أوراق إستراتيجية » ديناميات الحرب الأهلية السورية

برايان مايكل جنكينز ـ مؤسسة RAND

بخلاف ما هو عبارة عن قصاصة ملونة موجودة على الخريطة لم تعد سوريا موجودة ـ لن تكون هناك حكومة قادرة، في المستقبل المنظور، على حكم كل ما كان يشكل الدولة الحديثة في سوريا.
• إن الحرب الأهلية في سوريا هي حول ما إذا كان بشار الأسد سوف يستمر في قيادة الحكومة السورية، لكن الحرب تعكس، على نحو متزايد، التيارات الطائفية الأوسع التي تقسم البلاد والمنطقة. هذا يعد  الباثولوجيا المركزية للصراع السوري. وسوف يعرقل ذلك حله.
• بعد ما يقرب من ثلاث سنوات من القتال، هناك أكثر من 125000 من الناس، من أصل عدد السكان البالغ حوالي 22 مليون نسمة، قد لقوا حتفهم في الصراع. وفر ثلث سكان البلاد إلى الخارج أو نزحوا الى مناطق أخرى في الداخل. وبحلول نهاية عام 2014، قد يكون هناك أكثر من نصف السكان يعيشون كلاجئين-  حالة مواتية للإرهاب في المستقبل.
• يبدو أن قوات الأسد، بدعم من روسيا وإيران وحزب الله والمتطوعين الشيعة من الخارج، قد شلت حركة التمرد المنقسمة، لكن الأسد لن يكون قادراً على استعادة سلطته في جميع أنحاء البلاد.
• في حين نما التمرد ووصل إلى قوة تعدادها أكثر من 10000 ، فإن ذلك يعكس العديد من انقسامات العالم الإسلامي الأوسع نطاقا- المشرذم والغارق في حرب مع نفسه.  وتسيطر قوات المتمردين، اسمياً، على مناطق واسعة من البلاد حيث انسحبت القوات الحكومية، لكنها أيضا لن تكون قادرة على فرض سلطتها في جميع أنحاء سوريا.
• أدى الدور المتزايد للعناصر الجهادية، مع تزايد أعدادهم من خلال تجنيد المقاتلين الاجانب والانشقاقات من جانب الجماعات المتمردة الأخرى، الى تقسيم حركة التمرد وإلى تثبيط الحكومات المعادية للأسد في الغرب عن تقديم دعم عسكري كبير وهام.
• نظراً لهذه الديناميكية، لا يوجد تغييرات واضحة للعبة. فالتدخل العسكري الأمريكي المباشر، والذي بدا للحظة أمراً مرجحاً عقب استخدام الحكومة السورية للأسلحة الكيميائية، أو إزالة تلك الأسلحة الكيميائية من سورية لن تفعل شيئا يذكر، إذا ما حصل، للحد مما يرجح أن يصبح مواجهة طويلة ودامية، وربما التصعيد والدخول في صراع إقليمي أوسع.
• من غير المحتمل التوصل إلى تسوية سياسية.
 


*1. خريطة تظهر من يسيطر وعلى أي أجزاء في سوريا في الحرب الأهلية الحالية وهي تجعل الأمر أكثر منطقية بكثير عند النظر إليها بالترافق مع خرائط أخرى للبلد. يظهر هذا الرسم استخدام الأرض في سوريا. معظم البلاد عبارة عن صحراء وسهوب خالية من الاشجار مما يسمح ببعض الرعى للبدو الرحل والزراعة المتناثرة. إن الجزء المزروع من البلاد يقع على طول الساحل السوري على البحر المتوسط، وعلى الحدود الشمالية مع تركيا، وفي قطاع ضيق على طول نهر الفرات.
 

*2. ليس مستغربا أن يكون معظم الناس مركزين في مناطق دعمت، تاريخياً، الزراعة. لقد كان القتال مركزاً في هذه المناطق الثلاث: الساحل المتوسطي، المنطقة الحدودية الشمالية، والبلدات الواقعة على طول نهر الفرات.

ما الذي يدور حوله هذا المقال؟
يستكشف المقال ديناميات الصراع السوري-  التيارات تحت سطح تبدلات العناوين المحيرة. ويهدف إلى تقديم تقدير للوضع دون التظاهر بكونه قادراً على ملأ العديد من الفراغات في ما نعرفه حول الظروف على الأرض. إن الغموض في الصراع السوري هو أكثر من مجرد تحذير؛ إنه يلقي بظلاله على كل تحليل ويصبغ كل قرار سياسي.
إن الملاحظات التي ذكرت هنا هي من جراء الاطلاع على المناقشات التي جرت مؤخرا مع مسؤولين حكوميين ومحللين في الشرق الأوسط، أوروبا، والولايات المتحدة. لقد استفدت أيضا من تعليقات مفيدة من الزملاء في مؤسسة RAND وغيرهم، لكن تبقى الورقة تقييماً شخصياً مستمداً من تجربتي وأبحاثي الخاصة على مر السنين. ولكي نكون منصفين إزاء القارئ، فإن التعليقات المستمدة من حدسي أو تخميني مبينة على هذا النحو.

الرسم 3: التوزيع العرقي ـ المذهبي للسكان
 

*المسلمون السنة يشكلون أكثرية سكان سوريا، إلا أن العلويين، الشيعة ( الاسماعيليين)، المسيحيين، الأكراد، والدروز هم أقليات مهيمنةعلى الجيوب الجغرافية.

الرسم 4: سيطرة المتمردين في مقابل السيطرة الحكومية، حزيران 2013
 

*بالكاد يظهر الوضع في منتصف عام 2013 من المسيطر وعلى أية أجزاء في سوريا. وقد هيمنت الحكومة في المناطق العلوية، الشيعية، المسيحية، الدرزية، والمناطق السنية المختلطة في الغرب، مع امساك المتمردين بقسم كبير من الممر على طول نهر الفرات والمناطق الواقعة الى جنوب غرب البلاد. وكان الأكراد يدافعون عن جيوبهم في الشمال.

 

المتحاربون
قوات الأسد
الحالة الحالية. في بداية الانتفاضة في سوريا، كانت الحكومة تمتلك إحدى أقوى القوات المسلحة في الشرق الأوسط. إذ كان يبلغ تعداد قواتها الإجمالية أكثر من 300000 جندي ، بما في ذلك  220000 في الجيش و70000 آخرين في سلاح الجو وقيادة الدفاع الجوي. وكانت هذه القوات مدعومة بـ 350000 من جنود الاحتياط ( تختلف الأرقام بحسب المصدر ). وككل، كانت التقديرات تشير إلى أن بامكان الدولة، من الناحية النظرية، استدعاء 1.7 مليون مقاتل.
كان الجيش السوري مسلحاً بشكل جيد، بامتلاكه عدة آلاف من الدبابات القتالية الرئيسة، وأكثر من 4000 ناقلة جند مدرعة. وكان سلاح الجو يمتلك أكثر من 300 مقاتلة وطائرة للهجوم البري بالإضافة إلى 165 طائرة هليكوبتر.
