قراءات سياسية » «بيان القاهرة».. يدٌ مصرية وعينٌ إماراتية في ليبيا

«أوافق على أي ضربة عسكرية مصرية لتأمين حدودها حتى لو داخل ليبيا»، بذلك صرّح اللواء خليفة حفتر – الذي ترقى ليحصل على رتبة مشير فيما بعد- في حواره مع صحيفة المصري اليوم في مايو (أيار) 2014، مؤكدًا موافقته على الطريقة التي تختارها مصر لتحقيق أمن حدودها، أيًا كانت هذه الطريقة، ولو بضربة عسكرية داخل الأراضي الليبية.

ويعتبر الوضع في ليبيا من أكثر الأوضاع تعقيدًا في الوطن العربي منذ 2011. ورغم أن المساحات الشاسعة المكونة لليبيا جعلت حدودها تطل على ست دول، بخلاف ساحلها مع البحر المتوسط، إلا أنّ مصر والجزائر تمثلان الدولتين الأهم من دول الجوار بالنسبة للوضع الليبي، ويعود ذلك إلى تركز الفصائل في الداخل الليبي في منطقتي الشرق والغرب والمقاربتين للحدود الليبية مع كلٍّ من مصر والجزائر، فضلًا عن التقارب بين مصر والفصيل الليبي الشرقي المتمثل في مجلس النواب الليبي وقوات حفتر، بالإضافة إلى التقارب بين الجزائر والفصيل الليبي الغربي والمتمثل في عدد من الميليشيات المسلحة الإسلامية المعروفة باسم فجر ليبيا.

وللجزائر ومصر إلى جانب الإمارات العربية المتحدة، يد طُولى في الأزمة الليبية، فمن جانب تستخدم مصر والإمارات الطرق المادية والعسكرية والدعم الموجه لقوات حفتر سواء بالأموال أو الأسلحة، ومن آخر محاولات الجزائر لحل الأزمة عن طريق الحوار والتفاوض مع الإسلاميين الليبيين.

وفي مسعى ومحاولة مصرية أخيرة لحل الأزمة الليبية، صدر بيان القاهرة، فهل يمثل حقًا حلًا للأزمة؟ وما مصلحة كلٍ من مصر والإمارات والجزائر من الوضع في ليبيا؟

بيان القاهرة

في 13 و14 من فبراير (شباط) الجاري، استقبلت اللجنة الوطنية المصرية المعنية بالشأن الليبي، ممثلين عن الأطياف الليبية، كان في استقبالهم رئيس أركان القوات المسلحة المصرية محمود حجازي الذي هو أيضًا اللجنة الوطنية المصرية المعنية بليبيا.

حضر من ليبيا كل من خليفة حفتر، وعقيلة صالح رئيس مجلس النواب، وفايز السراج رئيس المجلس الرئاسي الليبي، فضلًا عن أعضاء من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، وممثلين لأعيان وقبائل ليبيا، في سياق ما سُمّي إعلاميًا بـ«لقاءات القاهرة»، الهادفة إلى تسوية الأزمة الليبية بعد عدم تنفيذ بنود اتفاق الصخيرات.

وأكد بيان اللجنة الوطنية المصرية المعنية بليبيا الذي نشره المتحدث العسكري باسم القوات المسلحة المصرية على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وبثته وزارة الدفاع المصرية على موقع يوتيوب؛ على توافقَ الحاضرين حول عدد من الثوابت الوطنية غير القابلة للتبديل أو التصرف، وعلى رأسها «الحفاظ على وحدة الدولة الليبية وسلامتها الإقليمية، وما يقتضيه ذلك من تأسيس هيكل مستقر للدولة ودعم مؤسساتها ولحماية شعبها، والحفاظ على الجيش الليبي وممارسته لدوره، ورفض وإدانة كل أشكال التدخل الأجنبي في الشأن الليبي، والتأكيد على حرمة الدم الليبي، والالتزام بإقامة دولة مدنية ديمقراطية حديثة مبنية على مبادئ التداول السلمي للسلطة والتوافق وقبول الآخر، ورفض كافة أشكال التهميش والإقصاء لأي طرف من الأطراف الليبية، وتعزيز المصالحة الوطنية، ومكافحة كل أشكال التطرف والإرهاب». كما استطاعت اللجنة الوصول إلى ما يسمى «بيان القاهرة».

