أوراق إستراتيجية » منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط: خلق الظروف لتقدم مستدام

باولو فورادوري ـ مارتن ب. مالين
Belfer Center for Science and International Affairs
ورقة بحث / كانون أول 2012


الجزء الثاني

ملاحظات عامة

نبدأ مع عدة ملاحظات حول منطقة الشرق الأوسط واحتمالات إحراز تقدم في الأمن التعاوني ونزع أسلحة الدمار الشامل.

الشرق الأوسط  'حالة مستعصية'، لكنها ليست قضية تتخطى المقارنة

على الرغم من أن الشرق الأوسط يشكل تحديات صعبة للغاية لإنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، فإن تاريخ الحد من التسلح وتجربة مناطق الحظر القائمة يشيران إلى أن الأوضاع في مناطق أخرى لا تظهر دائماً أنها تفضي إلى إحراز تقدم في قضايا مماثلة، وأن تحقيق نتائج طيبة وغير متوقعة يمكن أن يحدث حتى في حالات غير مستقرة ومعقدة للغاية.

إن معاهدة تلاتيلولكو (Tlatelolco ) لمناطق خالية من السلاح النووي ( NWFZ ) ، لم تكن متصورة أصلاً فحسب خلال فترة شديدة التقلب من أزمة الصواريخ الكوبية، مع بدء المفاوضات عام 1962، بل انها ضمت أيضاً، الدولتين المتنافستين صاحبتيْ القدرة النووية، ولو مع مصادقتهما عليها في وقت متأخر. بل واعتبرت المنطقة الحرة في آسيا الوسطى من قبل كثير من المراقبين  'قضية مستعصية'. وكانت المنطقة مشمولة، وعلى نطاق واسع، في برنامج الأسلحة النووية للاتحاد السوفيتي السابق، وكانت، حتى وقت قريب، تحشد آلاف الأسلحة النووية؛ ولا يزال لديها مخزون كبير من المواد النووية (اليورانيوم والبلوتونيوم)، ومرافق البحوث، التجارب النووية والخبرة التقنية، وهي محاطة بأسلحة نووية روسية، صينية، هندية، باكستانية، وإسرائيلية الأسلحة الإسرائيلية، وحدود منطقتين تنطويان على هاجس الانتشار النووي (الشرق الأوسط وجنوب آسيا) (Hamel-Green2009، ص. 358).
على الرغم من هذه الظروف الصعبة، كما أشير في منتدى الوكالة 2011 حول تجارب المناطق الأخرى في إنشاء مناطق خالية من السلاح النووي ( NWFZs )، فقد كان ' إنشاء مناطق حظر NWFZs أمراً ممكناً برغم العقبات الخطيرة، مثل التعقيدات الجغرافية السياسية، انعدام الثقة، وبرغم وجود عملية طويلة، في كثير من الأحيان، بخصوص فرض إدخال معاهداتNWFZ  حيز النفاذ. هذا النجاح يمكن تحقيقه من خلال مزيج من الإرادة السياسية والالتزام، الحوار والمرونة ومقاربة الخطوة بخطوة الإضافية '(IAEA 2011b).

تحقيق منطقة الشرق الأوسط التقدم نحو إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل

هذه الملاحظة تتناقض بشكل حاد مع التقليد الدبلوماسي، الذي يرى أنه منذ قرار الشرق الأوسط عام 1995 بخصوص مؤتمر استعراض معاهدة الحد من الانتشار النووي ( NPT) وتمديدها، على الأقل، أو حتى منذ أن طُرحت الفكرة رسميا في عام 1974، لم تحقق منطقة الشرق الأوسط أي تقدم يذكر نحو إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل (انظر، على سبيل المثال، فهمي 2011). على الرغم من الإحباط المفهوم للأطراف الإقليمية في هذه المسألة، فإن حكم ' لا تقدم' يهمل التغيرات الهائلة في المنطقة منذ عام 1974. هذه التغييرات تشمل اتفاقات السلام المتبادلة بين إسرائيل ومصر وبين إسرائيل والأردن؛ الاعتراف بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، تفكيك برامج أسلحة الدمار الشامل في العراق وليبيا؛ انضمام عدة دول في المنطقة إلى معاهدات حظر الأسلحة الكيميائية والأسلحة البيولوجية، الحد من الانتشار النووي، حظر التجارب النووية، وتنفيذ اتفاقيات إجراءات الحماية المعززة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، بما في ذلك البروتوكول الإضافي في عدة دول. هذه التطورات تمثل تقدما كبيرا على طريق شرق أوسط خال من أسلحة الدمار الشامل.

الطلب على أسلحة الدمار الشامل ليس ثابتاً (حتى في الشرق الأوسط)

تمر طموحات الدول النووية بمراحل تقدم وتأخر اعتمادا على مجموعة متنوعة من العوامل بما في ذلك أنواع التهديدات التي تواجهها، وما يفضله الزعماء والأعضاء الرئيسيين في الائتلاف الحاكم، الأثمان المتصورة، القدرات التقنية، والقيود المعيارية والسياسية (Sagan2011، Hymans 2010).  لقد تحول 'الطلب' على الأسلحة النووية في الشرق الأوسط بشكل كبير منذ نهاية الحرب الباردة، رغم أنه نادراً ما يتم الاعتراف بالتغييرات. إن المنافسات الرئيسة التي سادت المنطقة في الماضي- على سبيل المثال، بين إيران والعراق، ومصر والمملكة العربية السعودية- والمنافسة بين القوى العظمى الخارجية التي غذت النزاع الإقليمي قد اختفت أو تراجعت بشكل كبير. أما خطر الانتشار النووي في العراق وليبيا فقد زال. لقد أضعفت هذه التطورات حوافز الانتشار في جميع أنحاء المنطقة.

من الواضح أن دوافع الانتشار الجديدة موجودة أيضاً: إيران على عتبة قدرة السلاح النووي؛ ولدى دول أخرى، كالمملكة العربية السعودية، قائمة متزايدة من الأسباب للخوف من حصول إيران على السلاح النووي؛ أظهرت الأحداث الأخيرة في ليبيا عدم وجود خطر أسلحة الدمار الشامل في مواجهة التدخل الأميركي؛ وتساؤل الرأي العام العربي الممكن حديثاً عن سبب وجوب امتلاك إسرائيل لأسلحة نووية في حين لا يحق ذلك لبلدانهم..