وعلى الرغم من أنه كان هناك موجة من الانشقاقات في وقت مبكر من التمرد المسلح، فإن قوات الأسد لا تزال تحافظ على حجمها الكبير وعلى ميزة قوة النيران لديها ضد المتمردين. وكانت قوات المتمردين قادرة على الاستيلاء والسيطرة، الآن، على مناطق واسعة من البلاد، إلا أن قوات الأسد تحتفظ بدمشق، وتمسك بكل عواصم المحافظات، وقواعد الجيش الرئيسة.
قيود على انتشار القوات خلال الثورة. بسبب الخوف من الانشقاقات، بإمكان الأسد نشر حوالي ثلث قواته فقط. وهؤلاء، في المقام الأول، هم وحدات النخبة، بما في ذلك فرقة المدرعات الرابعة، التي لعبت دوراً رئيساً في قمع التمرد، والحرس الجمهوري، وأفواج القوات الخاصة المزودة، بشكل أساسي، بالجنود المهنيين العلويين بدلاً من المجندين السنة، والتي هي، وبشكل حصري تقريباً، بقيادة ضباط علويين مرتبطين ارتباطاً وثيقا بالرئيس. أما الوحدات المتبقية، المؤلفة من المجندين السنة إلى حد كبير ، فيجري الاحتفاظ بهم في حامياتهم. وهناك تقارير عن العديد من الضباط المحتجزين في السجن.
يعكس توزيع الأسلحة المتطورة لسوريا الموثوقية السياسية. فالقوات الموالية تتولى قيادة الوحدات المدرعة، بطاريات المدفعية، أنظمة الصواريخ، والقوة الجوية، بما في ذلك طائرات الهليكوبتر، في حين يشكل المجندون السنة الأقل موثوقية الجزء الأكبر من المشاة. وتعتمد القوات الحكومية على قوة النيران الثقيلة هذه لقمع التمرد. هذا ينسجم أيضا مع عقيدة مكافحة التمرد السوري. فالطائرات، المروحيات والعربات المدرعة السورية سوف تبلى مع الاستخدام المستمر، مما يضطر الحكومة إلى الاعتماد بشكل كبير على الامداد الروسي. وحتى عندها، فإن مشاكل الصيانة والمعنويات سوف تؤدي، تدريجياً، الى انهاك القوات النظامية السورية.
باستثناء وحدات النخبة لديه، يعتبر معظم الجيش السوري مجهز ومزود بالمجندين. وهؤلاء يخدمون عادة لمدة ثلاثين شهرا، مما يعني أن أولئك المجندين عندما بدأ التمرد يقضون الآن فترة ما بعد الخدمة المعتادة. ومن غير المرجح أن يتم صرفهم. فقد قلل التمرد عدد السكان الموجودين تحت سيطرة الحكومة، مما يحد من قدرتها على الوصول إلى مجندين جدد. إنها ليست مجرد مسألة أرقام، بل هي مسألة موثوقية. فولاء المجندين السنة الجدد محل شبهة الآن-  قد يتم اعدادهم لمنعهم من الانضمام إلى المتمردين، لكن لا يمكن استخدامهم في المعركة.
إن القيود المفروضة بالفعل على قوتها البشرية القابلة للانتشار اجبرت الحكومة على التخلي عن أجزاء واسعة من البلاد من أجل الدفاع عن مناطق استراتيجية. قد يفسر هذا الأمر التقدم السريع الأولي التي قامت به قوات المتمردين أكثر مما يفسر المعارك الكبرى. وقد جعل هذا الأمر النظام يسعى للحصول على تعزيزات لدى الميليشيات المحلية والمقاتلين الأجانب مثل تلك التي يقدمها حزب الله.
يبدو من المرجح أن تلعب الميليشيات دورا مهيمناً بصورة متزايدة في القتال. فهذه الميليشيات تحل مشكلة القوى البشرية العاملة في سوريا ويمكنها توظيف الروح المعنوية لحماية جيوب موالية للحكومة  وطرد المتمردين ومؤيديهم من المناطق المتنازع عليها.
إن استخدام الميليشيات المحلية يؤدي الى استغلال الانقسامات الطائفية ويوفر فرصاً إضافية لتصفية الحسابات. إذ بامكان الميليشيات المحلية، التي تعمل بما يتخطى قواعد الاشتباك وتكون مدعومة فقط عند الضرورة بواسطة القوة الجوية أو المدفعية الحكومية، أن ترتكب المذابح تحت المراقبة في حين تقدم للنظام سترا رقيقاً للانكار. لكن هناك مخاطر بإمكانية أن تتحول هذه الميليشيات المحلية، وببسهولة، إلى عصابات إجرامية، ما يخلق مشكلة أمنية على المدى الطويل. هذا النوع من القتال يراكم أيضاً أسباب الانتقام. ولا يشكل أي منهما مصدر قلق مباشر للنظام الذي يقاتل من أجل بقائه.
هناك نوعان من الميليشيات في سوريا ذات الأسماء الطنانة ولكن أصولهما مختلفة. الأول هو ميليشيات "الشبيحة" (وأصلها باللغة العربية" الأشباح" ) وهو اسم مستمد من العصابات الإجرامية المحلية التي تشارك في التهريب وسرقة الآثار، وأنشطة إجرامية أخرى. إن الشبيحة، ومعظمهم من العلويين، هم بقيادة أقارب الرئيس الأسد، الذين يشاركونهم في مكاسبهم ويزودوهم بالحماية. أساسا، هم من البلطجية الذين يتم التعاقد معهم، ويتضمن هؤلاء مدانين سابقين مفرج عنهم من السجن في مقابل الولاء لنظام الأسد والذين يجري استخدامهم الآن لتنفيذ هجمات وحشية ضد المعارضين للحكومة.
أما النوع الثاني من الميليشيات فهو "الجيش الشعبي "، الذي انبثق من المنظمات الشعبية وحزب البعث، والذي أنشئ للدفاع عن المدن والأحياء الموالية للنظام خلال انتفاضة الإخوان المسلمين في أواخرالسبعينات. هذه " اللجان الشعبية "، كما تسمي نفسها الآن، تم احياؤها في الحرب الأهلية الحالية للدفاع عن معاقل العلويين، المسيحيين، والدروز ضد المتمردين. وبحسب ما يقال، فإن هذه اللجان منظمة ومسلحة ومدربة على أيدي الحرس الثوري الاسلامي في ايران وحزب الله. ويقدر أحد التقارير قوة هذه اللجان بـ 50000.
