويض الاضطرابات الاقتصادية الآسيوية عاميْ 1979 و 1998 لمزاعم تفوق ' القيم الآسيوية'.
مقدمة
في كل الأحوال، وفي السنوات الأخيرة، انتقد عدد من الكتاب فكرة وجوب نشر الولايات المتحدة للديمقراطية. ويبدو أن التزام إدارة كلينتون بنشر الديمقراطية قد تعثر، وقال المنتقدون عبر الطيف السياسي بأن على الولايات المتحدة تقليص جهودها بتعزيز الدمقرطة العالمية أو التخلي عنها. وفي مقالة بارزة، قال روبرت كابلان بأن إجراء انتخابات ديمقراطية في عدد من البلدان قد يعيق بالفعل جهود الحفاظ على السلم الإثني، والاستقرار الاجتماعي والتنمية الاقتصادية. أما فريد زكريا فقد عرض إلى أن إجراء انتخابات في بلدان من دون وجود قيم ليبرالية يخلق ديمقراطيات غير ليبرالية، ما يشكل تهديدات قاتلة للحريات.
إن هذه الورقة ترى أنه ينبغي للولايات المتحدة أن تجعل تعزيز الديمقراطية في الخارج أحد أهداف سياستها الخارجية المركزية. فالديمقراطية ليست سلعة خالية من العيوب ولا ينبغي للولايات المتحدة أن تحاول نشر الديمقراطية بطريقة عمياء إلى حد إقصاء كل أهدافها الأخرى، بل إن المصالح الأميركية والعالمية ستتطور وتتقدم إذا ما حوى العالم ديمقراطيات أكثر. سيكون من الصعب غالب الأحيان بالنسبة للولايات المتحدة وفاعلين آخرين مساعدة بلدان كي تصبح ديمقراطية، لكن بإمكان الجهود الدولية أن تصنع الفرق في هذا المجال. بإمكان الولايات المتحدة تعزيز الديمقراطية. وفي حالات عديدة يجب عليها ذلك.
أعمل هنا على تطوير حجة تعزيز الديمقراطية في ثلاثة أجزاء. القسم الأول من هذه الورقة يعرِّف الديمقراطية ومفهوم الليبرالية الوثيق الصلة بها. إذ يميِّز بين الإجراءات الديمقراطية للحكومة وبين الفلسفة السياسية لليبرالية، لكنه يفسر أيضاً كيفية ارتباط الاثنين بشكل وثيق.
يحدد القسم الثاني الحجج الرئيسة بخصوص سبب كون نشر الديمقراطية أمراً مفيداً لشعوب دول حديثة الديمقراطية، وكونه يعزز السلام في المنظومة الدولية، ويدفع بالمصالح الأميركية ويعززها. هذا القسم من الورقة يقدم المنطق والدليل اللذين يبرهنان على أن نشر الديمقراطية يعزز، باستمرار، عدداً من القيم الهامة، بما فيها حرية الفرد إزاء القمع السياسي، العنف القاتل، والجوع. كما سيظهر هذا القسم الكيفية التي يعزز فيها نشر الديمقراطية السلام والاستقرار الدوليين، ويساعد على ضمان أمن وازدهار الولايات المتحدة.
ويوجز القسم الثالث ويدحض بعض أبرز الحجج التي ظهرت مؤخراً ضد تعزيز الديمقراطية. وتتضمن هذه الحجج انتقادات فرضية السلام الديمقراطي، وعرض أن عملية الدمقرطة تزيد، بالفعل، من مخاطر الحرب، والمزاعم بأن عددا ًمن الانتخابات الديمقراطية للبلدان هي، في أفضل الأحوال، غير ذات صلة، ومضرة، في أسوأ الأحوال، وبأن الحجة التي تقول بأن بروز ' النموذج الآسيوي' للتطور السياسي والاقتصادي يثبت بأن الديمقراطية الليبرالية لا هي مناسبة ولا هي ضرورية في عدد من البلدان.
تعريف الديمقراطية والليبرالية.
&bascii117ll; تعريف الديمقراطية
من الصعب تعريف الديمقراطية بحسب ما هو معروف. لقد عرَّف بعض الكُتاب الديمقراطية، وببساطة، بما ليس ما هي عليه: ' الديمقراطية نظام لا يمكن للمرء فيه أن يختار نفسه، أو يستثمر نفسه في سلطة يحكمها ولذا، لا يمكن لأحد أن يلصق بنفسه سلطة غير محدودة وغير مشروطة'. وقدم باحثون آخرون مجموعة مختلفة من التعريفات. ويقدم كل من فيليب شميتر وتيري كارل التعريف التالي: ' إن الديمقراطية السياسية الحديثة هي نظام حكم يكون فيه الحكام عرضة للمحاسبة على أعمالهم في المجال العام من قبل مواطنين يعملون بشكل غير مباشر من خلال تنافس وتعاون ممثليهم المنتخبين'. أما تعريف 1942 المؤثر لجوزيف شامبتر فاعتبر ' الأسلوب الديمقراطي' بمثابة ' الترتيب المؤسساتي للوصول إلى قرارات سياسية يحصل فيها الفرد على السلطة لاتخاذ قرارات وذلك بوسيلة الكفاح التنافسي للحصول على أصوات ' الشعب'. ويحدد صامويل هانتيغتون ' النظام السياسي للقرن العشرين على أنه ديمقراطي إلى درجة أن أقوى صانعي القرار الجماعي يتم اختيارهم من خلال انتخابات نزيهة، عادلة، ودورية يتنافس فيها المرشحون بحرية لنيل أصوات الناخبين، انتخابات يكون فيها البالغون مؤهلين للتصويت والانتخاب'. إن وفرة تعريفات الديمقراطية حفزت عدداً من الباحثين للقيام بتحليل ومقارنة كيفية تعريف المصطلح.
إن محاولات تعريف الديمقراطية أمر أكثر تعقيداً بسبب الفوارق والتباينات الموجودة بين ديمقراطية اليونان القديمة والديمقراطية المعاصرة. فالديمقراطية الأثينية الكلاسيكية كانت مبنية على مثاليات المشاركة السياسية لكل المواطنين، وعلى مفهوم المجتمع القوي، سيادة الشعب، وتساوي جميع المواطنين بظل القانون. من جهة أخرى، تعتمد الديمقراطية الحديثة على ممثلين منتخبين وعلى توجهات لرسم التمييز الفاصل بين المجالين، العام والخاص، وبالتالي تآكل عرى المجتمع وتعزيز الفردية. ولأن معظم الكُتاب يستخدمون مصطلح الديمقراطية لتطبيقه على أنظمة سياسية تمثيلية حديثة، فإني سوف أدعو هكذا أنظمة بالديمقراطيات حتى ولو كانت لا ترقى إلى مُثل ديمقراطية المشاركة المباشرة لليونان القديمة.