النقطة هنا هي أن قرارات الانتشار ونزع السلاح تتوقف على مجموعة متنوعة من الظروف، وأن الاستمرار في التعلق بأسلحة الدمار الشامل ليس حتمياً. أنظر في الكيفية التي أثرت بها التطورات على حسابات مخاطر ومنافع اقتناء أسلحة دمار شامل في الشرق الأوسط.

&bascii117ll; إن العداء الماضي والمرير الذي كان موجوداً بين إيران والعراق لم يعد سمة من سمات السياسة الإقليمية. إذ لم يتم إزالة صدام حسين ونزع سلاح العراق فحسب، بل ان قادة العراق الآن ينسقون سياساتهم بشكل وثيق مع كل من طهران والولايات المتحدة. واليوم، تعتبر مخاطر الانتشار النووي في العراق نفسه أقل بكثير إن لم تكن صفراً (Cigar2010). أما التوتر الإيراني -السعودي اليوم فلا يماثل، بأي حال من الأحوال، المنافسة والعداء العسكري المهدد للنظام والذي كان موجوداً بين إيران والعراق.

&bascii117ll; أصبحت العلاقات بين الدول العربية الرئيسية معتدلة أيضاً. وكانت العلاقات السعودية- المصرية مريرة بحيث ان الرئيس جمال عبد الناصر نشر جنود بلاده في اليمن لهزيمة وكلاء السعودية واستخدم الأسلحة الكيميائية للقيام بهذه المهمة. لا يوجد اليوم مثل هذه التوترات المتبادلة بين الدول العربية الموجودة اليوم، حتى في مواجهة حرب أهلية في سوريا.

&bascii117ll; إن الصراع العربي الإسرائيلي، على الرغم من طريقه المسدود والمعرض للأزمات (كما ثبت في غزة اشتعال غزة الأخير)، لم يعد قادراً على إشعال حرب على نطاق المنطقة. فالصراع انخفض إلى مستوى جوهر العلاقات الإسرائيلية- الفلسطينية، التي لا تزال تجد صدىً في جميع أنحاء المنطقة كهاجس سياسي وإنساني. ورغم أن المشكلة مأساوية ومحيرة، فإن الحقوق الفلسطينية لم تكن في أذهان المحتجين الذين خرجوا إلى شوارع القاهرة وأماكن أخرى في العالم العربي خلال الثورات التي هزت المنطقة. وفي الوقت نفسه، لا يزال الفلسطينيون أنفسهم منقسمين. هذا لا يعني أنه سوف لن يكون هناك جولات لاحقة من العنف الإسرائيلي - الفلسطيني، وإنما يعني أن فرصة حصول حرب كبرى بين الدول تهدد وجود إسرائيل أمر بعيد.

دروس حول الحد من انعدام الثقة والغموض

إذا كانت حالة عدم الثقة والغموض التي تصيب دول الشرق الأوسط ليست فريدة من نوعها تماماً بالنسبة للمنطقة، إذن ما هي الدروس التي يمكن استخلاصها من البحوث حول الكيفية التي تعاملت بها مناطق وسياقات تفاوضية أخرى مع هذه المشاكل؟ ما هو المعروف لدينا ، على وجه الخصوص، حول العلاقة بين عدم الانتشار النووي والتغيير الداخلي السياسي ـ مصدر غموض محدد في الشرق الأوسط اليوم- وبين عدم الانتشار؟

اعتماد فعالية بناء الثقة على التماثل والأهداف المشتركة

إن الأطراف المهتمة بالتعاون، لكنها مع ذلك تحمل شعوراً عميقاً بانعدام الثقة تجاه بعضها البعض، بحاجة إلى إيجاد سبل توفير ضمانات حول نواياهم الحميدة. إن معايير بناء الثقة ( CBMs) وسيلة هامة محتملة للحد من التوتر وبناء الثقة. ويتم التفاوض حول معايير بناء الثقة والتوافق على خطوات تعاونية تهدف، بحكم تعريفها، إلى توفير الطمأنينة لجميع الأطراف وليس إلى المساومة على الموقف الأمني لأي طرف من الأطراف. وبمرور الوقت، وكجزء من عملية أوسع نطاقا لبناء السلام والحد من التسلح، تعزز معايير بناء الثقة الشفافية، التواصل، والطمأنينة التي يمكن أن تساعد على تحويل العلاقات العدائية إلى علاقات ودية.

خلال الحرب الباردة في أوروبا، تقاسم الطرفان شعوراً بالقلق من أن يؤدي سوء فهم نوايا كل بلد من الآخر إلى تصعيد نوايا غير مقصود وحصول صراع. واعتبرت معايير بناء الثقة وسيلة للحد من خطر الحرب وتهيئة الظروف للاتفاق على القضايا الأكثر جوهرية. إن الدافع المشترك للحد من مخاطر النزاع المسلح وتماثل القدرات الخام جعل حصول تدابير الشفافية الثنائية المبدئية الأولية أمراً ممكناً ( كالخط الساخن بين موسكو وواشنطن ابتداء من عام 1963). وقد أدت هذه الخطوات الأولية في السبعينات إلى ' عملية هلسنكي'، الأكثر طموحاً والمتعددة الأطراف، وإنشاء مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا. هذه الاتفاقيات ساعدت على التمكين من تخفيف حدة التوتر بين الشرق والغرب في أواخر الثمانينات وما بعدها ( ومكنها هذا التخفيف أيضاً من تنفيذ الاتفاقيات). كما ساعدت أيضاً على شرعنة إدراج مجموعة واسعة من القضايا، بما في ذلك حقوق الإنسان مثلاً، في التفاعلات بين الشرق والغرب.

للشرق الأوسط أيضاً تاريخ متواضع من بناء الثقة. فقد ساعدت عملية فك الارتباط وفصل القوات المصرية- الإسرائيلية في سيناء، التي بدأت في عام 1974، المؤدية في نهاية المطاف إلى اتفاق السلام عام 1979، إلى بناء الثقة بين الطرفين. وبعد مؤتمر مدريد عام 1991، سعت عملية الحد من الأسلحة والأمن الإقليمي (ACRS) في منطقة الشرق الأوسط، وعن وعي، إلى محاكاة تجربة CBM الأوروبية. أدت المحادثات إلى حصول تقدم كبير- تحديداً في رسم معالم الترتيبات لجهة الإخطار المسبق بما يتعلق بأنشطة عسكرية معينة، البحث والإنقاذ، حوادث في عرض البحر، وغيرها من التدابير لإدارة الأزمات. لكن العملية انهارت بسبب الروابط الموجودة بين القضايا الثنائية، وخصوصا التقدم على المسار الإسرائيلي - الفلسطيني، والخلافات حول إدخال القضية النووية في المناقشة.

