قراءات سياسية » «فورين بوليسي»: كيف ستُدمّر استراتيجية ترامب في سوريا الشرق الأوسط

مترجم عنTrumpus Syria Strategy Would Be a Disasterللكاتب CHARLES LISTER

نُشرت ترجمة هذا المقال للمرة الأولى على موقع «السوري الجديد»، عن مجلة «Foreign Policy». وينشرها «ساسة بوست» بموجب اتفاق مع الموقع.

أعرب الرئيس المنتخَب دونالد ترامب، أواخر الأسبوع الماضي، لأول مرة منذ فوزه في الانتخابات عن موقفه من الأزمة في سوريا.

وفي تصريحاته، أكد عزمه على تكثيف الحرب ضد تنظيم داعش وإيقاف الدعم المقدم لأولئك الذين يقاتلون نظام الرئيس بشار الأسد.

وقال: «لدي وجهة نظر مغايرة للكثيرين فيما يخص الشأن السوري.. كان موقفي في أنكم تحاربون سوريا؛ وسوريا تقاتل تنظيم داعش ويجب عليكم التخلص من تنظيم داعش. أما روسيا فهي الآن منحازة كليًا إلى سوريا، ولديكم إيران أيضًا التي أصبحت قوية، بفضلنا، متحالفة هي أيضًا مع سوريا.. وأنتم تدعمون الثوار ضد سوريا، كما أننا لا نملك فكرة من يكون هؤلاء».

وعلى الرغم من أن هذا الأمر تبسيط غير عادي للأزمة، إلا أن آراء الرئيس المنتخَب حول سوريا تظهر بعض الاتساق، ولكنه ليس ذلك النوع من الاتساق الذي كان ينويه على ما يبدو. يقول ترامب أنه ينوي التركيز على القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، لكن الأثر الرئيس للسياسات التي وصفها من شأنها أن تقضي على المعارضة المعتدلة لنظام الأسد وتقوي التطرف.

وقبل النظر في جميع الآثار الكارثية لسياسة ترامب، ينبغي لنا أن ندرس السبب في عدم كفاية تبريراته التي صرح بها. ويجب أن يكون درسًا تاريخيًا مختصرًا كافيًا لإثبات عدم امتلاك نظام الأسد للمؤهلات في مكافحة الإرهاب. هذه الحكومة التي بنى جهاز مخابراتها تنظيم القاعدة في العراق بطريقة منهجية، ومن ثم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وتحولها إلى قوة إرهابية هائلة لمحاربة القوات الأمريكية في تلك البلاد منذ العام 2003 وحتى العام 2010. إذ كان من الممكن لمئات الجنود الأمريكيين أن يكونوا على قيد الحياة اليوم لو لم يقدّم نظام الأسد الدعم لأسلاف تنظيم داعش المباشرين.

وفي الوقت ذاته، إن اقتراح ترامب للتحالف مع روسيا في «سحق» تنظيم داعش أقل من مجرد استنباط، نظرًا لتركيز روسيا على كل شيء باستثناء الجهاديين. ووفق بيانات وردت مؤخرًا حول مراقبة الغارات الجوية في الأجواء السورية، فقد استهدفت الغارات الروسية 8% فقط من المناطق التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية ما بين 12 أكتوبر (تشرين الأول) و 8 نوفمبر (تشرين الثاني). ولكن هناك استثناء وحيد – الاستيلاء على مدينة تدمر من المجموعة الجهادية أثناء وقف الأعمال العدائية المفروض دوليًا – ومما لا شك فيه أن تركيز الكرملين ينصب بصورة متواصلة على محاربة المعارضة السورية الرئيسة وليس محاربة تنظيم داعش. كما كانت معظم أهدافها موجهة ضد أعضاء من المعارضة السورية ممن هم على صلة بالولايات المتحدة.

