كينيث م. بولاك (*)
معهد Brookings ـ 24 كانون أول، 2011
كنا جميعاً نتساءل عن المدة التي سيأخذها انسحاب الجيش الأميركي بالنسبة للعراق لمواجهة أزمته السياسية الكبرى الأولى. لكني كنت أشكك بشكل جدي بأن يتجرأ أي كان على التكهن بأنها ستبدأ حتى قبل عبور آخر جندي أميركي الحدود مع الكويت. مع ذلك، ها نحن هنا. وفي حين كانت وسائل الإعلام الأميركية تروي قصصاً لا تنتهي عن ' نهاية حرب العراق'، كان العراقيون مشغولين بالاستعداد للجولة التالية.
لا تخطئوا بشأن ذلك: فالأزمة الحالية، التي صنعها رئيس الوزراء نوري المالكي لأسباب يعلمها وحده بالتأكيد، ذات أهمية مؤثرة كبيرة وأصلية بالنسبة للعراق. أما الآن، فيبدو من المرجح جداً أن تنتهي بشكل سيئ بدلاً من جيد، إذ يمكنها، وبسهولة، أن تبشر بحرب أهلية متجددة، ديكتاتورية غير مستقرة بقوة، أو حتى دولة فاشلة على النموذج الصومالي. وهذا لن يكون مذلاً ومهيناً لإدارة أوباما فحسب – التي بررت انسحاب الجنود الأميركيين بالإصرار على أن العراق هو على طريق الدمقرطة فعلاً وبأنه ليس بحاجة إلى وجود مستمر لقوة حفظ سلام أميركية – بل إن ذلك سيكون تهديداً كبيراً للمصالح الأميركية الحيوية في منطقة الخليج الفارسي.
ماذا حصل؟
إن السؤال عن أصل الأزمة هو كالسؤال عن أصل النزاع العربي ـ الإسرائيلي: كله يعتمد على منظورك أنت. فمن دون الدخول في تاريخ المشاكل المؤلم التي نشبت بعد الانتخابات الوطنية العراقية في العام 2010، يبدو من المنطقي العودة بتاريخ الأزمة إلى الإطار الزمني الواقع في تشرين الأول/ أكتوبر ـ تشرين الثاني/ نوفمبر عندما بدأ قادة ومجتمعات سنة باستنهاض الهمم علناً للحصول على استقلال ذاتي محلي عن طريق متابعة وضع ' المنطقة الفيدرالية' المحددة في الدستور العراقي والمقصود بها توفير الاستقلال الذاتي الذي طالب به الأكراد. فالتعسف المخيف للمالكي والحكم اللا دستوري أحياناً، وعمليات التطهير الضخمة لضباط الجيش والمسؤولين المدنيين السنة، والطريق المسدود الذي لا نهاية له للحياة السياسية في بغداد، جعل المحافظات ذات الأكثرية السنية كالأنبار، صلاح الدين، نينوى، ديالا، تبدأ تحريك ومناقشة تطبيق الوضع المحلي للنأي بنفسها عن بغداد وحكومة المالكي. (ولجعل المسائل أسوأ، يبدو أن لغطهم هذا قد ساعد على إقناع الشيعة غير السعداء في محافظة البصرة الغنية بالنفط على البدء بالمطالبة بالشيء نفسه.)
أما المالكي فقد تفاعل بمصطلحات مميزة مؤسفة. ندد واستنكر هكذا كلام بصفته كلام غير قانوني وحذر من أن أية تحركات باتجاه مناطق فيدرالية سيتم سد الطريق عليها كونها غير دستورية ( رغم البنود الصريحة في الدستور التي تجيز ذلك.) قد يكون المالكي، أو لا يكون، يناور عن قصد وبشكل مدروس لجعل نفسه ديكتاتور العراق الجديد لكن غرائزه السياسية محل إشكال جداً كونها لا تنظر إلى التكاليف. إنه مسكون بجنون العظمة وميال لنظريات المؤامرة. وهو شخص غير صبور في الحياة السياسية الديمقراطية ويفسر المعارضة السياسية، على نحو متكرر، بأنها تهديد شخصي.