خلافا لما كان يحدث بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، لم يتقاسم المشاركون في عملية ACRS الأهداف الأساسية نفسها، وكان الأطراف غير متماثلين، وبشدة، في قدراتهم ومصالحهم. وعلى الرغم من فشل عملية ACRS في تحقيق تقدم ملموس على إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، فإنها أظهرت، من حيث المبدأ، أن الدول العربية على استعداد للنظر في التحول في علاقتها مع إسرائيل، وبأن إسرائيل كانت على استعداد للنظر في استبدال اتفاقيات تعاونية لصالح عناصر سياسة أمنية تعتمد على الردع والتفوق العسكري.

بإمكان تغيير سياسي داخلي تسهيل خطوات نزع السلاح

يمكن للتغييرات السياسية المذهلة التي هزت الشرق الأوسط تسهيل خلق الظروف التي تؤدي إلى إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل. وبالطبع، فإن الثورات التي تهز العالم العربي أدت إلى خلق غموض كبير، ولكنها تخلق فرصة عظيمة أيضاً. إن التجربة من مناطق الحظر الموجودة توضح كيف أن البلدان الديمقراطية تعتبر أكثر عرضة للدخول في معاهدات مناطق خالية من السلاح النووي ( NWFZ ). فمعاهدة تلاتيلولكو ( Tlatelco) لم تمتد إلى أمريكا اللاتينية بأسرها إلا بعد عودة ديمقراطية البرازيل والأرجنتين. وبالمثل، فإن التغيرات السياسية في جنوب أفريقيا، والتي أدت إلى نهاية نظام الفصل العنصري، قد أدت أيضاً إلى طفرة في نزع السلاح النووي وإلى إنشاء 'المنطقة' الأفريقية لاحقاً.

في الوقت الذي يشارك المواطنون في منطقة الشرق الأوسط أكثر في الحياة السياسية لبلدانهم، فهم سيمارسون، حتماً، تأثيراً على آفاق وفرص التعاون الإقليمي. وفي حين أن هناك قلقاً غالباً ما يتم التعبير عنه من أن تؤدي زيادة الحساسية إزاء الرأي العام في الشرق الأوسط إلى مزيد من التوتر والصراع بين الدول، فإنه قد يكون هناك آثاراً إيجابية أيضاً لمنع انتشار الأسلحة النووية ونزع السلاح. وفي المظاهرات التي هزت المنطقة في الفترة ما بين عاميْ 2010-2011، طالب المحتجون العرب بالتخلص من الفساد ومساءلة الحكومة. سيكون من الصعب دعم برامج أسلحة دمار شامل سرية وكبيرة داعمة لزمر عسكرية- صناعية غير خاضعة للمحاسبة في الاقتصادات السياسية الناشئة في المنطقة.

فضلاً عن ذلك، لقد جعلت الصراعات السياسية الداخلية الجارية في منطقة الشرق الأوسط الأنظمة وخصومهم، على حد سواء، يركزون على الإصلاح الداخلي، وليس على الأعداء القدامى في الخارج (Malin 2012b).

 وقد أشار هارالد مولر وأندرياس شميدت إلى أن قيادات الديمقراطيات الناشئة حريصة على كسب القبول الدولي لأنفسهم وتقبل التغيرات السياسية التي يقدموها، وبأن مبدأ منع انتشار الأسلحة النووية يمارس تأثيراً قوياً، ما يجعل تلك الديمقراطيات ذات البرامج النووية الوليدة أو المحدودة تنهي نشاطها (مولر وشميت 2010). مع ذلك، فقد وجدا بأن الدول التي لديها برامج نووية متطورة وقديمة، لم تعكس اتجاهها ما أن دخلت معاهدة عدم الانتشار حيز النفاذ، وذلك يعود، جزئياً، إلى أن البيروقراطية النووية الراسخة والمصالح السياسية كانت قوية بما فيه الكفاية لمنع حصول انقلاب كهذا. إذا ما كانت استنتاجات مولر وشميت صحيحة، فإن من شأن الآثار المترتبة على المدى الطويل على العمليات الديمقراطية الجارية في المنطقة اليوم أن تبشر بالخير بخصوص إنشاء مناطق خالية من السلاح النووي( (WMDFZ) ، (على الرغم من أن هذه الظاهرة مرشحة لأن يكون لها تأثير مباشر على برنامج الأسلحة النووية الإسرائيلية الراسخ).

في نفس الوقت، وفي إسرائيل، يعتبر الرأي العام بشأن القضايا النووية غير متطور جداً، بما أن موضوع الأسلحة النووية الخاصة بإسرائيل خاضع للرقابة إلى حد كبير. مع ذلك، وفي استطلاع للرأي مؤخراً للإسرائيليين اليهود، فضل ما يقرب من 65 في المئة من أفراد العينة التي أجرتها جامعة ميريلاند إنشاء مثل هذه المنطقة المحظورة، ' إذا ما تجلت فعالية نظام التفتيش هذا، وبشكل كامل، لدى جميع البلدان المعنية... [و] جميع البلدان في المنطقة، بما في ذلك إيران وإسرائيل، من حيث التزامهما بعدم وجود أسلحة نووية '(مشروع حول مواقف السياسة الدولية 2011).

بإمكان آليات التحقق الإقليمية المساعدة على التقليل من حالة انعدام الثقة

إن تجربة مناطق أخرى تدل على أن الثقة في القدرة على التحقق من تنفيذ بنود المعاهدة بخصوص منطقة الحظر شرط رئيسي لنجاح المفاوضات والتنفيذ (لويس وبوتر 2011). بالإمكان تعزيز آليات التحقق عندما تكون الثقة المعدومة هي السائدة، كما هو الحال في الشرق الأوسط،
وكما كان الحال في منطقة الحظر الأفريقية، حيث أن هناك حاجة للتحقق من تفكيك وتدمير الأجهزة النووية المصنعة من قبل طرف من الأطراف قبل دخول المعاهدة حيز النفاذ (كما يصح ذلك في الحالة الإسرائيلية). وليس هناك، ولن يكون، نظام تحقق مضمون ولا يمكن استبدال البنود التقنية بحد أدنى من الثقة المتبادلة. ومع ذلك، وعلى أساس الخبرة، لا يمكن للمرء أن يتصور مزيجاً ناجحاً من الآليات الدولية والإقليمية، والتحقق الثنائي لضمان مستوى مقبول من الثقة بين الأطراف من الامتثال لالتزامات المعاهدة.

