موجز تنفيذي
يقدم هذا التقرير معلومات حول حركة المعارضة السورية، ملقياً الضوء على الهيكلية الموجودة ضمن هذه الحركة وأين يفتقر المتمردون السوريون للتنظيم. هذا التقرير لا يؤيد سياسة تسليح المعارضة السورية أو يقف ضده.
الوحدات التابعة لما يسمى الجيش الحر..
الجدول1: احتسب بيان الفيديو الصادر عن الجيش السوري الحر في 12 تشرين أول،2012 وجود 22 وحدة تابعة، تتسلسل من حيث الفعالية والمصداقية.
معموجز تنفيذي
يقدم هذا التقرير معلومات حول حركة المعارضة السورية، ملقياً الضوء على الهيكلية الموجودة ضمن هذه الحركة وأين يفتقر المتمردون السوريون للتنظيم. هذا التقرير لا يؤيد سياسة تسليح المعارضة السورية أو يقف ضده.
الوحدات التابعة لما يسمى الجيش الحر..
الجدول1: احتسب بيان الفيديو الصادر عن الجيش السوري الحر في 12 تشرين أول،2012 وجود 22 وحدة تابعة، تتسلسل من حيث الفعالية والمصداقية.
مع وجود هرموش قيد الاعتقال لدى الدولة السورية في أواخر أيلول 2011، أعلن الأسعد عن توحيد حركة الضباط الأحرار والجيش السوري الحر. وتضمن البيان على شريط الفيديو ضابطين جديدين كانا قد نسبا لنفسيهما سابقاً أنهما عضوين في حركة الضباط الأحرار، هما عمار الواوي ويوسف الدين يحيى. وبحلول منتصف تشرين أول ، شعر الجيش السوري الحر بالارتياح بإعلانه عن هيكلية رسمية موسعة. لا سيما أن الهيكلية شملت قيس قطانه كقائد لكتيبة العمري في محافظة درعا والرائد عبد الرحمن الشيخ علي كقائد للواء خالد بن الوليد في حمص ( ستتم مناقشة هذه المجموعات أدناه). إن القيود والمعوقات التي تمثلها القوى الأمنية التابعة للنظام والمسافات الهائلة تحد من العلاقات اللوجستية أو العملية الجادة ذات المعنى بين مراكز قيادة الجيش السوري الحر ومجموعات الميليشيات الأساسية هذه في الميدان، لكن كلا الفريقين ظلا على تواصل.
لم يثبت عدد من الوحدات التي ادعاها لنفسه الجيش السوري الحر عن فعالية كبيرة، في حين لم تبرهن وحدات أخرى عن ارتباطات وعلاقات واضحة لديها مع تركيا. على سبيل المثال، ليس هناك دليل على أن لدى جماعات التمرد الذي حاربوا، لاحقاً، القوى الأمنية في محافظة دير الزور شرق سوريا علاقة بالجيش السوري الحر. فمن أصل الوحدات الـ 22 التابعة للجيش السوري الحر والموجودة على القائمة المصرح عنها في البيان على شريط الفيديو، هناك 5 أو 6 وحدات فقط كانت فعالة ومنحازة لقيادة الجيش السوري الحر. وقد صرحت سبعة من المجموعات الموجودة على القائمة عن مناطق عمليات نادراً جداً ما كانت تسجل اشتباكات بين القوى الموالية وبين قوات التمرد.
برغم بعض التحديات الموجودة أمام قيادة العقيد رياض الأسعد للمنظمة الجامعة، ظلت القيادة العامة متجانسة نسبياً. ومن دون التنسيق مع العقيد الأسعد، قام كبار المنشقين بنشر فيديو في شباط 2012 مع بيان مكتوب أعلنوا فيه: " قررت حركة الضباط الأحرار والجيش السوري الحر إنشاء المجلس العسكري الثوري الأعلى لتوحيد الصفوف تحت قيادة مصطفى الشيخ". وأشار البيان، خصوصاً، إلى ماهر النعيمي، الذي أصبح ضابط ارتباط وناطقاً باسم الجيش السوري الحر في أواخر عام 2011 وأوائل عام 2012، بصفته الناطق الجديد باسم المنظمة. لاحقاً في نفس الشهر، أوضح بيان آخر أدوار هؤلاء المنشقين الكبار عن طريق الشرح أن الجيش السوري الحر قد انضم إلى " المجلس العسكري الثوري الأعلى"، الذي يضم رياض الأسعد، مصطفى الشيخ، ماهر النعيمي، وعمار الواوي.
وفي حين كان من المشجع رؤية قيادة التمرد تتجاوز خلافاتها في شباط 2012، فإن عدداً من المتمردين في سوريا يشكون من أن القيادة العامة للجيش السوري الحر لا تساعد في القتال، وأنهم يشعرون بالمرارة من انعزال المجموعات في مخيمات اللاجئين في تركيا وعيشهم بأمان. وزعم أحد المنشقين الذي أجريت معه مقابلة أنه بعد هروبه إلى تركيا، " لم نقم بشي هناك، فقط جلسنا في خيمنا وشاهدنا التلفاز وكنا أحياناً نعطي مقابلات صحفية. قلت لهم إني لم أنشق عن الجيش لأجلس في خيمة، أردت أن أحارب". وكما أوضح الأمر أحد المستشارين السوريين المغتربين في حركة التمرد في تركيا بشكل أكثر قسوة وحدة، ولو نفاقاً: " الجيش السوري الحر في تركيا لعبة، واجهة للقول للعالم بأن هناك قيادة". هذه انتقادات صحيحة وصالحة، حيث لا يبدو أن القيادة العامة للجيش السوري الحر تمارس القيادة على المجموعات المستقلة ذاتياً والتي تقاتل باسمه ( باسم الجيش السوري الحر). في كل الأحوال، يعترف عدد من أهم المجموعات التي تقاتل النظام بقيادة الجيش السوري الحر، نظراً لأنها قادرة على ذلك. إن حركات التمرد تكون غير مركزية بطبيعتها، كما أن التوقعات بأن تكون القيادة العامة مسيطرة عملياً ومباشرة على كل المتمردين في سوريا أمر غير واقعي. ويظل واقع حصول توحد القيادة في شباط 2012 ، مهما كان التباعد، نقطة تحول هامة في الصراع، في الوقت الذي حارب فيه لواء خالد بن الوليد المحاصرة القوى الأمنية التابعة للأسد حول حمص في ذلك الشهر.
حمص: لواء خالد بن الوليد
برز لواء خالد بن الوليد بين شهريْ حزيران وأيلول 2011 عندما اجتمع بضع ضباط ممن انشقوا عن النظام في الرستن وتوحدوا تحت قيادة النقيب عبد الرحمن الشيخ علي. وبحلول عام 2012، كان بإمكان لواء خالد بن الوليد أن يفخر بوجود 6 وحدات تمرد تابعة وخاضعة له، كل وحدة من هذه الوحدات كانت منخرطة بنشاط في القتال ضد القوات الموالية للنظام. إن تطور وتنظيم لواء خالد بن الوليد يشير إلى أن مجموعات التمرد في حمص والرستن قد نسقت نشاطاتها حتى منتصف شباط 2012 على الأقل.
