قراءات إعلامية » كيف توظف روسيا وسائل الإعلام في عمليتها العسكرية في سوريا؟

صاحب الإعلان عن قیام روسیا بشن ضربات عسكریة استباقیة في سوریا ل مواجهة خطر الإرهاب وتوسع تنظیم 'داعش' جدل دولي حول حقیقة أهداف هذا التدخل، ومد ى جدواه  في وقف تمدد نشاط 'داعش' في سوریا والإقلیم، في ظل ظهور اتجاهات عدیدة تشیر إلى أن الهدف من هذه العملیة العسكریة هو تقدیم الدعم لنظام الرئیس السوري بشار الأسد المحاصر في سوریا بین معارضة مسلحة وتنظیمات إرهابیة. وقد واجهت روسیا ذلك من خلال تصریحات مسئولیها وأجهزة إعلامها الداخلیة والخارجیة، لا سیما الموجهة منها لمنطقة الشرق الأوسط و الناطقة باللغة العربیة، حیث تشن وسائل الإعلام الروسیة حملة مكثفة للترویج بشكل منظم ـ قبل وبعد تنفیذ العملیات العسكریة على الأراضي السوریة ـ لأهداف الخطوة الروسیة، بالتأكید على أنها ضربة استباقیة لدرء خطر الإرهاب تحظى بتأیید شعبي في الشارع الروسي وبموافقة من الكرملین.

