أوراق إستراتيجية » عدم الاستقرار في سوريا: تقييم مخاطر التدخل العسكري

آرام نيرغيزيان ـ أنطوني كوردسمان (Center of Strategic & International Studies - CSIS)
13 تشرين الأول، 2011
موجز تنفيذي

أصبح استقرار سوريا ودوره في السياسات الأمنية الإقليمية أكثر غموضاً باطراد منذ أوائل عام 2011. فقد خبر البلد حتى الآن ثمانية أشهر من التظاهرت الشعبية. وبرغم الإفتقار للتماسك السياسي أو وحدة الهدف في أوساط القوى المعارضة للبلد، لا تزال المناطق الريفية والمدن الصغرى تختبر اضطرابات مسلحة على نحو متزايد. في هذه الأثناء، لم تظهر حملة النظام على المنشقين تراجعاً في صفوفهم ولو قليلاً، في الوقت الذي تحاول فيه القوات الأمنية للبلد الموالية للنظام بقيادة العلويين إستعادة النظام وسحق الإضطرابات.
 لقد زادت جوقة الضغط الدولي على سوريا باطراد. إذ عززت الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي عقوباتهما الأحادية، وتحولا إلى الأمم المتحدة لتعميق الضغط الدولي ودعوَا، صراحة، إلى تنحي الرئيس بشار الأسد جانباً. أما تركيا، التي كانت مؤخراً أقرب حلفاء النظام، فقد كانت إحدى أشد المنتقدين له. أخيراً، إن الحكومات الملكية الخليجية، التي لا يزال لديها تحفظات حول الإضطرابات الشعبية الإقليمية، دفعت، مع ذلك، بجهود الجامعة العربية قدماً لعزل سوريا أكثر.
من جهة، القوى السورية المحلية والإغترابية المعارضة للنظام مدعومة من الغرب، ومن دول عربية وسنية أساسية كالسعودية وتركيا. ومن جهة أخرى، يتمتع نظام الأسد بدعم إيران، حليفه الإقليمي الأساسي، ودعم حزب الله في لبنان، والمساندة الدولية القوية من قبل روسيا والصين – بلدان يمكن أن يلعبا دور الثورة المضادة خلال ما أصبح يبدو، وعلى نحو متزايد،  " شتاء النقمة العربية الطويل. "
هناك عدد من البلدان – بما فيها حلفاء الولايات المتحدة والناتو، كفرنسا وتركيا- تتسلى بإمكانية إنشاء   "ممر إنساني  " في سوريا، ربما على طول الحدود مع تركيا، لتقديم الإغاثة للسوريين والجماعات المنشقة المعارضة لنظام الأٍسد. وقد لاقت هذه الدعوات صدىً لدى قوى المعارضة السورية داخل وخارج سوريا، بما فيه ما يسمى الجيش السوري الحر، والمجلس الوطني السوري ومقره إسطنبول.
هذه الدعوات لإنشاء  " ممر إنساني " كهذا لا تعالج تحديات عالم الواقع: عمليات عسكرية مشتركة ومتحدة لسحق شبكة الدفاع الجوي لسوريا، الحاجة الى تحييد سلاح الجو للبلاد، التخلص من قدرة الردع اللامتماثلة لسوريا باحتواء التهديدات اللا تقليدية من الصواريخ الطويلة المدى ( المزودة ربما بعوامل أسلحة بيولوجية وكيميائية) وعدم الاستقرار على طول مرتفعات الجولان. كما أنها لا تعالج مخاطر انخراط القوات البرية السورية الموالية للنظام في نهاية الأمر ( بما في ذلك المراكز السكانية الكبيرة للعلويين) التي لا ترى لنفسها فرصاً كبيرة في سوريا ما بعد الأسد.