ظهر اللواء المسمى خالد بن الوليد لأول مرة في بيان على شريط فيديو في منتصف حزيران 2011. والاسم مستمد بحسب ما هو مفترض من أول محتل عربي لسوريا، والذي كان على ارتباط بالنبي محمد وضريحه موجود في مدينة حمص. وفي أوائل آب، قام 9 من الضباط برتبة ملازم ممن انشقوا عن الجيش السوري في حزيران وتموز، بالظهور معاً في بيان مسجل على شريط فيديو كأعضاء في حركة الضباط الأحرار في الرستن، التي تبعد 20 كلم عن مدينة حمص.
خلال هذه الفترة التشكيلية للواء خالد بن الوليد، لم يكن هناك سوى اشتباكات قليلة جداً بين حركة التمرد الطرية العود هذه وبين قوات النظام السورية في منطقة حمص والرستن. وقد زعم أحد المنشقين البارزين في اللواء بأن ميليشياه بدأت بالاشتباك مع القوات الحكومية التابعة للنظام عندما هاجمت المتظاهرين في أوائل حزيران في حزيران 2011. وقد حدث عدد من الصدامات المسلحة في تموز وآب في أحياء حمص والرستن. ونصب المتمردون كميناً ضد حافلة للركاب كان فيها قوى أمن تابعة للنظام على الطريق بين المدينتين وأخرجوا قطاراً عن مساره إلى الغرب من حمص تماماً.
في أوائل أيلول، جلس النقيب عبد الرحمن الشيخ علي، الذي كان قد انشق عن الجيش في أواخر آب، مع 14 ضابطاً صغيراً كانوا قد انشقوا عن الجيش ليعلن عن تشكيل لواء خالد بن الوليد في الرستن تحت قيادته. ويمثل هذا الفيديو درجة عالية من التعاون. فالمشاركون ضموا إليهم اثنين من الضباط من أصل المشاركين في فيديو منتصف حزيران الأصلي وسبعة من المشاركين في بيان الضباط الأحرار في أوائل آب. إضافة إلى هؤلاء الأفراد الثمانية، ظهر ملازمان آخران كانا قد انشقا سابقاً وعملا لحسابهما في شريط الفيديو.
ومن أصل الـ 15 منشقاً، كان هناك رائد واحد، نقيب واحد و13 ملازماً فقط، ما يعكس الانشقاقات القليلة في صفوف كبار الضباط . وقد أشار عدد من أفلام الفيديو المتعلقة بانشقاقات الضباط إلى أنهم كانوا من أهل الرستن الذين خدموا في محافظات بعيدة كدرعا في بداية الاضطرابات. بهذا المعنى، ورغم أن ضباط الجيش السوري المنشقين شكلوا القيادة لوحدات المعارضة المسلحة فقد كانت لهم صفة الميليشيات، أي كشبان يقاتلون في مسقط رأسهم.
وبنهاية أيلول، أصبحت الرستن مركز المقاومة المسلحة الناضجة ضد نظام الأسد. فقد نصب المتمردون كمينين فتاكين على طريق حمص- الرستن. واقتحموا منزل رئيس استخبارات الرستن وأسروا عقيداً في الجيش السوري من القرداحة. وأصبحت الرستن مركز المقاومة المسلحة الناضجة ضد نظام الأسد.
حاصرت القوى الأمنية السورية الرستن واستولت عليها في عملية قامت بها في 27 أيلول تطلبت وجود 250 آلية مدرعة ودامت 4 أيام. وبحسب أحد الناشطين، كان عدد قوات المقاومة حوالي 100 منشق عن الجيش و600 رجل مسلح. وصرَّح الناطقون العسكريون باسم النظام عن مقتل سبعة من الجنود ورجال الشرطة وجرح أكثر من 30 خلال العملية، لكن برغم هذه المقاومة الشديدة، فقد استعادت القوى الأمنية المدينة بـ 1 تشرين أول. وبحسب مصدر في المعارضة تحدث إلى رويترز، فقد لعب عبد الرحمن الشيخ علي دوراً قيادياً في القتال: " لقد أثبت بأنه داهية في ميدان ساحة المعركة. أما المنشقون في تركيا فيلعبون دوراً صغيراً".
بعد أيام، وفي 6 تشرين أول، ظهر الملازم فايز أحمد العبد الله في بيانه الثالث على الفيديو، هذه المرة ليشرح انسحاب لواء خالد بن الوليد من الرستن. ووصف نفسه بأنه قائد سرية علي بن أبي طالب التابعة لكتيبة خالد بن الوليد للجيش السوري الحر. وقال الملازم العبد الله، " لقد قررنا التراجع متبعين خطة انسحاب مدروسة جيداً تحفظ لنا قدراتنا وتجهيزاتنا"، كما أنه قد بالغ بقوله على الأرجح عندما قال، " لقد قتلنا أكثر من 1000 من الشبيحة وأفراد جيش الأسد، ودمرنا حوالي 42 آلية مدرعة وحصلنا على الكثير من الأسلحة والذخيرة". وأنهى بيانه بإعلان موت الملازم أحمد خلف، أحد المنشقين الأوائل وأحد قادة الميليشيا، مشيراً للرائد الشيخ علي على أنه " قائد لوائنا".
انسحبت سرية علي بن أبي طالب إلى منطقة الحولة الريفية، التي تبعد 20 كلم تقريباً غرب الرستن. وبعد يوم من استعادة القوى الأمنية التابعة للنظام الرستن، ذكر ناشط مجهول بأن المتمردين من سرية علي بن أبي طالب قد هربوا عبر نهر العاصي وقتلوا 6 من الجنود الموالين للنظام في الحولة. وحدثت أربع هجمات إضافية فعالة ضد القوات الموالية في منطقة الحولة في تشرين أول وتشرين ثاني وحدهما، ما يشير إلى وجود مستمر لقوة معارضة منظمة.
مدينة حمص: كتيبة الفاروق
تحرك أفراد لواء خالد بن الوليد أيضاً إلى مدينة حمص بعد فرارهم من الرستن في أواخر أيلول. وقد أثبتت كتيبة الفاروق تحديداً، بقيادة الملازم عبد الرزاق طلاس والعاملة كعنصر في لواء خالد بن الوليد، بأنها فعالة للغاية في الدفاع عن حي بابا عمرو في حمص في أواخر تشرين أول وأوائل تشرين الثاني. وعلى امتداد سلسلة من الاشتباكات التي حصلت ما بين 28 تشرين أول و 5 تشرين الثاني، قتلت كتيبة الفاروق، بحسب ما ذكر، أكثر من 35 من الموالين للنظام وصدت محاولات قوات النظام المتكررة للدخول إلى الحي.