وخلافًا لتصريح ترامب، فالولايات المتحدة تعرف بالضبط من هم «أولئك الأشخاص» الذين يتلقون الدعم من الولايات المتحدة. وقد فعّلت وكالة الاستخبارات المركزية شبكة معقدة من العلاقات مع عشرات الجماعات المعتدلة التابعة للجيش السوري الحر منذ أواخر العام. واليوم يواصل هذا البرنامج الذي يحمل اسم Timber Sycamore «خشب الجميز»، تقديم الدعم لـ 80 جماعة «تم تدقيقها» من بين هذه المجموعات في جميع أنحاء سوريا بالتنسيق مع الحلفاء الدوليين والاقليميين، وقد ضمن دور الولايات المتحدة في هذا المسعى الدولي متعدد الأطراف قدرًا من السيطرة على اتساع نطاق الدعم الدولي للمعارضة السورية، وعلى الخطر من تمكن المتطرفين من التحكم بأسلحة المعارضة ومقاتليهم.

وفي الواقع، خلافًا للرواية الشعبية الآخذة في الازدياد، فالمقاتلون في هذه الجماعات التي تم تدقيقها لا يسلّمون أسلحتهم للجهاديين، مع وجود بعض الاستثناءات القليلة جدًا، كما أنهم لا يفكرون بالانضمام إلى أولئك المتطرفين. وقد كان حجر الزاوية في جهود وكالة الاستخبارات المركزية يقتضي تزويد الثوار بالصواريخ الموجهة المضادة للدروع BGM-71 TOW أمريكية الصنع، التي ضمنت بقاء المعارضة المعتدلة لاعبًا معنيًا في الصراع.

حتى الآن، وفقًا للمعلومات المتاحة للجميع،  فقد أُرسل ما لا يقل عن 1073 من صواريخ التاو إلى سوريا التي استخدمت في المعركة، ومن بين تلك الصواريخ لم تحصل الجماعات التي لم يتم تدقيقها  إلا على 12 صاروخ لتستخدمه في المعارك، ما يصل إلى معدل منخفض وهو 1.1 %. هذا ولم تهزم من بين المجموعات التي «تم تدقيق وضعها» سوى مجموعتان تعرضتا للهزيمة على يد مجموعات ذات صلة بتنظيم القاعدة، كما انسحبت واحدة أخرى من البرنامج بسبب وجود بعض الأنشطة التي تدعو إلى الريبة.

ويبدو أن ترامب يشير إلى تفضيله مكافحة أعراض الأزمة -وهي الإرهاب- مع تعزيز السبب الرئيسي لها: دكتاتورية الأسد ورفضه للتفاوض. وعلى الرغم من أن المعارضة السورية أبعد ما تكون عن الكمال، فإن سحب الدعم الأمريكي سيقوض مصالح الولايات المتحدة في سوريا. إلا أن مخاطر سياسة ترامب أكبر من ذلك بكثير. فإن استمر ترامب بطرحه هذا، فإنه يخاطر بتفاقم ستة مخاطر رئيسة تتعلق بالأمن الداخلي والدولي للولايات المتحدة.
تمكين القاعدة وروايتها

وضع الفصيل الفعلي التابع لتنظيم القاعدة في سوريا نفسه بصورة مثالية لجني فوائد  تناقص الدعم الأمريكي المقدم للمعارضة المعتدلة. وقد أمضت جبهة فتح الشام، الجماعة التي تُعرف رسميًا بجبهة النصرة، أكثر من 4 أعوام بضمان وجودها في الثورة السورية من خلال تقديم نفسها على أنها الشريك والحامي لحركتهم الوطنية. وقد ضمنت تلك الجهود زيادة قوتها على نحو ملحوظ نتيجة معاناة المعارضة من نقص الدعم.

وبعبارة أخرى، إن وسم المعارضة السورية الرئيسة على وجه الخطأ عالميًا بـ«المتطرفين» سيؤدي اليوم إلى وجود تهديد أكبر بكثير من الذي كان تنظيم داعش يشكله عام 2014.