لمعظم التعريفات المعاصرة للديمقراطية عناصر مشتركة عديدة. أولاً، الديمقراطيات بلدان يوجد فيها آليات مؤسساتية، عادة انتخابات، تتيح للناس اختيار قادتهم. ثانياً، يجب على القادة المحتملين التنافس فيما بينهم للحصول على الدعم الشعبي العام. ثالثاً، تكون سلطة الحكومة مقيدة بالمحاسبة أمام الشعب. هذه هي الخصائص الأساسية والجوهرية للديمقراطية السياسية.
يضيف بعض الكُتاب معياراً إضافياً إلى القائمة يجعل من نظام حكومة ما ديمقراطية. ويقول لاري دايموند بأنه ينبغي أن يكون للديمقراطية ' حريات مدنية واسعة' ( حرية التعبير، حرية الصحافة، حرية تشكيل تنظيمات والانضمام إليها). ويدرك صامويل هامينغتون بأن الديمقراطية ' تنطوي على وجود تلك الحريات المدنية والسياسية الضرورية للنقاش السياسي ولإدارة حملات انتخابية'. تكشف هذه المحاولات لتوسيع المعايير للديمقراطية عن أن من المنطقي أكثر التحدث عن درجات الديمقراطية بدلاً من تقسيم الدول، بعناية، إلى ديمقراطيات وغير ديمقراطية. فبعض الدول قد تكون أكثر ديمقراطية من غيرها؛ سيكون رسم خط بين بلد ديمقراطي وبلد غير ديمقراطي مسألة اجتهاد ورأي عادة. كما يلقي الضوء على أهمية التمييز بين الديمقراطية والليبرالية.
&bascii117ll; الليبرالية والديمقراطية
بالإمكان تعريف الديمقراطية على أنها مجموعة من الإجراءات السياسية التي تتضمن المشاركة والمنافسة، إلا أن الليبرالية عبارة عن فلسفة سياسية مبنية على مبدأ حرية الفرد. وبحسب تعبير أحد الباحثين، ' إن غايات ' الليبرالية هي الحياة والملكية، ووسائلها الحرية والتسامح'. تدعو الليبرالية إلى ضمانات لحقوق الفرد، بما في ذلك الحرية من السلطة الاستبدادية، حرية المعتقد، الحق بامتلاك وتبادل الملكية الخاصة، الحق بالفرص المتساوية في مجالات الرعاية الصحية، التعليم والتوظيف، والحق بالمشاركة والتمثيل السياسيين. إن خانة الحقوق الأخيرة مضمونة بالضرورة في الحياة السياسية التي تلبي التعريف الإجرائي للديمقراطية.
معظم الديمقراطيات هي ديمقراطيات ليبرالية لدرجة ما. فالبلدان الصناعية الغربية تدمج الديمقراطية الإجرائية مع ضمانات الحريات المدنية. إن أية دولة تتبنى مبادئ ليبرالية يرجح أن تصبح ديمقراطية ، لأن المشاركة السياسية، المنافسة، والمحاسبة ربما تكون أفضل الضمانات بأن الحريات الفردية سوف تحفظ وتصان. وبالتالي فإن مصطلحيْ ' ليبرالية' و ' ديمقراطية' غالباً ما يسيران جنباً إلى جنب. في كل الأحوال، من المحتمل أن يكون بلداً ما ديمقراطي وغير ليبرالي. على سبيل المثال، إن الدول ذات الإيديولوجيات العنصرية أو القومية الرسمية قد تختار قادتها في الانتخابات لكنها قد تنكر الحرية على أفراد مجموعات معينة من الأقليات وتحرمها منها. إن صربيا وإيران عبارة عن ديمقراطيات غير ليبرالية. من الممكن أيضاً أن تكون دولة ليبرالية دون أن تكون ديمقراطية ـ رغم أن هذا الأمر غير مرجح. ويقدم الفيلسوف السياسي مايكل والتزر هذه النقطة كالتالي: 'حتى في غياب انتخابات حرة، من الممكن أن يكون لدينا صحافة حرة، حرية معتقد، تعددية الجمعيات، الحق بتنظيم اتحادات، الحق بالتنقل بحرية، وهكذا. ففي القرن التاسع عشر تبنت بريطانيا مبادئ ليبرالية قبل أن توسع الحق الدستوري وتصبح ديمقراطية. نظرياً، إن دولة يحكمها مستبد مطبوع على الخير يمكنه احترام معظم أو كل الحريات الفردية المرتبطة بالليبرالية. أما عملياً، فإن قلة، نسبياً، من الدول المعاصرة ليبرالية دون أن تكون ديمقراطية.
&bascii117ll; هدف أميركا: الديمقراطية الليبرالية
نظراً لمجموعة التعريفات المختلفة والمتنوعة للديمقراطية والتمييز بين الديمقراطية والليبرالية، فما هو نوع الحكومة التي ينبغي للولايات المتحدة أن تحاول نشرها؟ هل عليها محاولة نشر الديمقراطية، المحددة إجرائياً، أم الليبرالية ، أم كليهما؟ في نهاية المطاف، ينبغي أن يكون هدف الولايات المتحدة تشجيع نشر الديمقراطية الليبرالية. ينبغي للسياسات الرامية إلى تعزيز الديمقراطية أن تحاول زيادة عدد الأنظمة التي تحترم الحريات الفردية الكامنة في قلب الليبرالية وأن تنتخب قادتها. لذا على الولايات المتحدة أن تحاول بناء الدعم للمبادئ الليبرالية – عدد منها مقدس في معاهدات حقوق الإنسان – إضافة إلى تشجيع الدول على إجراء انتخابات حرة ونزيهة.