أما الملازم عبد الرزاق طلاس فقد اكتسب شعبية بعد شهريْ تشرين الثاني وكانون الأول 2011. وبحسب كليب مصور لأخبار الـ CNN مع كتيبة الفاروق في بابا عمرو، كان طلاس إبن أخ وزير الدفاع السوري القديم مصطفى طلاس، المقرب السني الحميم من حافظ الأسد وكاتم أسراره، من الرستن أيضاً. وأظهر شريطا فيديو في أوائل تشرين الثاني طلاس ونائبه الملازم وليد العبد الله محمولين على أكتاف حشد من الناس في بابا عمرو، إلى جانب شاحنة بيك آب مليئة بالرجال المسلحين. وفي شباط 2012، عرضت محطة تلفزيون فرنسية برنامجاً عن طلاس، وسمته " قلب الجيش الحر".
استمر كل من طلاس وكتيبة الفاروق بأنشطتهما على امتداد شهر كانون أول. وشنت كتيبة القاروق هجمات على الآليات المدرعة للقوى الأمنية، ونشرت عدداً من أفلام الفيديو تظهر احتراق حاملات الجند المدرعة في بابا عمرو. وفي فيديو آخر، صورت كتيبة الفاروق هجومها على نقطة قوية ومحصنة للنظام، وأنزلت علم حزب البعث السوري عن سطح المبنى مستبدلة إياه بالعلم السوري التقليدي وسط إطلاق نار كثيف. وأظهر كليب مصور لمحطة CNN طلاس وهو يجري معاينة شديدة للمواقع المحصنة بأكياس الرمل على تقاطعات الطرق وعلى أسطح المباني في بابا عمرو، وتضمن كل موقع من هذه المواقع خليطاً من البنادق الهجومية، رشاشات متوسطة، وقذائف الآر بي جي. وخلال شهر كانون الثاني، نشرت مجموعات مختلفة من المقاتلين بيانات لها على الفيديو تتعهد فيها الانضمام إلى كتيبة الفاروق.
وفي أحد الحوادث في أواخر كانون الثاني التي لاقت اهتمام وسائل الإعلام الدولية، ذكرت كتيبة الفاروق أسرها لسبعة إيرانيين في حمص أعضاء في قوات القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني العاملة مع قوات الأمن السورية في المدينة ، بحسب ما قال هؤلاء. وبعد وقت قصير من ذلك، نشر الجيش السوري الحر عدداً من أشرطة الفيديو التي تظهر الأسرى، جوازات سفرهم، واعترافاً باللغة الفارسية لأحد الأسرى قال فيه بأنه " عضو في الحرس الثوري التابع للقوات المسلحة الإيرانية. وأنا عضو في فريق مسؤول عن قمع المتظاهرين في سوريا، وقد تلقينا أوامرنا مباشرة من الشعبة الأمنية التابعة لسلاح الجو السوري في حمص". وأعلنت المصادر الإخبارية التابعة للدولة الإيرانية بأن القبض على المهندسين الإيرانيين في حمص يعود إلى أيام خلت فقط، بما في ذلك صورة لبعض نفس الرجال الذين ظهروا في الاعتراف المسجل على الفيديو. من الصعب تأكيد انتماءات هؤلاء الرجال من خلال مصدر تقارير مفتوح.
إن قدرة كتيبة الفاروق ونجاحها الظاهر في صد هجمات النظام في بابا عمرو ساهمت في قرار نظام الأسد باستخدام سلاح المدفعية الثقيل والعشوائي ضد حي بابا عمرو في شباط 2012. وفي حين أن النظام لم يخجل من استخدامه العنف في كل الاضطرابات السورية التي حدثت، فإنه برهن سابقاً عن حساسيته إزاء الاستخدام الطاغي والساحق والعشوائي للقوة في مجهود للتقليل من الارتدادات في الداخل والخارج. في كل الأحوال، لقد شجع الوضع في بابا عمرو في نهاية كانون الثاني النظام على التحول بعيداً عن انتهاج القسوة التكتيكية الانتقائية إلى انتهاج تكتيك القوة النارية الطاغية لاستئصال جيب المقاومة العنيد هذا.
بعد أيام من سقوط وابل من نيران المدفعية وبلا هوادة على بابا عمرو، ذكرت وسائل الإعلام السورية والإيرانية مقتل طلاس في 9 شباط. ولم تجادل أو تشكك المعارضة بهذه التقارير. وفي بداية آذار، وبعد أسابيع من الحصار والقصف المدفعي، أعلنت كتيبة الفاروق عن " انسحابها التكتيكي" من بابا عمرو في مواجهة هجوم بري ساحق. كما ذكر المتمردون أيضاً محنة 4000 شخص متبقين في الأحياء كانوا قد علقوا أثناء الحصار كسبب لانسحابهم.
بما أن قوات التمرد الباقية في بابا عمرو انسحبت إلى وسط حمص، فانها قد تكون انضمت إلى وحدات أخرى في لواء خالد بن الوليد تعمل في المدينة. على سبيل المثال، لقد أخذت كتيبة فادي القاسم بقيادة الرائد يوسف حمود دوراً قيادياً في القتال في وسط حمص حول حي باب دريب في كانون الثاني وشباط 2012. وبعد اقتحام حصون الموالين للنظام وتدمير آليات مدرعة، ساهم حمود بتحرير أقسام أساسية من حمص في شباط 2012. وبينما لا يزال علينا أن ننتظر ونرى ما إذا كان المتمردون الباقون في حمص سيستمرون بمقاومة هجمات النظام في آذار 2012، فقد أشار الجيش السوري الحر إلى نيته بالانسحاب من أحياء أخرى في حمص بدلاً من فرض جولة أخرى من الحصار. وما أن انسحب لواء خالد بن الوليد من الرستن تماماً في أيلول 2011، حتى كان انسحاب المتمردين مرجحاً من باقي حمص في مجهود للاحتفاظ بقدرات كافية للاستمرار بانتهاج تكتيك " إضرب واهرب" في ريف حمص.
الرستن: كتيبة الحمزة
في كانون الثاني 2012، صدت كتيبة الفاروق محاولات النظام لاختراق بابا عمرو، وشنت كتيبة ثالثة في لواء خالد بن الوليد، كتيبة الحمزة، هجوماً متجدداً في الرستن. وفي 29 كانون الثاني قال الملازم ابراحيم محمد أيوب، محاطاً بالشوارع التي تمزقها المعارك وبمواقع القتال المحصنة بأكياس الرمل يحرسها رجال مسلحون بالرشاشات الثقيلة وقذائف الآر بي جي ، بأن كتيبة الحمزة قد استأصلت قوات النظام من أحياء الرستن الغربية. وفي اليوم التالي، أكد الرائد علي محمد أيوب في مقابلة عبر الهاتف على أن " جيش الأسد في حالة دفاع الآن. لقد تقطعت بهم السبل في بضع جيوب صغيرة." وفي وقت سابق من ذللك الأسبوع، ظهر الأخوان أيوب في بيان مسجل على شريط فيديو، أعلنا فيه عن مقاصد كتيبة الحمزة التي كانا وراء تشكيلها. وبينما كان هذا هو الظهور الأول للرائد علي أيوب، فقد ظهر الملازم إبراهيم أيوب في معظم أشرطة الفيديو الأساسية التي برزت مع تشكيل كتيبة خالد بن الوليد. وقد عززت كتيبة الحمزة سيطرتها على الرستن واستمرت بمقاومة هجمات النظام حتى نهاية شباط 2012.