أولاً، لقد حد بشكل متعسف من حجم التفاصيل الأمنية المخصصة لقادة أساسيين لحزب ' العراقية' - أهم حزب معارض له والحزب الذي يميل إلى تمثيل المجتمع السني ( رغم أنه بقيادة أياد علاوي رئيس الوزراء الشيعي الأسبق، ويضم عدداً من الشيعة الآخرين أيضاً.) بعد ذلك، اعتقل موظفوه عدداً من حراس طارق الهاشمي، نائب الرئيس السني. وبعد استجواب مكثف (يصر السنة على أنه تضمن تعذيباً) زعم المالكي أن حرس الهاشمي قد اعترفوا بأن الأخير يقف وراء هجوم إرهابي فاشل على البرلمان العراقي، مجلس النواب الذي يصر جماعة المالكي أن الهجوم كان يستهدف رئيس الوزراء رغم أن الدليل على ذلك غير موجود. رداً على ذلك، وحتى قبل أن يخرج من الطائرة التي أعادته من رحلته المظفرة إلى الولايات المتحدة، أمر المالكي بإغلاق المنطقة الدولية للعراق ( ' المنطقة الخضراء' سابقاً)، تم منع الأميركيين من الدخول، ونشرت الآليات المدرعة حول منزل الهاشمي بالإضافة إلى وزير المالية رافي العيساوي، أحد أهم السياسيين الأنباريين في بغداد وأحد أكثر الرجال لياقة واحتراماً في الحكومة.
من هناك بدأت الأمور تسير من سيئ إلى أسوأ. فقد تم تأخير الهاشمي والعيساوي وتفتيشهما قبل سفرهما إلى أربيل لحضور اجتماع تم ترتيبه سابقاً. وأعلن المالكي أن نائب رئيس الوزراء – وهو مؤيد قوي للإقليمية السنية، والذي دعا المالكي بالديكتاتور في الفترة التي سبقت الأزمة – سيكون مجبراً على ترك منصبه. ورغم أن الدستور يشترط بوضوح أن ذلك لا يمكن أن يحدث إلا بموافقة مجلس النواب ومصادقته، فقد أعلن المالكي أن لا حاجة إلا لمجلس الوزراء للمصادقة على القرار. في هذه الأثناء، بدأت جماعة المالكي بتغيير مزاعمها ضد الهاشمي، متخلين عن ادعاء ارتباطه بالتفجير الفاشل لمجلس النواب بالزعم، بدلا ًمن ذلك، بأنه كان مسؤولاً عن هجمات إرهابية أخرى تعود بتاريخها إلى العام 2008، رغم أنهم لم يقدموا تفسيراً حول سبب عدم ذكر أي شيء عن هذه التهم أبداً في الماضي، هذا عدا عن التحقيق بالموضوع، ولماذا قاموا الآن فجأة بتشكيل قضية محتملة لإصدار مذكرة اعتقال ضده. وطالب المالكي الأكراد بتسليم الهاشمي لمسؤوليه الأمنيين.
إختارت ' العراقية' الرد بسحب أعضائها البرلمانيين من مجلس النواب وسحب وزرائها من الحكومة. ففي 21 كانون الأول، أطلق المالكي النار مجدداً. فقد عقد مؤتمراً صحفياً كانت لهجته فيه لاذعة تماماً ولا مساومة فيها. فقد أصر على تسليم الأكراد للهاشمي لاعتقاله ومحاكمته – كما حاكم صدام حسين، وفق ما أشار رئيس الوزراء. وكرر القول بأن نائب رئيس الوزراء صالح المطلق قد تم عزله وبأنه ينبغي احترام قرار مجلس الوزراء بذلك. وحذر من أنه إن كان السنة غير مستعدين للتصرف وفق الدستور (وفق رؤيته هو للدستور)، فإن بإمكانهم الانسحاب من الحكومة وبأنه سيشكل حكومة أكثرية من الشيعة والأكراد من دونهم. أمر كان مستشاروه يناقشونه منذ الربيع. في اليوم التالي، أعلنت جماعة المالكي أن رافي العيساوي قد تم التحقيق معه أيضاً بتهم الارتباط بإرهابيين، القضيةالتي تعود بتاريخها إلى أحداث عام 2006، رغم أنهم رفضوا مجدداً تقديم أي دليل أو حتى تفسير عن سبب متابعة هذه المسألة فجأة، ومتابعة العمل على ذلك وكأنما مصير الوطن متوقف على هذه القضية، وذلك بعد خمس سنوات.