إن الميليشيات المحلية في سوريا هي الآن عبارة عن "أسلحة دمار شامل". إنها تخدم نفس غرض استخدام الأسد للاسلحة الكيميائية لجهة ترويع وطرد المدنيين الذين قد يدعمون المتمردين. فبدعم من القوة الجوية والوحدات المدرعة، تقوم الميليشيات المحلية بالحلول محل المشاة السنة. لقد أصبحت هذه الميليشيات بمثابة قوات الصدمة للنظام، التي تعمل على استئصال المقاتلين المتمردين، ترويع أنصار المتمردين المشتبه بهم، وتنفيذ التطهير العرقي. وبينما تتآكل المؤسسات الوطنية، سوف تصبح الميليشيات الحامي الرئيس لجيوب النظام. إن دورها في الأعمال الوحشية ضد المدنيين السنة تضمن ولائها للنظام- لا يمكن أن يتوقع هؤلاء البقاء على قيد الحياة بظل أي حكومة أخرى وسوف يواصلون القتال حتى لو سقط الأسد. هذا الأمر يقلل من احتمالات التوصل الى تسوية سياسية.
إن لتورط الميليشيات المحلية آثاراً أيضاً على أي تدخل عسكري أجنبي في المستقبل. فتحييد القوات المسلحة السورية لن ينهي القتال. ولا يمكن لقوات التدخل الاعتماد على أي جيش وطني للحفاظ على النظام. بل ستكون القوات الأجنبية في مواجهة مجموعة من التشكيلات العسكرية المستقلة والجماعات الإجرامية.
الدعم الأجنبي للأسد. جاءت روسيا وإيران، اللتان لم يردعهما الخطاب الغربي بوجوب رحيل الأسد، لتقديم المساعدات للأسد علناً، وتوفير الغطاء السياسي والمالي والدعم العسكري له في منعطف حاسم عندما بدا أن لدى قوات المتمردين فرصة للاستيلاء على دمشق.
بالنسبة لحلفاء الأسد، كان ذلك قرارا سهلاً. إذ سيكون سقوط الأسد بمثابة ضربة استراتيجية لإيران. فإيران لن تفقد حليفاً هاماً فحسب في المنطقة، إذ يخشى القادة الإيرانيين من أن يكون زوال الأسد مصدر إلهام لحركة محلية تهدف إلى إسقاط الجمهورية الاسلامية. وسيكون سقوط الأسد ضربة استراتيجية أيضاً لحزب الله، حليف إيران. بالمقابل، إن بقاء الأسد هو إضافة لهيبة ونفوذ إيران وحزب الله في المنطقة.
ظلت روسيا أيضاً حليف الأسد الصامد، ولكن قد يكون لها دوافع أكثر تعقيداً. فالأسد هو حليف روسيا الأخير المتبقي في الشرق الأوسط، وسوريا مستهلك رئيس للأسلحة الروسية، وتستضيف على أرضها القاعدة البحرية الوحيدة لروسيا في المياه الدافئة، على الرغم من فائدتها الاستراتيجية المتواضعة. روسيا متمسكة أيضاً بطموحات القوى العظمى. إنها تعارض التدخل العسكري الغربي كمسألة مبدأ. كما أن تقاربها تجاه الأقليات المسيحية والعداء تجاه المتطرفين الإسلاميين، وهي الكيفية التي ترى فيه المتمردين السوريين، راسخة بعمق.
بالإضافة إلى توفير الغطاء السياسي للأسد عن طريق عرقلة قرارات مجلس الأمن الدولي التي كان من شأنها إدانة الحكومة السورية على عمليات القتل الجماعي للمدنيين واستخدامها للأسلحة الكيميائية، واصلت روسيا شحن الإمدادات العسكرية للجيش السوري، بما في ذلك طائرات الهليكوبتر، أنظمة الدفاع الجوي، والوقود، كما قدمت المستشارين العسكريين لتزويد أنظمة الدفاع الجوي بالرجال وتعليم ضباط الجيش السوري كيفية استخدام الأسلحة الروسية الأخرى.
قدمت إيران الدعم المالي والتدريب للميليشيات السورية. إذ نشرت عناصر فيلق الحرس الثوري الاسلامي بصفة مستشارين وتقوم، بحسب ما ورد، بتجنيد المتطوعين الشيعة الأجانب للقتال في سوريا.
دور حزب الله. بناء على إلحاح من إيران انضم حزب الله أيضا إلى المعركة إلى جانب الأسد. وقد تراوحت التقديرات حول عدد مقاتلي حزب الله في سوريا من 2000 إلى 10000 مقاتل. ومهما كان العدد الفعلي، فليس هناك من شك في أن حزب الله يوفر للجيش السوري قوة من المقاتلين المدربين تدريباً جيداً والمجهزين تجهيزاً جيداً، والذين لهم باع طويل في المعارك. فبالاستفادة من سنوات من الخبرة القتالية المكتسبة في الحرب الأهلية اللبنانية وحربين مع إسرائيل، كان مقاتلو حزب الله ذوي أهمية خاصة في جهود نظام الأسد لاستعادة مدن هامة على طول الحدود اللبنانية، مثل القصير.
إن التورط في سوريا يمكن أن يعوق تنظيم حزب الله  ويجعله يتعثر، ما يخلق استنزافاً كبيراً لموارده ويشتت انتباهه في الوقت الذي يشوه به سمعته بقتله إخوانه المسلمين. وتشير التقارير الأخيرة إلى أن حزب الله ينسحب الآن تدريجياً من سوريا. أما عما إذا كان يفعل ذلك لأن مهمته قد أكتملت الآن إلى حد كبير، بعد أن عزز القوات السورية وطرق الإمداد الخاصة به من خلال سوريا، باستثناء استمرار تدريب الميليشيات السورية ، أم لأن ذلك يعكس المخاوف بشأن تهديدات محتملة في لبنان فإن الأمر غير واضح حتى الآن.
تساعد ايران أيضاً في تعبئة المتطوعين الشيعة في العراق ولبنان. وقد ظهر عدد من الميليشيات الشيعية المستقلة في سوريا في صيف عام 2013. ومنذ ذلك الحين، لعبت هذه الميليشيات دوراً متنامياً في القتال، لتحل بذلك محل وحدات المشاة السنة الأقل موثوقية من جانب الأسد. ويتم تجنيد الميليشيات الشيعية لا للقتال نيابة عن الأسد، وانما للدفاع عن المواقع الدينية الشيعية في سوريا، وذلك في تشديد على القضية الطائفية. وفي حين أنه لا يتوافر سوى القليل من المعلومات حول مسألة القيادة والسيطرة لديها، كحزب الله، فإنها قد تكون مدينة بالفضل لقادة إيران أو للشيعة في العراق أو لبنان أكثر من الأسد. هذا الأمر له آثار على مستقبل سورية – كيانات طائفية ذات ولاءات تتجاوز الحدود السورية تحل محل المؤسسات الوطنية السورية.
قوى المعارضة
الجيش السوري الحر. بدلا من أن تكون حرباً أهلية ذات وجهين، أصبح القتال في سوريا مشهداً متغير الألوان للصراعات الداخلية.  إذ يضم "جيش" التمرد أكثر من ألف وحدة مستقلة، وكثير من هذه الوحدات تسمي نفسها كتائب وألوية، ولكن هذه المصطلحات العسكرية لا تعني ما هومعادل لمنظمة أو قوة. يتم تجميع الوحدات المستقلة في كيانات أكبر على أساس الأيديولوجية والولاء الاسمي إلى إحدى فصائل التمرد الرئيسة أو غيرها، لكن أعدادهم وولائاتهم مائعة. فالمجموعات تتجمع وتنقسم. إذ قد ينشق الأفراد القادة لتشكيل مجموعات جديدة. كما ينقل المقاتلون المتمردون ولائهم من مجموعة إلى أخرى. إن أمر المعركة لدى المتمردين صلاحيته قصيرة.