يعتبر البعض بأن التدخل العسكري في سوريا هو الخطوة التالية المحتملة في تحويل توازن القوى الإقليمي لصالح الولايات المتحدة وحلفائها. ليس هناك من جدل حول أن العمليات العسكرية المستمرة والدائمة في ليبيا كانت لتكون مستحيلة لولا القدرات العسكرية الأميركية المحضة المتعلقة بالمسائل اللوجستية، والاستهداف، ونظام القيادة والتحكم الأميركي. وفي حالة سوريا، فمن غير المرجح نجاح التدخل العسكري، أيضاً، من دون المشاركة الأميركية. في كل الأحوال، يشتمل التدخل العسكري في الشرق الأوسط، عدا القرب من بؤرة الصراع العربي- الإسرائيلي، على مخاطر جدية دائماً وعلى تأثيرات قانون النتائج غير المقصودة.
هناك الآن دعم محدود فقط في الولايات المتحدة، وأوروبا، والعالم العربي للتدخل المباشر في سوريا. في كل الأحوال، كان بالإمكان قول الشيء نفسه في الفترة التي سبقت العمليات في ليبيا. هناك أسباب أيضاً لإمكانية تولي الولايات المتحدة القيادة مباشرة ( أو بشكل غير مباشر) في جهود كهذه. لقد ترك انسحاب الجيش الأميركي من العراق تساؤلات عديدة حول الدور المستقبلي للولايات المتحدة ونفوذها، خاصة في سياق التنافس الإستراتيجي مع إيران. إن عدم الاستقرار في سوريا يقدم فرصة لواشنطن لتقويض مكانة إيران الإقليمية، وإضعاف أو تغيير قيادة إحدى أهم حلفائها الإقليميين الأساسيين مع احتمال خفض دور الجمهورية الإسلامية في الصراع العربي – الإسرائيلي من خلال حزب الله.
 سوريا ليست ليبيا. ففي حين أن الأخيرة قد تكون جغرافيا أكبر بكثير، إذ إنها بمعظمها بلد فارغ إلا من عدد ضئيل من السكان ومن قدرة عسكرية محدودة جداً، بالمقابل، عدد سكان سوريا أكبر بثلاث مرات من ليبيا، ولديها كثافة سكانية هي أكثر بـ 30 مرة تقريباً من الأخيرة مع قدرة عسكرية أكبر بكثير بالإجمال. كل هذه العوامل تعقد أية حسابات حول التدخل العسكري في سوريا ـ سواء بما يتعلق بمستوى المعارضة العسكرية المحتملة، أو بما يخص مخاطر سقوط نسبة عالية من الضحايا.
إن  قوى المعارضة في سوريا لا تسيطر على الأرض. ولا تمتلك حالياً الموارد العسكرية في متناول أيديها للقيام بهجمات أكثر من نوع هجمات  "إضرب وأهرب ". ففي الوقت الذي يحتمل أنها منسقة، تبدو معظم هجمات الجيش السوري الحر ذات عمق تكتيكي أو إستراتيجي محدود ولا تزال لا تمثل تحدياً جدياً للوحدات الموالية للنظام. وفي حين أن قوى المعارضة الليبية كانت منقسمة، فإن المعارضة السورية منقسمة أكثر بكثير، وليس لديها وحدة بالموقف أو اتفاق حول استخدام العنف كوسيلة للوصول إلى غاية، مع الخلاف حول الدور المحتمل للتدخل الخارجي. إن الحجم الضخم للقوى الأمنية لا يزال موالياً للنظام، الى حد كبير، حيث تكشف عقود من التجنيد المفرط لأشخاص من مجموعات الأقليات الريفية أنها مثمرة  بما يتعلق بالثقافة العسكرية الشركاتية  ( ذات المصالح الخاصة).
وفي حين تزن الولايات المتحدة وحلفاؤها الخيارات بالنسبة لخطواتهم المقبلة في السياسة تجاه سوريا، فإنهم بحاجة لدرس عدد من العوامل العسكرية والسياسية التي تشكل الفرص لأي شكل من أشكال التدخل المباشر:
ـ  القوات العسكرية السورية ذات حدود نوعية، تحديداً بما يتعلق بالأسلحة الحديثة، والجهوزية الحربية، والخبرة القتالية الحديثة. في كل الأحوال، هي قوات كبيرة جداً، وإن أشهراً من التظاهرات، والهاجس من ضربة إسرائيلية محتملة على إيران، جعلت هذه القوات أكثر تنبهاً وحذراً. ستكون هذه القوات بحاجة للحصول على منظومات أكثر قدرة وحداثة، كصواريخ أرض- جو ( SAMs) الكبيرة، وأجهزة استشعار ( استقبال) وشبكة C41 لإحباط عمليات جوية أميركية كبرى، لكن الأمر  سيستلزم عملية أكثر تقدماً بكثير مما كان عليه الحال في ليبيا. ويمثل حزب الله رافعة سوريا، والصواريخ السورية الطويلة المدى، والمنظومات الدفاعية الجوية والبحرية، ومخزونات الأسلحة الكيميائية والبيولوجية نوعاً آخر من التحدي.