مجموعة من النتائج السيئة
كما هو الحال مع أزمات كثيرة جداً، خاصة الأزمة العراقية، هناك حصيلة جيدة واحدة فعلاً لهذه الأزمة. فمن جهة، هناك الكثير من النتائج السيئة المحتملة. وبناء على الأحداث حتى الآن، فإن المراهن قد يضع ماله ويراهن على إحدى هذه النتائج. أما الحل الوحيد الذي سيكون جيداً بالنسبة للمالكي كي يتراجع، فهو التوقف عن صنع اتهامات جديدة، والتخفيف من لهجة كلامه. إنه بحاجة لأن يجد طريقة تحفظ له ماء وجهه عند القيام بذلك، ربما من خلال آلية المؤتمر الوطني المقترح من قبل مسعود البرزاني رئيس الحكومة الإقليمية الكردستانية. وذلك سيعني إعادة تنصيب المطلق ( أو أية شخصية سنية رفيعة تختارها قيادة العراقية)؛ السماح بإسقاط التهم ضد الهاشمي في عالم النسيان نفسه الذي وضع فيه المالكي، بارتياح، تهم القتل ضد حليفه الجديد مقتدى الصدر؛ وتناسي مزاعمه حول رافي العيساوي. وسوف يعني أيضاً التفاوض حول نوع من إتفاقية تسوية حول بعض القضايا ذات الأهمية بالنسبة للمجتمع السني ( كقانون العفو الذي لم يحرز تقدماً كبيراً في مجلس النواب في الأشهر الأخيرة).
باستثناء ذلك، يرجح أن تكون النتيجة مشكلة. في تلك الحالة، سينجح المالكي بالتأكيد في إنجاز أهدافه المصرح عنها، وبقيامه بذلك، فإن هذا الأمر سيجعل منه ديكتاتور الأمر الواقع. وإذا ما نجح في إزالة صالح المطلق ( وخاصة إذا ما صمد تحركه اللا دستوري بلا جدال حول عزل المطلق ، ببساطة، من دون مصادقة مجلس النواب)؛ فإذا ما كان قادرا ًعلى اعتقال ومحاكمة الهاشمي؛ أو حتى نجح في إجبار الهاشمي على الذهاب إلى منفى دائم عن طريق السماح لمذكرة الاعتقال بالصمود؛ وإذا ما نجح في اعتقال ومحاكمة رافي العيساوي، فإنه سيكون قد دمر المعارضة السنية بنجاح. لن يكون بحاجة لاعتقال أي زعيم سني آخر، رغم أنه قد يقوم بذلك بأي حال، نظراً لنزعته المعروفة للاعتقالات الواسعة، فقط لضمان ألا يتسببوا له بأية مشكلة. إلا أن كل زعيم سياسي عراقي آخر سيعلم أن بإمكان المالكي أن يفعل به ما فعله بالمطلق، بالهاشمي، وبالعيساوي متى ما أراد ذلك ولن يكون هناك من أحد قادر على إنقاذه بما أنه لم يكن هناك من ينقذ المطلق، الهاشمي أو العيساوي.
في تلك الظروف، السؤال الأساسي هو كيفية تفاعل المجتمع السني مع هكذا ترسيخ لأمر واقع من هذا النوع، ديكتاتورية شيعية. يبدو من غير المرجح أنهم سيرضخون بهذه البساطة، رغم أنه حتى في حال الحدوث غير المحتمل لذلك فإنه لن يكون هناك من ضمانة للاستقرار بالنسبة للعراق. ويستحق الأمر التذكر بأنه عندما حصل العراق على استقلاله ( الاسمي) من البريطانيين في العام 1932، عصفت بالبلاد أعلى نسبة من الانقلابات العسكرية في العالم العربي. فقد أثبت البلد استحالة حكمه من قبل حاكم استبدادي واحداً إثر الآخر، حيث وجد كل واحد من هؤلاء الحكام نفسه محاصراً في معارك مختلفة ( بكل معنى الكلمة غالب الأحيان) مع جماعة غير سعيدة بوضعها، الواحدة إثر الأخرى. وكان صدام حسين، والأمر موضع نقاش، الديكتاتور الوحيد الذي خلق نوعاً من الأتوقراطية المستقرة نوعاً ما – وكان، بالتأكيد، الوحيد القادر على الحكم باستمرار لأكثر من بضع سنين – وكان قادراً على القيام بذلك بانشائه دولة استبدادية ستالينية وتوظيف مستويات من العنف التي تقرب حد الإبادة الجماعية ضد شعبه نفسه. وبسبب تجربته الأخيرة، بشكل خاص، مع التمرد السني والحرب الأهلية العراقية، يرجح أن تنجلي ديكتاتورية المالكي عن عمر قصير وعدم استقرار، ويمكن أن تنتهي بحرب أهلية جديدة، وبسهولة.