إن الجيش السوري الحر عبارة عن مجموعة مظلة لتنظيمات قتالية ممثلة اسمياً في الخارج بـ "الائتلاف الوطني السوري"، الذي يشكل أول جيل من المتمردين، وبزيادة تتضمن عشرات الآلاف من المنشقين عن القوات المسلحة السورية، مع انتشار التمرد واشتداد حدة القتال. فالعديد من المنشقين من المجندين السنة كانوا من الذين عارضوا الهيمنة العلوية وربما احتسبوا أن النظام سوف يسقط بسرعة.
إن الموجة الأولى من الانشقاقات في الجيش (ومعظمهم من السنة ) قد انتهت، وعدد المنشقين عن القوات الحكومية في انخفاض الآن. فأولئك الذين أرادوا الانشقاق، وكان بامكانهم ذلك، قد فعلوا أو قُتلوا وهم يحاولون. وفي الوقت نفسه، يبدو أن احتمالات بقاء النظام قد تحسنت، والجهود المبذولة لضمان ولاء قواته المتبقية قد زادت. وللمفارقة، قد تكون التكتيكات الوحشية التي تقوم بها الحكومة عمداً مثبطة أيضاً لجهة حصول المزيد من الانشقاقات. إن الانشقاق أمر محفوف بالمخاطر دائماً، بل إن الجنود السوريين الذين يفكرون الآن بالانشقاق يخشون من قتلهم على الفور إذا ما ظهروا في معسكر المتمردين. وما لم هناك من تغيير جذري في ساحة المعركة، فسيكون على قوات المتمردين الاعتماد على المقاتلين الاجانب وتجنيد المقاتلين في المناطق التي تقع تحت سيطرتهم بالفعل.
مع ما يقرب من 50000 من المقاتلين الموجودين اسمياً تحت قيادته- نصف مجموع قوة التمرد تقريباً- اعتمد الجيش السوري الحر على حملة حرب العصابات مركزة على إضعاف قوات الأسد وبنيتهم التحتية، إلا أن أنشطتهم محلية وغير منسقة بدلا من اعتمادهم استراتيجية وطنية. وبعد ما يقرب من ثلاث سنوات من القتال، تتراوح التقديرات حول الأراضي السورية التي تسيطر عليها كل القوى المناهضة للأسد، بما في ذلك تلك التي تسيطر عليها الميليشيات الكردية، ما بين 60 إلى 70 بالمائة، على الرغم من أن التقديرات تشير  إلى وجود أقل من 50 في المائة من السكان تحت سيطرة المتمردين. (يعطي الشكل 4 فكرة تقريبية عمن هو المسيطر وعلام يسيطر اعتباراً من يونيو/ حزيران 2013).  ويبدو أن الدعم المتزايد للقوات الحكومية من جانب حلفاء الأسد الروس والإيرانيين، إلى جانب زيادة الاقتتال بين قوات المتمردين، قد أعطى الحكومة السورية ميزة، على الأقل في الوقت الحاضر.
يبدو أن الجيش السوري الحر يفقد قبضته على المزيد من التنظيمات الإسلامية. ففي سبتمبر/ أيلول عام 2013، انسحب 11 تنظيم إسلامي متمرد، بما في ذلك جبهة النصرة المرتبطة بالقاعدة وثلاث تنظيمات إسلامية قوية ولكن أكثر اعتدالا كانت جزءاً من الجيش السوري الحر، من المجلس الوطني السوري، رسمياً، ودعت إلى بذل جهود موحدة ضمن " إطار إسلامي". وحدثت جولة أخرى من الانشقاقات عن الجيش السوري الحر من جانب وحدات المتمردين في اكتوبر/ تشرين الاول.
إن المعارضة غير منظمة، وكانت عاجزة عن تشكيل حكومة مؤقتة وطنية ذات مصداقية في المناطق التي تسيطر عليها، على الرغم من أن بعض جماعات التمرد قد وضعت الآلية لحكومة محلية. وقد زاد تصاعد القتال داخل المعارضة أيضاً من صعوبات المتمردين. فالانقسام الرئيس هو بين المكونات الأكثر علمانية في قوى المعارضة، الممثلة في هذا الميدان بالجيش السوري الحر، وبين مختلف الجماعات الجهادية، وبعضها مرتبط مباشرة بتنظيم القاعدة. أما في الوقت الحاضر، فتبدو المنظمات السنية، التي كانت مرتبطة يوماً بالجيش السوري الحر، أكثر راحة مع السلفيين الأكثر تطرفاً أو الجهاديين، إلا أني أعتقد أن تعاونها مع أي من قوات المتمردين يعتمد على الوضع في أي لحظة. وفي الوقت نفسه، تطور الانشقاق بين الجيش السوري الحر والجهاديين إلى ما هو أكثر من الخلافات بين "الشركاء في السلاح ". إن القتال بين الفصائل المتمردة في سوريا يذكر بالاقتتال الداخلي الخبيث الذي أضعف المدافعين عن الجمهورية الاسبانية خلال الحرب الأهلية في اسبانيا في الثلاثينات.
في منتصف شهر سبتمبر/ أيلول عام 2013، أخرج مقاتلون من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ( داعش) التابعة للقاعدة مقاتلي الجيش السوري الحر من بلدة أعزاز على الحدود التركية. وعاد الجيش السوري الحر وضرب مما أسفر عن مقتل قائد داعش المحلي. وفي الآونة الأخيرة، اشتدت حدة الاشتباكات بين الجيش السوري الحر وداعش عندما حاولت الأخيرة الإستيلاء على طرق الإمداد التي تخترق المعابر الحدودية الرئيسة بين سوريا وتركيا.
لقد ولدت الثورة السورية بعض الانشقاقات الحكومية الرفيعة المستوى، إلا أن أياً من الوحدات العسكرية لم تغير الجهة التي تقف الى جانبها- نادراً ما تفعل ذلك ما لم تعتبر انهيار النظام بات وشيكاً. ولدى المتمردين أسلحة صغيرة وافرة. لديهم أيضاً بعض الصواريخ المضادة للدبابات والمضادة للطائرات، لكنهم يفتقرون إلى الترسانة التي يحتاجونها لتحدي التسلح المتفوق الموجود لدى قوات الحكومة. وبمساعدة من الخارج، تمكن المتمردون من تحقيق انتصارات تكتيكية، إلا أنهم كانوا، حتى الآن، غير قادرين على نسجها معاً لتغيير الوضع من الناحية الاستراتيجية.