ـ  برغم حالات الهروب والانشقاقات في صفوفه، قد لا يكون أمام وحدات الجيش السوري الموالي للنظام فرصة كبيرة ما عدا الاحتشاد حول النظام. ونظراً لفرصهم المحدودة في سوريا ما بعد الأسد، تدرك وحدات النخبة العلوية بمعظمها مع عدد من السنة الموالين، على الأرجح، أن لا بدائل لديها عدا الدفاع عن النظام في حال حدوث تدخل أوسع.
ـ  إن المعارضين المسلحين للنظام، كالجيش السوري الحر، هم تطور مهم. في كل الأحوال، إن حجمهم، وحدودهم البنيوية، وصفتهم السنية بغالبيتهم والقيادة والسيطرة  والقدرات المحدودة حتى الآن تعني أن ليس لدى الجيش السوري الحر إلا فرص محدودة على المدى القصير لتمثيل ثقل موازن ذي معنى أو بديل عن الجيش السوري. والأمر الأكثر احتمالاً هو أن يتم استخدام تمرد المجموعة كمنصة من قبل نظام الأسد لإضعاف المعارضة السورية المنقسمة أصلاً.
ـ  إن الانقسامات الداخلية السورية ليست جديدة. في كل الأحوال، لقد تمكن نظام الأسد من تصعيد التوتر السني – العلوي إلى نقطة  اتخذ بها هذا التوتر حياة خاصة به وقد يكون من الصعب السيطرة عليه من قبل أي من القوى السياسية للبلاد. هذا الأمر يمثل مخاطر بأن يكون أي تصعيد في عدم الاستقرار السوري مذهبياً على الأرجح، مع وجود فرص حقيقية لتعميق  الانقسامات وتوسيع الفصل الطائفي. فسوريا المقسمة، سيناريو الحالة الأسوأ غير المحتمل بالنسبة للسوريين ذات مرة، تتزايد احتمالاتها كنتيجة أكثر فأكثر.
ـ  نظراً للكثافة السكانية العالية نسبياً لسوريا ودنو المراكز المدنية والعسكرية من بعضها بعضاً الى حد بعيد، فمن غير المرجح أن تنتهي الضربات الجوية في المراكز الحضرية الكبرى أو قربها – حتى مع الاستهداف المتطور ـ بسقوط عدد من الضحايا السوريين أقل من العدد الذي يُعتقد أن نظام الأسد قد قتلهم حتى الآن.
ـ  قد يتفاعل نظام الأسد عن طريق سلوك ومتابعة إستراتيجيات تحمل في طياتها مخاطر وجود عدم إستقرار إقليمي أعمق كوسيلة لردع معارضيه الإقليميين والدوليين. يمكنه أيضاً الشروع بجهود يائسة لضمان مستقبل المجتمع العلوي. أما ردود فعل سوريا المحتملة – التي تتضمن التحول الى بدائل إقليمية وما في حوزتها من صواريخ بالستية قادرة على حمل رؤوس أسلحة بيولوجية وكيميائية – فتتسلسل من حيث المستوى لكنها كلها تحمل في طياتها نتائج كارثية محتملة بالنسبة لسوريا والمنطقة. كما أنها تختلف وتتنوع بشكل لا بأس به بناء على ما يثير التصعيد السوري.
ـ  في حال حدوث تصعيد أكبر في سوريا، ليس هناك من شيء مؤكد أن بالإمكان  احتواء التأثيرات الإقليمية المنتشرة. فلبنان، والأردن، والعراق بلدان عرضة لعدم الاستقرار، كما هو حال إسرائيل وتركيا. إن مستوى الحدة السنية – الشيعية الإقليمية، وعملية السلام العربية- الإسرائيلية المتوقفة، والغموض بشأن مستقبل القوى السياسية المستقبلية كلها أمور تسوغ وجود درجة من الحذر.