وينص البيان على خطواتٍ أربعة لحل الأزمة، وتمثل خريطة زمنية، وهي:

تشكيل لجنة مشتركة مختارة من أعضاء مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة وبحد أقصى 15 عضوًا عن كل مجلس، للنظر في القضايا التي سبق التوافق على تعديلها في الاتفاق السياسي، والتوصل لصيغ توافقية لمعالجتها، ثم رفعها لمجلس النواب الليبي لاعتمادها وفقًا لما هو منصوص عليه في الاتفاق السياسي الليبي.
قيام مجلس النواب بإجراء التعديلات الدستورية اللازمة لتضمين الاتفاق السياسي في الإعلان الدستوري، وذلك في إطار معالجة كافة القضايا العالقة في إطار صيغة توافقية شاملة تصدر عن مجلس النواب بعد الاتفاق عليها في إطار اللجنة المشكَّلة من المجلسين.
العمل على إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في موعد أقصاه فبراير (شباط) 2018، اتساقًا مع ما نص عليه الاتفاق السياسي الليبي.
استمرار جميع شاغلي المناصب الرئيسية في ليبيا، التي سيتم الاتفاق عليها وفقًا للإجراءات المشار إليها أعلاه، ولحين انتهاء الفترة الانتقالية وتولي الرئيس والبرلمان الجديدين مهام عملهما في 2018.

«حربٌ بالوكالة»

يمثل بيان القاهرة شكل التدخل المدني لمصر في ليبيا، ولكن ماذا عن التدخل العسكري؟ بدأ الحديث غير الرسمي عن التدخل العسكري المصري في ليبيا منذ أوائل شهر أغسطس (آب) 2014 على لسان خبراء استراتيجيين وعسكريين وضعوا أمام النظام المصري خيارين فيما يخص الأزمة الليبية: إما  دعم اللواء خليفة حفتر ضد «التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة»، أو التدخل العسكري المباشر في ليبيا، وذلك من أجل «حماية الأمن القومي المصري والحدود المصرية».

وفي شهر أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2014، نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية تقريرها بعنوان «هل ليبيا حربٌ بالوكالة؟»، تطرقت فيه لتشكيل التحالف الإقليمي الذي يحاول فرض السيطرة على المشهد الليبي المعقد والمتداخل بشدة، هذا التحالف يشكله ثلاثة لاعبين رئيسيين هم «مصر والإمارات والجزائر».

وربما تتلخص أسباب تدخل الدول الثلاث في ليبيا في الخوف من صعود الجماعات الإسلامية المتشددة والميليشيات المسلحة إلى الحكم، أو سيطرتها على عدد من المفاصل والمؤسسات الهامة في الدولة، وخاصةً على أماكن النفط الليبي. وفي الوقت الذي لا تستطيع فيه الإمارات العربية المتحدة التدخل علنًا فإنها تتدخل سرًا، وتعطي لمصر الوكالة بالتدخل العلني.

مصر

بالنسبة إلى مصر وإلى جانب الخوف من سيطرة الجماعات المسلحة، فإنها تسعى لتأمين حدودها، بخاصةً في ظل ضعف حدودها الغربية. وعانت مصر من عدد من الحوادث التي استهدفت مصريين على الحدود المصرية الليبية، كانت آخرها مقتل ستة جنود مصريين على يد مُهربين في أواخر شهر يونيو (حزيران) 2016.

الحادث الثاني الأهم هو مقتل 21 مصريًا قبطيًا ذبحًا أمام الكاميرات، في عملية تبناها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، في فبراير (شباط) 2015، مما أدى إلى قصف سلاح الجو المصري مواقع تابعة للتنظيم في ليبيا، كما دعت القاهرة إلى تدخل عسكري دولي.