ولهذه الغاية، فإن آليات التحقق المختلفة موجودة في مناطق مختلفة، وتوفر نقطة انطلاق للشرق الأوسط (Heinonen2012 ). على سبيل المثال، تم إحداث تدابير التحقق والضمانات في منطقة الحظر في أمريكا اللاتينية، حيث تم تأسيس وكالة متخصصة مخصصة ( OPANAL). وخلافاً لمعاهدة عدم الانتشار، تلزم منطقة آسيا الوسطى الدول الأعضاء باعتماد البروتوكول الإضافي، وتلزم معاهداتيْ راروتونغا وبانكوك لتكملة إجراءات الحماية للوكالة الدولية للطاقة الذرية الدول الأعضاء بتبادل التقارير وتقاسم المعلومات الأخرى.

هناك أيضاً دروس مهمة يمكن استخلاصها من تجربة 'الوكالة البرازيلية –الأرجنتينية للمحاسبة والرقابة على المواد النووية ' ABACC (الجهاز المشترك)، التي أنشأتها دولتان من دول أميركا الجنوبية في العام 1991 لتكون بمثابة منظمة ضمانات ثنائية القومية. وكُلف الجهاز المشترك بالتحقق من استخدام جميع المواد والمرافق النووية في البلدين للأغراض السلمية حصراً. ويقوم الجهاز المشترك، من بين أمور أخرى بالمراقبة وإجراء عمليات التفتيش في الموقع مع مفتشي التحقق الأرجنتيني المرافق في البرازيل والعكس بالعكس. وعلى الرغم من مناخ عدم الثقة الأولي بين البرازيل والأرجنتين، فقد ساهم نظام التفتيش المتبادل، وبشكل كبير، في وجود علاقة أكثر إيجابية بين البلدين.

تؤسس المادة 12 من معاهدة بليندابا ( Pelindaba) 'اللجنة الأفريقية للطاقة النووية '(AFCONE) بغرض ضمان الامتثال للمعاهدة (في كل حال، اللجنة ليست قيد التشغيل الكامل بعد). مثال آخر على التحقق الإقليمي الذي قد ينطوي على دروس مهمة للشرق الأوسط هو 'المجتمع الأوروبي للطاقة الذرية' ( Eascii85RATOM)، الذي أنشئ في عام 1952 لتنسيق البرامج البحثية للدول الأعضاء الأوروبية من أجل الاستخدام السلمي للطاقة النووية ولضمان عدم تحويل المواد النووية إلى أغراض عسكرية أيضاً (Mallard2008).

يقترح نبيل فهمي وباتريسيا لويس (2011) إنشاء ' لجنة الطاقة النووية في الشرق الأوسط'  '(CONEME)، التي من شأنها أن يكون لديها القدرة على جمع المعلومات الخاصة بها، والتفاعل مع التقارير وإرسالها إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وأن تكون مخولة أيضاً لاستدعاء الأطراف بشكل مستقل عن وكالة الطاقة الذرية من أجل التوضيح، إضافة لأن تكون مفوضة بالقيام بالزيارات الفنية، وعمليات التفتيش عند الحاجة. وفي حين أن التفتيش الروتيني لمنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط يمكن أن يتوقف، في المقام الأول، على إجراءات الحماية للوكالة الذرية، فإنه يمكن للجنة COMEME ترسيخ معاهدة بليندابا والبناء على تجربتها، وتثبيت آليات التفتيش الخاصة بها إذا ما دعت الحاجة إلى ذلك. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للدول القيام بعمليات تفتيش مشتركة مع وكالة الطاقة الذرية، (التي تشمل، على سبيل المثال، ثلاث مراحل: مرحلة ما قبل التفتيش، والتفتيش في الموقع، وما بعد التفتيش) كما في حالة 'الجهاز المشترك' ABACC. ويمكن أيضاً منح CONEME حق تفتيش خاص من قبل فريق من المؤهلين المعينين من قبل مفتشي CONEME (كما هو الحال في معاهدة راروتونغا). ولهدف بناء الثقة المتبادلة ، على غرار معاهدة بانكوك، يمكن للدول الأعضاء في المنطقة المستقبلية استدعاء دولة أخرى للاستيضاح، أو القيام بمهمة تقصي الحقائق لحل وضع غامض أو حدث قد يثير شكوكاً حول الامتثال للمعاهدة. وكما يشير فهمي ولويس،'من الواضح أنه يمكن لكثير من هذه التدابير أن تثبت بأنها خطوة أبعد من اللازم في المنطقة، لكن كلما كان بالإمكان القيام بما هو أكثر لزيادة الشفافية، والحد من التهديد وبناء الثقة، كلما كانت فرص منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط  أفضل' (فهمي ولويس 2011، ص 48).

إن قضية كيفية التحقق من تفكيك كامل لا رجعة فيه للترسانة النووية الإسرائيلية سيمثل بطبيعة الحال تحديات خطيرة. مع ذلك، ومن وجهة نظر فنية بحتة، هناك خبرة سابقة يمكن البناء عليها للاسترشاد بها. فلدى وكالة الطاقة الذرية بعض الخبرة في التحقق من التفكيك. ففي حالة منطقة NWFZ الأفريقية، فككت جنوب أفريقيا، من جانب واحد، سلاحها النووي، لكن الوكالة تحققت من أن العمل قد تم وفقاً لما أعلنته بريتوريا. وكان خبراء الوكالة الذرية مشاركين أيضاً بشأن التحقق من التفكيك النووي الطوعي للبرنامج النووي الليبي، فضلا عن التفكيك القسري لبرنامج العراق. إلى جانب الولايات المتحدة وروسيا شاركت الوكالة الذرية بما يسمى'المبادرة الثلاثية' (1996-2000) للتحقيق في المسائل التقنية والقانونية، والمالية المرتبطة بتحقق الوكالة التحقق من المواد الانشطارية للأسلحة النووية المنشأ في الاتحاد الروسي والولايات المتحدة. بإمكان الخبراء من الدول المسلحة نووياً المشاركة أيضاً في عملية التحقق من منطقة حظر أسلحة الدمار الشامل  المستقبلية في الشرق الأوسط، في حين أن بإمكان مساهمات هامة إضافية أن تأتي أيضاً من دول غير نووية ومن منظمات غير حكومية.