لم تكن كتيبة الحمزة الوحدة القتالية الوحيدة التابعة للواء خالد بن الوليد في الرستن. لقد كان الرائد أحمد بحبوح، القائد الأول لخالد بن الوليد، فاعلاً وناشطاً أيضاً في الرستن منذ أوائل 2012. وقد أظهرت سلسلة من أشرطة الفيديو في شباط كلاً من أحمد بحبوح وأخيه النقيب عبد الله بحبوح، يقاتلان ضد القوى الأمنية التابعة للنظام في شوارع الرستن. وإذا كان أحمد بحبوح يقود وحدة لها اسمه ضمن لواء خالد بن الوليد فإن اسمها غير معروف. في كل الأحوال، لقد ظل النقيب عبد الله بحبوح مقرباً من الرائد عبد الرحمن الشيخ علي في كل فترة تشكيل لواء خالد بن الوليد، ما يعني حفاظ الأخوين بحبوح على علاقات وثيقة مع قيادة خالد بن الوليد.
بعد أيام من استعادة القوى الأمنية لبابا عمرو قرب حمص، قرر المتمردون في الرستن الانسحاب في أوائل آذار بعد السيطرة على قسم كبير من المدينة حتى نهاية شباط 2012. وواجهت وحدات خالد بن الوليد في الرستن ضغطاً مهماً من النظام، بما فيه القصف، على امتداد شهر شباط، رغم أن ذلك لم يكن بنفس درجة الضغط في بابا عمرو. في كل الأحوال لقد تخوف هؤلاء من أن يكرر النظام استراتيجيته في الرستن ويدمر أجزاء في المدينة. وفي حديث له من مركز القيادة العامة للجيش السوري الحر في تركيا، أعلن النقيب عمار الواوي بأن الانسحاب الاستراتيجي من الرستن هو لمنع تكرار حصول أزمة إنسانية، " لا نريد إعطاء النظام عذراً لقتل عدد أكبر من المدنيين. لقد كان انسحاباً تكتيكياً لخلق ظروف أفضل والاستعداد للخطوة التالية". قال الواوي. وتابع النقيب الواوي شارحاً بأن " الجيش السوري الحر نقل عملياتنا إلى المرحلة الهجومية دفاعاً عن الشعب السوري" ، في اشارة مفترضة إلى خطط المتمردين بالقيام بكمائن وغارات " الضرب والهرب" في ريف حمص.
هناك مجموعة ميليشيا أخرى بارزة ذات علاقات مصرح عنها مع لواء خالد بن الوليد وهي كتيبة " المهمات الخاصة" التابعة للنقيب أحمد العقصة. وقد أعلن النقيب العقصة عن تشكيل الوحدة في أوائل كانون الثاني. ورغم أنه لم يظهر في بيانات مسجلة على أشرطة فيديو مع قادة بارزين آخرين ضمن لواء خالد بن الوليد، فإنه صرح مع ذلك صراحة بأنه خطط للعمل ما بين حمص والرستن. وبقيامها بكمائن وتخريب خطوط الأنابيب في المنطقة، فإن فعالية الوحدة غير واضحة كفعالية الوحدات الأخرى المرتبطة بخالد بن الوليد، برغم أفرادها الخمسين تقريباً الذين يظهرون في التشكيلة في شريط الفيديو الذين يعلن عن تشكيل الوحدة.
رغم عمق وقدرة الهيكلية الظاهرة لمختلف المجموعات الميليشياوية ذات الروابط مع لواء خالد بن الوليد، فإن ما يقدر بنصف الاشتباكات المسلحة بين المتمردين والموالين للنظام حول حمص غير مرتبط على الأرجح بلواء خالد بن الوليد. إذ لم تظهر وحدات خالد بن الوليد، بالتحديد، وهي تعمل في الأحياء الشمالية الشرقية لمدينة حمص، حي العشيرة، البياضة، ودير بعالبه، تحديداً، وكلها شهدت قتالاً شرساً. وظهرت وحدات ككتيبة نوريان في عدد من أشرطة الفيديو، حتى عندما كانت تقاتل القوى الأمنية للنظام؛ في كل الأحوال، لا أحد من هذه الميليشيا أشار إلى وجود علاقة مع لواء خالد بن الوليد.
وبشكل مشابه، هناك تسعة من الاشتباكات المسلحة على الأقل بين المتمردين وقوات النظام حول القصير بين شهري تشرين أول 2011 وكانون الثاني 2012 ، لم تكن مرتبطة مباشرة بنشاطات لواء خالد بن الوليد مباشرة. هذا القتال أدى إلى قتل جماعي لـ 25 من الجنود الموالين للنظام على الأقل في القصير، التي تقع على بعد 25 كلم تقريباً جنوب غرب حمص. إن أعداد هذه الهجمات المتواضعة نسبياً قد يعطي فكرة خاطئة عن المستوى الفعلي لحركة المقاومة المسلحة في القصير. وقد أظهرت سلسلة من الصور التي نشرتها محطة CNN في شباط الشوارع مليئة بمقاتلي التمرد مع مجموعة من الأسلحة، بما فيها بنادق غير ارتدادية متراكمة في شاحنات من نوع بيك آب. وعندما استعادت قوات النظام حي بابا عمرو في أوائل آذار 2012، قال أحد الضباط الصغار المنشقين الذي عرف عن نفسه كعضو في الجيش السوري الحر لأحد المراسلين بأنه يخاف من أن يحول النظام بندقيته نحو القصير تالياً. وبينما حافظ هؤلاء المتمردون على وضعهم الدفاعي في البلدة التي تم التخلي عنها بمعظمها، فإنهم لم يخططوا للدفاع عن القصير في وجه هجوم محدد. وبرغم أهمية دور القصير كمحور تهريب للسلاح قريب من الحدود اللبنانية، فلم يكن لدى المتمردين هناك إلا أسلحة قليلة فحسب وشعروا بأنه لا يمكنهم الصمود بوجه هجوم. ( ستتم مناقشة دور طرق التهريب من شمال شرق لبنان مطولاً أدناه.)
