International Crises Groascii117p ـ تقرير الشرق الأوسط رقم 131ـ 12 تشرين أول 2012
موجز تنفيذي
أصبح وجود فرع سلفي بين المتمردين أمراً لا ليمكن دحضه، بعد إلقاء النظام الضوء عليه وإبرازه بشكل مبكر ومبالغ به، وبعد اعتراف المعارضة متأخرة وبتردد بذلك. هذا الأمر مقلق، لكنه لا يشكل سوى جزءاً من الصورة المعقدة. بداية، ليس كل السلفيين سواء؛ فالمفهوم يغطي سلسلة كاملة بدءاً من التيار السائد وصولاً إلى التطرف. ثانياً، إن سوريا في يومنا هذا تقدم أرضاً مضيافة للسلفيين ـ العنف والمذهبية؛ التحرر من وهم الغرب، قادة علمانيون وشخصيات إسلامية براغماتية؛ إضافة إلى القدرة على الوصول إلى تمويل دول عربية خليجية و المعرفة العسكرية الجهادية ـ لكنها تقدم أيضاً ظروفاً معاكسة، بما فيه تقليد إسلامي معتدل، تركيبة طائفية تعددية، وخوف منتشر وواسع النطاق من نوع من أنواع الحرب الأهلية المذهبية التي ابتلعت بلدين جارين. ثالثاً، تسبب فشل الاندفاع المسلح هذا الصيف برد فعل عكسي ضد مجموعات سلفية استحوذت على العناوين الرئيسة خلال القتال.
1 . مقدمة
في الأسابيع الأخيرة ، أصبحت العناصر الأصولية ظاهرة للعيان أكثر فأكثر ضمن صفوف المتمردين، ما دفع إلى إثارة جدل وقلق بين السوريين وظهور تناقضاً حاد وصارخ لرواية المعارضة الأصلية. بالواقع، وعلى امتداد الأشهر بداية الثورة، أكد كبار الناشطين على توظيف لغة ـ على الأرض وعلى الانترنت ـ مصَّممة لاجتذاب أوسع شريحة ممكنة من الطيف الاجتماعي. فالتظاهرات السلمية هتفت مطالبة بالحرية وألحت على الوحدة عبر المذاهب والطوائف، في حين لم تقنع محاولات النظام بصبغ المعارضة بصبغة المتطرفين السلفيين والعنف إلا قلة من المراقبين.
حتى بعدما حملت المعارضة السلاح، ظلت الجهود لرفض الشعارات المذهبية والطائفية تبذل دون هوادة. ففي حزيران 2011، أعلن أحد رواد المعارضة المسلحة، العقيد حسين هرموش، بأنه قد انشق مع رفاقه عن الجيش ' لحماية المتظاهرين العُزَّل المطالبين بالحرية والديمقراطية'، مضيفاً، 'لا للطائفية، الشعب السوري شعب واحد'. ذاك التبرير ـ أي أن المعارضة بحاجة للجوء إلى السلاح لحماية الشعب من وحشية النظام وتعزيز طموحاته ـ سرعان ما تبناه منشقون عن الجيش، وناشطون وسياسيون منشقون على حد سواء. ومهما يكن من سعي النظام الكبير والمبكر لإبراز المعارضين المحليين على أنهم متطرفين إسلاميين يمارسون العنف، فقد تذرع رواد المقاومة المسلحة بنفس القيم القومية والديمقراطية التي تبناها نظراؤهم السلميين.
في الوقت الذي استمرت فيه حملة النظام الوحشية لقمع الثورة على امتداد صيف 2011، تلاشت آمال المتظاهرين بقدرة التظاهرات على الإطاحة بهذا النظام أكثر. ففي آب، فشلت التظاهرات اليومية التي كان يُتوقع منها الكثير خلال شهر رمضان الكريم بتقويض سيطرة الحكومة على دمشق وحلب، حيث كثفت القوى الأمنية وبدائلها من المدنيين الذين جندتهم من إجراءاتها. ومع محافظة النظام على قبضته الممسكة بالعاصمتيْن السياسية والاقتصادية للبلاد، فلن يكون هناك من ' ميدان تحرير' سوري.
رداً على ذلك، ارتفع الدعم في أوساط الناشطين لمحاكاة النموذج الليبي بتغيير النظام: المقاومة المسلحة المدعومة بتدخل خارجي غربي، الذي قاد إلى سقوط طرابلس خلال الأيام الأخيرة من شهر رمضان. وفي سعيهم للحصول على حماية مسلحة، بدأ التيار السائد للناشطين يتبني ما يسمى بالجيش السوري الحر علناً، وهو كيان بدأ كبقع منتشرة من المجموعات المسلحة المعارضة المخصصة والمتجذرة في مجتمعات مضطهدة، حيث حارب متطوعون محليون ومنشقون عن الجيش ضد الاستخدام المفرط للقوة الذي مارسه النظام. في نفس الوقت، نزل السوريون إلى الشوارع في تظاهرات الجمعة في كل أنحاء البلاد تحت عنوان ' الحماية الدولية' والدعوة إلى تثبيت منطقة حظر طيران.
في الأشهر التي تلت، تضاءلت آمال المعارضة بعمل عسكري غربي، حتى عندما أصبحت القوات الموالية للنظام أكثر عدائية في جهودها الرامية إلى سحق جيوب المقاومة المسلحة المنتشرة. وزاد الإحباط جراء التراخي الدولي بالتوازي مع ارتفاع عدد الضحايا المدنيين (وغير المدنيين). ففي الأسابيع الأولى من عام 2012، كانت صفوف المعارضة تتجادل فيما بينها حول إعلان الجهاد ضد النظام أو لا ـ وجهة نظر لطالما طُرحت في منتديات نضالية متشددة لكنها اعتبرت حتى ذلك الحين من المحرمات في أوساط تيار المعارضة السائد. تزامن هذا التحول مع بروز أول مجموعتين سلفيتين بارزتين للثورة: جبهة النصرة و كتائب أحرار الشام، وقد تبنت كلاهما، بشكل لا لبس فيه، لغة الجهاد ودعتا إلى استبدال النظام بدولة إسلامية مبنية على المبادئ السلفية.