وقد أكدت جبهة فتح الشام، منذ ظهورها في سوريا عام 2012، للسوريين والمسلمين في كل مكان في العالم، أن الولايات المتحدة لن تنقلب على الأسد على الإطلاق وأن المسلمين السنة من السوريين سيكونون ضحايا لمؤامرة عالمية تخضعهم لحكم الأقلية الظالمة. ومع الأسف، عززت الكثير من التطورات في الوضع السوري تلك الرواية عند الكثير من السوريين. كما أن عدم وجود عقوبات على استخدام غاز السارين عام 2013 في شهر أغسطس (آب) كان بمثابة تبرير تآمري بالإضافة إلى التسهيلات التي تدخلت بها روسيا لحماية الأسد من الهزيمة المحتملة عام 2015. وقد دفعت كل جريمة حرب نكراء ارتكبها الأسد وداعميه قبل هذه الأحداث وعند بدئها، دفعت السوريين أكثر فأكثر لتصديق رواية القاعدة.

علاوة على ذلك، فقد دفع الاعتقاد السائد بأن واشنطن لا تبالي بمعاناة المدنيين السوريين، دفع العديد من أعضاء المعارضة السورية إلى النظر إلى القاعدة على أنها أكثر استعدادًا وفاعلية من الولايات المتحدة، «زعيمة العالم الحر» المفترضة، لحماية أرواحهم ومصالحهم. كما أن تخلي ترامب المفترض عن المعارضة السورية سيرسخ هذا التصور على نحو مستمر كما سيجعل من سوريا أفغانستان التي كانت تحيا  على المنشطات قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر وينبغي أن يكون هذا مقلقًا للغاية بالنسبة لأي شخص معني بالأمن الدولي نظرًا لقرب سوريا من أوروبا.

تشجيع الحلفاء الإقليميين لإتمام المسيرة لوحدهم

إن قرار الولايات المتحدة بالتبرؤ من المعارضة السورية من شأنه أن يقوض حلفاءها الأوروبيين وأن يثير حفيظة الشركاء الإقليميين. وقد كانت كل من المملكة العربية السعودية وتركيا وقطر على وجه الخصوص، كانوا جميعًا أنصارًا للمعارضة السورية المسلحة منذ أيامها الأولى، وغالبًا ما رافقهم تحالف أمريكي كان في متناول اليد. وهذا لا يعني بأن هذه الدول كانت فاعلة على الدوام، إذ لا يخفى على أحد أن الدعم غير المنظم والفوضوي الذي قدمته هذه الدول للجماعات المسلحة في سوريا في العامين 2011 و2012 كان له دورًا كبيرًا في فشل الجيش السوري الحر بالاندماج في منظمة موحدة.

أما الدعم الأمريكي هو الذي تمكن من تنظيم المعارضة المسلحة. فمنذ العام 2012 وما تلاه، فرض الدور الأمريكي في «غرف العمليات» التابعة «لوزارة القوى العاملة» في تركيا و«وزارة التجارة» في الأردن بعض السيطرة على تدفق المعدات العسكرية والتمويل. وإن غياب هذا الدور الذي قامت به الولايات المتحدة سيؤدي إلى مخاطر تتمثل في وجود حالة من الفوضى والاقتتال الداخلي الذي سيطر على المراحل الأولى من الأزمة السورية، لكنه سيكون هذه المرة في سياق مختلف، ذلك أن المتطرفين مستعدون للاستفادة من الوضع بأقصى سرعة.

علاوة على ذلك، فإن «إعادة تسمية» تنظيم القاعدة بجبهة فتح الشام، والتي حظيت بتغطية إعلامية، جعلت من هذه المجموعة متلقٍّ محتمل للدعم من الدول الإقليمية الغاضبة. ونظرًا لادعاء جبهة فتح الشام ظاهريًا بإنهاء علاقاتها «الخارجية» مع تنظيم القاعدة، لن يكون من المستغرب أن نرى قطر وتركيا – على سبيل المثال – توجهان الجزء الأكبر من دعمهما لجبهة فتح الشام والمجموعات المماثلة في الوقت الذي توقف فيه الولايات المتحدة دعمها للمعارضة. وعلى الرغم من أن الدول الإقليمية لما تقترح صراحة إلقاءها الحمل كاملًا على عانق جبهة فتح الشام، إلا أن تنامي القدرات العسكرية لهذه الجماعة وتنامي مستويات معداتها الفتاكة وغير الفتاكة، لا سيما منذ إعادة تسميتها، تشير مسبقًا إلى وجود قدر من الدعم الدولي المباشر أو غير المباشر.

