في السابع والعشرين من شهر شباط المنصرم صدر بيان تحت عنوان "أنقذوا فسطاط المسلمين" يدعو الفصائل المسلحة الى نصرة الغوطة الشرقية في سوريا ونبذ الخلافات لا سيما بين "هيئة تحرير الشام" و"جبهة تحرير سوريا" دون أن يسميهما، وقد ذُيل البيان باسم: "تنظيم حراس الدين". وهو اشعار بأن الساحة السورية قد شهدت ولادة تنظيم جديد. وقد ظهر أن هذا التنظيم يتألف من: "سرايا الساحل"، و"سرية كابل"، و"جند الشريعة".
ولم يكد يمضي أسبوع على هذا البيان حتى صدرت في يوم واحد (4-3-2018) ثلاثة بيانات من ثلاث فصائل أعلنت انضمامها الى "تنظيم حراس الدين" وهي: "جيش الملاحم"، و"جيش البداية"، و"جيش الساحل".
وتبين أن هذا التنظيم يقوده القاعدي أبو همام الشامي.
القاعدة كانت موجودة في سوريا عبر التنظيمات التي انشقت عنها
في الخلفيات
قبل اصدار البيان رقم واحد الذي أُعلن فيه عن انشاء "تنظيم حراس الدين"، كان تنظيم "القاعدة"، قد أعلن في بيان صادر عن "مؤسسة السحاب الإعلامية" بتاريخ 9 كانون الثاني2017، عن قرب ظهور كيان جديد للقاعدة في سوريا، وجاء ذلك بعد أكثر من شهر ونصف على بروز ملف مناصري القاعدة بشكل علني من المنشقين عن "هيئة تحرير الشام" في الشمال السوري، على خلفية اعتقال استباقي قامت به الهيئة لعدد من الشرعيين التابعين للتشكيل الجديد قبل الإعلان عنه. منهم "أبو جليبيب الأردني" و"سامي العريدي" ما أخّر إعلان فرع القاعدة، وكادت هذه الاعتقالات أن تنهي التنظيم قبل ولادته لولا تدخل الظواهري ومناصرته للمعتقلين والتهديد بإصدار بيان علني يناصرهم ويحرض على الهيئة، إضافة الى سلسلة الردود التي تلت الاعتقالات وتطالب بالإفراج عنهم.
خضعت الهيئة لهذه الضغوطات وقامت بتاريخ 11 كانون الأول 2017 بالإفراج عن "سامي العريدي" بعد أن كانت قد أفرجت عن "أبو جليبيب الأردني" في الثالث من كانون الأول.
وكان قد تم تشكيل لجنة مصالحة بين "هيئة تحرير الشام" وبعض كوار "تنظيم القاعدة" في الشمال السوري، حضره الجولاني عن الهيئة و"أبو همام الشامي" عن "القاعدة" وكان من جملة ما تم الاتفاق عليه إخبار الجولاني بنية تشكيل تنظيم جديد مع إقرار "أبو همام" بأن سلاح الهيئة الذي يقع تحت يدها هو ملك لها وإقرار أيضا بعدم فتح التنظيم الجديد لأية مضافات، فيما تقوم الهيئة بتأمين لهم أماكن لهم بموجب الاتفاق.
كما تضمن الاتفاق ألا يعمل التنظيم على إضعاف الهيئة ولا منافستها.
لكن ما كان لافتا في الاتفاق هو إصرار "هيئة تحرير الشام" على أن يلتزم التنظيم الجديد بوقف محاولات الوصول للجنوب السوري ووقف أي نشاط هناك، فيما يبدو أنه التزام من الجولاني تجاه اسرائيل وامريكا.
تعود بداية الخلافات بين "الجولاني" وتنظيم "القاعدة" الى الثامن والعشرين من شهر تموز من عام 2016، عندما أعلن الجولاني باسم "جبهة النصرة" فك ارتباطه بتنظيم القاعدة وتغيير اسمها لـ"جبهة فتح الشام".
ورغم عدم ظهور تأثيرات كبيرة على الجبهة بسبب هذا الانفكاك، الا أنه من الواضح ان سبب ذلك يعود لعدم رغبة الظواهري بتعميق الخلاف واظهاره للعلن، قبل ان يعود للحديث عنه لاحقا ووصفه بانه نكث للبيعة تم من دون استشارة قيادة القاعدة فضلا عن موافقتها عليه.
الا أن إخفاء الامتعاض من هذا الانفكاك لم يطل طويلا فسرعان ما ظهرت مشكلة ما سمي "الأجانب في جبهة فتح الشام" والذين يرتبطون بالجبهة أساسا من حيث انتماء الجبهة للقاعدة. ومن هنا بدأت عمليات انشقاق في صفوف هؤلاء الأجانب لا سيما الأردنيين منهم.