درعا: كتيبة العمري
منذ منتصف تشرين أول وحتى نهاية شباط 2012، كانت كتيبة العمري قوة التمرد الأكثر فاعلية العاملة في حوران، الاسم المستخدم من قبل السكان المحليين للهضبة الزراعية التي تشكل محافظة درعا السورية. وتتشكل الهضبة من خليط من المزارع تتخللها بلدات صغيرة يمتد شعاعها ما بين الطرق والمسارات الترابية التي تتداخل في المنطقة. وعلى خلاف عدد من جماعات التمرد العاملة في سوريا، لم تحاول هذه القوة الإمساك بالأرض ضد القوى الأمنية التابعة للنظام. بدلاً من ذلك، قامت هذه القوة بكمائن وغارات على طريقة " اضرب واهرب" على امتداد حزام القرى الممتد عبر وسط حوران، نسبة عالية من الهجمات التي أنتجت سقوط إصابات ذات معنى في صفوف الموالين للنظام. بهذه الطريقة، تكون كتيبة العمري قد عطلت وبشكل فاعل تحركات الجنود الموالين للنظام وأجبرت النظام على التزام القوة بالمنطقة، لكنها لم تحد، بشكل مجد، من حرية النظام بالحركة. إن المسافة الطويلة بين محافظة درعا ومركز قيادة الجيش السوري الحر في تركيا جعل من غير المحتمل، وبشدة، وجود دعم مادي أو توجيه تكتيكي من هذه القيادة البعيدة؛ في كل الأحوال، لقد اصطفت كتيبة العمري ، وبشكل مدروس، مع الجيش السوري الحر منذ تشرين أول 2011.
كان النقيب قيس قطانة أحد أوائل الضباط في الجيش السوري الذي يعلن انشقاقه وذلك في شريط فيديو في 10 تموز، 2011 والذي صرح فيه بأنه قد ترك الجيش السوري لينضم إلى " كتيبة" جديدة شارحاً أنه قد شاهد عدداً من المدنيين يُقتلون ويتعهد بولائه للشعب السوري وحريتهم. وفي بداية آب، ظهر قطانة مجدداً، هذه المرة مع 13 من زملائه بصفته " قائد القطاع الجنوبي" لحركة الضباط الأحرار. وبعد شهر فقط، أصبحت المجموعة منتمية للجيش السوري الحر عندما أعلنت عن الهيكلية الموسعة للجيش السوري الحر وذكرت النقيب قيس قطانة كقائد لكتيبة العمري في درعا، والتي سميت كذلك بحسب ما هو مفترض بعد قصة المسجد في مدينة درعا حيث بدأت حركة التظاهرات مع نهاية آذار 2011.
في نفس تلك الفترة تقريباً، حدث اشتباكان بين القوى الأمنية الموالية للنظام وقوات المعارضة المسلحة قرب الحراك، وهي قرية صغيرة في وسط حوران. إذ خلَّف صدامان منفصلان في حراك في الأسبوع الثالث من شهر تشرين أول 6 قتلى من الجنود الموالين للنظام و 6 قتلى من المتمردين. ونظراً لقرب الحراك من موقع هجمات كتيبة العمري التي حصلت لاحقاً في شهر تشرين الثاني، فمن المحتمل أن تكون نفس المجموعة من المتمردين مسؤولة عن هذين الاشتباكين.
في منتصف تشرين الثاني، ظهر قطاني الملتحي والمستعد للمعركة في أشرطة فيديو متتالية زعم فيها المسؤولية عن سلسلة من العمليات كقائد لكتيبة العمري. لقد زعم قطانة بأن الاشتباكين اللذين حصلا في 23 و 14 تشرين الثاني قرب خربة غزالة قد أوديا بحياة ما يصل إلى 40 جندي موال للنظام، و5 من أفراد كتيبة العمري، وأكثر من 20 مدنياً وجدوا أنفسهم عالقين وسط تبادل لإطلاق النار. وقد تم تصوير أحد هذين الاشتباكين أيضاً. بعد يومين، وفي 16 تشرين الثاني، ادعى قطانة مسؤوليته عن هجوم آخر أيضاً قرب قرية النمير " للثأر للمواطنين الأبرياء الـ 25 الذين قتلوا في 14 تشرين الثاني". وزعم قتل " أكثر من 10 من الشبيحة"، أو المقاتلين شبه العسكريين الموالين للنظام، خلال الاشتباك الذي حصل.
في نهاية تشرين الثاني، أثبتت معركة بالأسلحة النارية قرب بلدة داعل، على بعد 15 كلم إلى الشمال من مدينة درعا على طول الطريق السريع الرئيس، عن فعالية متزايدة للمعارضة المسلحة في درعا. وتعرض تقارير مجزأة إلى أن الآليات المدرعة المتحركة نحو داعل تعرضت لكمين على الطريق. وبعد ساعات، استهدف انفجاران حافلتين تقلان قوى أمنية ما أن تحركتا إلى داخل داعل للقيام بعمليات تطهير في البلدة المضطربة. ورغم أن كتيبة العمري لم تدع أبداً المسؤولية عن هذه الهجمات المنسقة، فإن داعل تبعد 8 كلم تقريباً إلى الغرب من خربة غزالة، حيث تحملت كتيبة العمري المسؤولية عن شريط من الهجمات في وقت سابق من تشرين الثاني.
لم تدع كتيبة العمري مسؤوليتها عن أي من الهجمات في كانون أول، إلا أن الاشتباكات المسلحة استمرت على امتداد ذلك الشهر وفي شهر كانون الثاني حول داعل، خربة غزالة، وبصرى الحرير. هذا المستوى من النشاط يؤشر إلى أن قطانه استمر بقيادة أكثر تنظيمات التمرد فعالية في حوران. وحدثت الهجمات قرب داعل وتلك التي قرب بصرى الحرير على بعد 20 كلم فقط شمال شرق البلاد، في فترات زمنية متباعدة بالتساوي، ما يشير إلى أن كتيبة العمري اعتمدت على تكتيكات " اضرب واهرب" لتجنب القوى الأمنية. على سبيل المثال، وفي 5 كانون أول، 2011، حارب المتمردون القوى الأمنية التي كانت تحاول مهاجمة داعل، وقتلوا ثلاثة من الجنود الموالين للنظام. وبعد أقل من أسبوع، تصادم المتمردون مع الجيش في بصرى الحرير، وأشعلوا النار في ثلاث آليات مدرعة. وبالعودة إلى داعل في اليوم التالي في 12 كانون أول، تصادم المتمردون مجدداً مع القوى الأمنية على مداخل البلدة. هذا النموذج من القتال استمر حتى نهاية كانون أول، حيث نفذ المتمردون خمس غارات وكمائن فعالة أخرى بتحركهم إلى الأمام والخلف ما بين منطقة داعل وبصرى الحرير.
إن واقع حصول الهجمات حول داعل وبصرى الحرير بفواصل زمنية من يوم إلى ثلاثة أيام يطرح وجود تنسيق دقيق. ولأنه لم تحصل أي من هذه الهجمات في اليوم نفسه ولأن البلدتين تبعدان عن بعضهما بعضاً مسافة تقل عن 20 كلم هي عبارة عن أرض زراعية مسطحة إنما معزولة، يمكن للمرء أن يستنتج ظاهرياً وبشكل معقول أن من قام بهذه الهجمات هو نفس التنظيم. وبالانتقال بعيداً مسافة 15 إلى 20 كلم عن مسرح هجماتها الأخيرة، تكون المجموعة قد أملت، ربما، بتجنب تدفق القوى الأمنية المتدفقة الذي كان يحصل عقب كل اشتباك.