يمكن للأزمات أن يكون لها تأثير مثير محفز

حذر العديد من المحللين من أن منطقة الشرق الأوسط على حافة 'نقطة تحول' نووي. فالناس الذين هم في خضم الأزمات التي تعصف في الشرق الأوسط يفضلون، بحق، تجنب الأخطار التي تمثلها أوضاعهم. حتى أولئك الذين يستفيدون من النتائج لا يرغبون عموماً بالأزمات. ومن المفارقات مع ذلك، هو أنه يمكن لشعور الحاجة الملحة المرتبطة بشرق أوسط معاصر خلق حوافز بالنسبة للجهات الفاعلة الإقليمية وغير الإقليمية للتصدي لمسألة أسلحة الدمار الشامل بحسن نية. وقد حدث شيء من هذا النوع، على سبيل المثال في حالة أمريكا اللاتينية حيث حفزت أزمة الصواريخ الكوبية إلى بذل الجهود الرامية إلى إنشاء منطقة خالية من السلاح النووي   NWFZ))، وبشكل مماثل تماماً، كان السبب الرئيسي وراء منطقة NWFZ في المحيط الهادئ تزايد القلق بشأن التلوث البيئي الناجم عن الإغراق في التجارب النووية والمشعة. في الماضي، كان صناع القرار والأنظمة في الشرق الأوسط عاجزين، في نهاية المطاف، عن إحراز تقدم في مسألة الحد من التسلح الإقليمي. وفي حين خلقت التغييرات التي تجتاح المنطقة حالة من الغموض فإنها  أعادت تنظيم الحسابات الاستراتيجية أيضاً، وربما خلق فرص جديدة لجهود الأمن التعاوني.

وقد وجد العلماء الذين درسوا المفاوضات المعقدة بأنه يمكن أن يكون للأزمات تأثير التعبئة على الأطراف (هامبسون، 1995). فهي تذوب العقائد القديمة وتفتت التحالفات المعترضة، وتنقل معارضة الأطراف نحو 'المعرفة التوافقية' حول المشكلة. فلو أن القادة في الشرق الأوسط، في العقود السابقة الأولى، كانوا قد وجدوا الراحة في اعتمادهم على العقائد الأمنية المشتملة على الأسلحة النووية، البيولوجية، أو الكيميائية، فإن الثورات التي تهز الشرق الأوسط تهز ذلك الارتياح أيضاً – من جميع الجوانب ـ ما يجعل الأطراف يتحركون باتجاه استعداد أكبر لإعادة النظر في مقترحات نزع السلاح التعاونية.

دروس العملية

لو لم تكن الثقة قضية كبرى بين الأطراف في الشرق الأوسط، ولو أن تجربة المنطقة مع أسلحة الدمار الشامل لم تكن مؤلمة جداً وواسعة النطاق للغاية، عندها لم تكن العقبات الإجرائية التي تعيق عملية التقدم بخصوص منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل لتشكل تحديات هائلة. مع ذلك، سيكون التوصل إلى مجموعة من الاتفاقيات المرتبطة بقضايا الأمن بين الأطراف المتعددة أمراً معقداً، هذا في أحسن الظروف. إن أحد الدروس الأساسية هو أن المؤسسات الإقليمية قد لعبت دوراً هاماً في تسهيل وجود مناطق أخرى خالية من السلاح النووي. إن التفاوض حول قضايا أمنية معقدة يستغرق وقتاً.

اعتماد عمليات ضبط التسلح الإقليمي على المؤسسات الإقليمية

لعبت المنظمات الإقليمية دوراً حاسماً في إنشاء مناطق أخرى خالية من الأسلحة النووية .فمنطقة جنوب شرق آسيا الخالية من السلاح النووي يعود أصلها إلى مبادرة الآسيان (ASEAN ) لإنشاء منطقة سلام، حرية ومحايدة، عنصر هام ومركزي لأي منطقة خالية من السلاح النووي. لقد كانت مجموعة عمل الآسيان ( ASEAN ) هي التي أجرت مفاوضات معاهدة بانكوك. أما اللجنة التحضيرية لأميركا اللاتينية التي أجرت مفاوضات معاهدة ' تلاتلوكو' ( Tlateloco) فقد حددت الانسجام في الاتفاقية بالحقوق والواجبات النابعة من 'معاهدة منظمة الدول الأميركية ومعاهدة الريو'. وأعلنت ' منظمة الوحدة الأفريقية' عن منطقة خالية من الأسلحة النووية، وعملت مع الأمم المتحدة لصياغة المعاهدة. النقطة هنا هي أن المنظمات الإقليمية لعبت دوراً حاسماً في مفهوم ونشوء وتأسيس مناطق إقليمية خالية من الأسلحة النووية. وكما يشير خبراء في ' مركز دراسات عدم الانتشار'، ' توفر المنظمات الإقليمية سبيلاً باتجاه إضفاء الصبغة الرسمية على المقترحات وتحقيق الزخم السياسي' ( مركز جايمس مارتين لدراسات عدم الانتشار 2010).

الحد من التسلح ونزع السلاح يستغرقان وقتاً طويلاً

تتأسس المناطق الخالية من السلاح النووي ( NWFZs)، عموماً، بعد عمليات متدرجة ، متنامية، وطويلة جداً. وقد تم البحث في معاهدة ' تلاتيلوكو' في أوائل الستينات وفتح باب التوقيع عليها في عام 1967. ودخلت حيز النفاذ في العام 1969، لكنها لم تصبح فاعلة عملياً في المنطقة بأسرها إلا بعد انضمام البرازيل والأرجنتين، القوتان الإقليميتان، إلى المعاهدة في منتصف التسعينات. ونوقشت المنطقة الأفريقية الخالية من السلاح النووي لأول مرة في العام 1964، ووُقعت المعاهدة في عام 1996 ودخلت حيز النفاذ في العام 2009 بعد المصادقة المطلوبة لـ 28 دولة حققها توقيع بوروندي.

في كل الأحوال، يمكن القول بأن عملية مناقشة المعاهدة والتفاوض حولها مهمة بحد ذاتها لمعيار بناء الثقة الذي يمكن أن يعزز التفاهم المتبادل والثقة بين الأطراف المعنية.