ـ  إن فرص التصعيد المباشر في سوريا قد تثير ردات فعل وانتفاضات قوية من قبل إيران وحزب الله، حليفها اللبناني. هذا الأمر يتضمن حرف الانتباه عن سوريا ورفع ثمن التدخل عن طريق تصعيد التوتر مع إسرائيل. فإذا ما حصل التدخل، فليس هناك ما يمنع كثيراً إيران وحلفاءها في لبنان والعراق من الشروع بعمل محتمل مزعزع للاستقرار في سوريا على شاكلة دورة العنف في العراق بداية الغزو الأميركي.
ـ  برزت روسيا كلاعب أساسي في التوازن ضد حصول تدخل أكثر في سوريا. ومن المرجح أن تختار موسكو رفع الرهانات أكثر من خلال الموقف العسكري في البحر المتوسط والمساعدات العسكرية  " المغيرة للعبة " الى سوريا لردع الولايات المتحدة وحلفائها عن تصعيد الوضع في سوريا أكثر ورفع فرص التدخل في الشرق على النموذج الليبي. أما الأعضاء الآخرون  في مجموعة ما يسمى بالـ " BRICS "، وأهمهم الصين، فبالإمكان توقع سيرهم  في ركب روسيا، على مستوى مجلس الأمن الدولي على الأقل.
بالإمكان القول بأنه حتى من دون وجود تصعيد أكبر، فقد كانت سنة من عدم الاستقرار السوري انتكاسة خطيرة ليس فقط لنظام الأسد، وإنما لإيران وحزب الله أيضاً. فمستقبل سوريا سيكون محكوماً، الى حد كبير، بالغموض والضيق المطول. ونظراً لسلسلة المخاطر، ينبغي للولايات المتحدة وحلفائها درس الأثمان المحتملة والنتائج غير المقصودة لتدخل أكبر في سوريا بعناية واهتمام.
كانت سوريا لاعباً أساسياً في التنافس الأميركي – الإيراني في الشرق، وكانت الشريك الإستراتيجي الأهم لإيران على مدى الـ 30 عاماً الماضية. ومنذ الانسحاب العسكري السوري من لبنان عام 2005، أصبحت العلاقة الإقليمية بين سوريا وإيران مائلة، وعلى نحو متزايد، لصالح الأخيرة. في كل الأحوال، تبقى سوريا حساسة وحاسمة بالنسبة لجهود إيران المتعلقة بتشكيل وضع أمني مستحسن في لبنان وعلى طول الجبهة الشمالية لإسرائيل. هذا الأمر يساعد على شرح سبب سعي الولايات المتحدة، على ما قيل، الى إعادة توجيه أو خفض دور سوريا الطويل كبوابة لإيران الى الشرق.
بعد أكثر من ثمانية أشهر على الاضطرابات في العام 2011، أصبح الاستقرار الداخلي لسوريا ودورها في الحياة السياسية الأمنية الإقليمية أكثر غموضا ًوالتباساً بكثير. وفي الوقت الذي يستمر النظام بإجراءاته ضد المنشقين، تزايد أيضاً، وباطراد، الضغط الدول على النظام. وعززت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوباتهما الأحادية ضد النظام، وتحولا الى الأمم المتحدة لتعميق الضغط الدولي كما دعوَا، بصراحة، الى تنحي الرئيس بشار الأسد. أما تركيا، التي كانت حتى وقت قريب إحدى أقرب الحلفاء للنظام، فقد كانت من أشد المنتقدين له. أخيراً، ومع ذلك، لقد دفعت الحكومات الملكية الخليجية المحافظة، المستمرة بتحفظاتها حول الاضطرابات الشعبية الإقليمية، بجهود الجامعة العربية قدماً لعزل سوريا أكثر.