في كانون الثاني وشباط 2012، استمرت الهجمات حول داعل لكن بفواصل زمنية أوسع، ما يطرح مواجهة كتيبة العمري لضغوط متزايدة من قبل القوى الأمنية التابعة للنظام. ففي أربع مناسبات مختلفة في شهري كانون الثاني وشباط، تصادم المتمردون مع الجيش الموالي للنظام حول داعل وخربة غزالة. وفي شريط فيديو نشر في منتصف شباط، وصف قطانه نصب كمين للقوى الأمنية في لجا، وهي أرض ذات خصوصية تقع إلى الشمال من بصرى الحرير تماماً: " نحن ننتظرهم هنا. لقد زرعنا بعض المتفجرات ونصبنا بعض الكمائن لهم. إن شاء الله، ستكون نهايتهم هنا". وطلب قطانة السماح من الناس في حمص بسبب عدم وجوده هناك للدفاع عنهم من القصف الذي بدأ في أوائل شباط. " في درعا يحيطنا جيش الأسد بثلاث فرق من المشاة وبعدد آخر من وحدات سلاح الجو"، قال شارحاً الأمر.
هذا الفيديو لا يعزز فقط التقييم بأن كتيبة العمري كانت تحت ضغط متزايد في كانون الثاني وشباط، وإنما يدعمه من حيث أن لدى المجموعة يداً في هجمات بصرى الحرير في كانون أول، نظراً إلى قرب المسافة ما بين لجا وبلدة بصرى الحرير. ويقدم شريط فيديو آخر نشر في 14 شباط يجري فيها قطانة مقابلة مع جنديين مواليين للنظام تم أسرهما في بصرى الحرير دليلاً أضافياً على ذلك.
لا يحتسب كل نشاط التمرد في محافظة درعا لكتيبة العمري التابعة لقطانه. على سبيل المثال، ليس هناك دليل مباشر يربط كتيبة العمري بالقتال المتقطع الجاري في مدينة درعا نفسها من تشرين أول 2011 وحتى أوائل 2012، التي لا تبعد أكثر من 20 كلم عن منطقة عمليات كتيبة العمري. في كل الأحوال، لقد عمل قطانه لأجل التنسيق مع مجموعات متمردة أخرى تعمل في حوران. وفي منتصف تشرين الثاني، وعندما كان قطانه يقود غارات حول داعل، انفجر صدامان بين المتمردين والموالين للنظام على بعد 30 كلم شمالاً قرب قرية الصنمين. وقد اجتمع قطانه مع عناصر المقاومة هؤلاء، بظهوره في شريط فيديو في 23 تشرين الثاني مع مجموع من المتمردين في سنامين. بعد يومين قدم 15 متمرداً بياناً على شريط فيديو أعلنوا فيه عن تشكيل كتيبة ناصر صلاح الدين، كجزء من الجيش السوري الحر في حوران. وبعد وقت قصيرمن ذلك، بدأت الوحدة تدعي مسؤوليتها عن هجمات في منطقة سنامين.
وبشكل مشابه، قام قطانه بالتنسيق مع وحدات تمرد إلى الجنوب من منطقة عملياته. وفي شريط فيديو في أواخر تشرين الثاني، صرَّح قطانه عن أن كتيبة العمري تعاونت مع كتيبة أحمد خلف وبأن الجموعتين " أوقفتا قوات الأسد في درعا". وفي البيان، ذكر قطانه جهود كتيبة العمري حول داعل في منتصف تشرين الثاني لكنه ذكر أيضاً هجوم 11 تشرين الثاني في المصيفرة، الواقعة على بعد 20 كلم إلى الشرق من مدينة درعا. ففي هجوم المصيفرة، ادعت كتيبتا أحمد خلف وشهداء الحرية المسؤولية المشتركة قتل 15 جندياً من جنود النظام. وبعد أكثر من شهر بقليل، قتل أكثر من 25 جندي في هجوم منسق على نقطة تفتيش تسيطر على تقاطع طرق بين المصيفرة، الجيزة، ومدينة درعا، والواقعة في منطقة عمليات كل من كتيبتيْ أحمد خلف وشهداء الحرية.
هذا النوع من التنسيق بين كتيبة العمري ووحدات التمرد الأخرى العاملة في حوران يبرهن عن ميل المعارضة المسلحة للتنظيم على المستوى المحلي. وعلى خلاف مجموعات المعارضة المسلحة حول حمص ودمشق، فضلت هذه المجموعات القيام بغارات وكمائن حرب العصابات. وفي حين قلل متمردو محافظة درعا من الاشتباكات الضارية مع القوى الأمنية، فإنهم عطلوا عليهم حركة الحركة وأجبروا النظام على تحويل قوات إضافية إلى المنطقة.
دمشق
لقد نضجت حركة التمرد في دمشق ببطء أكثر من أي مكان آخر في سوريا. لقد أثبت هجوم أواخر تشرين الثاني 2011 على مجمع استخبارات تابع لسلاح الجو السوري في ضاحية حرستا الشمالية عن قدرة مفاجئة لقوة تعمل في منطقة مشبعة بالقوى الأمنية، ما أظهر الامتداد المتنامي للجيش السوري الحر، الذي ادعى المسؤولية عن الهجوم. مع ذلك فقد طغى انتصار المتمردين في كانون الثاني 2012 على هجوم النظام في الزبداني على الغارة في حرستا.
تعتبر الزبداني أرضاً هامة استراتيجياً بسبب قربها من دمشق ولبنان. وقد حافظ نظام الأسد على وجود أحد مراكز قيادة حرسه الثلاثة في السهل؛ إذ يوجد تحت إمرة الفيلق الثاني السوري ثلاث فرق مدرعة وفرقتان مؤللتان اعتباراً من عام 2006. وقد اشتبك المنشقون والميليشيات المحلية مع القوى الأمنية في الزبداني في خريف وشتاء 2011، إلا أن قدرات المتمردين في السهل بدت ضئيلة مقارنة بمعاقل التمرد كالرستن. في كل الأحوال، لقد فقد نظام الأسد سيطرته في السهل في كانون الثاني 2012.
كما أن الزبداني هامة استراتيجياً بالنسبة لإيران لأنها كانت موطن ومركز الدعم الرئيس للحرس الثوري الإيراني لحزب الله حتى حزيران 2011. وكانت هناك إشاعات متداولة في ذلك الشهر تقول بأن العميد محسن خرازي، القائد من الصف الثالث في قوات القدس، كان في سوريا للمساعدة على إدارة المصالح الإيرانية هناك. وخلال الأسبوع الأول أو الثاني من كانون الثاني 2012، زار قاسم سليماني، قائد قوات القدس، دمشق بحسب ما قال مسؤولون أميركيون. بعد أيام، وفي 13 كانون الثاني، شنت القوى الأمنية التابعة للنظام هجومها ضد البلدة الجبلية. وفي حين أن تفاصيل الزيارة غير معروفة، فإن من المعقول بحسب الظاهر أن يكون سليماني قد ألح على نظام الأسد إعادة تثبيت سيطرته في السهل. وبرغم أهمية الهدف في الزبداني، فقد أجبر المتمردون الجيش الموالي على التفاوض على هدنة والانسحاب بعد 5 أيام من القتال. ويتميز هذا الأمر بكونه المرة الأولى في الثورة السورية التي يصد بها المتمردون هجوماً كبيراً للنظام.