كما قد تشعر دول المنطقة أيضًا بوجود بعض المبررات لخرقها للمحظورات، التي لطالما وضعتها الولايات المتحدة، في إرسالها أسلحة مضادة للطائرات من قبيل منظومة الدفاع الجوي المحمولة إلى وكلائهم المقربين في المعركة الدائرة في سوريا. وإلى حد ما، قد بدأ هذا التدفق غير المشروع للأسلحة المضادة للطائرات بالفعل كرد على عدم كفاية سياسة «عرض القوة» الأمريكية للحيلولة دون وقوع الهجوم الوحشي على المناطق الشرقية في حلب المحاصرة. ووفق مصادر مطلعة من المعارضة، فقد دخل ما لا  يقل عن 3 شاحنات صغيرة محملة بمنظومات الدفاع الجوي المحمولة إلى الجنوب السوري منذ عام 2015.

إعطاء تنظيم الدولة الإسلامية فرصة ثانية

على الرغم من أن التحالف بين روسيا والولايات المتحدة قد ينجم عنه على الأرجح خطرًا يهدد الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم داعش ف سوريا، على المدى القصير على الأقل، إلى أن شراكة كهذه من شأنها أن تكون نعمة لا تقدر بثمن على المدى الطويل لدعاية هذه الجماعة. وفي حال أرادت روسيا أن توظف تكتيكات القصف المكثف التي استخدمتها في محاولاتها لسحق المعارضة السورية، فإن تبعات هذه «الانتصارات» ستضمن حصول تنظيم الدولة على رواية جاهزة تسعى من خلالها إلى تجديد عزمها بوجود قدر لا بأس به من القبول الشعبي بل وحتى الدعم أيضًا.

وبينما كان انتعاش تنظيم داعش في العراق ما بين 2010 و2014 مدفوعًا باستياء السنة من القيادة الشيعية في بغداد ووجود الحرب الأهلية المجاورة في سوريا، فإن انتعاشها المستقبلي قد يكون مدعمًا من الناحية العملية بغضب السنة المنتشر على نطاق واسع نتيجة الهجوم الوحشي والعشوائي الذي ستشنه روسيا والولايات المتحدة على مناطق السنة التي يسيطر عليها تنظيم الدولة عام 2017.

وقد تحدث ترامب في كثير من الأحيان حول المخاطر التي يفرضها الإرهاب المحلي. غير أن الشراكة الروسية الأمريكية المحتملة في سوريا قد تتسبب أيضًا في زيادة دعوات تنظيم الدولة الإسلامية للقيام بالهجوم على أهداف في الغرب، لا سيما في الولايات المتحدة. وقد حافظ تنظيم الدولة على قدرة فاعلة «لتحفيز» هجمات خارجية خلال الأوقات التي يحقق فيها النجاح. لكن المرء لا ينبغي له أن يقلل من شأن الاحتمال القائم في أنها قد تثير نوعًا من الإرهاب الداخلي قد يكون أعظم أثرًا أثناء تراجعها. كما أن هذا السيناريو، إذا ما اقترن بإمكان اتباع ترامب لسياسات محلية قمعية حديثة فيما يتعلق بالهجرة وقضايا أخرى ذات صلة بالعرق والدين، فذلك ينذر بمخاطر أكبر، ولا يبشر بأمريكا آمنة.