لقد جاء اعتقال "العريدي" و"أبي جليبيب الاردني الطوباسي" (هما أمير جماعة "أنصار الفرقان" المرتبطة بالقاعدة ونائبه وكلاهما يحمل الجنسية الاردنية) ليفتح الباب مجدداً على سلوك "هيئة تحرير الشام" ضد الفصائل الأخرى، ويعيد الى الاذهان السلسلة الطويلة من الاستهدافات التي مارستها الهيئة أو اتهمت بها.
جبهة النصرة كانت تعتبر الممثل الاساسي للقاعدة في سوريا
فقد سبق للهيئة أن اعتقلت كلا من "أبو سليمان السوري" و"أبو هاجر السوري" (كلاهما قائد عسكري في "أنصار الفرقان")، والاول كان يقيم في الأردن، ومحسوب على التيار الجهادي الأردني الذي يتصدر قيادة "أنصار الفرقان"، وكان قائداً عسكرياً في "جبهة النصرة"، ".
وكانت "هيئة تحرير الشام" قد شنت حملة اعتقالات في شهر تشرين الثاني 2017، طالت أيضاً قيادات من الصف الثاني، وهم في الغالب أردنيو الجنسية أيضاً، ممن كانوا ضمن صفوف "جبهة النصرة" في قطاعات البادية في ريفي حلب وادلب. ومن بينهم "أبو الليث" و"أبو زكريا" و"أبو مسلم". كما اعتُقل عدد كبير من عناصر الحماية، والمرافقة للشخصيات البارزة التي تم اعتقالها، وهناك جزء كبير منهم من الجنسية السورية.
وفي هذا السياق ، ألمح أحد الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي المدعو "مزمجر الشام" إلى تورط الجولاني في اغتيال طيران التحالف لرموز ما يعرف بـ"جماعة خراسان"، الذين قدموا من أفغانستان، والتحقوا بجبهة النصرة، قائلا إن وجودهم كان يشكل خطرا عليه؛ نظرا لضحالة تجربته الجهادية مقارنة بهم، وعلى رأسهم السعودي "عبد المحسن الشارخ" والكويتي "محسن الفضلي"، إضافة إلى تلميحه الى تورط الجولاني في اغتيال المصريين "أبو الخير"، و"أبو الفرج"، كونهما الشاهدين على وعود الجولاني بإعادة بيعته للظواهري في حال قرر الأخير ذلك.
كما ألمح "مزمجر الشام" إلى تورط الجولاني بإفشاء معلومات (اسم) القيادي في القاعدة "أبو خالد السوري" (من كوادر القاعدة انتدبه الظواهري بعد مرور أشهر على الأزمة السورية وكان مقربا من "أحرار الشام")، ما أدى إلى اغتياله من قبل تنظيم داعش.
لكن حملات الاعتقال التي نفذها الجولاني بحق رموز القاعدة في سوريا أدت إلى نتائج عكسية على غير ما يشتهي الجولاني، فقد أدت إلى موجة سخط عارمة في صفوف "هيئة تحرير الشام"، والى المزيد من الانشقاقات على مستوى القادة والتشكيلات داخلها، ولا سيما الأجانب منهم.
وعلى أي حال، فإن الهيكل القيادي للتنظيم الجديد (حراس الدين) والذي لم يتبلور الى العلن بعد، يتألف من:
1- أبو همام الشامي. أميراً للتنظيم
2- أبو جليبيب الاردني (اسمه أياد الطوباسي/ اردني- فلسطيني). القائد العسكري
3- سامي العريدي (أردني). عضو شورى
4- أبو خديجة الاردني. عضو شورى
5- أبو القسام الاردني (اسمه خالد العاروري وهو رفيق الطوباسي). عضو شورى
6- ابو عبد الرحمن المكي. عضو شورى
7- عبد الكريم المصري. عضو شورى
ومن المتوقع أن يكون قد انضم الى "تنظيم حراس الدين" كل من: "أبو المقداد الأردني، حسين الكردي، عبد الرحمن الشيشاني، أبو بصير البريطاني، وأبو مالك التركماني، اضافة الى أبو أنس السعودي، وأبو مختار التركي"، وهؤلاء جميعاً كانوا قد أنشقوا عن "هيئة تحرير الشام" من قطاع البادية.
وهذه الانشقاقات هي التي دفعت بالجولاني لإطلاق سراح "العريدي" و"الطوباسي" وعدد آخر من القيادات.
وبحسب المغرد "مزمجر الشام" فإن تنظيم القاعدة في سوريا يضم في صفوفه 1700 عنصر، إلا أنهم لا يملكون أسلحة ثقيلة، وذلك بعد أن صادرتها "هيئة تحرير الشام" بقرار من "أبو محمد الجولاني".
وبالمحصلة فإنه يمكن القول إن تكوين "تنظيم حراس الدين" هو تنظيم يتبع للقاعدة ويتألف من قيادات قاعدية تعمل في سوريا وكان معظمها من قيادات "جبهة النصرة" انشقت عنها بعد انفكاك الجبهة عن القاعدة.
فما الذي تريده القاعدة في سوريا؟ وما هي العوائق التي ستعترض طريقها؟ هذا ما سنجيب عنه في الجزء الثاني.