تنظيمات التمرد الأخرى. تضم الجبهة الإسلامية (الجبهة الإسلامية السورية سابقاً) عدداً من التنظيمات، بما في ذلك جيش الإسلام، أحرار الشام، صقور الشام، لواء التوحيد، لواء الحق، أنصار الشام، وألوية وكتائب أخرى مختلفة أصغر حجماً. هذه الجماعات يمكن وصفها بأنها سلفية، وهذا يعني، أن هؤلاء يؤمنون بالتفسير الحرفي للقرآن، ويرفضون المفاهيم السياسية الغربية التي تضع الانسان فوق الله (على سبيل المثال، الديمقراطية)، ويدعمون الفرض الصارم للشريعة الإسلامية.
إنهم يعتبرون أن الإطاحة بالأسد تؤدي إلى دولة إسلامية. وليس كل السلفيين يتقبلون مفهوم جهاد العنف، على الرغم من أن المتمردين السلفيين في سوريا هم بحكم التعريف ملتزمون بالإطاحة العنيفة بنظام الأسد، ولكن لا يمكن تسمية الجميع جهاديين- وهذا يعني أنهم لا يتبنون جميعاً فكر القاعدة في الجهاد العالمي الذي لا ينتهي ضد الكفار.
يقوم أعضاء الجبهة الإسلامية بتمييز أنفسهم عن جماعات مرتبطة بتنظيم القاعدة في سوريا، حيث يأمل هؤلاء بأن يطمئنوا المجتمع الدولي، لكنهم في بعض الأحيان يتعاونون مع الجهاديين، وكذلك مع الجيش السوري الحر. لذا يصف بعضهم الجبهة الإسلامية بأنها معتدلة، ولكن هذا المصطلح نسبي. فمن بين الجماعات التي تشكل الجبهة، يمكن للمرء أن يجد طيف السلفية الجهادية في معتقدات الجهاديين. هذا الأمر يميزهم عن الجيش السوري الحر، ولكن حتى الجيش السوري الحر ليس علمانياً بحتاً.
يدعي البعض أن الجبهة الإسلامية تضم 100000 من المتشددين. هذا يبدو رقماً مبالغاً به- التقديرات الأكثر واقعية هي 45000. في كل الأحوال، يتم سحب مقاتلي التمرد إلى الإسلاميين، الذين لديهم المال والسلاح للقتال. كما يذهب المقاتلون الأجانب أيضاً، وفي المقام الأول، إلى مجموعات الإسلاميين الواعدة بالعمل.
الأهمية المتزايدة للجهاديين. سوف يهيمن الاسلاميون المتشددون، وبنحو متزايد، على التمرد، مما يعزز بروباغندا الحكومة السورية بأن المعركة هي بينها وبين الأرضية الجهادية السيئة. وتمثل سوريا أفضل فرصة لتنظيم القاعدة لاثبات وجودها المستمر وإنشاء قاعدة جديدة لها في الشرق الأوسط. وكلما طال أمد القتال، كلما زاد الخوف من أن يكون العناصر الذين يستلهمون نهج القاعدة قادرين على توحيد موقفهم، ما يمنحهم معقلاً جديداً لمواصلة العمليات الإرهابية ضد الغرب.
أما في الوقت الراهن، فيبدو أن الجهاديين قد أصبحوا الجهة المتطورة من التمرد. ويعزو البعض هذا إلى الدعم الخارجي الذي يتلقونه، على النقيض من الدعم الحذر الذي يتلقاه المتمردون الأكثر علمانية من الغرب. ويعزو آخرون شراسة الجهاديين إلى الحماسة المذهبية، في حين يؤكد آخرون على أن وسائل الإعلام الغربية، التواقة إلى الروايات البشعة عن الفظائع الجهادية لكن  العاجزة عن التحقق من الوقائع ، تبالغ بأهمية هؤلاء. فقد تتظاهر بعض الجماعات المتمردة بأنها جهادية وذلك، وببساطة، لجذب الرعاة الخليجيين الأثرياء، الذين هم المصادر الرئيسة لتمويل الجماعات الجهادية. من الصعب صنع حكم شامل هنا.
هناك مجموعتان ترتبطان بتنظيم القاعدة- جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام ( داعش). لقد بدأت جبهة النصرة تنظيم نفسها في عام 2011. ومن خلال ضراوتها في القتال في ساحة المعركة والتفجيرات الانتحارية المثيرة، استقطبت هذه المجموعة المجندين والدعم المالي لتصبح ما يعتبره كثيرون احدى قوات التمرد الأكثر فعالية، مع وجود ما يقرب 5000 إلى 6000 مقاتل في صفوفها. وقد وصفت من قبل الولايات المتحدة بأنها جماعة ارهابية.
أما الدولة الإسلامية في العراق والشام ( داعش) فهي أحدث تجسيد لتنظيم القاعدة في العراق، الذي ظهر بعد الغزو الأميركي. ومنذ الانسحاب الاميركي ، واصلت المجموعة حملتها الإرهابية هناك في الوقت الذي وسعت فيه منطقة عملياتها لتشمل سوريا. ويبدو أيضاً أن اسم دولة العراق والشرق ( ISIL) هو نفسه دولة العراق والشام ( ISIS ). فالشام يعني ببساطة " الشمال "، التي تعكس وجهة نظر الفاتحين المسلمين الأصليين الذي جاؤوا من شبه الجزيرة العربية في الجنوب. وهذا يتفق مع الممارسة المعتادة لتنظيم القاعدة بتسمية الجبهات وفقاً للجغرافيا، وليس الدول المعاصرة. إلا أن الشام تشير أيضاً إلى منطقة سوريا الكبرى، التي تشمل الدول الحالية: سوريا، لبنان، الأردن، وفلسطين، وبطبيعة الحال، إسرائيل. إنها تعبر عن الطموح.
في نيسان عام 2013، أعلن قائد الدولة الإسلامية في العراق والشام ( داعش) دمج تنظيمه مع جبهة النصرة، بدعوى أن هذه الأخيرة قد تم إنشاؤها وتمويلها من قبل داعش. هذا التأكيد تم رفضه على وجه السرعة من قبل زعيم تنظيم جبهة النصرة، الذي في حين كان يعيد تأكيد ولائه من جديد لأيمن الظواهري، القائد العام لتنظيم القاعدة، فإنه حافظ على استقلال مجموعته عن داعش. وقد حكم الظواهري لصالح النصرة، حاصراً امتياز دولة العراق والشام بالعراق. بدوره، رفض قائد دولة العراق والشام حكم الظواهري، واستمر الخلاف بين التنظيمين المنتميين للقاعدة في سوريا، مع تبديل المقاتلين من كلا الفريقين لمواقعهم من جانب لآخر في الوقت الذي تتخذ فيه شخصيات جهادية أخرى في المنطقة أيضاً موقفاً من النقاش الحاصل.