تقدم تجربة المفاوضات بين الشرق والغرب للحد من التسلح رواية مشابهة عن سنوات طويلة من المحادثات المرهقة حيث كان شعار ' الصبر'، ربما، أهم درس يقدمه لنا قدامى المحنكين في الحرب الباردة (Chrzanowski 1994). فعلى سبيل المثال، لقد استغرقت معاهدة القوات التقليدية في أوروبا (CFE) أكثر من 20 عاما من المفاوضات، ومؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا (CFSE) 13 عاما، والاتفاق بشأن القوات النووية المتوسطة (INF ) 12 عاماً، واستغرقت محادثات تخفيض الأسلحة الاستراتيجية (START) تسع سنوات.

أدت فترة 'التفاوض المسبق' الطويلة في الشرق الأوسط إلى الإحباط، وهذا مفهوم،لا سيما للدول العربية التي هي الأكثر اهتماما في إشراك إسرائيل في عملية نزع السلاح وإنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل. هذا الإحباط يؤدي إلى ميل بعض الدول نحو فرض المواعيد النهائية والإنذارات. وتشير الأبحاث إلى أن 'ضغط الوقت يمكن أن يكون، في ظروف معينة، مرتبطاً باتفاقيات واسعة النطاق'. مع ذلك، فقد كشف درس لـ 68 حالة ما بعد الحرب الباردة من المفاوضات الحدودية عن أن ' المستويات المنخفضة فقط من ضغط الوقت أو غيابه يرتبط بتسويات دائمة، 'وأن ' الأثر السلبي لضغط الوقت على المفاوضات له صلة، تحديداً، في اتخاذ قرارات معقدة وعندما تكون طائفة واسعة من القضايا التي جرت مناقشتها في خطر '(Pinfari 2011).

ما أنواع الحوافز التي تجسر الرؤى المستقبلية؟

من المستبعد جدا أن تدخل الأطراف في المنطقة، في أي وقت من الأوقات،  في جهود مستديمة لإنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل من دون ضغوط كبيرة جداً من خارج المنطقة والمساعدة للتعويض عن فقدان الثقة العام والتعاون. ورغم أن من المفهوم بأن الاتفاقات التي ستظهر ستكون، كما تشير جميع بيانات الإجماع حول هذه القضية، 'على أساس ترتيبات تتوصل إليها دول المنطقة بحرية، فإنه يجب على الجهات الخارجية توفير الحوافز الأساسية والمؤسساتية والمساعدة التقنية، فضلا عن الضغوط السياسية'. فعلى سبيل المثال، إن تنفيذ ضمانات أمنية سلبية من الولايات المتحدة ودول أخرى أسلحة نووية سيكون له أهمية خاصة بالنسبة للدول العربية وإيران. وسوف تستمر المساعدات الأمنية الإيجابية بطمأنة إسرائيل، وربما تساعد على التخفيف من مخاوف إسرائيل بالدخول في اتفاقيات الحد من التسلح ونزع السلاح. وأخيراً، توفر إمكانية الوصول إلى الطاقة النووية حافزاً إضافياً للدول لمساعدتها على رؤية فوائد التغلب على خلافاتها.

ضمانات أمنية

كان احتمال الحصول على ضمانات أمنية سلبية ـ التزامات ملزمة قانوناً واردة في البروتوكولات الملحقة بالمعاهدات، حيث تتعهد الدول الحائزة على الأسلحة النووية بعدم استخدام، أو التهديد باستخدام، ترساناتها النووية ضد الأطراف في المنطقة الخالية من الأسلحة النووية - يكتسي أهمية خاصة كعامل الأساسي في تأسيس كل المناطق الخالية من الأسلحة النووية ((NWFZs (فورمان ولي 2008 ). إن ضمانات الأمن السلبية تكتسب أهمية خاصة بالنسبة للدول التي لديها خشية من إمكانية تورطها في صراع عسكري مع قوة من خارج المنطقة مسلحة نووياً،(فورمان ولي ، 2008، ص2). وعلى الرغم من الدعم من حيث المبدأ، فقد كانت الدول المسلحة نووياً، باستثناء الصين، متناقضة وانتقائية للغاية في منح ضمانات أمنية لمناطق محددة ( مناطق خالية من السلاح النووي)؛ وحصلت منطقتا أمريكا اللاتينية وجنوب المحيط الهادئ فقط على الضمانات السلبية من
جميع القوى النووية (Hamel - Green2009، ص 357).

سوف يكون لهذه الضمانات الأمنية الهامة أهمية خاصة في الشرق الأوسط. وتجدر الإشارة إلى أن عدم وجود التزام أميركي ودولي مستدام وثابت كان أحد العوامل التي أوضحت فشل محادثات ACRS التي عقدت في 1992-1995 (Landaascii117 وDassa-Kaye  2012، ص. 34). إن استمرار المشاركة المستمرة والمكثفة من قبل الولايات المتحدة، بريطانيا، وروسيا – بصفتها دولاً راعية -  في المفاوضات بخصوص منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط سيكون ذي أهمية حاسمة (IAEA 2011b).

التعاون في مجال الطاقة النووية وغيرها من الحوافز

الدرس الأخير لمنطقة الشرق الأوسط هو أن إنشاء منطقة خالية من السلاح النووي يزيد فرص التعاون في مجال الطاقة النووية، كما حدث في حالات أمريكا اللاتينية (مؤسسة كارنيجي 2009، ص 4) وفي أفريقيا من خلال 'اللجنة الأفريقية للطاقة النووية' (AFCONE). ونظراً لاستمرار الاهتمام في مجال الطاقة النووية في الشرق الأوسط (Ebinger 2011)، يمكن لهذا الأمر أن يشكل حافزاً قوياً للأطراف الإقليمية المؤهلة المعنية لدعم منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل (WMDFZ). إن التعاون الإقليمي في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية يمكن أن يساعد أيضاً على بناء التفاهم والثقة المتبادلة بين الدول في المنطقة.

إذا كان هناك توسع كبير في مجال الطاقة النووية في الشرق الأوسط، فإن القضية الشائكة بخصوص السيطرة على الأنشطة الحساسة مثل تخصيب اليورانيوم وإعادة المعالجة تكون ذات صلة جداً، كما يظهر التاريخ الحديث للجهود التي يبذلها المجتمع الدولي لابقاء البرنامج النووي الإيراني تحت المجهر. ويمكن لعملية التفاوض حول منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط أن تشمل نقاشاً حول إشراف متعدد الجنسيات أو رقابة إقليمية على التخصيب وإعادة التصنيع.