في كل الأحوال، إن دعم نشر الديمقراطية الليبرالية لا يعني بأن على الولايات المتحدة إعطاء الترويج للبرالية وتعزيزها الأولوية على حساب تنامي الديمقراطية الانتخابية. ففي معظم الحالات، بإمكان الدعم لديمقراطية منتخبة المساهمة بنشر الليبرالية والديمقراطية الليبرالية. إذ غالباً ما تزيح انتخابات عادلة ونزيهة قادة يشكلون أكبر العقبات أمام نشر الديمقراطية. ففي بورما، على سبيل المثال، كان الشعب ليزيح نظام SLORC الاستبدادي من السلطة، بالتأكيد تقريباً، لو كان لديه الخيار في صندوق الاقتراع. أما في جنوب أفريقيا، هايتي، والتشيلي، على سبيل المثال، فقد أزالت الانتخابات حكاماً معادين للديمقراطية وطورت عملية الدمقرطة. وفي معظم الحالات، على الولايات المتحدة دعم الانتخابات حتى في البلدان التي ليست ليبرالية بالكامل. فالانتخابات ستؤدي، عموماً، إلى البدء بعملية تغيير نحو الدمقرطة. ينبغي للسياسة الأميركية ألا تجعل الشيء الممتاز عدواً للجيد عن طريق الإصرار على تبني البلدان مبادئ ليبرالية قبل إجراء انتخابات. إن سياسات من هذا النوع يمكن استغلالها من قبل حكام سلطويين لتبرير إمساكهم المستمر بالسلطة وتأجيل الانتخابات التي قد يخسرون فيها. إضافة لذلك، إن الدعم الأميركي المستمر لديمقراطية انتخابية سيساعد على تعزيز بروز المعيار الدولي من حيث وجوب أن يكون القادة عرضة للمحاسبة أمام شعبهم. إن تحقيق هذا الهدف يستحق المخاطرة حيث أن بعض القادة المقيتين سيفوزون بالانتخابات ويستخدمون انتصاراتهم في صندوق الاقتراع لتشريع حكمهم غير الليبرالي.
ينبغي للولايات المتحدة أيضاً أن تحاول بناء الدعم للمبادئ الليبرالية، قبل وبعد إجراء بلدان أخرى للانتخابات. إن السياسات الرامية إلى تعزيز الليبرالية أصعب لناحية التطوير والمواصلة من تلك التي تهدف إلى حث الدول على إجراء انتخابات حرة ونزيهة، إلا أن بإمكان الولايات المتحدة تعزيز الليبرالية إضافة إلى الديمقراطية، كما أقول أدناه.
فوائد نشر الديمقراطية
يفترض معظم الأميركيين بأن الديمقراطية شيئاً جيداً وبأن نشر الديمقراطية سيكون أمراً مفيداً. ولأن فضائل الديمقراطية مأخوذة كأمر مسلم به، فإنه نادراً ما تعدد هذه الفضائل أو تدرس. إن الديمقراطية ليست بالسلعة الصافية التي لا تشوبها شائبة، لذا من المهم عدم المغالاة بمكاسب الدمقرطة أو تشويهها. مع ذلك، فإن لنشر الديمقراطية فوائد عديدة. ويعدد هذا القسم كيف سيحسن نشر الديمقراطية حياة المواطنين في ديمقراطيات جديدة، ومساهمته في السلام الدولي، وتعزيزه المصالح الوطنية الأميركية بشكل مباشر.
أ. الديمقراطية جيدة لمواطني الديمقراطيات الجديدة
ينبغي على الولايات المتحدة أن تحاول نشر الديمقراطية لأن الناس يعيشون حياة أفضل ، عموماً، بظل حكومات ديمقراطية. فمقارنة مع سكان البلدان غير الديمقراطية، يتمتع مواطنو الديمقراطيات بحرية فردية أكبر، وباستقرار سياسي أفضل ، وتحرر من العنف الحكومي، نوعية حياة أكثر تعزيزاً ومخاطر أدنى بكثير تتعلق بمعاناة المرأة.وسيتساءل المشككون فوراً: لم ينبغي على الولايات المتحدة أن تحاول تحسين حياة غير الأميركيين؟ ألا ينبغي لهذا البلد أن يركز على مشاكله ومصالحه الخاصة؟ هناك ثلاث أجوبة على الأقل لهذه التساؤلات.
أولاً، وكبشر، ينبغي للولايات المتحدة أن تشعر بالفعل ببعض الالتزام لجهة العمل على تحسين حياة البشر الآخرين ورفاهيتهم وخيرهم. إن عرى الإنسانية المشتركة لا تتوقف عند حدود الولايات المتحدة. وبالتأكيد، إن هذه الروابط والالتزامات محدودة بالطبيعة التنافسية للنظام الدولي. ففي عالم يظل استخدام القوة فيه أمراً ممكناً، لا يمكن لأية حكومة أن تتحمل مواصلة سياسة خارجية بناء على ' الإيثار'. فالجنس البشري لا يتعلق بتبني رؤية أخلاقية عالمية ( كوزموبوليتانية) تصبح فيها الحدود والهويات الوطنية غير ذات صلة. لكن هناك احتمالات عديدة للعمل بدافع الهواجس بالنسبة للأفراد في بلدان أخرى. ففي الولايات المتحدة، تعرض الهواجس العامة المستمرة بخصوص حقوق الإنسان في بلدان أخرى، إضافة إلى جهود حكومية وغير حكومية للتخفيف من المجاعة، الفقر، والمعاناة عبر البحار، إلى أن الأميركيين يتقبلون بعض الروابط الإنسانية المشتركة ويشعرون ببعض الالتزامات تجاه الأجانب. إن بروز ما يسمى بـ 'تأثير الـ CNN' ـ التوجه لإثارة الأميركيين للعمل عن طريق الصور التلفزيونية لمعاناة الشعوب ما وراء البحار ـ لهو دليل إضافي على أن المشاعر الأخلاقية العالمية موجودة. فإذا كان الأميركيون مهتمين بشأن تحسين حياة مواطنين البلدان الأخرى، عندها سوف تزداد قضية تعزيز الديمقراطية قوة إلى حد أن يكون تعزيز الديمقراطية وسيلة فعالة لتحقيق هذه الغاية.