من المحتمل جداً ألا يذعن السنة للمالكي كديكتاتور، حتى ولو كان ذلك بمفهوم الأمر الواقع الغامض. عندها سيكون السؤال، وببساطة، ما إذا كانوا سيقررون الثورة والتحول إلى المعارضة العنيفة فجأة وعلى نطاق واسع، أم بالتدريج. وبأي حال من الحالين، من المرجح أننا سنرى المحافظات ذات الغالبية السنية كديالا، الأنبار، صلاح الدين، ونينوى تنأى بنفسها عن الحكومة، مطالبة بوضع محلي لها، ووقف التعاون مع بغداد، ومنع مسؤولي الحكومة العراقية - بمن فيهم، على الأرجح، الشرطة الفيدرالية وتشكيلات الجيش ـ من الحصول على إذن بالدخول أو التنقل والتجول بحرية في مناطقهم. وستتزايد الهجمات الإرهابية من حيث شدتها ومجالها الجغرافي أيضاً، بما أنه سوف تتدفق كمية أكبر من الأموال والمجندين إلى الداخل من ضمن المجتمع السني العراقي نفسه، ومن دول سنية مجاورة كالسعودية والأردن. في نهاية المطاف، ستتوسع وتمتد تلك الهجمات الإرهابية لتصل إلى تمرد كامل، وإذا ما انقسم الجيش العراقي ( وهذا الأرجح) إلى فئات طائفية- عرقية ما يتيح للجنود السنة جلب تدريبهم وأسلحتهم الثقيلة معهم إلى الجانب السني، فقد تشهدون معارك ضارية بين قوات الحكومة والميليشيات السنية المنظمة جيداً. وسيجد العراق نفسه مرة أخرى في حرب أهلية شاملة، هذه المرة من دون وجود فرصة وإمكانية أن تنقذهم الولايات المتحدة من أنفسهم.
الدور الحاسم للأكراد
هناك قدر عظيم من الأمور يقع على كاهل الأكراد الآن، تحديداً على البرزاني. بالواقع، قد يكون الأكراد الفاعل الداخلي أو الخارجي الوحيد القادر على سحب فتيل الأزمة. ورغم أن من المستحيل معرفة حسابات المالكي الكاملة، يبدو أن من غير المحتمل أن يكون البرزاني يريد الظهور بمظهر الالتزام بالسنة والأكراد في آن معاً في هذه اللحظة. بالواقع، إن جزءاً من تفكيره، وهذا مؤكد تقريباً، وذلك لأسباب مختلفة سنناقشها لاحقاً، هو احتمال وقوف الأكراد جانباً في هذه المرحلة، ما يتيح له تنفيذ ساسة فرق تسد – تقطيع السنة وتحجيمهم من دون مواجهة الأكراد أيضاً. وبالتالي، إذا ما كان الأكراد مستعدين للذهاب إلى المالكي وإخباره ذلك، على انفراد، فإن المالكي سيكون مستعداً للتراجع. بإمكانه استخدام المؤتمر الوطني المقترح للبرزاني وذلك لتعليق هجماته على القيادة السياسية السنية أولاً ومن ثم السماح لتسويات حفظ ماء الوجه بالنجاح. قد تكون هذه هي الطريقة الجيدة الوحيدة للخروج من الفوضى الحالية.
في كل الأحوال، ليس واضحاً تماماً أن الأكراد سوف يقومون بذلك لأسباب مختلفة كانت، على الأرجح، جزءاً من حسابات المالكي طوال الوقت. أولاً، إن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني التابع للرئيس العراقي جلال الطالباني – الشريك الرئيس للحزب الديمقراطي الكردستاني التابع للبرزاني – واقع تحت ضغط هائل من قبل إيران. فقد قصف الجيش الإيراني، بانتظام، قرى حزب الإتحاد الوطني الكردستاني شرق كردستان، وانتشر عملاء الاستخبارات الإيرانية في مناطق حزب الإتحاد الكردستاني كالوباء ما يجعل من الصعب جداً على هذا الحزب معارضة رغبات طهران، ومن دون شك تشعر طهران بسعادة غامرة إزاء أفعال المالكي لأن الصراع السني – الشيعي في العراق يجعل، وببساطة، كل المجموعات الشيعية أكثر اعتماداً على طهران. وهنا سبب وجوب أن يكون البرزاني هو من سيأخذ على عاتقه المالكي: قد لا يكون طالباني، ببساطة، في موقع القيام بذلك، وربما يحاول ثنيه عن ذلك حتى.
ثانياً، يشعر الأكراد بتخلي الولايات المتحدة عنهم بالكامل. لقد سألوا إدارة أوباما تكراراً عن ضمانات تدعم أمنهم ضد أي تهديد محتمل من قبل الحكومة المركزية في بغداد، ولم تقدم لهم إدارة أوباما أي شيء. نتيجة لذلك، هم يعتقدون الآن بأن لا خيار جيد لديهم حقاً لمواصلة الاستقلال ( بما أنهم سيكونون بحاجة للدعم الأميركي ضد إيران، وتركيا، وبغداد للقيام بذلك، وجميعهم يعارضون، وبشراسة، تحركاً من هذا النوع ) ولذا ينبغي لهم البقاء جزءاً من العراق في المستقبل المنظور. وهذا يعني أن لديهم حافزاً للمضي على طول الخط مع المالكي والحكومة المركزية.
