English » كيف تستطيع ميانمار مكافحة صراعاتها العرقية؟

سيث دي. كابلان(*) ـ كريستان سينس مونيتور
في مؤشر على النجاح الكبير الذي حققته ميانمار (بورما) على مدار الأعوام القليلة الماضية، أجرى ذلك البلد أول إحصاء للسكان في عقود. لكن استثناء السكان المسلمين في ميانيمار، والذين طالما تعرضوا للاضطهاد من هذا الإحصاء، يقف ليذكر بالتحديات الكبرى التي ما يزال البلد يواجهها في محاولة الانتقال إلى الديمقراطية.
ورغم أنه استطاع إحراز تقدم كبير على الصعيدين الاقتصادي والسياسي في الأعوام الثلاثة الماضية، فإن مستقبل ميانمار يظل معاقاً بسبب طيف الصراع الإثني والديني. ويجب على قادة ميانمار أن يتخذوا، بدعم من المجموعة الدولية، خطوات لضمان حقوق الأقلية وتعزيز الوحدة المجتمعية.
طيف مختلط من الإثنيات
بينما احتلت ممارسات المتطرفين البوذيين ضد المسلمين عناوين الأخبار، ما تزال لدى ميانمار مناطق خطأ أعمق، والتي لطالما تحدت وحدتها. لم تستطع أي حكومة أن تمد سيطرتها على كل رقاع البلد منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية، وعصف الصراع المسلح بالبلد منذئذٍ.
بوجود طيف متنوع من إثنيات عنيدة ليس لها سوى قدر صغير من المعرفة بحقائق المجتمع المشترك، نرى أن ميانمار مقسمة بين الأغلبية البورمية في البلد والمجموعات الإثنية المختلفة، مثل 'كاتشين' و'الشان' و'كارن' و'تشين' و'مون' و'اركانيز'، وأخريات. وفي الأثناء يعاني المسلون الروهينجا الذين يصل عددهم إلى نحو مليون، من التفرقة المنهجية.
تنطوي درجة التنوعية العرقية والدينية على تحد حتى لأكثر البلدان المستقرة والمتقدمة. ويجعل تاريخ ميانمار الطويل من عدم الاستقرار والقمع والمؤسسات الضعيفة وسوء التطور على نحو خاص منها عرضة لخطر الصراع، مما يمهد الطريق أمام حكومة يديرها العسكريون لتأكيد سلطتها والتراجع عن تنفيذ الإصلاحات. وبالإضافة إلى ذلك، تقوم الانتخابات الحرة بالمزيد من إشعال هذه التوترات بدلاً من امتصاصها.
مزايا الوحدة الاجتماعية
ستنجح ميانمار فقط إذا بذل قادتها جهداً منسقاً من أجل تعزيز التماسك والتعاضد الاجتماعي في عموم البلد، ومن أجل إيجاد طرق لتمكين مجموعات الأقلية. وسيزيد عمل ذلك من حجم الشرعية التي تتمتع بها الدولة أصلاً، وسيحسن كم البلد برمته.
أظهر البحث الأكاديمي أن البلدان المتسمة بالتماسك الاجتماعي تكون لديها صراعات أقل وحكومة أفضل وتنمية أكبر واستقرار أكثر كذلك. فتونس على سبيل المثال تتمتع بأفضل الفرص بين بلدان الربيع العربي لأنها تتوافر على مجتمع أكثر تماسكاً مقارنة مع أمكنة أخرى مثل ليبيا وسورية. وما يزال قادتها يبدون رغبة أكثر في التوصل إلى تفاهم خدمة للصالح العام مقارنة مع أمكنة أخرى. ويعد هذا التماسك أساسياً على نحو خاص خلال فترات الانتقال السياسي -عندما تكون قوانين الحكومة على المحك.
سوف يتطلب بناء التماسك الاجتماعي في ميانمار تأكيداً من جانب قادة هذا البلد على الشمولية قولاً وفعلاً. لكنهم غالباً جداً ما تصرفوا بطرق تفاقم العلاقات بين المجموعات.
وتجدر الإشارة إلى أن أي قائد سياسي بورمي رئيسي لم يتصد لعدم التسامح والاستثناء الاجتماعي اللذين يهددان العملية الانتقالية في البلد، بمن في ذلك حتى أونغ سان سو كيي (الشخصية المعارضة للحكومة). ومع أن حكومة الرئيس ثين سين صنعت من اللامركزية أولى الأولويات مقارنة مع ما فعلته سابقاتها، فإن الحكم الذاتي السياسي للحكومات شبه القومية (التي تحكم في معظم الحالات من جانب مجتمعات أقلية) تظل محدودة جداً.