ثانياً، لدى الأميركيين مصلحة محددة في تعزيز نشر الحرية. فقد تم تأسيس الولايات المتحدة على مبدأ ضمان الحرية لكل مواطنيها. إن وثائقها التأسيسية ومؤسساتها تشدد كلها على أن الحرية قيمة جوهرية. ومن بين المراقبين وأساتذة العلوم السياسية الكثيرين الذين يقدمون هذه النقطة هناك صامويل هامينغتون، الذي يقول بأن 'هوية أميركا كدولة لا يمكن فصلها عن التزامها بالقيم الليبرالية والديمقراطية'. وكما أقول أدناه، إن إحدى أهم فوائد نشر الديمقراطية ـ وخاصة الديمقراطية الليبرالية ـ هو توسع وانتشار الحرية الإنسانية. ونظراً لمبادئها التأسيسية وهويتها نفسها، لدى الولايات المتحدة رهان كبير في مسألة تعزيز قيمة الحرية الجوهرية لديها. وكما قال نائب وزير الخارجية ستروب تالبوت: ' إن الولايات المتحدة بلد مؤسَّس، بشكل فريد وبوعي ذاتي على مجموعة من الأفكار، والمثل العليا، القابلة للتطبيق على الناس في كل مكان. إذ أعلن الآباء المؤسسون عن أن الجميع قد خلقوا متساوين ـ وليس فقط أولئك الموجودين في المستعمرات الأميركية والبريطانية الـ 13 ـ وبأنه لضمان ' حق الحياة الثابت'، الحرية، السعي لتحقيق السعادة، فإن للناس الحق بتأسيس حكومات تستمد 'سلطاتها العادلة من قبول الشعب الذي تحكمه'.
ثالثاً، إن تحسين حياة الأفراد في بلدان أخرى مسألة تهم الأميركيين لأن الولايات المتحدة لا يمكنها عزل نفسها عن العالم. قد يكون القول بأن العالم بدأ يصبح أكثر ترابطأً عبارة عن مجرد كليشيه، لكن لا يمكن الإنكار بأن التغييرات الحاصلة في تكنولوجيا الاتصالات، التدفق التجاري، والبيئة، قد فتحت الحدود وخلقت عالماً أكثر ارتباطاً. هذه التوجهات تعطي الولايات المتحدة حصة أكبر في مصير مجتمعات أخرى، لأن انتشار البؤس في الخارج قد يخلق اضطرابات سياسية، عدم استقرار اقتصادي، تدفقاً للاجئين، وضرراً بيئياً ما يؤثر على الأميركيين. وكما سأقول أدناه في بحثي عن الكيفية التي تخدم بها تعزيز الديمقراطية المصالح الأميركية، فإن نشر الديمقراطية سيعزز، بشكل مباشر، المصالح الوطنية للولايات المتحدة. إن الترابط المتزايد للعلاقات الدولية يعني بأن لدى الولايات المتحدة رهان غير مباشر في مسألة رفاهية أولئك الموجودين في بلدان أخرى، لأنه يمكن للتطورات عبر البحار أن يكون لها عواقب لا يمكن التكهن بها بالنسبة للولايات المتحدة.
بالنسبة لهذه الأسباب الثلاثة، على الأقل، ينبغي للأميركيين الالتفات إلى الكيفية التي يمكن لنشر الديمقراطية أن تحسن حياة الناس في بلدان أخرى.
1 . الديمقراطية تقود إلى الحرية والحرية جيدة.
إن الطريقة الأولى التي تؤدي فيها نشر الديمقراطية إلى تعزيز حياة أولئك الذين يعيشون في بلدان ديمقراطية تكمن في تعزيز الحرية الفردية، بما فيه حرية التعبير، حرية الرأي، وحرية الملكية الخاصة. إن احترام حرية الأفراد سمة متأصلة وفي صلب الحياة السياسية الديمقراطية. وبحسب ما كتب صامويل هامنغتون، 'الحرية هي الفضيلة الخاصة للديمقراطية'. إذ تعتمد عملية سياسية ديمقراطية على حرية التعبير عن رؤىً سياسية وعلى حرية صنع خيارات انتخابية. فضلا ً عن ذلك، إن الحكومات المحاسبة أمام الشعب هي حكومات لا يرجح كثيراً أن تقوم بحرمان مواطنيها من حقوق الإنسان. ومن المرجح أن يجلب الانتشار العالمي للديمقراطية حرية فردية أكبر للمزيد والمزيد من الناس. فحتى الديمقراطيات المنقوصة وغير الليبرالية تميل لتقديم حرية أكبر أكثر من الحكومات الأتوقراطية، ومن المرجح جداً أن تعزز الديمقراطيات الليبرالية الحرية. وقد وجد المسح الذي قامت به منظمة Freedom Hoascii117se عام 1997 بعنوان ' الحرية في العالم' بأن 79 بلداً ديمقراطياً من أصل 118 يمكن تصنيفها بأنها ' حرة' و 39 ' حرة جزئياً' و تم تصنيف 29 منها بأنها ' حرة جزئياً بشكل عال'. بالمقابل، هناك 20 فقط من أصل 73 دولة غير ديمقراطية في العالم ' حرة جزئياً' و 53 ' غير حرة'.
إن القضية المتعلقة بأقصى قدر ممكن من الحريات الفردية يمكن تقديمها على أساس حسابات نفعية أو بما يتعلق بالحقوق الطبيعية. إن قضية النفعية بالنسبة لزيادة مقدار الحرية الفردية تستند إلى الإيمان بأن الحرية المتزايدة سوف تمكِّن عدداً أكبر من الناس من تحقيق إمكاناتهم البشرية الكاملة، التي لن تفيدهم هم فقط وإنما ستفيد كل البشرية. إن وجهة النظر هذه متمسكة برؤيا هي أن الحرية الأكبر ستتيح للروح الإنسانية بأن تزدهر، وبالتالي تطلق عنان طاقات فكرية، فنية، ومثمرة أكبر تفيد، في نهاية المطاف ، كل البشر. من جهة أخرى، إن قضية الحرية المبنية على أساس الحقوق لا تركز على عواقب الحرية المتزايدة، بل هي تحتج بأن كل النساء والرجال، وبفضيلة الإنسانية المشتركة، لديهم الحق بالحرية. هذه الحجة هي الحجة الأكثر تعبيراً والتي لا تنسى في ' الإعلان الأميركي للاستقلال': ' نحن نعتبر هذه الحقائق بديهية، بأن كل الناس قد خلقوا متساوين، وبأنهم يتمتعون من خالقهم بحقوق معينة لا يمكن المساس بها، والتي من بينها حق الحياة، الحرية ، والسعي لتحقيق السعادة...'