التطلع لما بعد عام 2012: قضايا أساسية

يمكن للدروس المبينة أعلاه أن تشير إلى الطريق للتقدم نحو إنشاء منطقة في الشرق الأوسط. ولكن هل سيقومون بذلك؟ الدروس لا تكون ذات قيمة إلا إذا طُبقت. لقد فشلت في الماضي أكثر المحاولات جدية والمتعلقة بالحد من التسلح والأمن الإقليمي في الشرق الأوسط في التسعينات؛ يمكن القول بأن الظروف كانت أكثر ملاءمة في ذلك الوقت مما هي عليه الآن. ونظراً للإخفاقات الماضية والخلافات العميقة بين الأطراف، لم  يكون القادة ميالين للتعلم من دروس كهذه والبدء في تحويل مواقفهم؟ هل من المحتمل أن تزيد أو أن تتراجع أهمية العقبات المذكورة أعلاه؟ نحن نعتقد بأن الإجابة على هذه الأسئلة تعتمد بشكل حاسم على تطور ثلاث قضايا رئيسية. هذه القضايا هي المأزق النووي الإيراني، النظرة الاستراتيجية لإسرائيل، ومصير سوريا.

حصيلة المأزق النووي الإيراني

سوف يكون لنتيجة المواجهة بشأن برنامج إيران النووي تأثير حاسم على آفاق تحقيق تقدم نحو منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط. إن حلاً سلمياً لحالة الجمود سيساهم في الجهود الرامية إلى إنشاء هذه المنطقة. وسوف تسطع احتمالات إحراز تقدم في قضايا أسلحة الدمار الشامل الإقليمية، اذا ما كانت إيران قادرة على التوصل إلى اتفاق مع مجموعة 5 +1، واستعادة الثقة بها لجهة تمسكها بالالتزامات الدولية، واتخاذ خطوات أخرى لطمأنة جيرانها وبأن نواياها سلمية. (هذا الأمر قد يشمل، على سبيل المثال، خطوات تنفيذ البروتوكول الإضافي، شحن مخزونات المواد المخصبة لتصنيع الوقود خارج البلاد، الكف عن تخصيب اليورانيوم بمستويات أعلى، والامتناع عن التصريحات الاستفزازية التي لا داع لها حول الدول الأخرى في المنطقة). بظل مثل هذه والظروف، سوف تخف حدة التوتر الإيراني – الإسرائيلي، شأنها شأن التوترات الإيرانية مع المملكة العربية السعودية.

مع ذلك، وإذا ما انتهت الشكوك المستمرة حول نوايا إيران بهجوم أميركي أو إسرائيلي، فإن فرص تحسين الأمن الإقليمي بشكل عام وإنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل ستتراجع أكثر. إذ يتفق معظم المحللين على أن من شأن العمل العسكري ضد إيران أن يؤدي إلى زيادة التوتر الإقليمي (على سبيل المثال، Kam2007؛Kahl 2012؛Iran Project  2012). فعلى سبيل المثال، وفي سياق هجوم ما، قد تطلب إيران من مفتشي الوكالة الدولية المغادرة، أو حتى الإعلان عن نيتها الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي. وإذا ما أصبحت طموحاتها النووية أقوى بفعل الهجوم، عندها سوف تتضاءل الثقة في قيمة مناقشات أسلحة الدمار الشامل أكثر. ففجوة العجز الأمني، التي ستكون معايير بناء الثقة بحاجة إلى ملئها، ستتسع أكثر مما هي عليه الآن في الظروف الراهنة.

إن إيران نفسها قد تصل إلى وقت تعتبر فيه البحث بخصوص منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل بمثابة فرصة لتعزيز مصالحها. لقد دعمت إيران إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الماضي، وفي أوائل نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، أعلنت إيران نيتها حضور المؤتمر المقترح لمنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل. ولكن موقفها منذ المؤتمر الاستعراضي لمعاهدة حظر الانتشار النووي 2010 لم يكن بناءً جداً. إلا أن لدى إيران مصالح أمنية هامة في السعي لمنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل. فلدى إيران مصلحة استراتيجية في نزع الأسلحة النووية الإسرائيلية، والمفاوضات بشأن إنشاء منطقة خالية من النووي هي، أساساً، السبيل الوحيد لتحقيق ذلك الهدف. وستجد إيران أيضاً مكاسب أمنية أخرى من المشاركة في قضية المنطقة الخالية من أسلحة الدمار الشامل: يمكن للمناقشات الأمنية أن تساعد إيران على الخروج من العزلة، وفي مناقشات المنطقة الخالية من أسلحة الدمار الشامل يمكن لإيران أن تعمل لتقسيم التحالف الأمريكي- العربي ضد التطوير النووي الإيراني وتركيز الاهتمام على أسلحة إسرائيل النووية. أخيراً، إن إنشاء منطقة خالية من النووي، إذا ما حدث في السنوات القليلة القادمة، سوف يترك إيران متقدمة جداً عن جيرانها العرب في دورة الوقود وفي قدراتها الكامنة في مجال الأسلحة النووية، في الوقت الذي سيخفض ذلك الحوافز لدى جيرانها لمواكبة استثمارها في هذا المجال.

النظرة الاستراتيجية لـ'إسرائيل'

إن مشاركة إسرائيل في عملية إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل غير مؤكدة، ولطالما كان قادة إسرائيل مشككين علناً بخصوص فائدة مؤتمر حول هذه القضية. ويتوقف جدوى أية عملية لإنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، على المدى الطويل، في الشرق الأوسط على مشاركة إسرائيل، وهذا أمر لا مفر منه؛ كما أن مشاركة إسرائيل، بدورها، تعتمد على الخيارات الاستراتيجية التي تتخذها حول قضيتين أساسيتين - القضايا الأساسية لسياستها المستقبلية المتعلقة بالأسلحة النووية وعلاقاتها مع الفلسطينيين.