أمَّا الحادثة الثالثة الأهم هي حادثة مقتل 22 جنديًا مصريًا في هجوم شنه مسلحون مجهولون على نقطة تفتيش للجيش في منطقة الفرافرة بصحراء مصر الغربية، وذلك في شهر يوليو (تموز) عام 2014.

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد ألمح في مؤتمر صحافي مع الرئيس الفرنسي فرانسو أولاند إلى إمكانية التدخل العسكري في ليبيا حال عدم دعم الجيش الليبي وعدم رفع الحظر الأممي عن تسليحه، مشددًا على أهمية دعم الجيش الليبي، لمواجهة التنظيمات الإرهابية، وموضحًا أنه في حال عدم تقديم الدعم فهناك إمكانية لتدخل عسكري في البلاد.

وبالإضافة إلى هذا وذاك، فيبدو أنّ للتدخل المصري في ليبيا أسباب اُخرى، من بينها ربما الدعم المصري المقدم لحفتر والتقارب بينه وبين الرئيس المصري ذي الخلفية العسكرية، بالإضافة إلى  علاقاتهما القوية بالإمارات، فضلًا عن حربهما ضد الإسلاميين المدنيين والجماعات الإسلامية المسلحة.

الإمارات

وتشارك الإمارات العربية المتحدة كلًا من مصر وليبيا الدعم المادي والمعنوي، بالإضافة إلى مشاركتهما في الرغبة على القضاء على الجماعات المسلحة، ومنع وصول أي منها للحكم أو للسيطرة على أي نظام عربي خوفًا على حكمها.

الدور الإماراتي في ليبيا ودعمه لقوات المشير خليفة حفتر لم يكن معلنًا لفترت طويلة؛ ففي نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، كشفت رسائل بريد إلكتروني إماراتية مسربة قيام الإمارات العربية المتحدة بمد حلفائها – المتمثلين في قوات حفتر – بالأسلحة في النزاع القائم في ليبيا، بالإضافة إلى قيامها في الوقت نفسه بعرض وظيفة ذات راتب مرتفع جدًّا على المبعوث الأول للأمم المتحدة إلى ليبيا؛ الإسباني بيرناردينو ليون، وقتما كان مكلفًا بحل الأزمة هناك.

وأكد في الرسالة البريدية، التي كانت بينه وبين الخارجية الإماراتية أنه: «لا أعمل على خطة سياسية من شأنها أن تشمل الجميع وتعامل كل الأطراف بشكل متساوٍ. وأعمل وفق خطة استراتيجية لنزع الشرعية تماما عن المؤتمر الوطني العام»، وذلك في إشارة إلى دعمه لقوات حفتر.

وقالت مصادر ليبية لصحيفة اليوم السابع المصرية، الخميس الماضي، إن عارف النايض، سفير ليبيا السابق في دولة الإمارات العربية المتحدة، مرشح لتولي رئاسة حكومة الوفاق الوطني الليبية، وذلك بدعوة من المستشار عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، والمبعوث الأممي الحالي مارتن كوبلر. ويبدو أن هذه الخطوة تمثل مكافأة للسفير السابق، الذي يبدو أنه كان الرسول وحلقة الوصل بين الطرف الليبي والإماراتي.

ودعم النظامان المصري والإماراتي حفتر لإخضاع المناطق النفطية تحت سيطرته، وربما للحصول على حصة من هذا النفط، وهو ما أشارت إليه «بي بي سي»، وكذا الكاتب البريطاني ديفيد هيرست في مقال له على موقع ميدل إيست آي.

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، أعلن القبض على جاسوس إماراتي في العاصمة الليبية طرابلس، بتهمة التجسس لصالح الإمارات، ويُدعى يوسف صقر أحمد مبارك ولايتي، ويشتهر باسم يوسف مبارك، ويعمل رجل أمن في الإدارة العامة للتحريات والمباحث العامة بدولة الإمارات ويحمل رتبة رقيب.