إن فضائل وجود قدر أكبر من الحرية الفردية ليس بديهياً. هناك إيديولوجيات سياسية مختلفة تجادل ضد جعل الحرية الهدف الأعلى والأساسي لأي نظام سياسي. البعض لا ينكر بأن الحرية الفردية هدف هام، لكنهم يدعون إلى الحد منها بحيث قد تتحقق أهدافاً أخرى. ويشدد آخرون أكثر على الالتزامات تجاه المجتمع. فعلى سبيل المثال، لقد عبَّر موقع The British Fabian Socialist Sidney Webb، وبوضوح بقوله: ' إن التطور التام والمناسب لكل فرد ليس بالضرورة أقصى وأعلى درجات التهذيب لشخصيته، وإنما ملئ وظيفته المتواضعة في الماكينة الاجتماعية العظيمة، بأفضل طريقة ممكنة'. إن مناقشة هذه القضايا بالكامل سيتطلب ورقة أطول بكثير من هذه الورقة.فالرد على معظم المنتقدين للحرية هو أنه على ما يبدو هناك مطلب عالمي شامل بين البشر للحصول على الحرية. تحديداً، وبينما يرفع التطور الاجتماعي- الاقتصادي المجتمعات فوق مستويات المادة، يرغب الأفراد بأن يكون لديهم خيارات واستقلالية أكبر في حياتهم. أما الأمر الأهم، فهو أن معظم الأنظمة السياسية التي كانت قد تأسست على مبادئ معارضة بشكل صريح للحريات قد آلت إلى الانحدار لتصبح أنظمة استبدادية أو لتعاني من انهيار اقتصادي، سياسي، أو اجتماعي.
2 . إن استخدام الديمقراطيات الليبرالية للعنف ضد شعوبها مسألة أقل احتمالاً
ثانياً، ينبغي للولايات المتحدة أن تنشر الديمقراطية الليبرالية لأن معاناة مواطني الديمقراطية الليبرالية من الموت بواسطة العنف في الاضطرابات الأهلية أو على أيدي حكوماتهم ستكون مسألة أقل ترجيحاً. هاتان النتيجتان تدعمهما عدة دراسات، لكنهما مدعومتان تحديداً بعمل لـ ر. ج. رومل. إذ وجد رومل بأن الديمقراطيات – ويعني بها الديمقراطيات الليبرالية- ما بين عاميْ 1900 و 1987 لم تشهد موت إلا ما نسبته 0.14 % ( بالمعدل الوسطي) من شعوبها سنوياً في أحداث عنف داخلية. وكان الرقم المقابل بالنسبة للأنظمة الاستبدادية هو 0.59% وللأنظمة الشمولية 1.48%. كما وجد رومل بأن موت مواطني الديمقراطيات الليبرالية على أيدي حكوماتهم أقل احتمالاً بكثير. لقد كانت الأنظمة الاستبدادية والشمولية مسؤولة عن الأكثرية الساحقة من عمليات الإبادة الجماعية والمجازر المرتكبة ضد مدنيين في القرن العشرين. فالدول التي قتلت الملايين من مواطنيها كانت كلها إما دولاً استبدادية أو شمولية: الاتحاد السوفياتي، جمهورية الصين الشعبية، ألمانيا النازية، الصين القومية، اليابان الإمبراطورية، وكولوبيا بظل الخمير الحر. أما الديمقراطيات فلم تقم عملياً أبداً بمجازر ضد مواطنيها على نطاق كبير، رغم أنها قتلت مدنيين أجانب خلال زمن الحروب. إن حملات القصف الأميركية والبريطانية ضد ألمانيا واليابان، الأعمال الوحشية الأميركية في فييتنام، المجازر الفليبين إبان حرب العصابات التي أعقبت الاستعمار الأميركي للفيليبين بعد عام 1898، وعمليات القتل الفرنسية للجزائريين إبان الحرب الجزائرية هي بعض الأمثلة البارزة على ذلك.
هناك سببان للغياب النسبي للعنف الأهلي في البلدان الديمقراطية: (1) إن الأنظمة السياسية الديمقراطية – خاصة تلك الديمقراطية الليبرالية- تقيد سلطة الحكومات، ما يقلل قدرتها على ارتكاب مجازر ضخمة ضد شعوبها. وكما يستنتج رومل فيقول، ' السلطة تقتل، إن السلطة المطلقة تقتل حتماً...فكلما كان بإمكان نخبة سياسية أن تسيطر بحرية على سلطة أجهزة الدولة، كلما كان بإمكانها قمع وقتل الخاضعين لها أكثر'. إن السياسات الديمقراطية تسمح للمعارضة بالتعبير بصراحة وعلناً عن نفسها ولديها عمليات منتظمة لانتقال سلمي للسلطة. فإذا ما ظل جميع المشاركين في العملية السياسية ملتزمين بالمبادئ الديمقراطية، فلن يكون هناك حاجة لمنتقدي الحكومة للشروع بثورات عنف ولن تستخدم الحكومات العنف لقمع المعارضين.
3. الديمقراطية تعزز الأداء الاقتصادي على المدى الطويل
هناك سبب ثالث لتعزيز الديمقراطية وهو أن الديمقراطيات تميل للتمتع بازدهار أكبر على مدى فترات طويلة من الزمن. فكلما انتشرت الديمقراطية أكثر، كلما كان من الأرجح أن يتمتع الأفراد بمكاسب اقتصادية أكبر. الديمقراطية ليست بالضرورة المرشد في مسألة الازدهار، رغم أن بعض المراقبين يزعمون بأن ' هناك علاقة متلازمة متبادلة ووثيقة مع الازدهار ' وهي إحدى ' المكاسب الطاغية ' للديمقراطية. بعض الديمقراطيات، بما فيها الهند والفيليبين، قد ضعفت اقتصادياً، حتى السنوات القليلة الماضية على الأقل. وهناك أخرى هي من بين أكثر المجتمعات ازدهاراً على وجه الأرض.
مع ذلك، وعلى المدى الطويل، الديمقراطيات تزدهر عموماً. وكما يشير مانكور أولسون: ' ليست مصادفة أن تكون الديمقراطيات التي وصلت إلى أعلى مستويات الأداء الاقتصادي عبر الأجيال هي ديمقراطيات مستقرة'. أما الأنظمة الاستبدادية فغالباً ما تؤلف سجلات اقتصادية مؤثرة على المدى القصير. فلعقود عدة، تجاوز النمو السنوي للاتحاد السوفياتي في الناتج القومي المحلي ذاك الذي للولايات المتحدة، ما قاد رئيس الوزراء السوفياتي نيكيتا خرتشوف لأن يعلن قائلاً، ' سوف ندفنكم'. أما الصين فقد أظهرت زيادات سنوية مضاعفة بالناتج القومي المحلي في السنوات الأخيرة. إلا أن الأنظمة الاستبدادية نادراً ما تتمكن من المحافظة على نسب النمو هذه لوقت طويل. وكما يشير مانكور أوسلون، ' تظهر التجربة بأن بإمكان البلدان الفقيرة نسبياً أن تحقق نمواً بسرعة استثنائية عندما يكون لديها دكتاتور يصدف أن يكون لديه سياسات اقتصادية جيدة على غير العادة، وإن نمواً كهذا يدوم فقط في دورة حكم لديكتاتور واحد أو اثنين'. لم يكن الاتحاد السوفياتي قادراً على الحفاظ على نموه السريع؛ وقد تسببت إخفاقاته الاقتصادية في نهاية المطاف بتفكك البلاد في نوبة من الاضطرابات السياسية والاقتصادية. ويشكك معظم المراقبين بأن تستمر الصين في توسعها الاقتصادي السريع.
