قراءات عسكرية » حروب الذئاب المنفردة في تركيا

 

tascii117rket2015_300

الجيل الثاني لـ حزب الله الكردي المتطرف

أنقرة: محمد عبد القادر خليل

تنذر العمليات الإرهابية المتزايدة التي تشهدها تركيا في الآونة الأخيرة بمواجهة قطيع من &laqascii117o;الذئاب المنفردة" يتحرك على نحو فردي وعبر خلايا متناهية الصغر لاستهداف أية رموز أمنية ثابتة كانت أو متحركة، فضلا عن كثير من المؤسسات المحلية والأجنبية والمقرات الحزبية، بما يشكل تهديدات متصاعدة الحدة لأجهزة الأمن التركية، التي باتت تواجه عمليات نوعية بأدوات غير تقليدية، يصعب التنبؤ بها أو تتبع مسارها أو الرصد المسبق لها، وذلك على جبهات ثلاث، ترتبط من جانب أول بعناصر تنظيم داعش وتابعيه من الأتراك والأجانب، ومن جانب ثانٍ بأعضاء حزب العمال الكردستاني ومريديه، ومن جانب ثالث بأعضاء ومناصري الأحزاب اليسارية المتطرفة في تركيا.
حاصل جمع وتفاعل تهديدات الجبهات الثلاث يخلق مشكلات مركبة في بيئة أمنية ضاغطة، فالذئب المنفرد يرتبط بأشخاص تعتنق آيديولوجيا متطرفة، من دون أن يكون شرطا لذلك انتماؤه تنظيما إلى إحدى الجماعات الإرهابية، فالعمليات الإرهابية في هذه الحالة تخضع لتمويل وتجهيز وتخطيط شبه ذاتي أو عبر مجموعات محدودة العدد نسبيا، ولا تمتلك الأجهزة الأمنية لها سجلات جنائية أو إرهابية مسبقة، بما يساهم في تنامي ظواهر الإرهاب البدائي أو العشوائي، الذي تتنوع أهدافه وعملياته حيال كل ما يمكن أن يلحق خسائر سياسية وأمنية واقتصادية بالحكومة التركية.

الحرب المركبة
أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في أعقاب أحداث مدينة سروج بمحافظة شانلي أورفا جنوب البلاد في يوليو (تموز) الماضي – التي أفضت إلى مقتل نحو 32 مواطنا تركيا وإصابة العشرات من الأكراد، على يد انتحاري عشريني تركي – خوض حرب ضد جميع الجماعات الإرهابية، بما شمل تنظيم داعش وحزب التحرير الشعبي الثوري اليساري وحزب العمال الكردستاني. وبينما كانت العلاقة بين الأطراف الثلاثة وتركيا تشهد حالة أقرب إلى &laqascii117o;السلام المؤقت" أو الترقب الحذر، فإن تصريحات إردوغان وسياسات التصعيد العسكري ضمن ما يمكن تسميته &laqascii117o;الحرب بالجملة" أعادت المواجهة المسلحة ضد الأطراف الثلاثة ونقلتها من حالة الكمون النسبي إلى وضعية الحرب اللامتماثلة (Asymmetric Warefare)، متعددة الجبهات، بما جعل العمليات الإرهابية متنوعة الخلفيات والأطراف تأتي في بعض الأحيان متزامنة.
وبينما كان حصاد التصعيد حيال كل من تنظيم داعش وحزب التحرير الشعبي الثوري يعكس ما يمكن اعتباره تداعيات &laqascii117o;الحادث الطارئ" أو &laqascii117o;الموجات المتقطعة"، فإن تداعيات التصعيد حيال عناصر حزب العمال جاءت أقرب إلى &laqascii117o;حمم البركان النشط".
فقد أشارت إحصاءات تركية نشرت في 22 أغسطس (آب) إلى أن حصيلة ضحايا الأمن التركي جراء هجمات المنظمات الإرهابية بلغت نحو 56 شخصا، لا سيما في شرق وجنوب شرقي تركيا، حيث مناطق تمركز الأكراد، بينما بلغ عدد الضحايا المدنيين نحو 15 شخصا. كما شهدت البلاد إحراق عناصر تابعة للعمال الكردستاني زهاء 203 مركبات، أغلبها شاحنات.
هذا في حين بلغ إجمالي قتلى حزب العمال الكردستاني نحو 812 شخصا، خلال العمليات التي نفذتها القوات التركية داخل البلاد وخارجها، منذ 22 يوليو الماضي، كما أدت الغارات الجوية خارج البلاد إلى إصابة 450 شخصا، بينما أصيب ما بين 250 – 300 آخرين في عمليات جوية داخل البلاد. وحسب المؤشرات التركية فقد ألقت قوات الأمن القبض على نحو 2057 شخصا في عمليات أمنية ضد عناصر العمال الكردستاني و&laqascii117o;داعش" وحزب التحرير الشعبي الثوري، بولايات تركية كثيرة، اعتبارا من 24 يوليو الفائت، وصدرت قرارات قضائية باعتقال 502 منهم.