أخيراً، هناك الاتفاقية الأخيرة الموقعة بين الحكومة الإقليمية الكردستانية و شركة (Exxon) . لم يكن هناك أية شركة نفطية قامت بتوقيع اتفاقيات للمساعدة على تطوير حقول النفط الضخمة جنوب العراق سعيدة بتلك الصفقات. فالعقود كانت شحيحة للغاية، نظراً لعدم الاستقرار السياسي خاصة في الجنوب، وكانت شركات عديدة، في أفضل الأحوال، مترددة بالمضي بهذه الإتفاقات معهم. قادت شركة (Exxon) الطريق، بتوقيعها إتفاقية لتطوير حقول نفط عديدة في منطقة الحكومة الإقليمية الكردستانية والمنطقة التي تدعيها لنفسها هذه الحكومة لكنها منطقة متنازع عليها مع الحكومة المركزية ومع مجموعات أخرى. بالقيام بذلك، حشرت (Exxon) أنفها في بغداد، مستفزة بذلك رداً غاضباً من المالكي . ومنذ ذلك الحين، يفكر عدد من شركات النفط الدولية الأخرى (IOCs) باتباع خط (Exxon) وتقوم هذه الشركات باستكشاف الخيارات، بحسب ما يقال، مع الحكومة الاقليمية الكردستانية. أما من منظور الأكراد، فيعتبر هذا أمراً رائعاً: هم يعتقدون بأنهم وضعوا المالكي وحكومته على 'برميل' وبأن بإمكانهم استخدام هكذا تحول من قبل شركات النفط الدولية (IOCs) لإجبار بغداد على صنع تنازلات حول قانون الهايدروكاربون المتوقف منذ فترة طويلة وربما أيضاً حول قضايا قد تكون أكثر حساسية ربما، كوضع كركوك. ورغم أن الأكراد قد يكونون مبالغين فعلاً بمدى الرافعة التي يملكونها نتيجة لهذا الانقلاب، فإن رؤيتهم بأنهم جعلوا المالكي في المكان الذي يريدونه فيه تماماً يخلق فرصة للمالكي ضد السنة بما أن الأكراد سيكونون مشمئزين من هدر مكسبهم المتصور على المالكي لإنقاذ السنة. بالواقع، قد يعتقدون حتى بأن بإمكانهم مطالبة المالكي بالإذعان لقضاياهم الأساسية ( كركوك، قانون الهايدروكاربون، إلخ.) مقابل موافقتهم على البقاء على الحياد خلال الأزمة. قد يقفون جانباً، مقنعين أنفسهم بأن المالكي لن يمضي بعيداً، وباستثناء ذلك بإمكانهم الحصول على كل شيء كانوا يريدونه من بغداد دائماً وفي كل وقت في مقابل ذلك.
العجز الأميركي؟
إن مستقبل العراق معلق بخيط، لكن لا أحد يعلم متى سينقطع هذا الخيط، وإذا ما انقطع، أين سيرسي البلد – حرب أهلية؟ ديكتاتورية جديدة غير مستقرة؟ دولة فاشلة؟ تقسيم فوضوي؟ كلها سيناريوهات معقولة ظاهرياً ولن يكون أي منها نتيجة مفرحة بالنسبة للعراق، او للمنطقة، أو بالنسبة للولايات المتحدة لأن ليس للولايات المتحدة قدرة كبيرة على التأثير على المسار المستقبلي للعراق. وكان كبار المسؤولين الأميركيين، بمن فيهم نائب الرئيس بايدن، رجل الإدارة الأميركية المعين في العراق، يتوسلون رئيس الوزراء المالكي لعدم التصعيد، ولوقف زيادة الهجمات القوية على القيادة السنية، ولكبح خطابه. ولم يقم المالكي بأي من هذه الأمور. بل على العكس تماماً، إنه مستمر بصنع اتهامات جديدة، مستمر بالطلب من الـ KRG تسليم الهاشمي، وهو يهدد الآن بإقصاء السنة عن الحكومة كلها، ووسع هجماته لتشمل وزير المالية العيساوي. لا يبدو، بالتأكيد، أنه يصغي لمطالب واشنطن، وتوسلاتها أو اقتراحاتها.
(*) مدير مركز سابان (Saban Center for Middle East Policy)