ويقول الاقتصادي جاغديش بهاغواتي بأنه ' لا يمكن لأحد الحفاظ على نسب النمو هذه على المدى الطويل. عاجلاً أو آجلاً سيكون على الصين إعادة الانضمام إلى العرق البشري'. ويتكهن بعض المراقبين بأن ضغوطات نسب النمو الاقتصادي العالية ستتسبب بانقسام سياسي في الصين.
لماذا تقوم الديمقراطيات بأداء أفضل من الأتوقراطيات على المدى الطويل؟ هناك سببان ينطويان على تفسيرات مقنعة تحديداً. الأول، إن من الأرجح أن يكون لدى الديمقراطيات – خاصة الديمقراطيات الليبرالية ـ اقتصاد السوق، ويميل اقتصاد السوق لإنتاج نمو اقتصادي على المدى الطويل. بالتالي، فإن معظم الاقتصاديات الرائدة في العالم غالباً ما تكون اقتصاديات سوق، بما فيها الولايات المتحدة، اليابان، اقتصاديات ' النمر' لجنوب شرق آسيا، وأعضاء منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية. وتعرض دراستان صدرتا في الآونة الأخيرة إلى أن هناك صلة مباشرة بين التحرر الاقتصادي والأداء الاقتصادي. وأجرى Freedom Hoascii117se 'مسحاً عالمياً للتحرر الاقتصادي لعاميْ 1995- 1996 ' والذي قيَّم 80 بالمئة من البلدان التي تبلغ 90 % من سكان العالم و99% من ثروة العالم على أساس معايير كالحق بالملكية الخاصة، الحق بتشغيل مشروع عمل، أو الحق بالانتماء إلى إتحاد تجارة. ووجد المسح بأن البلدان المصنفة ' حرة' أنتجت 81% من الإنتاج العالمي رغم أن لديها 17% فقط من عدد السكان في العالم. أما الدراسة الثانية فتؤكد على الصلة بين الحرية الاقتصادية والنمو الاقتصادي. وقد أنشأت ' مؤسسة هيريتاج' ' فهرس الحرية الاقتصادية' والذي ينظر في 10 مجالات أساسية: السياسة التجارية، تدفق رؤوس الأموال والاستثمار الأجنبي، السياسة المصرفية، التحكم بالأجور والأسعار، حقوق الملكية، القوانين التنظيمية، ونشاط السوق السوداء. ووجدت الدراسة بأن البلدان المصنفة 'حرة' لديها نسب نمو سنوية حقيقية في ' الناتج المحلي الإجمالي ( GDP) للفرد ما بين عاميْ 1980 ـ 1993 (المعبّر عنه بمصطلحات تساوي القوة الشرائية) والبالغة 2.88 %. أما في البلدان ' الحرة بغالبيتها' فكانت النسبة 0.97%، وكانت النسبة في البلدان ' غير الحرة بغالبيتها' 0.32 %، وفي البلدان ' المضطهدة' كانت النسبة 1.44 %. إن بعض الديمقراطيات لا تتبنى اقتصاد السوق، بالطبع، وبعض البلدان الاتوقراطية تتبناه، إلا أن الأمر الأكثر احتمالاً هو مواصلة الديمقراطيات الليبرالية عموماً، سياسات اقتصادية ليبرالية
ثانياً، من المرجح أن تحدث الديمقراطيات التي تتبنى مبادئ حكومة ليبرالية قاعدة مستقرة لنمو اقتصادي على المدى الطويل. لن يقوم الأفراد باستثمارات طويلة الأمد إلا عندما يكون هؤلاء واثقين من عدم مصادرة استثماراتهم. وهذا سيتطلب مع قرارات اقتصادية أخرى ضمانات باحترام الملكية الخاصة وإنفاذ العقود الموقعة. ومن المرجح تلبية هذه الشروط عندما يتواجد نظام قضائي نزيه يمكنه طلب أفراد لتنفيذ العقود. وقال رئيس 'الاحتياط الفدرالي' آلان غرينسبان: ' إن الآلية الموجِّهة لاقتصاد السوق الحر هو قانون الحقوق، النافذ بواسطة القضاء النزيه'. كما يصدف أن تكون هذه الشروط هي تلك التي تعتبر ضرورية للحفاظ على نظام مستقر لانتخابات عادلة ونزيهة ودعم وتأييد المبادئ الليبرالية للحقوق الفردية. ويشير بالتالي مانكور أولسون إلى أن ' الظروف الضرورية للحصول على الحقوق الفردية الضرورية بدورها لتنمية اقتصادية قصوى هي نفس الشروط الضرورية، بالضبط، للحصول على ديمقراطية دائمة. ... إن نفس النظام القضائي، القضاء المستقل، واحترام القانون والحقوق الفردية الضرورية لديمقراطية دائمة أمور مطلوبة أيضاً لأمن وضمان الملكية وحقوق العقود الموقعة'. وبالتالي، فإن الديمقراطية الليبرالية هي الأساس والقاعدة لنمو اقتصادي طويل الأمد.
سبب ثالث قد يشتغل في بعض الظروف: من الأرجح أن يكون لدى الحكومات الديمقراطية شرعية سياسية الضرورية للمباشرة بإصلاحات اقتصادية صعبة ومؤلمة. هذا العامل، تحديداً، يرجح أن يكون هاماً في البلدان الشيوعية السابقة، لكن يبدو أيضاً بأنه لعب دوراً في القرارات التي اتخذتها الهند والفيليبين في السنوات الأخيرة لمواصلة الإصلاحات الاقتصادية الصعبة.