الأسراب الهائمة
إن هذه الحوادث المتتالية عبرت عن تنامي قدرات خلايا عنقودية لامركزية لجماعات ومجموعات صغيرة بلا قيادة تنظيمية، بما أفضى إلى عجز أجهزة الأمن التركية نسبيا عن مواجهة تلك الأسراب الهائمة (Swarming Birds)، أو الجيوش الإرهابية الصغيرة أو الإرهابيين دون قيادة، والذين يمارسون ما يمكن تسميته بـ&laqascii117o;إرهاب النكاية" بهدف إلحاق الضرر بالحكومة التركية، وذلك وفق عدد من التكتيكات:
يقول الناشط السياسي التركي مو ينتور &rdqascii117o; إن تكتيكات خطف الرهائن تعد أقرب إلى عمليات التنظيمات اليسارية في تركيا والتي قامت في مارس (آذار) الماضي بخطف المدعي العام التركي محمد سليم كيراز، وقتله حينما حاولت الشرطة التركية تحريره، في مكتبه بالقصر العدلي بإسطنبول&rdqascii117o;. يضيف ينتور &ldqascii117o;ومع ذلك فقد أعلنت هيئة الأركان العامة للجيش التركي مؤخرا اختطاف حزب العمال الكردستاني الإرهابي المحظور 10 ضباط بالجمارك، وسائق، يعملون على البوابة الحدودية مع إيران خلال عودتهم من العمل. وقالت هيئة الأركان، في بيان رسمي، إن الضباط اختطفوا أثناء عودتهم من العمل في حافلة عند بوابة كابيكوي الحدودية مع إيران.&rdqascii117o;
ويمثل ذلك الأسلوب أحد التكتيكات التي اتبعها الحزب من قبل، ففي التاسع من يوليو عام 2008 قام الحزب بخطف ثلاثة متسلقين ألمان، لدفع الحكومة التركية على إيقاف عملياتها العسكرية ضد عناصر الحزب في منطقة جبل آرارات، وقد تم تحريرهم بعد ذلك. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2011 قتلت وحدة من القوات الخاصة التركية شخصا ينتمي إلى حزب العمال الكردستاني قام بخطف عبارة ركاب تقل أكثر من عشرين شخصا كانت تقوم برحلة بحرية داخلية.