توظف كل من داعش وجبهة النصرة الإرهاب، إلا أن النزاع بين المجموعتين قد يعكس الخلافات حول التكتيكات، مع تمثيل داعش للمتشددين الذين يفضلون العنف من دون ضوابط وتصميم جبهة النصرة على عدم التفريط بالدعم الشعبي. هذا يشير إلى نزاع سابق بين الظواهري، الذي كان آنذاك الرجل الثاني في تنظيم القاعدة، وبين أبو مصعب الزرقاوي، الذي كان في ذلك الوقت زعيم تنظيم القاعدة في العراق، الذي أدى ذبحهم لإخوانهم المسلمين إلى اثارة رد فعل مضاد على تنظيم القاعدة. رفض الزرقاوي سلطة الظواهري ، تماما كما يفعل زعيم  داعش اليوم. إن تأييد داعش للعنف غير المنضبط يعطيها ميزة لجذب المقاتلين الأجانب.
في الوقت نفسه، يظن بعض المراقبين بأن داعش وجبهة النصرة، على حد سواء، هما أكثر اهتماما  بإقامة سيطرتهما على أراضي في شرق سوريا من اهتمامهم بإسقاط الأسد. إذ يتصرف كلاهما كمقاتلي رجال عصابات كلاسيكيين، ويقال بأنهم يديرون محاكم ومدارس ويقدمون المساعدات الاجتماعية للناس في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم- وهذه هي الحالة الجنينية للحكم. التلقين هو جزء من البرنامج، إلا أن العمل المدني أيضا يمكن أن يكون رداً على تكتيكات الحكومة للتدمير المتعمد للإمدادات الغذائية، الخدمات الطبية، وجميع الأنشطة الاقتصادية في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون.
هذه أرض جديدة لتنظيم القاعدة، والتي استطاع تعصبها أن ينفر السكان عادة بظل حكمها المؤقت. إن قيادة القاعدة المركزية وفروعها في سورية قد تتقاسم فيما بينها هدفاً طويل الأجل يتعلق بتنفيذ الشريعة في جميع أنحاء العالم، لكن هناك توتر متأصل بين الطليعة الثورية ذات الايحاء الديني التي ترى نفسها مسؤولة فقط أمام الله وبين تمرد محلي يجب عليه أن يحاول الاحتفاظ بولاء السكان المحليين.
من الممكن أن تتبع جبهات تنظيم القاعدة المستقبلية طريق جماعات مثل حماس وحزب الله، لتصبح بذلك مؤسسات سياسية أكثر تعقيداً، على عكس كونها منظمات إرهابية بحتة. وفي بعض النواحي، هذا الأمر يمكن أن يجعل مسألة مواجهتها أكثر صعوبة، لكنه يفتح أيضاً إمكانيات جديدة. هل سيفطم الجهاديين المحليين أنفسهم عن الحملة الإرهابية العالمية لتنظيم القاعدة؟ التاريخ يشير إلى خلاف ذلك.
لم يبق أي تنظيم من التنظيمات التابعة للقاعدة محلي الطابع. إذ تطالب القيادة المركزية للمنظمة التقيد بخطها الاستراتيجي. وتجتذب التظيمات التابعة للقاعدة المقاتلين الأجانب الذين لا يهتمون كثيراً بما بعد القتال. ويهيمن المتشددون. وتتسبب الهجمات على القيادة والانتكاسات في الميدان بسبب التدخل العسكري الأجنبي بالاستفزاز للانتقام.
ما هي أهمية الجهاديين بالنسبة للتمرد؟ في 4 سبتمبر/ أيلول 2013، قدم وزير الخارجية الأميركي جون كيري شهادته أمام الكونغرس والتي قال فيها أن الجهاديين لا يهيمنون على قوات المتمردين في سوريا وبأنهم يمثلون ما لا يزيد عن 15 إلى 25 في المئة من المقاتلين المتمردين المقدر عددهم بـ 100000 مقاتل. ومنذ ذلك الحين يتم الطعن بهذا الزعم، كما كان يحصل في ذلك الوقت. فقد اختلف البعض معه حول هذه الأرقام، في حين تساءل آخرون عن الفرق الذي تشكله ما دام المتطرفون الإسلاميون لا زالوا حتى الآن أشرس العناصر المتمردة وأفضلها تنظيماً.
تشير تقديرات دراسة لـ Jane صدرت في سبتمبر/ أيلول 2013 إلى أن هناك 10000 مقاتل جهادي، بما في ذلك مقاتلين أجانب، في مجموعات على صلة بتنظيم القاعدة، إلى جانب 30000 إلى 35000 من الإسلاميين المتشددين الآخرين الذين يقاسمون الجهاديين بعضاً من الأيديولوجية التي يعتنقونها إلا أنهم يركزون اهتمامهم على الحرب الأهلية في سوريا أكثر من تركيزهم على الأجندة العالمية لتنظيم القاعدة، حتى الآن على الأقل. هذا من شأنه أن يضع ما يقرب من نصف قوات التمرد في معسكر السلفية المتشددة / الجهادية. ووفقا لدراسة Jane، تشمل قوات المتمردين الإسلاميين  أيضاً 30000 من الإسلاميين الأكثر اعتدالاً، ما يترك 25000 مقاتل مرتبطين بمجموعات أكثر علمانية أو قومية بحتة.
إن التناقض قد يُستنتج، وببساطة، من الاختلافات  بين وزارة الخارجية الأمريكية و Jane حول من هو الجهادي، مما يضيف طبقة أخرى من التعقيد إلى فهمنا  لنظام التمرد في المعركة.
إن معرفتنا للنقاط الدقيقة لمعتقدات المتمردين مستمدة من بياناتهم الخاصة الموجودة في المواقع على شبكة الإنترنت أو المنقولة من منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي. إن لغة تصريحاتهم وصور مجموعاتهم مع الأعلام السوداء و القرائن البصرية الأخرى تخبرنا أين نضعهم في الطيف الديني. إن تفسير هذه الكتابات على الجدران، وكلها علنية ، قد أصبحت حقل استخباراتي جديد مذهل.
الأكراد. على الرغم من أن لدى الأكراد، الذين يشكلون ما يقرب من 9 في المئة من سكان سوريا، شكاوى قديمة ضد حكومة الأسد، فقد كانوا بطيئين في انضمامهم إلى المقاومة. إذ لم تبدأ الاشتباكات المسلحة بين القوات الحكومية والمقاتلين الأكراد حتى يونيو/ حزيران 2012. وقد أدت هذه الاشتباكات إلى انسحاب الوحدات الحكومية من بعض مناطق الأكراد، ولكن القتال استمر حول المناطق الكردية الأخرى. ومنذ ذلك الحين، ووحدات حماية الشعب الكردي (YPG) تقاتل دفاعاً عن أراضيها ضد القوات الحكومية، متمردي الجيش السوري الحر، إضافة إلى المتشددين الجهاديين، وعلى نحو متزايد،  الذين أعلنوا بأن الأكراد خونة للجهاديين. في كل الأحوال، هناك أيضا  المكون الكردي في الجبهة الإسلامية.