4 . ليس في الديمقراطيات مجاعة أبداً
رابعاً، ينبغي للولايات المتحدة أن تنشر الديمقراطية لأن مواطني الديمقراطيات لا يعانون من مجاعات. ويستنتج الاقتصادي آمارتيا سين من ذلك فيقول بأن ' إحدى الحقائق اللافتة في تاريخ المجاعات المرعب هو أنه لم تحدث مجاعة حقيقية قط في بلد ذي صيغة حكومة ديمقراطية وصحافة حرة نسبياً'. هذا الانتظام التجريبي العملي المدهش طغى عليه الوجود الواضح ' للسلام الديمقراطي' ( أنظر أدناه)، لكنه يقدم حجة قوية لتعزيز الديمقراطية. ورغم أن هذا الزعم كان أكثر ارتباطاً ب ' سين' من غيره، فقد توصل باحثون آخرون ممن درسوا المجاعات إلى استنتاجات مشابهة. إذ يقول جوزيف كولينز، على سبيل المثال: ' حيثما تزدهر الحقوق السياسية لكل المواطنين حقاً، سيكون الناس متأكدين، في الوقت المناسب، من أن أنهم يشاركون في التحكم بالموارد الاقتصادية الحيوية لبقائهم. بالتالي، فإن الأمن الغذائي الدائم يتطلب ديمقراطية حقيقية ومستدامة'. إن معظم البلدان التي عانت من حالات مجاعة شديدة في العقود الأخيرة كانت من بين الدول الأقل ديمقراطية في العالم: الاتحاد السوفياتي ( أوكرانيا في أوائل الثلاثينات)، الصين، أثيوبيا، الصومال، كمبوديا، السودان. فعلى امتداد التاريخ، حدثت المجاعات في أنواع عديدة ومختلفة من البلدان، لكنها لم تحدث أبداً في بلد ديمقراطي. فالديمقراطيات لا تعاني من حالات مجاعة وذلك يعود لسببين: الأول، في البلدان الديمقراطية الحكومات عرضة للمحاسبة والمساءلة أمام شعوبها، ولدى قادتها دوافع انتخابية لمنع حصول حالات مجاعة ضخمة. إن الحاجة لإعادة الانتخاب تستفز السياسيين لضمان عدم تعرض شعبهم لمجاعة. وكما يشير ' سين'، ' إن محنة ضحايا المجاعة مسألة يسهل تسييسها' وإن ' فعالية الديمقراطية في منع المجاعة اتجهت للاعتماد على تسييس محنة ضحايا المجاعة، من خلال عملية النقاش العام، الذي يولد تضامناً سياسياً'. من جهة أخرى، إن الأنظمة الاستبدادية والشمولية غير محاسبة أمام الشعب؛ فمن غير المرجح كثيراً أن تدفع هذه الأنظمة ثمناً سياسياً لفشلها في منع حصول مجاعات. فضلاً عن ذلك، غالباً ما يكون لدى الحكام المستبدين والشموليين حوافز لاستخدام المجاعة كوسيلة للقضاء على معارضيهم المحليين.
ثانياً، إن وجود صحافة حرة والتدفق الحر للمعلومات في البلدان الديمقراطية يمنع حصول المجاعة عن طريق العمل كنظام إنذار مبكر بخصوص تأثيرات الكوارث الطبيعية كالطوفان والجفاف اللذان يمكن أن يتسببا بندرة الغذاء. إذ يمكن أيضاً لصحافة حرة تنتقد السياسات الحكومية أن تعلن عن المستوى الحقيقي لمخزون الغذاء وتكشف عن مشاكل التوزيع التي قد تتسبب بمجاعات حتى عندما يكون هناك وفرة في الغذاء.لقد ساهمت المعلومات غير المناسبة بحصول مجاعات عديدة. فإبان مجاعة 1958- 1961 في الصين التي قتلت 20 – 30 مليون إنسان، بالغت السلطات الصينية بتقديراتها بخصوص احتياطي الحبوب للبلاد بما يقدر بـ 100 مليون طن متري. هذه الكارثة أدت لاحقاً بماو زيدونغ إلى الاعتراف بأنه ' من دون ديمقراطية ، ليس لديك فهم لما يجري تحت'. كما كان بالإمكان تجنب مجاعة بنغلادش عام 1974 لو أن الحكومة كان لديها معلومات أفضل. كانت إمدادات الغذاء مرتفعة، لكن الطوفان، البطالة، والذعر جعل من الصعب على أولئك المحتاجين الحصول على الغذاء.
يرجح أن يكون العاملان اللذان منعا حصول مجاعات في بلدان ديمقراطية ـ الحوافز الانتخابية والتدفق الحر للمعلومات ـ حاضرين حتى في الديمقراطيات التي ليس لديها ثقافة سياسية ليبرالية. فهذان العاملان يتواجدان عندما يواجه القادة انتخابات دورية وعندما تكون الصحافة حرة بذكر المعلومات التي قد تحرج الحكومة. فمن المرجح لديمقراطية ليبرالية حديثة العهد ذات ضمانات للحريات المدنية، ولسوق اقتصادية حرة نسبياً وقضاء مستقل أن تكون أقل معاناة على صعيد حصول مجاعات، لكن يبدو بأن مبادئ وأصول الديمقراطية الانتخابية ستكون كافية لمنع حصول مجاعات.
لا يمكن عزو قدرة الديمقراطيات على تجنب المجاعات إلى أي توجه للديمقراطيات لتولي أمورها اقتصادياً بشكل أفضل. إن الديمقراطيات الفقيرة وكذلك الغنية لا مجاعات فيها. وقد تجنبت الهند، بوتسوانا، وزيمبابوي المجاعات، حتى عندما عانت من نقص كبير في المحاصيل الزراعية. بالواقع، إن الدليل يعرض إلى أن بإمكان الديمقراطيات تجنب المجاعات في مواجهة إخفاقات كبيرة في إنتاج المحاصيل الزراعية، بينما ترتمي البلدان غير الديمقراطية في المجاعات بعد حصول نقص ضئيل في المحاصيل. لقد هبط الإنتاج الغذائي لبوتسوانا 17% وزيمبابوي 38% ما بين عاميْ 1979- 1081 وعاميْ 1983- 1984، بينما شهد السودان وأثيوبيا انحداراً في الإنتاج الغذائي بنسبة 11 ـ 12% خلال نفس الفترة. لقد عانى كل من السودان وأثيوبيا، اللذان كانا بلدان غير ديمقراطيين، من مجاعات كبرى، بينما لم تعاني ديمقراطيتيْ بوتسوانا وزيمبابوي منها. وبحسب ما أقول أنا، فإنه إذا ما تمتعت الديمقراطيات بأداء اقتصادي طويل الأمد أفضل من البلدان غير الديمقراطية، فإن مستويات أعلى من التنمية الاقتصادية قد تساعد الديمقراطيات على تجنب المجاعات. إلا أن غياب المجاعات في بلدان ديمقراطية جديدة وفقيرة يعرض إلى أن الحكم الديمقراطي نفسه كاف لمنع المجاعات.