من جهة، إن القوى السورية المحلية والاغترابية المعارضة للنظام مدعومة من قبل الغرب، ومن الدول العربية والسنية الأساسية كالسعودية وتركيا. ومن جهة أخرى، يتمتع نظام الأسد بدعم إيران، حليفته الإقليمية الأساسية، ودعم حزب الله من لبنان، والدعم الدولي القوي من روسا والصين – بلدان قد يلعبان دور الثورة المضادة خلال ما بدأ يبدو، وعلى نحو متزايد، بأنه  " شتاء النقمة العربية الطويل ".
هناك عدد من البلدان – بما فيها حلفاء أميركا والناتو كفرنسا وتركيا – تتسلى، على نحو متزايد،  بفرض إنشاء  " ممر إنساني  " في سوريا، ربما على طول الحدود مع تركيا، لتوفير الإغاثة لكل من السكان  السوريين والجماعات المنشقة المعارضة لنظام الأسد. هذه الدعوات تجد صداها لدى قوى المعارضة السورية داخل وخارج سوريا، بما فيه ما يسمى بالجيش السوري الحر والمجلس الوطني السوري ومركزه إسطنبول.
هذه الدعوات بـ  "خلق ممر إنساني " كهذا لا تعالج تحديات عالم الواقع: عمليات عسكرية مشتركة وموحدة  لسحق شبكة الدفاع الجوي السورية، الحاجة الى تحييد سلاح الجو للبلد، والتخلص من قدرة الردع اللا متماثلة لسوريا عن طريق إحتواء التهديدات الغير تقليدية من الصواريخ الطويلة المدى ( المحتمل أنها مزودة بأسلحة بيولوجية وكيميائية) وعدم الإستقرار في مرتفعات الجولان. كما أنها لم تعالج مخاطر إنخراط القوات البرية السورية الموالية للنظام ( بما فيها المراكز السكانية العلوية الكبيرة) التي تعتبر بأن لا فرص كبيرة لديها في سوريا ما بعد الأسد.
هذا التقرير يستكشف خيارات سوريا وردات الفعل المحتملة إزاء تدخل عسكري خارجي. وهو يدرس منظومات الدفاع الجوي السورية، وسلاحها الجوي، وقدرتها على إدارة حرب إلكترونية وقدرة الصواريخ البالستية لديها – كلها أمور حاسمة وخطيرة بما أن الفاعلين الإقليميين والدوليين يدرسون شكلاً ما من أشكال التدخل العسكري في سوريا. كما تناقش بعض التحديات العسكرية واللا عسكرية العالمية الحقيقية والنتائج اللا مقصودة التي قد يحتمها التدخل الغربي، التركي، أو العربي، في سوريا، والمنطقة، والسياسة الأميركية تجاه الشرق.
تقييم الدفاعات السورية
ينبغي لأي تدخل عسكري غربي في سوريا أن يتعامل مع الدفاعات الجوية السورية، ومعالجة سلاح الجو للبلد واحتواء المخاطر الناتجة عن تهديدات غير تقليدية ولا متماثلة. كانت الولايات المتحدة أمراً لا غنى عنه لأي مجهود عسكري بقيادة الناتو أو الأمم المتحدة في ليبيا والشيء نفسه ينطبق على سوريا. فالولايات المتحدة هي وحدها التي تمتلك خليطاً من القدرات لدعم مجهود عسكري من هذا النوع واستمراره إذا ما كان هكذا مجهود سوف يمر.
وكما سيظهر القسم التالي، لدى سلاح الجو السوري والدفاعات السورية عيوب وأوجه قصور خطيرة. هذه الحدود والقيود تمثل فرصاً عديدة. في كل الأحوال، هي لا تلغي حقيقة امتلاك سوريا لقوات فاعلة وكبيرة جداً، أو أنها تعني أن أي تدخل لن يواجه مخاطر أو التباسات هامة أو أنه يعمق ربما الانقسامات الداخلية في سوريا وأن لديه تأثيراً على الصراع العربي- الإسرائيلي.
