قراءات إعلامية » بين التضخيم والشيطنة: كيف تناول الإعلام الإسرائيلي الحرب على قطاع غزة؟

رانيا مكرم(*)
بالتوازي مع التصعيد العسكري ضد قطاع غزة، أولت إسرائيل اهتمامًا مكثفًا بوسائل الإعلام لتقوم بالدور المعتاد لها في الأزمات الخارجية، وذلك بحشد الرأى العام الغربي والداخلي خلف السياسة الإسرائيلية، من خلال استراتيجية إعلامية تنفذها وسائل إعلام مرئية ومسموعة ومقروءة مملوكة من قبل كيانات إعلامية كبرى واسعة الانتشار في الدول الغربية وإسرائيل. وتتضح هذه الاستراتيجية الإعلامية بشكل كبير وقت الأزمات الداخلية على غرار الاحتجاجات التي شهدتها إسرائيل منذ فترة، أو خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية في gazarsg_300الخارج، وهي استراتيجية تتبناها حاليًّا وسائل الإعلام الإسرائيلية خلال الحرب التي تشن على قطاع غزة، وتُعرف باسم 'الجرف الصامت'.
أدوات مختلفة
تتمثل أهم آليات الاستراتيجية الإعلامية التي تتبناها إسرائيل في:
1- التضخيم:سعت إسرائيل منذ بداية عملية 'الجرف الصامت' إلى إظهارها على أنها 'حرب ضد الإرهاب'، باعتبارها ردًّا على اعتداء منظمات المقاومة الفلسطينية على أهداف إسرائيلية، كما حاولت التهوين من الآثار الكارثية التي فرضتها العملية العسكرية على قطاع غزة والمدنيين الفلسطينيين.
وقد استطاعت وسائل الإعلام الإسرائيلية حشد الرأى العام الداخلي على مدار السنوات السابقة خلف الجيش الإسرائيلي في عملياته العسكرية المختلفة، فحسب تقرير أعده 'مركز كيشف' (مركز حماية الديمقراطية في إسرائيل)، ونشر في صيف 2012، فإن نسبة تأييد الجمهور للعمليات العسكرية كانت قياسية، حيث بلغت نسبة التأييد لعملية 'الرصاص المصبوب' (ديسمبر 2008- يناير 2009) 97%، في الوقت الذي وصفت فيه وسائل الإعلام العملية بأنها الخيار الوحيد، في ظل غياب خيارات بديلة غير عسكرية مثل إجراء مفاوضات مع الفلسطينيين.
وقد سبق الهجوم الحالي على غزة ما يمكن وصفه بمحاولة تأهيل الرأي العام العالمي لشن هذه العمليات العسكرية، من خلال دعاية تحضيرية للمسرح الدولي، عملت من خلالها الجهات المختصة على فتح مركز إعلامي يعمل على مد الصحفيين بملخصات إخبارية، وفق ما تراه السلطات حول مجريات الأحداث، كما منعت من ناحية أخرى دخول الصحفيين والمراسلين لقطاع غزة.
فضلا عن ذلك، لجأ الجانب الإسرائيلي إلى توزيع رسالة رسمية على أعضاء مجلس الأمن الدولي تبرر عدوانًا محتملا على غزة تحت ذريعة الحق في الدفاع عن النفس وفقًا للمادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة، مفترضًا أن حماس ستلجأ إلى اتخاذ المدنيين دروعًا بشرية، الأمر الذي سيوقع ضحايا من المدنيين، وهو ما يعد تمهيدًا فعليًّا لهذه الضربة. ومع إخفاق وسائل الإعلام في تفسير مظاهر العنف، وسقوط الضحايا المدنيين بكثرة، وحجم الدمار الذي ألحقته الهجمات العسكرية بالقطاع؛ لجأت إلى آلية أخرى، حاولت من خلالها التركيز على الإنذارات الاستباقية التي يوجهها الجيش الإسرائيلي لسكان المناطق المراد قصفها باعتبار أن ذلك يمثل بادرة إيجابية من جانب الجيش لتجنب استهداف المدنيين.
2- 'شيطنة' الطرف الآخر والتحريض ضده: حاولت وسائل الإعلام الإسرائيلية التركيز على تطور القدرات الصاروخية لكتائب 'عز الدين القسام'، الذراع العسكرية لحركة حماس، وتهديدها للأمن الإسرائيلي، وعلى معاناة المدنيين الإسرائيليين من هذه الصواريخ، من خلال الحديث عن أن كثيرًا من الإسرائيليين قد اضطروا للتواجد في الملاجئ والتحصينات، وخارج المناطق المأهولة، خوفًا من الاستهداف.
3- تحويل الانتباه عن القضية الأساسية:سعت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى تشتيت الانتباه عن القضية الأساسية وهي قصف غزة، والاهتمام بقضايا أخرى فرعية وربما مختلقة، فعلى سبيل المثال، اهتمت الصحف الإسرائيلية بما وصفته بأنه 'تجاهل' تتعامل به بعض وسائل الإعلام العربية مع العملية العسكرية ضد غزة. كما حاولت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية تحميل السلطة الفلسطينية مسئولية العملية العسكرية على غزة، بسبب عزوف الرئيس محمود عباس عن الضغط على حماس بهدف وقف إطلاق الصواريخ على المدن الإسرائيلية، بما يتناقض، في رؤيتها، مع تصريحات الرئيس الفلسطيني بأنه على الحكومة الفلسطينية الجديدة احترام الالتزامات السابقة للسلطة الفلسطينية فيما يتعلق بعدم استخدام العنف ضد إسرائيل.
4- الاعتماد على التواجد في وسائل إعلام عربية:لجأت السلطات الإسرائيلية إلى التواجد في وسائل إعلام عربية، للتعبير عن رؤيتها للأحداث، وشرح مبررات العملية العسكرية في غزة، حيث ظهر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي في قناة 'الجزيرة' القطرية، بالإضافة إلى عدد من المحللين الإسرائيليين الذين حاولوا تبرير قصف القطاع، اعتمادًا على تطوير كتائب 'عز الدين القسام' لقدراتها الصاروخية، وتهديدها لأمن الداخل الإسرائيلي، والتأكيد على وجهة نظر مفادها أن المعركة في غزة متكافئة، ولها أسبابها الوجيهة.
في ظل هذه الاستراتيجية الإعلامية الإسرائيلية يمكن ملاحظة تأثيرها غير المحدود في الرأي العام الداخلي والغربي، والذي أصبح يردد ما تسوقه وسائل الإعلام الإسرائيلية من أن الآلة العسكرية الإسرائيلية تقوم بالرد على منصات إطلاق الصواريخ في غزة، وأن القلق يسيطر على حياة كثير من الإسرائيليين الذين يسارعون إلى الاختباء في الملاجئ، وهو أمر يستدعي معه تبني استراتيجية إعلامية قادرة على مواجهة الإعلام الإسرائيلي، وكشف ممارساته، لا سيما أن الإعلام جزء أساسي من المعركة إن لم يكن عمودها الفقري.
(*) باحثة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية
المصدر: المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية

موقع الخدمات البحثية