وفي حين خطط النظام ربما لإعادة تجميع نفسه ومهاجمة الزبداني بوجود قوة أكبر وبأسرع وقت ممكن، استولى المتمردون على شريط من البلدات في الضواحي الشرقية لدمشق، والتي غالباً ما تسمى بالغوطة: دوما، حرستا، عربين، صقبة وحمورية. هذا الأمر أجبر النظام على التركيز على هذه المشكلة الأقرب إلى العاصمة، وقام عدد كبير من القوى الأمنية بتطهير هذه البلدات على التوالي في نهاية كانون الثاني. وقد تكبد المتمردون بالفعل بعض الخسائر في هذه الاشتباكات، ولم يبذلوا أية مقاومة ذات معنى ضد عملية النظام. في كل الأحوال، لقد ساعدت هذه الأعمال النظام بالفعل على شراء الوقت بالنسبة لمتمردي الزبداني.
خلال محاولة النظام الفاشلة باستعادة الزبداني في منتصف كانون الثاني، سيطر المتمردون على رنكوس، وهي قرية صغيرة تقع على جبل على بعد 15 كلم فقط من الامتدادات الشمالية لدمشق وعلى بعد 15 كلم من الحدود اللبنانية. وقد وفرت البلدة الحدودية مقاومة عنيفة وصلبة ضد محاولات النظام لاستعادتها في نهاية كانون الثاني، وقد فر كثير من سكانها من أمام القصف الشديد من قبل قوات النظام. أما المقاومة في رانكوس والغوطة المتحدة مع هجوم المتمردين المتجدد حول حمص في كانون الثاني فقد حول انتباه النظام بعيداً عن الزبداني حتى منتصف شباط. ولم يستطع النظام شن هجوم على الزبداني حتى 6 شباط، بعد شهر تقريباً من صد المتمردين لقوات النظام. وقد صمد المتمردون مدة 5 أيام من القتال، ثم سلموا البلدة في النهاية في 11 شباط، وهربوا إلى الجبال التي تفصل ما بين لبنان وسوريا.
لم يستخدم المتمردون في الزبداني، رانكوس، والغوطة أسماء وحدات محددة، رغم أنهم كانوا يشيرون لأنفسهم على أنهم أفراد في الجيش السوري الحر. إلا أن هذه العلاقة مع مركز القيادة في تركيا كانت اسمية، حيث إن هؤلاء لم يكونوا يأخذون أوامرهم من أية قيادة عليا. أما وحدتا دمشق اللتان كانتا تعملان صراحة تحت اسم الجيش السوري الحر فهما كتيبتا أبوعبيدة بن الجراح ومعاوية بن أبي سفيان. وقد أصبح قائد التنظيم الأخير، الرائد ماهر رحمان النعيمي شخصية هامة داخل المعارضة المسلحة، وسافر إلى تركيا لإقامة روابط مع القيادة العامة للجيش السوري الحر وليظهر بعد ذلك في بيان مسجل على شريط فيديو في تشرين أول أعلن فيه الجيش السوري الحر عن هيكلية رسمية لأول مرة. وعندما ادعى الجيش السوري الحر مسؤوليته عن الهجوم على مجمع الاستخبارات التابع لسلاح الجو السوري في تشرين الثاني، فإنه زعم قيام الكتيبتين بالهجوم بشكل مشترك. وفي إحدى البيانات المسجلة على الفيديو في تشرين الثاني، ادعت مجموعة من المتمردين تشكيل سرية جديدة تحت اسم أبي الوليد ضمن كتيبة أبو عبيدة بن الجراح. وبرغم هذه الروابط، تبدو أكثرية المعارضة المسلحة الفعالة في منطقة دمشق على صلة بالجيش السوري الحر اسمياً فقط.
إدلب: جبل الزاوية وكتيبة هرموش
في منتصف آب 2011، نشر ضابطان بيانين على شريطي فيديو من منطقة الجبال في محافظة إدلب شمال سوريا المعروفة باسم جبل الزاوية. وقد أعلن كل من النقيب يوسف الدين يحيى والنقيب عمار الواوي انشقاقهما عن وحدة الاستطلاع في الجيش السوري وأعلنا انتماءهما إلى حركة الضباط الأحرار التابعة لهرموش. وفي شريط فيديو ثان في اليوم التالي، ادعى النقيب يحيى المسؤولية عن الأعمال القتالية ضد القوات الموالية للنظام في منطقة جبل الزاوية.
في المرة الثانية التي عاد وظهر فيها هذان الضابطان كان ذلك في شريط فيديو في أواخر أيلول مع العقيد رياض الأسعد حيث أعلنوا سوياً وبشكل مشترك عن دمج الجيش السوري الحر وحركة الضباط الأحرار. وبعد أيام فقط، أعلن يحيى والواوي عن نصب كمينين ناجحين في أريحا، إلى الشمال من جبل الزاوية وفي مكان آخر على الطريق باتجاه مطار حلب الدولي. هذا الإعلان على الفيديو تم من نفس حجرة التصوير لشريط الفيديو في تركيا الذي كانا قد شاركا رياض الأسعد فيه قبل أيام. وفي بيانهم هذا أعلنا عن تضامنهما وتكاتفهما مع المتمردين الذين يقاتلون في الرستن وزعما بأن الهجمات كانت رداً على " الهجوم الوحشي" ضد جيب المقاومة هذا.
برغم هذه المناوشات المبكرة في آب وأيلول، لم تصبح حركة التمرد في جبل الزاوية ذات معنى إلا في تشرين أول. فعندما أعلن قادة الجيش السوري الحر عن هيكلية رسمية لأول مرة في منتصف تشرين أول، وضعوا يحيى في موقع القيادة لكتيبة هرموش في جبل الزاوية، الذي تمت تسميته، بحسب ما هو مفترض، باسم الملازم حسين هرموش. بعد أيام، نصب المتمردون الموجودون في تلك المنطقة الجبلية كميناً عبارة عن متفجرة موضوعة على جانب الطريق ضد قوات النظام الداخلة إلى المنطقة من جهة الشمال قرب احسم ونفذوا، في آن معاً، غارة على نقطة تفتيش قرب الطريق السريع M1 الشمالي- الجنوبي في حاس. وعلى امتداد الأسبوع التالي، ضرب متمردو جبل الزاوية القوى الأمنية التابعة للنظام مرتين أخريين في معرة حرمة ومعرة النعمان.
