مواد أخرى » تأثير محاولة الانقلاب على علاقة تركيا بالفاعلين من غير الدول في سوريا

رغم فشل محاولة الانقلاب العسكري في تركيا، إلا أنها ربما تمثل نقطة تحول هامة في مسار العديد من الأحداث الداخلية والإقليمية، إذ من المتوقع أن يترتب عليها عدد من التحولات الجوهرية في الواقع السياسي والاقتصادي الداخلي التركي، الذي سينعكس بدوره -دون شك- على الداخل السوري، ليس فقط نتيجة للجوار والحدود المشتركة، ولكن أيضًا نتيجة للدور الجوهري الذي تمارسه تركيا في الداخل السوري حيث تدعم بعض التنظيمات وتحارب البعض الآخر، بالإضافة إلى مشاركتها في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ضد الإرهاب، وهو ما دفع اتجاهات عديدة إلى توقع حدوث تغييرات في موازين القوى بين التنظيمات المسلحة داخل سوريا، وتغييرات محتملة في السياسة الخارجية التركية بصفة عامة وإزاء الأزمة السورية بشكل خاص.

توقيت حرج

لا شك في أن محاولة الانقلاب جاءت في توقيت شديد الحساسية بالنظر إلى قرب انعقاد اجتماع للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ضد تنظيم 'داعش' في واشنطن، إذ من غير الواضح ما إذا كانت محاولة الانقلاب ستؤثر على مشاركة تركيا في الاجتماع أم لا، خاصة في ظل الحرب التي تخوضها تركيا داخليًّا ضد الحركة الكردية ممثلة في حزب العمال الكردستاني، بالإضافة إلى حملة التطهير المكثفة التي سيخوضها أردوغان وحكومته داخل القوات المسلحة، وهو ما سيؤثر بلا شك على الجيش التركي وإمكانية الاعتماد عليه في الوقت الراهن في تنفيذ عمليات عسكرية خارجية، أو تنفيذ سياسات واستراتيجيات داخلية، خاصة وأنه من المرجح أن تعمل حملة التطهير الجارية على إضعاف الروح المعنوية وتقويض القدرات القتالية، وإحداث حالة من عدم الاستقرار داخل المؤسسة العسكرية، ومن هنا سيصبح التخطيط وتنفيذ عمليات عسكرية غاية في الصعوبة، خاصة مع تغير القيادات، بشكل سينتج عنه تصدعات في القوة العسكرية تجعل الجيش التركي في حاجة إلى إعادة ترتيب صفوفه، وهو ما يتوقع أن يستغرق سنوات، بما يزيد من احتمالات وقوع تركيا بين إشكالية احتواء الفوضى في الداخل واستعادة دورها في الخارج.

حدود التأثير

تمثل تركيا منفذًا استراتيجيًّا هامًّا يحتوي على العديد من المعابر التي يتدفق من خلالها المقاتلون والدعم والإمدادات والأسلحة للتنظيمات المسلحة في سوريا، حيث تمتد الحدود التركية- السورية على مسافة 822 كلم. كما تُعد تركيا بمثابة خط المواجهة ومركزًا للعديد من العمليات التي تقوم بها قوات التحالف ضد التنظيمات الإرهابية في سوريا، وعلى رأسها تنظيم 'داعش'، خاصة أنها تستضيف العديد من المنشآت العسكرية الهامة التابعة للولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي، وأهمها قاعدة 'إنجيرليك' الجوية، والتي تنطلق منها الحملات الجوية الموجهة لمهاجمة تنظيم 'داعش' في سوريا، إلى جانب قاعدة تابعة للمخابرات الأمريكية تُعد مركزًا لدعم المقاتلين من المعارضة السورية المعتدلة في الداخل السوري، بالإضافة إلى مطار ديار بكر جنوب شرق تركيا، وقاعدة أزمير جنوب غرب اسطنبول، وقاعدة أكساز البحرية التي تقع على ساحل بحر إيجه.