إن حالة الهند قبل الاستقلال وبعده تقدم دليلاً إضافياً على ان الحكم الديمقراطي عامل أساسي في منع حدوث مجاعات. وقبيل الاستقلال في العام 1947، عانت الهند من مجاعات متكررة. وقبل وقت قصير من استقلال الهند، قتلت مجاعة البنغال عام 1943 2 ـ 3 مليون شخص. ومنذ أن أصبحت الهند مستقلة وديمقراطية، عانت البلاد من إخفاقات حادة في إنتاج المحاصيل الزراعية ومن نقص الغذاء في الأعوام 1968، 1973، 1979، و 1987، لكن لم تعاني أبداً من المجاعة.
ب. الديمقراطية جيدة للنظام الدولي
إضافة إلى تحسين حياة المواطنين الأفراد في ديمقراطيات جديدة، سيؤدي نشر الديمقراطية إلى إفادة النظام الدولي عن طريق تخفيض احتمالات الحرب. فالديمقراطيات لا تشن حرباً على ديمقراطيات أخرى. هذا الغياب – أو شبه الغياب، اعتماداً على التعريفات المستخدمة لـ ' الحرب' و ' الديمقراطية'- كانت تدعى ' إحدى أقوى التعميمات غير التافهة وغير المكررة بالحشو الفارغ والتي يمكن استخدامها بخصوص العلاقات الدولية'. ويقول أحد الباحثين بأن 'غياب الحرب بين الديمقراطيات يقارب بشكل وثيق أي شيء لدينا بالنسبة لقانون تجريبي عملي في العلاقات الدولية'. فإذا ما استمر عدد الديمقراطيات في المنظومة الدولية بالازدياد ، فإن عدد الصراعات المحتملة التي قد تتصاعد إلى حرب سوف تتضاءل. ورغم أن الحروب بين الديمقراطيات والدول غير الديمقراطية ستتواصل في المدى القصير، فإن نظاماً دولياً مؤلفاً من ديمقراطيات سيكون، على المدى الطويل، عالماً مسالماً. ففي الحد الأدنى، إن إضافة ديمقراطيات إلى عدد الديمقراطيات الموجود سيوسع، تدريجياً، نطاق ' منطقة السلام' الديمقراطية'.
1. الدليل على السلام الديمقراطي
وجدت عدة دراسات بأن ليس هناك، عملياً، حالات تاريخية لديمقراطيات تذهب إلى الحرب ضد بعضها. ففي مقالة هامة من جزئين نشرت في العام 1983، يجري مايكل دويل مقارنة لكل الحروب الدولية ما بين عاميْ 1816 و 1980 وقائمة من الدول الليبرالية. ويستنتج دويل بأن ' الدول الليبرالية الآمنة، لم تدخل، دستورياً في حرب مع بعضها البعض'. وقد وجدت دراسات إحصائية لاحقة بأن هذا الغياب للحرب بين الديمقراطيات هام إحصائياً وليس نتيجة فرصة عشوائية. وقد توصلت تحليلات أخرى إلى نتيجة هي أن تأثير المتغيرات الأخرى، بما فيها الثروة والقرب الجغرافي، لا يقلل من أهمية النتيجة بأن الديمقراطيات نادراً ما تذهب إلى الحرب ضد بعضها، هذا إذا ذهبت.
لقد بحثت معظم الدراسات عن مقترح السلام- الديمقراطي وقالت بأن الديمقراطيات لا تتمتع بحالة سلام إلا مع ديمقراطيات أخرى؛ تماماً كما هو حال دول أخرى تذهب للحرب ضد بلدان غير ديمقراطية. في كل الأحوال، هناك عدد من الباحثين الذين يقولون بأن الديموقراطيات، بطبيعتها، وذهابها إلى الحرب أمر أقل احتمالاً من أنواع أخرى من الدول. في كل الأحوال، يبقى الدليل على هذا الزعم موضع جدل ، لذا سيكون من السابق لأوانه الادعاء بأن نشر الديمقراطية سيفعل ما هو أكثر من تكبير منطقة السلام الديمقراطية.
2. لماذا هناك سلام ديمقراطي: المنطق السببي
تم تقديم نوعين من التفسيرات لغياب الحروب بين الديمقراطيات. السبب الأول يقول بأن المعايير المشتركة تمنع الديمقراطيات من محاربة بعضها البعض. الثاني يزعم بأن القيود المؤسساتية ( أو البنيوية) تجعل من الصعب ، إن لم يكن من المستحيل، على دولة ديمقراطية ما شن الحرب على بلد ديمقراطي آخر.
أ. تفسيرات معيارية
يقول التفسير المعياري للسلام الديمقراطي بأن المعايير التي تتقاسمها البلدان الديمقراطية تكبح الحروب بين هذه البلدان. وتؤكد نسخة لهذه الحجة على أن الدول الليبرالية لا تحارب دولاً ليبرالية أخرى لأنها بقيامها بذلك تكون تنتهك مبادئ الليبرالية. فالدول الليبرالية تشن الحروب فقط عندما تعزز الحرب الغايات والأهداف الليبرالية لزيادة الحرية الفردية. ولا يمكن لدولة ليبرالية أن تعزز غايات ليبرالية عن طريق محاربة دولة ليبرالية أخرى، لأن تلك الدولة تتمسك أساساً بمبادئ الليبرالية. بمعنى آخر، البلدان الديمقراطية لا تتقاتل فيما بينها لأن الإيديولوجية الليبرالية لا توفر تبريراً للحروب بين الديمقراطيات الليبرالية. أما النسخة الثانية للتفسير المعياري فتزعم بأن الديمقراطيات تتشارك معيار حل الصراع السلمي. هذا المعيار يُطبق بين الدول الديمقراطية وداخلها. فالديمقراطيات تحل صراعاتها المحلية بدون استخدام العنف، وهي تتوقع أن تحل الديمقراطيات الأخرى نزاعاتها الدولية المتبادلة بين الدول الديمقراطية سلمياً.
ب. التفسيرات المؤسساتية / البنيوية
تؤكد التفسيرات المؤسساتية/ البني