استمر متمردو جبل الزاوية بالضغط على القوات الموالية للنظام في تشرين ثاني مع حصول تسعة اشتباكات تركزت حول بلدة معرة النعمان، التي تقع على الطريق السريع الشمالي – الجنوبي M1 الحساس. كما شعر المتمردون أيضاً بأمان متزايد في مخبأهم الجبلي حول خان صفرا، وفي أواخر تشرين ثاني قاموا ببث تظاهرات تعج بمئات الرجال المسلحين. وجلس النقيب يحيى مترئساً 150 رجلاً مسلحاً تقريباً في 15 كانون أول، تحيط بهم شاحنات من نوع بيك آب وقذائف المورتر، وأعلن عن اسم جديد لمجموعة التمرد، هو كتيبة جبل الزاوية.
وفي حين عرضت هذه التظاهرات الأعداد المتزايدة للمتمردين، يبرز الانخفاض البارز في الاشتباكات المسلحة في أوائل كانون أول تزايد ضغط القوى الأمنية التابعة للنظام على المتمردين في جبل الزاوية. وفي منتصف كانون أول، قام المتمردون بمناوشات مع القوى الأمنية عند المداخل الشمالية لجبل الزاوية حول إبيتا. وقد التقطت وكالة الأسوشيتد برس أحد الاشتباكات التي تظهر النقيب يحيى مسؤولاً عن مجموعة صغيرة تتبادل إطلاق النار مع الموالين للنظام.
لم تكن كتيبة هرموش قادرة على صد النظام لوقت طويل. فقد هاجمت القوى الأمنية المتمردين حول خان صفرا برتل من الآليات المدرعة، ما تسبب بفرار رجال الميليشيا من مواقعهم هناك في 20 كانون أول. وفي محاولة لتجنب القوى الأمنية، علقت مجموعة كبيرة من المتمردين في واد ضيق غرب القرية. لقد اضطروا إلى التسمر في أماكنهم وتعرضوا لساعات لوابل من النيران الثقيلة من أسلحة رشاشة وأسلحة مضادة للطائرات ما أدى إلى مقتل 70 متمرداً. وأعدم الجيش الموالي للنظام بعض المتمردين الذين لم يستسلموا.
برغم هذه الهزيمة التكتيكية الحاسمة، برهن المتمردون في جبل الزاوية على مرونة لديهم. ففي الأيام التي تلت المذبحة، قام المتمردون الذين هربوا بنصب كمائن على الطرق الرئيسة المحيطة بجبل الزاوية. ولم تشهد الفترة المتبقية من كانون أول والنصف الأول من كانون الثاني مقاومة مسلحة في المنطقة. لكن في منتصف كانون الثاني، قام يحيى بغارة على حصن تابع للنظام في كفر حيا على المناطق الشمالية القريبة من جبل الزاوية التي كانت تؤمن قسماً كبيراً من الأسلحة والذخائر الضرورية، بما فيها عشرات الرشاشات وقذائف الآر بي جي.
يبدو شريط الفيديو المصور هذا عن المهمة بأنه قد صور داخل سوريا في نفس الغرفة كحال الشريط الأصلي عن انشقاقه في آب 2011. وبعد أيام صور مقابلة مع مراسل مبتدئ شرح فيها دوره كقائد لكتيبة هرموش التابعة للجيش السوري الحر في جبل الزاوية. استمر القتال المتقطع قرب جبل الزاوية في كانون الثاني 2012، لكن المتمردين لم يكونوا قادرين على القيام بغارات ونصب كمائن على طول الطرق الرئيسة.
ادعى الجيش السوري الحر قيادته لسلسلة من الوحدات المقاتلة في أماكن أخرى في محافظة إدلب، لكن هناك وحدات أخرى تعمل حول مدينة إدلب علاقتها بالقيادة العامة للجيش السوري الحر في تركيا أقل وضوحاً. على سبيل المثال، لقد ادعى الجيش السوري الحر بأن كتيبة حمزة التابعة للملازم عبد الستار يونس مسؤولة عن العمليات في مدينة إدلب والقرى المحيطة بها، التي تبعد إلى الشمال من جبل الزاوية أكثر من 35 كلم بقليل. أما الواقع فأكثر تعقيداً. فمن تشرين أول وحتى كانون الثاني كان هناك 15 اشتباكاً فعالاً على طول القوس القصير الممتد من إدلب حتى سراقب، لا يمكن عزو أي منها إلى كتيبة الحمزة مباشرة. أما المجموعات الأخرى، ككتيبة أبو بكر الصديق، فقد ادعت العمل في المنطقة وليس لديها روابط ملحوظة مع مركز قيادة الجيش السوري الحر. وفي 14 شباط، 2012، وقف مئات المقاتلين في شوارع سراقب، ببنادقهم المرفوعة، معلنين تشكيل كتيبة معاوية. وقد تحدث عنهم الصحافيون الذين التقوا بالمتمردين في سراقب على أنهم جزء من الجيش السوري الحر وأشاروا إلى مستوى تنظيمهم.
قد يكون الحصار البشري المكثف والقاسي للقوى الأمنية في حمص في شباط 2012 قد ساهم في نمو حركة التمرد في إدلب عن طريق تشجيع الشبان على الانضمام إلى حركة المعارضة المسلحة وإعطائهم المجال للتحرك والتنظيم. وليس للمعارضة سيطرة حرة على المنطقة، حيث إن القوى الأمنية تحتفظ بنقاط تفتيش لها على طول الطرق الرئيسة. في كل الأحوال، إن معرفة وإلمام المتمردين بالطرق الخلفية حول قراهم يوفر لهم حرية حركة لا بأس بها. وقد وصف أحد الصحافيين المسافرين في المنطقة كيفية تنقل المتمردون في طرق صغيرة مكشوفة وغير محمية للالتفاف على نقاط التفتيش التابعة للنظام، واصفاً الطرق بأنها " نظيفة". ويظهر شريط فيديو نشر في منتصف شباط قافلة من خمس شاحنات من نوع بيك آب مليئة بالمتمردين الذين ينتقلون نزولاً في خط مستقيم عبر طريق ممهد مدة أكثر من 6 دقائق، ما يظهر درجة الحركية التي يتمتع بها هؤلاء المتمردون.
ريف حماه: كتيبتا أبو الفداء وأسامة بن زيد
كانت العلاقة بين مركز قيادة الجيش السوري الحر ومجموعات التمرد العاملة على طول خط التماس بين محافظتيْ إدلب وحماه معقدة بشكل مشابه. في كل الأحوال، لقد سعت هذه المجموعات لربط نفسها مع الجيش السوري الحر وركزت على الاشتباك مع أهداف عسكرية مشروعة. وفي أوائل آذار 2012، قام المتمردون بأكثر من 20 اشتباكاً فعالاً ضد القوى الأمنية التابعة للنظام في هذا السهل الزراعي على سفوح هضبة إدلب شمال مدينة حماه، كان معظمها في تشرين الثاني وكانون أول 2011. وكان عناصر كتيبتيْ أبو الفداء وأسامة بن زيد على صلة بهذا الشريط من الهجمات، لكن منطقة عملياتهما بدت متداخلة. على سبيل المثال، بدا النقيب زهير الشيخ كقائد مناوبة في كتيبتيْ أبو الفداء وأسامة بن زي