تداعيات محتملة

يمكن تناول أهم التداعيات المحتملة لمحاولة الانقلاب على المواجهات العسكرية بين تركيا وبعض التنظيمات فيما يلي:

1- تراجع دور التنظيمات المسلحة الموالية لتركيا في سوريا: وذلك نتيجة ضعف الدعم المتوقع لها من جانب تركيا بسبب انشغال الأخيرة في محاولة استيعاب وتلافي آثار محاولة الانقلاب وتداعياته الداخلية، وهو ما يمكن أن يوفر فرصة لتنظيم 'داعش' من ناحية ووحدات الحماية الكردية في سوريا من ناحية أخرى، لإعادة تنظيم صفوفها، ومحاولة توسيع وربط أماكن المواقع التي تسيطر عليها.

2- التأثير على الوجود العسكري الأمريكي في تركيا: فعلى الرغم من التوترات التي شهدتها العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا في الفترة الأخيرة، إلا أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أبدى تعاونًا ملحوظًا في الآونة الأخيرة مع واشنطن في حربها ضد تنظيم 'داعش'، وهو ما دفع واشنطن إلى الإعلان صراحة عن وقوفها بجانب حكومته. لكن من المتوقع أن تؤثر محاولة الانقلاب سلبًا على الوجود الأمريكي في تركيا، نظرًا لما ستشهده من اضطرابات وعدم استقرار داخلي في الفترة القادمة، خاصة مع تمسك الأخيرة بمطالبة الأولى بتسليم زعيم حركة 'خدمة' فتح الله جولن بتهمة تدبير الانقلاب وإصرار الأخيرة على ضرورة تقديم أدلة تثبت إدانته قبل اتخاذ قرار في هذا الصدد.

3- انحسار التدخل العسكري التركي في سوريا: من المرجح أن تترتب على الانقلاب العسكري تداعيات تؤثر بصورة سلبية على الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد، وهو ما قد يؤدي إلى تراجع اهتمام الجيش التركي وقوات الأمن بالداخل السوري، خاصة فيما يتعلق بالمواجهة مع الميليشيات الكردية، ووقف انتقال المقاتلين الأجانب إلى سوريا، أو التصدي للعمليات الإرهابية التي يُطلقها تنظيم 'داعش'.

4- تزايد احتمالات تسلل عناصر 'داعش' إلى أوروبا: ربما يتجه تنظيم 'داعش'، وفقًا لاتجاهات عديدة، إلى استغلال حالة الاضطراب وعدم الاستقرار المحتملة في تركيا خلال المرحلة القادمة ليس فقط في تجنيد مزيد من المقاتلين، وإنما أيضًا في تعزيز قدرتهم على التسلل إلى الدول الأوروبية، بشكل يمكن أن يؤدي إلى تصاعد حدة التهديدات التي تواجهها الأخيرة.

خلاصة القول، على الرغم من إعلان التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية مواصلة عملياته الجوية ضد تنظيم 'داعش' انطلاقًا من تركيا، وذلك عقب إعادة فتح المجال الجوي التركي أمام العمليات العسكرية، وتأكيد رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال جوزيف دانفورد على أن جهود مكافحة الإرهاب لن تتأثر سلبًا بمحاولة الانقلاب في تركيا، وإشارته إلى أن العمليات التي يتم شنها من الأراضي التركية لم يحدث فيها أي تغييرات، إلا أن الوقت لا يزال مبكرًا للوصول إلى تكهنات حاسمة في هذا الصدد، خاصة وأن وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو قد صرح بأن عددًا من العسكريين الأتراك المرابطين في قاعدة 'إنجيرليك' الجوية التابعة للناتو متورطون في محاولة الانقلاب على السلطة بتركيا، بالإضافة إلى أن ما سوف يترتب على محاولة الانقلاب من اضطرابات داخلية وحملات تطهير داخل المؤسسة العسكرية لا شك أنه سيعوق المشاركة الفاعلة لتركيا في الحرب التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية ضد التنظيمات الإرهابية في سوريا، وسيؤثر على دعم تركيا للتنظيمات المسلحة الموالية لها في سوريا وعلى مواجهاتها مع حزب العمال الكردستاني.

المصدر: المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية.

 

موقع الخدمات البحثية