الدفاعات الجوية السورية
عندما تخلت سوريا عن جهودها الرامية الى تحقيق  " تكافؤ إستراتيجي " مع إسرائيل في الثمانينات، تحولت نحو  "الردع الإستراتيجي " من خلال الاستثمار المتزايد في منظومات الدفاع الجوي. أصبح هذا المجهود أمراً لا يمكن تحمله ما إن تفكك الإتحاد السوفياتي وتوقفت روسيا عن تقديم المساعدات والقروض الكبرى لمبيعات الأسلحة. فقد أثبتت حتى الخطوة المخفضة من التحديث العسكري أنها تشكل عبئاً اقتصادياً على سوريا لا يمكنها تحمله، وكان على دمشق أن تخفض بشكل حاد نسبة التحديث العسكري عبر قواتها المسلحة. بعد حوالي ثلاثة عقود، أصبحت معظم دفاعاتها الجوية، وتجهيزات سلاحها الجوي وجيشها قديمة أو عفا عليها الزمن في حالات عديدة.
(الرسم 1) يظهر الطول المتوقع لدفاعات  برية ـ جوية سورية في العام 2010. لدى منظومة سوريا العديد من الأسلحة وأجهزة الاستشعار الآيلة الى القدم أو التي عفا عليها الزمن والعرضة للاستهداف الإلكتروني الأميركي والغربي، والهجمات الجوية والصاروخية الدقيقة، والتدابير المضادة الإلكترونية. لدى المنظومة نظام قيادة وتحكم ضعيف، إضافة الى مشاكل جدية في التدريب والجهوزية.
إن فعالية عدد من منظومات صواريخ أرض- جو السورية الموجودة على القائمة في الرسم 1 غامضة على نحو متزايد. فالتطور والتقدم في القدرة الاستهدافية الجوية والقدرات الحربية الدقيقة جو- أرض الطويلة المدى – المقترنة مع التقدم الثابت في قدرات الضرب الطويل المدى للصواريخ – قللت من فعالية عدد من منظومات الدفاع الجوي السورية القصيرة المدى. بعضها لا فعالية له أو أنه محدود الفعالية ضد المروحيات المحلقة على علو منخفض إلا إذا لم يتمكن الطيارون من تجنب التحليق فوق الدفاعات. ويفتقر عدد منها الى نطاق وسهولة المناورة والقدرة على الفتك عند مهاجمة المقاتلين الذين بإمكانهم استخدام صواريخ جو- أرض طويلة المدى.
(الرسم 2)  يظهر نظام المعركة (الأوامر الحربية) لمنظومات صواريخ SAM السورية المتوسطة الى الطويلة المدى في العام 2010. ليس هناك من منشآت سورية كبرى لصواريخ SAM طويلة المدى مهمتها حماية الخاصرة الشمالية لسوريا على طول الحدود مع تركيا – الأمر عادي نظراً الى تركيز سوريا التقليدي على إسرائيل وبسبب العلاقات الدافئة مع أنقرة، حتى وقت قريب. وفي حين أن بإمكان بعض منظومات صواريخ SAM الكبيرة منع حصول استهداف لشمال غرب البلاد، باستثناء الصعوبة في إعادة نشر وحدات ثابتة أساساً، فإن المنطقة الشمالية الشرقية لسوريا تفتقر الى أية تغطية رئيسة لصواريخ SAM الكبيرة.
برغم نطاق وتركيز الدفاعات الجوية السورية في مواقع إستراتيجية وحولها وبرغم التقارير عن أسلحة SA-2 الحديثة، تعتبر صواريخ أرض- جو الأطول مدى السورية ، بالإضافة الى منظومات أجهزة الاستشعار وإدارة المعركة / C41 قديمة جداً الآن بحيث أن بإمكان التدابير المضادة الإلكترونية الأميركية المتطورة وتدابير أخرى، بما فيها الصواريخ المضادة للإشعاعات، تجريدها من الكثير من فعاليتها. وإذا ما إستخدمت القوات السورية راداراتها بشكل متكرر فبالإمكان تحديد موقعها، وتمييزها، والتشويش عليها أو تدميرها. أما إذا ما قاموا باستخدام مفاجئ لرادارتهم، أو أبعدوا هذه الرادارات أكثر الى الخلف، فستكون أوقات ردات الفعل أبطأ والقدرة على الفتك أدنى. وهناك ضعف جوهري في منظومات SA-2، و2 و 3 السورية، وهو أنها ثابتة ومن الصعب إعادة نشرها بسهولة.