استراتیجیة إعلامیة:
یبدو أن توظیف روسیا لوسائل الإعلام الخاصة بها لخدمة أهدافها والترویج  لخطوتها العسكریة التي لا تحظ ى بتأیید دولي بشكل عام قد اعتمد علي استراتیجیة إعلامیة واضحة المعالم بدأت قبل العملیات العسكریة، أي في مرحلة التمهید لها، من خلال التأكید على مدى  اهتمام روسیا بالشأن السوري، وأن خطر الإرهاب لیس ا بعید عنها وإن كان لا یزال داخل الأراضي السوریة، وأن توسع 'داعش' وشیك، ثم استمرت بعد تنفیذ العملیات وأثنائها من خلال تغطیة مباشرة لهذه العملیات على الأرض، عن طریق مراسلین صحفیین في مناطق
النزاع، وبث فیدیوهات عالیة الجودة لعملیات القصف الجوي لمواقع 'داعش'. ویمكن الإشارة إلى عدد من الملاحظات على هذا التناول الروسي للعملیات العسكریة على الأراضي السوریة فیما یلي:
۱ ـ في مرحلة الإعداد للعملیات العسكریة الروسیة، تصدرت سوریا ومجریات وتطورات الوضع فیها المشهد الإعلامي الروسي، بالتركیز على ممارسات ' داعش' هناك، ومدى الحاجة إلى وجود مواجهة حقیقیة وناجحة لهذا التنظیم، في ظل فشل قوات التحالف الدولي في السیطرة علیه والحد من نشاطه، في شكل بدا وكأنه محاولة لـ 'تجییش ' رأى عام داخلي مؤید وداعم للعملیة الروسیة في سوریا، مع التأكید على أهمیة سوریا بالنسبة لروسیا.
واستمر هذا التركیز علي الأوضاع في سوریا حتى تنفیذ العملیات وتواصلها، حیث اهتم  الإعلام الروسي بالبیانات العسكریة الصادرة بانتظام عن قیادات العملیات في سوریا،
والتي تؤكد جمیعها نجاح الضربات الموجهة لتنظیم 'داعش' على الأراضي السوریة، بل إن فقرات الطقس في نشرات الأخبار قد باتت مهتمة بإلقاء الضوء على أحوال الطقس في سوریا ومدى ملائمته لمواصلة طیران المقاتلات الروسیة والقیام بمهامها .
۲ ـ ركز الإعلام الروسي على عدم وجود نیة لدى روسیا للتوسع في منطقة الشرق الأوسط من خلال عملیاتها في سوریا ووجود قوات عسكریة لها هناك، حیث شددت على أن العملیة في سوریا جاءت استجابة لطلب رسمي من القیادة الشرعیة فیها، واستنادا إلى القانون الدولي، لا سیما في ظل فشل قوات التحالف الدولي في مواجهة 'داعش'.
كما ركزت وسائل الإعلام الروسیة المختلفة على حدیث الرئیس الروسي فلادیمیر بوتین في وقت سابق حول موقع وأهمیة روسیا، عالمیا  والذي أوضح فیه أن 'الدب الذي یحرس غابات التایجا لا یحب مغادرتها ' ، وهو ما اعتبرته وسائل الإعلام بمثابة إشارة وتأكید علي عدم تبني روسیا سیاسات توسعیة .
۳ ـ أفردت قناة ' RT' (روسیا الیوم) الموجهة لدول المنطقة والناطقة باللغة العربیة، وموقعها الإلكتروني ، مساحات للرد عل ى الهجوم الذي تشنه أطراف دولیة وإقلیمیة على العملیات الروسیة في سوریا، لا سیما ما تقدمه قناة ' الجزیرة  ' القطریة من تغطیة لهذه العملیات، والتي تؤكد فیها فقط عل ى أن العملیات العسكریة في سوریا لا تقوم بضرب  أهداف 'داعش' وإنما تستهدف المواطنین والأحیاء السكنیة التي تعرف بأن أغلبیة قاطنیها معارضین للنظام .
كما أولت القناة اهتماما بتصحیح الترجمة الخاطئة لتصریحات المسئولین الروس، لا سیما تصریحات وزیر الخارجیة الروسي سیرجي لافروف بشأن 'الجیش الحر' حین أعلن عن استعداد بلاده 'الاتصال بالجیش الحر في سوریا إن كان موجودا'، وهو الحدیث الذي ترجمته قناة ' الجزیرة' ' الاتصال بالجیش الحر في سوریا إن بقي موجودا' ، حیث أشارت القناة إلى أن الفرق بین الجملتین واضح وأن سوء النیة في ترجمة التصریحات الروسیة موجود، معللة ذلك التفسیر بأن حدیث لافروف كان واضحا ویعبر عن شكوك روسیا حول وجود هیكل تنظیمي لما یسمى بـ'الجیش الحر'، حیث أشار لافروف إلى ذلك بقوله : 'یتحدثون عن الجیش السوري الحر، لكنه هیكلیة وهمیة، وأنا طلبت من وزیر الخارجیة الأمریكي تسلیمنا معلومات عن أماكنه، ونحن مستعدون حتى للتعاون معه إذا كان من المعارضة السوریة المعتدلة .'
٤ ـ على الرغم من غیاب تغطیة صحفیة وإعلامیة للأحداث والتطورات على الأرض في المناطق المشتعلة في سوریا ، فإن العملیات العسكریة الروسیة هناك قد صاحبها تغطیة إخباریة من قناة 'روسیا الیوم' من داخل حمص، حیث تمكنت مراسلة القناة من الوصول إلى أقرب منطقة في ریف الشمالي لمدینة حمص التي تطل على مواقع لتنظیم 'داعش' التي استهدفها الطیران الروسي، وقامت المراسلة بمقابلة بعض السكان وقدمت روایات وشهادات لسكان هربوا من أماكن سیطرة التنظیم وبطشه، والذین أكدوا على خلو المناطق التي قصفتها القوات الروسیة من المدنیین الذین هربوا قبل سنوات من المنطقة، وذلك في سابقة من نوعها حیث یصعب الاقتراب من مناطق سیطرة التنظیم دون حمایة من قبل القوات النظامیة السوریة التي لم تقدم علي هذه الخطوة في السابق، الأمر الذي یؤكد على أن ثمة حمایة وفرتها السلطات السوریة بغطاء جوي روسي ربما لهذه التغطیة غیر المسبوقة لمثل هذه المنطقة المحظورة على الإعلام بحكم خطورتها .
٥ ـ اعتمدت وسائل الإعلام الروسیة في تغطیتها للعملیات العسكریة في سوریا علي بث فیدیوهات مصورة عالیة الجودة لما تقوم به المقاتلات الروسیة من عملیات قصف  لمواقع تنظیم 'داعش' ـ حسب ما تعلنه القوات الروسیة في سوریا ـ حیث تقوم الأخیرة بتثبیت الكامیرا على متن طائرات الـ 'سوخوي' ، لتظهر القنابل التي تستخدم لقصف مواقع التنظیم بوضوح شدید، وذلك بهدف التأكید على دقة القوات الروسیة في تحدید الأهداف ونجاحها في التصویب على المواقع المحددة للتنظیم .
من هنا ربما یمكن القول إن الإعلام أصبح أداة مهمة تحاول روسیا استخدامها لمواجهة الانتقادات المتصاعدة التي تتعرض لها بسبب تدخلها العسكري في سوریا وتحولها إلى طرف رئیسي في الصراع العسكري الذي اقترب من نهایة عامه الخامس.
المصدر: المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية

موقع الخدمات البحثية