تبرأت الحكومة الإماراتية منه إذ قالت شرطة دبي أن لا علاقة لها بالإماراتي الذي أعلنت السلطات الليبية توقيفه بشبهة القيام بأعمال تجسس، مشيرةً إلى أنه فصل من صفوفها قبل خمسة أعوام لأسباب أخلاقية، دون أي توضيحاتٍ أخرى. وبعد تخليهم عنه، كشف الجاسوس المتهم عن تلقيه الأوامر بتصوير موقع السفارة التركية وقنصليتها بمدينة مصراتة الليبية، وذلك تمهيدًا لاستهدافها بعمل إرهابي. وبالفعل وُجد على هاتفه المحمول مقطع فيديو للسفارة التركية مدته حوالي 30 دقيقة كاملة.

الحادثة لم تنته هنا، حيث أعلن النائب العام الليبي في 27 يناير (كانون الثاني) 2017 الماضي مقتل المتهم بالجاسوسية (يوسف مبارك) داخل السجن على يد أحد عناصر الاستخبارات الإماراتية، والذي قتل هو الآخر على يد قوات الأمن الليبية، دون ذكر أي تفاصيل أخرى، ودون تحديد تاريخ الواقعة تحديدًا. وتشير أصابع الاتهام إلى الدولة الإماراتية، رغبةً منها في الانتقام من هذا الشخص الذي اعترف بإرسالها له إلى ليبيا.

الجزائر

لم تكن الجزائر متورطة عسكريًا مثلما هو الوضع مع مصر والإمارات العربية المتحدة، ولكن تعتبر الجزائر طرفًا مؤثرًا في الخريطة الليبية، وذلك نظرًا لمشاركتها الحدود مع ليبيا، بالإضافة إلى وجودها في المناطق الأقرب لسيطرة الإسلاميين الليبيين، وأيضًا هي المناطق الأقرب لتجمعات ما يعرف باسم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في غربي ليبيا.

الجدير بالذكر أن عناصر «تنظيم الدولة» المتواجدة غربي ليبيا ارتكبت عددًا من الحوادث في تونس على المناطق الحدودية مع ليبيا، ولكنها لم تقترب من الجزائر. ويُرجَّح أن يكون ذلك لوجود خبرة جزائرية في التعامل مع الإسلاميين، كما أنهم يُقدِّرون دور الإسلاميين في الدولة، فقد فشل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال زيارته إلى الجزائر في شهر يونيو (حزيران) 2014، في إقناع الرئيس بوتفليقة بتصنيف الإخوان المسلمين منظمةً إرهابية.

ونقلت وسائل الإعلام المحلية رد بوتفليقة على طلب السيسي بقوله: «الإخوان خدموا معنا في الدولة، وتصدوا معنا للإرهاب، ولديهم ضحايا أكثر من 500 من القيادات الإسلامية، فكيف ندرجهم في قائمة الإرهاب؟»، وهو ما أكده راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة في تونس في تقارير إعلامية.

ويعوَّل على الجزائر قدرتها في التعامل مع الإسلاميين بالتعامل مع أولئك الذين يسيطرون على الجانب الغربي في ليبيا، والذين بدورهم يدعمون حكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السرَّاج ضد قوات المشير خليفة حفتر، فهي تملك علاقات طيبة مع مصر ونظامها القمعي المتمثل في الرئيس عبدالفتاح السيسي، وأيضًا علاقات طيبة مع الإسلاميين في تونس وفي ليبيا، وبالتالي فهي أحد العناصر الهامة على الساحة السياسية الليبية.

وكانت حركة مجتمع السلم «حمس» المحسوبة على جماعة الإخوان، قد أعلنت في وقتٍ لاحق أواخر شهر يناير (كانون الثاني الماضي) في الجزائر في بيان لمجلس الشورى الوطني للحركة، تثمين المجلس لموقف الدبلوماسية الجزائرية في معالجة الأزمة الليبية بتعميم الحوار بين مكونات الطبقة السياسية الليبية، كمَّا عبَّرت عن استعداد الحركة للمساهمة في إنجاحه بما تملكه من رصيد وتجربة وعلاقات.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد البشري


موقع الخدمات البحثية