تقوية إيران وحزب الله

على اعتبار أنه معارض قوي لاتفاقية إيران النووية، من الغريب أني ظهر ترامب ليقترح سياسات في سوريا من شأنها حماية إيران من هزيمة قد تصيبها بالشلل من الناحية السياسية والجغرافية وتعزز نفوذها الإقليمي. وقبل سنوات من الربيع العربي، كانت سوريا تمثل «الغراء» الذي يربط مجالات النفوذ الإيراني، من طهران إلى بغداد إلى دمشق فبيروت. كما كان الأسد أهم حليف عربي لإيران فضلًا عن أن قربه من لبنان قد ضمن بقاء حزب الله منظمة إرهابية ضخمة بحق.

ومنذ اندلاع الأزمة السورية، كان دور إيران في حماية نظام الأسد ذو أهمية قصوى بالتوافق مع تفوق الدور الروسي على الأرض. وكان ذلك لسبب واحد بسيط؛ وهو أن هزيمة الأسد في سوريا ستؤدي إلى تفكك امبراطورية إيران الإقليمية ما سيخلف فجوة في قلبها. كما ستشكل تهديدًا لوجود حزب الله، المنظمة الإرهابية الوحيدة في العالم التي تحظى قواتها المسلحة بوجود شبه عسكري معترف فيه في دولة قومية.

وعلى الرغم من أن حزب الله قد فقد جزءًا من جاذبيته الشعبية في الوطن العربي، إلا أنه ظهر أقوى خلال الأزمة السورية. وكان قد تلقى شحنات أسلحة كبيرة للغاية من إيران والأسد: ويوم الأحد الماضي، أقام حزب الله استعراضًا عسكريًا مثيرًا للدهشة غربي سوريا، وقد ضم عشرات العربات المدرعة والدبابات الحديثة. وقد يغتفر لأحد الهواة في حال اعتقد أن الصور التي عُرضت من الاستعراض العسكري كانت لجيش وطني.

وإن أراد الرئيس المنتخَب ترامب أن يتخلى عن الإصرار الأمريكي في فقدان الأسد لشرعيته ووجوب رحيله في الفترة الانتقالية، فذلك لن يزيد من مكاسب إيران بقدر هائل وحسب، وإنما سيجعل أكبر تهديد إرهابي مباشر لإسرائيل حرًا ليوجه مجموعة أسلحته الهائلة لحليف أمريكا القيم.

المراجعة التعديلية الروسية

كان ترامب قد أشار إلى أنه يعتقد أن فلاديمير بوتين رجل «عظيم» ووصف كيف «يؤدي عملًا عظيمًا في إعادة بناء صورة روسيا». لكن هذا يتجاهل الواقع في سعي بوتين إلى ضمان نهضة روسيا على حساب القوة والنفوذ الأمريكيين، وليس عن طريق شراكة متكافئة معهم. بوتين رجل استراتيجي ماهر ومتدرب تفوق على إدارة أوباما المعروفة بميلها إلى المناقشات المطولة عند مواجهة قضايا مثيرة للقلق في الخارج. وعند مواجهته لترامب، الذي قال بأنه يريد «القضاء» على الإرهابيين والانسحاب من الأوضاع المكلفة في الخارج، فإن بوتين في وضع يمكنه من عرض علاقة تعاون يعلم بأنها ستصب في مصلحة موسكو أكثر بكثير من مصلحة واشنطن.

وسيكون أحد الآثار الحتمية للشراكة الأمريكية الروسية في سوريا هو محاولتهما النهائية للتفاوض على فرض تسوية للحرب الأهلية. وبالاقتران مع اقتراح ترامب الخاطئ بأن مواجهة الأسد تقضي على المساعي الرامية لمكافحة الإرهاب في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، فستنتهي المعارضة السورية إلى أن شركاءهم المفترضين في المفاوضات سيتوقعون استسلامهم وبالتالي سيقبلون ب «نصر» الأسد.