يعتبر الأكراد أنفسهم على الحياد في الحرب الأهلية. هناك بعض المقاتلين الأكراد في الجيش السوري الحر، ولكن الأهداف الرئيسة للأكراد هي الدفاع عن النفس، الحكم الذاتي الحر والخالي من التدخل الخارجي سواء من جانب قوات الحكومة السورية أو المتمردين، وفي نهاية المطاف الاستقلال الكردي، ربما. إن معاقل الأكراد في سوريا، الموجودة تحت ضغط مستمر من قوات الحكومة والجهاديين الذين يستلهمون نهج القاعدة، يمكن أن تتحد مع مناطق الحكم الذاتي الكردية في العراق بغرض الدفاع المشترك (رغم أنه من غير الواضح إن كان أكراد العراق وسوريا سوف يمشون بذلك- كانت الوحدة الكردية أمراً بعيد المنال دوماً). هذا بدوره، يمكن أن يحيي فكرة كردستان، دولة كردية مستقلة، الأمر الذي تعارضه الحكومة التركية بشدة، لأن من شأنه أن يشجع الانفصاليين الأكراد في تركيا.
الدعم الأجنبي للمتمردين. توفر المملكة العربية السعودية وقطر، حالياً، الأموال لشراء الأسلحة للمتمردين، لكن يقال بأن وحدات الجيش السوري الحر تظل في حالة عوز للمال والسلاح. وكما أشرنا أعلاه، إن الداعمين المحافظين من القطاع الخاص في الخليج وبلاد الشام، وخارج المنطقة هم المصدر الرئيس لتمويل الجماعات الجهادية. وتستفيد بعض الجماعات المتمردة أيضاً من الأموال التي تم جمعها في مجتمعات الشتات. وهناك تقارير عن عمليات تمويل تتم من خلال الأنشطة الإجرامية.
عمدت الولايات المتحدة، وبحذر شديد، إلى توفير الدعم للمتمردين. فقد أذنت واشنطن بتقديم مساعدات غير قاتلة وإنسانية في وقت مبكر، ولكنها انتقلت إلى توفير الأسلحة ببطء وبسرية بالغة فحسب. ويعكس الحذر الغموض بشأن تطور الصراع ومخاوف من امكانية وقوع الأسلحة المتطورة في أيدي الجهاديين الذين سوف يستخدمونها في هجمات إرهابية موجهة ضد الغرب. وفي شهر يونيو/ حزيران عام 2013، أعلن البيت الأبيض بأنه قد قرر إذا ما استخدمت قوات الحكومة السورية الأسلحة الكيميائية بكميات صغيرة، فإن الولايات المتحدة ستبدأ بتقديم " الدعم العسكري " لعناصر معتدلة في أوساط قوى المعارضة السورية. ولأن هذا كان نتيجة مخرج ذكي يجيز تقديم المساعدات السرية، فإنه لم يتم الإعلان عن تفاصيل ما ستتضمنه هذه المساعدات. وكان هنك اعتقاد بأن المساعدات تشمل الاستخبارات ودعم الاتصالات، وكذلك الأسلحة الخفيفة والذخائر. وقيل، على الأقل في البداية، أن المساعدات الأميركية لن تشمل الصواريخ المضادة للدبابات والمضادة للطائرات، على الرغم من أنه يمكن أن تأتي الأسلحة المضادة للدبابات لاحقاً. وقد اصطدم هذا الاحتمال بمقاومة الكونغرس .
في أعقاب تقرير الامم المتحدة الذي اكد على استخدام غاز السارين في هجوم في 21 أغسطس/ آب والذي تسبب بخسائر فادحة في صفوف المدنيين، تجنبت إدارة أوباما أحكام قانون مراقبة صادرات الأسلحة، والقانون الاتحادي الذي يحظر توريد الأسلحة  والمال للإرهابيين، وفتحت الباب لتوريد السلاح للمعارضة السورية. وعلى الرغم من أن هذا يخلق طريقاً لمساعدة المتمردين علناً، فإن هناك تردداً دائماً في واشنطن ومعظم عواصم حلف شمال الأطلسي في توفير المزيد من الأسلحة المتطورة، وذلك بسبب الدور المتنامي للعناصر الجهادية.
خلال فترة الاحتلال السوفيتي لأفغانستان، قامت الولايات المتحدة بتسليح قوات المقاومة المحلية بصواريخ مضادة للدبابات وصواريخ أرض- جو قابلة للحمل والتي ساهمت في نهاية المطاف بانسحاب القوات السوفيتية. لكن ذلك كان في الثمانينات. لقد أصبح الخوف من الإرهاب منذ ذلك الحين عاملاً رئيساً في كل خطط الحروب، وهناك قلق في أوساط الحكومات الغربية من امكانية استخدام هذه الأسلحة ضدهم من قبل عناصر جهادية موالية لتنظيم القاعدة في هجمات إرهابية في المستقبل. فعقب استيلاء المتمردين الاسلاميين على مستودعات الجيش السوري الحر حيث كان يجري تخزين المواد الأميركية المقدمة، أعلنت الولايات المتحدة في 11 ديسمبر/ كانون أول 2013 عن تعليق المساعدات غير القاتلة لحركة التمرد مؤقتاً.
مسار أحداث لا مفر منه
الحرب الأهلية في سوريا في مأزق. لا يمكن لفئة أن تهزم الفئات الأخرى، لكن هذا لن يفتح الطريق أمام التوصل إلى تسوية سياسية. فحتى سقوط الأسد لن ينهي الصراع. إذ يمكن لجميع العناصر الاستمرار في القتال، ومن المرجح أن يفعلوا ذلك لتحقيق غاياتهم الخاصة. فما بدأ على شكل تمرد ضد الأسد قد تحول، وبشكل مدروس، إلى حرب طائفية وجودية. وليس هناك من فئة تعتقد أن بامكانها البقاء في سورية بقيادة أعدائها، لذلك فإن سوريا نفسها لا يمكنها البقاء.
عقيدة مكافحة التمرد السورية. إن استراتيجية مكافحة التمرد في سوريا على اطلاع بسبب تجربة سابقة لنظام الأسد في قمع تمرد الإخوان المسلمين 1977-1982 ، ومن جراء العقيدة السوفياتية / الروسية التي وُضعت خلال الاحتلال السوفيتي لأفغانستان وحربيْ روسيا في الشيشان.
إنه نهج لا يرحم ويختلف كثيراً عن عقيدة مكافحة التمرد الغربية، التي تركز على حماية السكان وتجنب سقوط ضحايا من المدنيين والأضرار الجانبية المصاحبة إلى جانب الجهود المبذولة لكسب قلوب وعقول الناس. ويعكس هذا المبدأ حقيقة هي عدم النظر إلى حركات التمرد في البلاد البعيدة على أنها تهديدات وجودية للحكومات الغربية. فضلاً عن ذلك، تخرج هذه الرسائل من جهات مثقلة بالذنب ناشئة عن ماض استعماري أو تساؤلات حول شرعيتها.