هذه التطورات ميَّزت مرحلة التطرف داخل المعارضة. وبحلول كانون الثاني 2012، كان الخط السلفي قد أصبح أكثر وضوحاً في المادة المباشرة المنتجة من قبل المسلحين على الانترنت، بما في ذلك أشرطة الفيديو، البيانات، صفحات الفايسبوك والتويتر. ونظراً للدور المركزي الذي لعبته وسائل التواصل على الانترنت في السماح للمتظاهرين السوريين بالتعبئة والتحرك، وتنسيق وتسويق جهودهم، تمثل هذه المادة نافذة قيمة في الحالة الحالية للثورة.
كان قسم كبير من هذه المادة متوفراً لشهور، لكن في الآونة الأخيرة، نادراً ما وصلت إلى الإعلام الغربي والعربي السائدين. هناك تفسيرات عديدة. أولاً، لقد أخذ التأثير السلفي وقتاً، برغم تناميه، قبل أن يتحدى، بشكل جدي وخطير، الرواية التأسيسية للثورة عن حركة ثورية قومية تركز على الإطاحة بالنظام وجسر الهوة الموجودة بين الانقسامات المذهبية والطائفية. ثانياً، كان لدى المعارضة كل الأسباب الموجبة، تحديداً شبكات الناشطين التي توفر المعلومات والمادة التوضيحية لوسائل الإعلام، لعرض أكثر صورها جاذبية، ووعيها جيداً للشكوك التي ستنشأ بسبب الخطاب الإسلامي الأصولي المفرط. ثالثاً، ظهر الصحافيون لوهلة، المتعاطفون أو المصدومون على الأقل بسبب قمع النظام، بأنهم موافقون على أن التركيز على الظاهرة السلفية سيقوض أهداف الثورة الأوسع نطاقاً. أخيراً، ولأن النظام قام بإلقاء الضوء على التهديد السلفي قبل وقت طويل من بروزه بشكل موثوق على الأرض، شعر كثيرون بأن الإنكباب على القضية ومعالجتها سيكون لصالح الأسد. باختصار، كان هناك خوف من أن يتم استغلال البحث التحليلي وغير المنحاز لدور السلفية داخل المعارضة.
فضلاً عن ذلك، وبقدر ما انكبت وسائل الإعلام الدولية وخاصة الغربية والمحللين على معالجة الدور السلفي داخل المعارضة المسلحة، بقدر ما مالوا للتركيز، وبشكل غير متناسب، على الخوف من استفادة القاعدة من العنف للدفع قدماً بقضيتها. ففي شباط 2012، تصدَّر زعيم القاعدة أيمن الظواهري عناوين رئيسة مع رسالة بثها شريط فيديو يدعو فيها المسلمين إلى دعم الجهاد في سوريا. وألقى مسؤولو الاستخبارات الأميركية باللائمة علناً، بما يتعلق بتفجيرات انتحارية بارزة في دمشق وحلب ـ اللتان ادعت جبهة النصرة مسؤوليتها عنهما- على أعضاء مجموعة عراقية تابعة للقاعدة تعمل بأوامر الظواهري. ومنذ ذلك الحين، كُتب الكثير في الصحافة الغربية بما يتعلق بنشاط القاعدة المزعوم ووجود مقاتلين أجانب يشنون حرب الجهاد على الأرض السورية. إلا أن السلفية ظاهرة تمتد وتتخطى القاعدة كثيراً، وبالتالي هناك أسئلة أكثر تعقيداً ، ذات صلة أكبر في النهاية، تتعلق بدورها لا تزال غير مستكشفة إلى حد كبير.
مع اكتساب مسلحي المعارضة القوة، وتصاعد العنف وتكثف الجهود الدولية لتجهيز قوات التمرد، فإن فهماً أكثر دقة لفروع المعارضة المسلحة يعتبر أمراً حاسماً. قد تكون السلفية إحدى أبعادها فحسب، إلا أن الطبيعة الهشة للمجتمع السوري، العنف المذهبي الشديد والدور الملتبس والغامض لمختلف الفاعلين الدوليين يعطيها أهمية محددة. بالواقع، وتحديداً لأنها مسيسة واستقطابية بشدة ـ مضخمة إلى حد كبير ومستغلة من قبل البعض، مخفية أو مهملة من قبل آخرين- فإنها تستحق الفحص بشكل دقيق وحذر. هذا التقرير يستكشف مكان السلفية ضمن الطيف النضال المسلح ويعالج العوامل الأساسية مميزاً بن العناصر الجهادية السلفية الأكثر تطرفاً وبين نظرائهم العاديين. وهذا التقرير مستمد، على نطاق واسع، من مقابلات أجرتها ' Crisis Groascii117p' في سوريا مع ناشطين ومسلحين في المعارضة، إضافة إلى مواد مأخوذة عن شبكة الانترنت والتلفزيون أنتجتها مجموعة واسعة من الناشطين والجماعات المسلحة والشخصيات الدينية داخل وخارج البلاد.
1 . مقدمة
2 . مدخل إلى مصطلح الدوغمائية السلسة
3. تربة خصبة، محصول غامض
4. السلفية ضمن الجيش السوري الحر
5 . القيود المؤثرة على السلفيين