إن السعي لتحقيق هذا الهدف سيفشل قبل أن يبدأ. كما سيعطي الأسد وروسيا وإيران وحزب الله والمسلحين الحلفاء الحجة » مع تواطؤ أمريكي » لمعاملة المعارضة السورية برمتها كما لو أنها لا تختلف عن تنظيم الدولة الإسلامية في شيء. وذلك سيشجع ارتكاب المزيد من جرائم الحرب ما سيجعل أية مفاوضات في سوريا مستحيلة من الناحية العملية كما أنه سيزيد من جرأة روسيا العدوانية ويمنحها الثقة للتصرف بحصانة في أماكن أخرى في معارضة مباشرة لمصالح الولايات المتحدة.

تفاقم أزمة اللاجئين

وإن الجمع بين السناريوهات المذكورة أعلاه أو البعض منها قد يفضي إلى ديناميكيات تفاقم دون شك من أزمة اللاجئين السوريين وسيترك ما لا يقل عن 5 ملايين سوري خارج حدود بلادهم بصورة دائمة. ومع بقاء الأسد في السلطة وضمان حماية داعميه المختلفين لمنظومته الدفاعية، فإنه من غير المرجح أن يعود ربع عدد سكان سوريا في فترة ما قبل الحرب إلى وطنهم على الإطلاق.  وذلك يعني أن الدول المجاورة لهم ستبقى وحيدة في تحمل التكاليف التي لا يمكن تحملها باستضافتهم في الوقت الذي يقوم فيه العديد من اللاجئين بمحاولات بائسة للوصول إلى أوروبا.

ومن الممكن أيضًا للهجرة الجماعية الناجمة عن توجه الناس إلى أوروبا أن تقزّم تحركات اللاجئين المتعبة التي شهدناها في العامين 2015 و2016. ومن المحتمل أن يعطي هذا دفعة إضافية للحركات الشعبوية اليمينية المتطرفة في أوروبا – التي تسبب المزيد من عدم الاستقرار، فضلًا عن إتاحة المزيد من الفرص أمام الإرهابيين والحكومات المعادية على حد سواء. وسيعاني كل من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي جراء ذلك.

وربما يأمل ترامب في التقليل من التزامات الولايات المتحدة العسكرية والمالية في الخارج، إلا أن مخاطر هذا التطور قد تزيد على نحو كبير من العبء الملقى على كاهل الولايات المتحدة.

وبوصفها شريكًا مستقبليًا في وضع حد لهذه الظرف، سيكون من المتوقع من حكومة الولايات المتحدة أن تؤدي دورًا قياديًا في تمويل ودعم إجراءات الاستقرار اللازمة، في سوريا والدول المجاورة لها وأوروبا. كما سيدفع هذا الضغط الولايات المتحدة لزيادة نصيبها من تحمل عبء اللاجئين.

وبرغم أنه ما زال من الممكن للرئيس المنتخَب ترامب أن يتخلص من قراءته المبسطة والخطرة للأزمة السورية، إلا أن مخاطر اتباع سياسة تستند إلى إدراكه المحدود يجب أن تكون مفهومة جيدًا. وكما أظهرت السياسة الفاشلة في ظل الرئيس باراك أوباما لخمسة أعوام، فإن التعامل مع أعراض الأزمة بدلًا من الأسباب الجذرية -وهي دكتاتورية الأسد- لن ينتج عنه سوى المزيد من النزوح والخراب.

وبوصفه رئيسًا منتخَبًا، فإن وعود ترامب فيما يخص الأزمة السورية ذات أهمية حقيقية،  ذلك أن حلفاءنا في المعارضة وخصومنا في كل مكان من المنطقة يولونها اهتمامًا شديدًا.

لذا لا بد لترامب من أن يعترف على وجه السرعة بالخطر الكامن الذي يشكله استمرار الأسد في إحكام قبضته على السلطة. وإن اختار ترامب بدلًا من ذلك التخلي عن المعارضة السورية المعتدلة والتساهل مع النظام، بذلك تكون الولايات المتحدة شريكًا مباشرًا في تنامي التطرف العنيف، ليس في سوريا وحسب.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد البشري


موقع الخدمات البحثية