أما تاريخ سورية فمختلف، وكذلك  الدروس التي يستمدها النظام من تلك التجربة. فانتفاضة 1982 في حماة بلغت ذروتها بخمس سنوات من حرب العصابات والاغتيالات الإرهابية. إذ عندما استولى المتمردون الاسلاميون على مدينة حماة في المواجهة الحاسمة النهائية مع حكومة حافظ الأسد في عام 1982 وسيطروا عليها، طوقت القوات الحكومية المدينة وقصفتها بالمدفعية قبل أن ترسل مغاوير الجيش وقوات حزب البعث غير النظامية للتخلص من المقاومة. استمرت العملية العسكرية ثلاث أسابيع، تم فيها هدم أحياء بكاملها وقتل الآلاف من المدنيين.
على الرغم من الشجب والإدانة الواسعة من قبل المجتمع الدولي، فقد نجح الرد السوري الوحشي في إطفاء أي مقاومة أوسع لدمشق، ومنع بالضبط نوعاً من الفوضى الذي تشهده البلاد اليوم. إن القضية الآن هي بقاء النظام .فاذا لم يكن بالإمكان انقاذ سوريا، فإن أولئك الموالين للحكومة ملتزمون بحماية أنفسهم ضد الإبادة التي يعتقدون بأنها ستكون مصيرهم اذا ما انتصر المتمردون.
تتسم حملة سوريا ضد التمرد بالدفاع الثابت عن المراكز السكانية الرئيسة، الجيوب الطائفية، القواعد العسكرية، وخطوط الاتصال الاستراتيجية . وقد تطلب هذا الأمر الانسحاب من أجزاء كبيرة من البلاد. فالعمليات الهجومية في المناطق الرئيسة التي يجب أن تمسك بها الحكومة تحمل ميزة القصف الجوي والمدفعي المكثف تليها عمليات تطهير تقوم  بها قوات الكوماندوز أو الميليشيات. هذا الأمر مدمر وعشوائي.
تستخدم القوة الجوية والمدفعية أيضاً لقصف مناطق لا تقع تحت سيطرة الحكومة، وتستهدف عمداً المحاصيل الزراعية، المخابز (مصدر الغذاء الحساس للكثيرين)، والمستشفيات – تدمير التجارة والبنية التحتية الداعمة للحياة. أما الهدف فهو إجبار الناس على الخروج من مناطق المتمردين، وبالتالي حرمان المتمردين من الدعم الشعبي. هذه التكتيكات تفسر الأعداد الكبيرة لللاجئين.
تُستكمل العمليات العسكرية ببرامج البروباغندا المكثفة التي تصور أعداء النظام على أبنهم إرهابيون  وجهود التثقيف السياسي الرامية إلى ضمان استمرار الولاء للنظام. ومن المرجح أن تستغل هذه البرامج، وعلى نحو متزايد، الانقسام الطائفي بدلا من القضايا السياسية-  التي لن تكون حول شرعية الأسد لكنها ستحذر من التهديد السني للوجود العلوي والمسيحي. ( المتمردون الجهاديون منخرطون في جهود التلقين المماثلة  في المدن التي يسيطرون عليها).
مواطن الضعف لدى المتمردين. لا يمكن للمتمردين القيام بعملية انتقال من مقاتلين في حرب عصابات قادرين على تحدي قوات الحكومة في ساحة المعركة. فإذا ما استمر القتال، فإنهم قد يفعلون ذلك في تصورنا انما في المستقبل البعيد ، لكنهم يعانون الآن من عدد من أوجه القصور ومواطن الضعف.
ليس هناك قيادة مركزية. بامكان القائد العسكري الإسمي للتمرد محاولة تنسيق الإجراءات فقط حتى بين تلك الوحدات التي تعترف اسمياً بسلطته.
يعمل المتمردون محلياً، يتعاونون فيما بينهم في بعض الأحيان، لكنهم يفتقرون إلى الحركة والخدمات اللوجستية لنشرها بعيدا عن قواعدهم الداخلية مهما كانت المدة الزمنية. إن أي تمركز لقوات المتمردين سيكون عرضة لسلاح المدرعات والقوة الجوية الساحقة للحكومة. إن استمرار تدفق الأسلحة الصغيرة والإمدادات المحدودة من أسلحة المشاة الأكثر تطوراً لن يغير الوضع إلا بشكل هامشي.
يمكن للتدخل العسكري الخارجي (خلق مجالات جوية، فرض منطقة حظر طيران ) أن يحد من الميزة التي توفرها القوة الجوية للحكومة، إلا أن الحد من ميزة قوات الحكومة المتمثلة في سلاح المدرعات والمدفعية أمر يتطلب حملة جوية أكثر طموحاً.
يمكن للمتمردين الاستيلاء على بلدات صغيرة والإمساك بها، وقد أظهروا أن بامكانهم التسلل إلى محيط المدن الكبرى، مما يضطر الحكومة إلى استخدام الأسلحة الثقيلة والقوة الجوية لإخراجهم، الأمر الذي يتسبب في سقوط عدد كبير من الضحايا من المدنيين وحصول أضرار ملازمة. يمكنهم القيام بهجمات إرهابية مذهلة لكسب الاهتمام وإظهار أن الحكومة لا يمكنها ضمان الأمن، لكن من غير المرجح أن تسقط هذه الإجراءات بحد ذاتها النظام. يمكن للمتمردين أن يأملوا فحسب بخلق وضع يتعذر الدفاع عنه وتقريب لحداث تغيير للنظام من الداخل أو إثارة تدخل من الخارج.
انهيار الدولة. أصبحت الحرب الأهلية، وبشكل متزايد، عبارة عن تنافس مذهبي بين أنصار المتمردين السنة والعلويين أنصار إلى جانب المسيحيين والشيعة)، في حين يدافع الأكراد والدروز عن أراضيهم. إن التوترات الطائفية في سوريا ليست جديدة بل لها جذور عميقة في تاريخ سورية الاستعماري كما كانت موجودة قبل الاستعمار. فأربعون عاما من الحكم السلطوي بظل الأسد جعلتهم موجودين تحت الفحص في الوقت الذي كان يتم فيه زيادة اعتماد النظام نفسه على قاعدته العلوية، وبالتالي ابعاد قسم كبير من الأكثرية السنية في سوريا. على الرغم من أن الحكومة الوطنية سوف تبقى على قيد الحياة على الورق، فإن المؤسسات الوطنية، بما في ذلك القوات المسلحة، سوف تنخفض وتضمحل، ليحل محلها خليط  متزايد، من الكيانات المحلية المستقلة، بعضها موال للحكومة المركزية، وبعضها معارض لها.
أصبح الجيش الوطني عبارة عن حرس رئاسي علوي يمتلك سلاح مدرعات ومدفعية وسلاح طيران. وتم الاحتفاظ بأفراد الجيش السنة في حاميات حيث لا يتم نشرهم إلا إلى مع وحدات علوية موثوقة تكون الى جانبهم.
لم يعد بإمكان الحكومة تجنيد الجنود في نصف البلاد – غالباً في المناطق السنية- التي لم تعد تحت سيطرتها. يمكن أن يستمر التجنيد في المناطق العلوية، التي لديها ما يكفي من القوى البشرية للحفاظ على جيش سوري كبير. كما تستفيد الحكومة أيضاً من مقاتلي حزب الله وعدد غي

موقع الخدمات البحثية