مساعدات دولية ـ وضغوط
تستطيع المجموعة الدولية المساعدة بطرق عدة. أولاً، يجب ربط المساعدة الدولية -والاستثمار- بخطوات ملموسة من جانب الحكومة في اتجاه معالجة الاستثناء المجتمعي. فكلما صار هناك المزيد من الصفقات التجارية، وزيارات يؤديها قادة أجانب ومساعدة مشروطة بسياسات شمولية، كلما كان من المرجح أكثر أن يستجيب الإصلاحيون. وهكذا، تستطيع الشركات والحكومات الأجنبية توفير التغطية للساسة المحليين لاتخاذ مواقف أقوى لهذه السياسات.
وفي الأثناء، سيزيد جلب بوذيين مرموقين من وراء البحار وتقوية البوذيين البارزين في داخل البلد والراغبين في ترويج الشمولية، سيزيد ذلك من قبول العمل المبدئي ومن تعزيز فعالية هذه الأعمال.
ثانياً، المساعدة من أجل اللامركزية -يجب أن يحظى تطوير الحكومات على المستوى الإقليمي بدرجة من الحكم الذاتي- بالأولوية. ويستخدم كل بلد ديمقراطي يضم مجموعات هوية منفصلة جغرافياً ومتعددة، فكرة اللامركزية في شكل معين لرص صفوفه.
من أجل النجاح، يترتب على ميانمار سلوك الطريق نفسه. ويدرك اللاعبون المحليون ذلك، لكن الحاجة تمس إلى الكثير من المساعدة لتأسيس الهياكل السياسية والمؤسسات الإدارية والترتيبات المالية الأكثر مناسبة.
دروس من الهند وتونس وجنوب أفريقيا
ثالثاً، يستطيع المجتمع الدولي أن يقدم أمثلة ووصولاً إلى قادة البلدان التي تعاملت بنجاح مع التحديات المشابهة. وتعد الهند لاعباً إقليمياً مهماً وتوفر مخطط عمل جاهزا للنجاح. ورغم موجات من الصراع والتنوع الضخم، فقد استطاع هذا البلد التماسك عبر خلق هوية قومية قوية، وانتهاج لامركزة السلطة الكبير وتوزيعها في حكومات مناطقية استناداً إلى هويات مناطقية قوية.
إلى ذلك، طورت جنوب أفريقيا هوية قومية جديدة لما بعد النظام العنصري باعتبارها 'أمة قوس قزح' لبناء تلاحم اجتماعي في بلد كان لديه ذات مرة القليل منه. وقد ساعد هذا اللقب المشهور في قولبة الممارسات التي يمارسها قادتها، وأفهم الأقليات أنها ما تزال موضع ترحيب. كما ألغى البلد مركزية السلطة ومنح مجموعات الأقلية الفرص لتولي الحكم.
مسمار المحور لإقليم كامل
لأنها تقع عند تقاطع طرق بين الهند والصين وجنوب شرق آسيا، تمسك ميانمار بمفتاح تحسين حيوات مئات الملايين من الناس في داخل حدودها وفي داخل البلدان المحيطة بها أيضاً. ومن الممكن أن تكون مثالاً يحتذى بالنسبة للمنطقة التي ما تزال تفشل غالباً في رفع لواء نماذج التعددية، كما أظهرت على نحو محزن الانتخابات الأخيرة في كمبوديا وتايلاند وبنغلاديش. يجب على قادة ميانمار، بدعم من المجموعة الدولية، أن لا ينظروا إلى التنوع كتهديد لدولتهم وإنما كرافعة لبناء وحدة واستقرار أكبر.

(*) محاضر محترف في كلية الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جون هوبكنز. وهو المحرر المسؤول في منتدى الدول الضعيفة. ومؤلف كتاب 'مخذولون: السياسة والسلطة والازدهار'.
ـ نشر هذا المقال تحت عنوان: How Myanmar can combat ethnic conflict
ترجمة: عبد الرحمن الحسيني لموقع 'الغد'

موقع الخدمات البحثية