وفي حين أن المخاطر التي تعرضها الطائرات المجهزة بمنظومات الحرب الإلكترونية الحديثة ( EW) ومظومات التشويش قد تكون متدنية نسبياً في سياق عمليات العبور السريع، فإن هناك مخاطر حقيقية بالنسبة للطائرات المستهدِفة للدفاعات الجوية السورية والأهداف البرية والجوية، كجزء من التلكؤ بعمليات الاستحواذ على الهدف.
برغم التحديثات و " الترميمات " المختلفة بمرور الوقت، تفتقر سوريا الى خليط من منظومات الاستشعار وإدارة المعركة المدمجة لربط دفاعات الأرض ـ جو الموجودة لديها مع بعضها بعضاً. وفي حين أن هذا الأمر صحيح بالنسبة لإسرائيل أيضاً، فإن هذا يتم تعويضه جزئياً بقدرة هامة على أداء هكذا عمليات. ورغم أن المنظومة السورية عرضة للاستهداف على نحو متزايد، فإنه لا يزال لديها بعض القدرة وقد طورت سوريا منظومتها الدفاعية الجوية القصيرة المدى. في كل الأحوال، إن قدرة الرادارات ومواقع القيادة السورية المحصنة والمنتشرة على النجاة أمر محل تساؤل بشكل متزايد.
(الرسم 3) يظهر ترتيب وتنظيم بطاريات SA-2 السورية ونطاق إطلاقها. ورغم أن لديها حدوداً جدية وبأنها مصممة، الى حد كبير، للتعامل مع تهديدات مناورات الثمانينات البطيئة الحركة الطويلة المدى، فإن بطاريات SA-5 / S-200 هي أحدث مكتسبات سوريا من الصواريخ الطويلة المدى. فقد كانت سوريا أول بلد خارج الإتحاد السوفياتي يحصل على المنظومة في العام 1983.  إن كل منظومة من منظومات SA-5، المنشورة في حمص وجنوب مطار الدمير، مجهزة بمنظومة قيادة وتحكم تامة للإنذار المبكر، مع منظومة ثالثة في جبل ألماني. وتتضمن الرادارات الداعمة تيليسكوبات الأعالي، وتعيين موقع هدف متحرك حتى يمكن تحديد مساره ( جو ـ أرض)، والتقصي والتوجيه.
إن منظومة SA-5 هي أكثر من نظام ارتفاعات عالٍ طويل المدى بقليل، فهو قادر على ضرب واستهداف أهداف في نطاق 250 كلم. نتيجة لذلك، هذه المنظومة مدمجة مع خليط من منظومات SA-6,7,8 و 9 من صواريخ SAM والقوات البرية مع مدافع مضادة للطائرات لحماية الأهداف من الاختراق على علو منخفض وتلك ذات الإجراءات المضادة الإلكترونية الفعالة. وهي مرتبطة بمنظومات C2 من الحقبة السوفياتية التي كانت مدمجة في المنظومة السورية الحالية.
هذا الضعف في منظومات الدفاع الجوي السوري أدى، بحسب ما قيل، إلى محاولة اكتساب منظومات صواريخ  SAMحديثة متوسطة وطويلة المدى. وقد سعت سوريا طويلاً للحصول على صواريخ أرض – جو من نوع S-300 و S-400 ذات التصميم السوفياتي – والتي تمتلك عدداً من ميزات صواريخ باتريوت الأميركية الصنع. وفي الآونة الأخيرة، ذُكر أن سوريا بدأت في العام 2009 بتسلم منظومة دفاع جوي مدفعي من نوع 96K6 Pantsir-SI الروسية ذاتية الدفع أرض- جو قصيرة المدى. يأتي هذا بعد حوالي 4 سنوات من توقيع طلب للحصول على 36 منظومة من هذا النوع. ومن غير الواضح ما إذا كانت هذه الأسلحة عملانية، هذا عدا إدماجها في مقتنيات الدفاع الجوي الآيل الى القدم أكثر فأكثر.

الرسم 2: نظام المعركة المتوسط والطويل المدى السوري في 2010

موقع الخدمات البحثية