تزايدت ظاهرة &laqascii117o;السيارات المفخخة" في كثير من مدن جنوب شرقي تركيا وكذلك في مدينة إسطنبول، بما بات يشكل تحديا أمنيا كبيرا للقوات الأمنية التركية، ذلك أن هذه السيارات تستخدم في عمليات لاغتيال رجال الأمن وتدمير المنشآت الأمنية. وعلى سبيل المثال فقد استهدفت سيارة مفخخة في الحادي عشر من يوليو الماضي مركز شرطة في منطقة سلطان بيلي، بما أوقع عشرة جرحى بينهم سبعة مدنين وثلاثة من رجال الأمن.
كما قُتل جنديان تركيان في عملية مماثلة في 26 يوليو الماضي، وذلك بعد أن استهدفت رتلا عسكريا بين ديار بكر وبينغول جنوب شرقي تركيا. وكانت تركيا قد شهدت سابقا قيام تنظيم داعش بتفجير سيارة مفخخة عند الباب الرئيسي لمعبر باب الهوى الحدودي مع تركيا في محافظة إدلب (شمال غربي سوريا)، بيد أن التطور النوعي في هذه العمليات أن تنظيم حزب العمال الكردستاني بات يستنسخ تكتيك السيارات المفخخة التي يتبعها تنظيم داعش، ولكنه درج في الفترة الأخيرة على استغلال الفوضى الأمنية التي تفضي إليها هذه التفجيرات للدخول في مواجهة مسلحة مع عناصر الأمن التركية.

استهداف البعثات الأجنبية
أصبح استهداف البعثات الأجنبية أحد تكتيكات الأسراب الهائمة التي تحاول استغلال هذه الأحداث لإلحاق الضرر بصورة الدولة التركية، من ناحية، ولإعلان رفض سياسات الدول المستهدفة بعثاتها في الأراضي التركية، من ناحية أخرى، فرغم أن محاولة استهداف القنصلية الأميركية في إسطنبول في يوليو الماضي لم يلحق أضرار بالقنصلية، غير أنه عبر عن تنامي قدرات بعض العناصر الموالية للتنظيمات اليسارية على اختراق الحصون الأمنية التي تحيط بهذه الهيئات، وذلك على غرار ما حدث عام 2013 حيال السفارة الأميركية في أنقرة، والتي استهدفت من قبل عناصر تابعة لحزب التحرير الشعبي الثوري اليسارية، بما أدى إلى مقتل حارس أمن تركي.
وفي هذا الشأن كانت صحيفة &laqascii117o;حرييت" التركية قد أشارت في 19 فبراير (شباط) الماضي إلى أن تنظيم الدولة يمكن أن ينفذ هجمات بأسلحة أو قنابل ضد البعثات الدبلوماسية للدول المشاركة في التحالف الدولي ضد تنظيم داعش في كل من العراق وسوريا بقيادة الولايات المتحدة الأميركية. وأكدت الصحيفة أن التحذير قد صدر عن وكالة الاستخبارات الوطنية التركية (MIT).

أثارت حادثة إطلاق نار في 9 أغسطس بالقرب من قصر دولما بهجة، الذي يضم مكاتب حكومية، في إسطنبول، ويعتبر معلما سياحيا، المخاوف من أن يفضي ذلك إلى نمط مختلف من أعمال العنف قد تستهدف الأماكن السياحية، لا سيما أنه قد استخدم في الهجوم قنابل يدوية وبندقية آلية، ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الحادث، بما يعكس طريقة &laqascii117o;الطيور الهائمة" التي باتت تنتشر في تركيا.

ويؤكد المحرر الاقتصادي بصحيفة &ldqascii117o;زمان&rdqascii117o; التركية كمال أونال &ldqascii117o;يجسد هذا النمط من الفعل الإرهابي الرغبة في التأثير على الوضع الاقتصادي الذي يعتمد إلى حد كبير على عائدات السياحة المرتفعة، خصوصا أن البلاد باتت تشهد أزمة تضخم من جراء تراجع سعر صرف الليرة التركية بنحو ثلث قيمتها منذ بداية العام. هذا في وقت باتت تعبر فيه قطاعات واسعة من المستثمرين عن القلق المتزايد من أن تواجه البلاد موجة من العنف تدفع بتشكل &laqascii117o;عاصفة عاتية" من الغموض السياسي والاضطراب الأمني&rdqascii117o;.
وقد ذكرت شبكة &laqascii117o;بلومبرغ" الإخبارية الأميركية أن تراجع أعداد السائحين الوافدين لتركيا منذ شهر أبريل (نيسان) الماضي بالتزامن مع تصاعد أعمال العنف، خصوصا بعد الهجوم الإرهابي في محيط قصر دولما بهجة، الذي يمثل أحد أشهر المواقع الأثرية في إسطنبول، أضحى يعزز مخاوف السائحين من &laqascii117o;الوجود في المكان الخطأ في التوقيت الخطأ".

العبوات الناسفة والعمليات الانتحارية
يعتبر أسلوب استخدام العبوات الناسفة من التكتيكات التقليدية لعناصر تابعة لحزب العمال الكردستاني وكذلك للتنظيمات الإرهابية في تركيا. وبات أسلوب قنص رجال الأمن أحد التكتيكات المتبعة من قبل ذئاب الجماعات المتطرفة في تركيا، وقد تعرض كثير من عناصر قوة العمليات الخاصة التركية إلى عمليات قنص، فقد قتل أحد العناصر قرب مدينة سيمدنيلي قرب الحدود مع العراق، هذا بينما قتل شرطيين في فضاء جيلان بينار التابع لمدينة شانلي أورفا، وذلك داخل منزليهما.
وأصبحت العمليات الانتحارية أحد التكتيكات المتبعة من قبل عناصر التنظيمات الإرهابية في تركيا، وعلى الرغم من أن هذا النمط يرتبط أكثر بعناصر تنظيم داعش، إلا أن عناصر حزب العمال أضحت تستنسخ أغلب تكتيكات التنظيم، في ظل التفاعل العسكري النشط بين الجانبين على أكثر جبهة. وتشير اتجاهات تطور الأحداث في تركيا ومساراتها إلى احتمالات تزايد ظاهرة الذائب المنفردة أو الأسراب الهائمة في تركيا، وذلك بالنظر إلى التصعيد غير المسبوق إعلاميا من قبل تنظيم داعش حيال تركيا، فقد أصدر تنظيم داعش مؤخرا كثيرا من البيانات والإصدارات التي تدعو إلى شن عمليات إرهابية داخل مدن تركيا المختلفة، كما أشار البعض من مناصري ومريدي التنظيم داخل تركيا عبر موقع التواصل الاجتماعي &laqascii117o;تويتر" إلى أن &laqascii117o;الذئاب المنفردة في تركيا تنتظر إشارة من الأمير" الداعشي.
ويتوقع الناشط السياسي مو ينتور تصاعد التوتر الأمني بتركيا في ظل كثافة وجود الأتراك والأكراد في صفوف التنظيمات الإرهابية، يقول ينتور&rdqascii117o; ثمة تقديرات تشير إلى وجود أكثر من 600 مقاتل في صفوف التنظيمات المتطرفة من بلدة بينغول وحدها، التي تقع في شرق الأناضول، والتي يبلغ عدد سكانها نحو 250 ألف مواطن، معظمهم من الأكراد الزازا (أكراد من أصول عرقية وإيرانية)، بينما تشير تقديرات أخرى إلى أن العدد أكبر من ذلك، وأن أغلب المناطق الكردية لم تعد تشمل ذئاب منفردة تابعة لحزب العمال الكردستاني، الذي تزايدت قدراته العسكرية على نحو لافت، وإنما أيضًا لتنظيمات داعش والنصرة، في مدن مثل ديار بكر وبيتليس وباتمان وأدايمان، والذين يأتون من الجيل الثاني لـ&laqascii117o;حزب الله" الكردي المتطرف.
هذا الأمر يدفع إلى القول إن &laqascii117o;الإرهاب الفردي" في صيغته القومية المتشددة والدينية المتطرفة بات يشكل خطرا متزايدا في تركيا، هذا في حين يشير تنوع تكتيكاته وأدواته واستراتيجيته إلى احتمالات تصاعد تهديدات &laqascii117o;الذئاب المنفردة" أو &laqascii117o;الأسراب الهائمة" خلال الفترة المقبلة، لتتبلور تدريجيا حالة أمنية قد تكون أقرب إلى ما يعرف بـ&laqascii117o;سنوات الكابوس المظلمة" التي شهدت تركيا موجتها الأخيرة خلال تسعينات القرن الماضي.
المصدر: مجلة 'المجلة'

 

موقع الخدمات البحثية