السياسة الإسرائيلية النووية

إن الاحتكار النووي الإسرائيلي مهدد بسبب تقدم قدرات إيران النووية، وعلى المدى الطويل ربما، بسبب نمو وانتشار الطاقة النووية في منطقة الشرق الأوسط والقوى السياسية الجديدة التي تشكل المنطقة. ورداً على تغير البيئة الإستراتيجية، ينبغي للقادة الإسرائيليين الاختيار من بين أربع استراتيجيات أمنية بديلة. الخيارات هي (1) الوقاية: محاولة لتوسيع احتكارها النووي من خلال منع ظهور القدرة النووية في الدول المجاورة من خلال مجموعة من الجهود الدبلوماسية والتخريب، واستخدام القوة العسكرية؛(2) الردع: الدخول في إدارة علاقة ردع نووي ناشط مع إيران وربما دول أخرى في المنطقة في نهاية المطاف؛ (3) التحالف: السعي إلى ضمانات أمنية رسمية من الولايات المتحدة وتقبلها؛ أو(4) الأمن الجماعي: الدخول في مفاوضات مع جيرانها
لإقامة نظام ينظم العلاقات الأمنية في المنطقة، ووضع قدراتها الخاصة على طاولة المفاوضات في نهاية المطاف.

على الرغم من أن هذه الخيارات ليست تبادلية، فإنها لا تتعايش بسهولة عند جمعها معاً، وهي قد تكون متناقضة بعض الحالات بشكل مباشر. ومن وجهة نظر إسرائيلية، لا يبدو أياً من هذه الخيارات جذاباً للغاية.

ينطوي الخيار الأول، أي الوقاية، على الحفاظ على احتكار إسرائيل من خلال استخدام القوة
(استراتيجية إسرائيل على مدى العقود العديدة الماضية)، والذي أصبح من المتعذر الدفاع عنه على نحو متزايد. إن القيود العملية على استخدام القوة والتخريب (الاستخبارات وعرض القوة)، الأثمان السياسية والعسكرية ومخاطر هذه السياسة (الانتقام، الإدانة والعزلة)، والعواقب غير المقصودة  قيادة برنامج منافس ينطوي على مزيد من السرية، تصلب النية العدائية)، وجعل السياسة غير جذابة، طالما أن الولايات المتحدة ترفض المشاركة في عملية عسكرية، على الأقل (Brom، Feldman، و Stein 2012). وحتى أولئك المراقبين المؤمنين بأن الهجمات الوقائية كانت فعالة في الماضي يجب عليهم الاعتراف بأن الحفاظ على استراتيجية في منطقة فيها اهتمام متزايد بالطاقة النووية والانتشار التدريجي للتكنولوجيا النووية والمعرفة سيكون أمراً مستحيلاً.

الخيار الثاني- ردع إيران النووية مكلف ويحتم وجود خطر كبير، بالواقع لقد أعتبرت مسألة الردع
والاحتواء أمراً 'لا يمكن تصوره' في النقاش العام الإسرائيلي لخيارات إسرائيل. فالصعوبات الموجودة في مسار العمل هذا كثيرة: إن تقبل الاحتمال البعيد حتى والمتعلق بهجوم نووي على الأراضي الإسرائيلية يجعل الردع النووي الإسرائيلي الخاص أقل طمأنة للشعب الإسرائيلي بشكل كبير؛ وإذا ما حصلت دول أخرى عدا إيران على أسلحة نووية رداً على إيران، فإن خطر سوء الفهم وسوء التقدير بالنسبة لإسرائيل سوف يتضاعف؛ كما أن ردع إيران يمكن أن ينتهي في نهاية المطاف في وضع حد لسياسة الغموض النووي المريحة للغاية لإسرائيل، بما أن الحفاظ على رادع فعال خلال فترات الأزمات والتغيير في القدرات الإيرانية قد يحتم إبداء البرهان عن القدرات الإسرائيلية. فعلى المدى المتوسط إلى القصير على الأقل، وسواء اختارت إسرائيل الردع العسكري أم الردع الفعال فإنها سوف تقوض، أو تمنع، التقدم في مفاوضات الأمن التعاوني والمنطقة الخالية من أسلحة الدمار الشامل.

قد تكون واشنطن مستعدة لتقديم ضمانات أمنية رسمية لإسرائيل- الخيار الثالث- لتأخذ القدس وتضعها تحت ' المظلة النووية' الأميركية، لكن قادة إسرائيل كانوا مشمئزين في الماضي من فكرة دفع ثمن كهذا بما يتعلق بالاستقلال السياسي. وقد أشار نائب مستشار الأمن الوطني الإسرائيلي السابق تشاك فريليش ( 2012) إلى أن الاعتماد على ضمانة أمن الولايات المتحدة 'يتعارض والمبادئ الأساسية لعقيدة الأمن القومي الإسرائيلي '، وبأنه قد يولد ضغطاً يؤدي إلى 'كشف، أو تفكيك، إسرائيل لقدراتها الاستراتيجية'.وأشار ' فريليش' أيضاً إلى أنه في ضوء تسارع وتيرة الأحداث في الشرق الأوسط قد تكون الولايات المتحدة مضطرة للتدخل لصالح إسرائيل بالطريقة وبالوقت المناسبين. فمنذ ' بن غوريون' رئيس الوزراء الإسرائيلي، لم يكن هناك من أي قائد إسرائيلي على استعداده للاعتماد على الآخرين لضمان بقاء الدولة الأساسي. إن اصطفافاً أوثق مع الولايات المتحدة لا يتعارض مع التقدم على مسار الأمن الإقليمي، رغم أنه قد ينظر إليه على أنه تهديد للأطراف الأخرى في المنطقة.

أما الخيار الرابع فلطالما كانت إسرائيل تعارض التعاون الأمني الإقليمي لإنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل وذلك لعدة أسباب، سواء الفنية أو الإجرائية. إن صناع السياسة الإسرائيلية غير راغبين في التفاوض بعيداً عن الردع النووي للبلاد في الوقت الذي يتجسد فيه أي تساؤل حول التهديد الوجودي؛ فلطالما كانت الصيغة الإسرائيلية 'السلام قبل نزع السلاح.' وينظر أيضاً إلى الاعتماد على المعاهدات والاتفاقيات الأمنية باعتراض، نظراً لتاريخ من الغش وعدم الالتزام، لا سيما بشأن القضايا أسلحة الدمار الشامل، في الشرق الأوسط. إن البدء حتى بمثل هذه المناقشات أمر صعب بسبب سياسة إسرائيل في الغموض النووي ووضعها كبلد غير عضو في معاهدة حظر الانتشار النووي.

من دون شك، تفضل إسرائيل عدم الاختيار والاستمرار في سياستها الحالية التي تجمع بين الوقاية (عند الحاجة للحفاظ على احتكارها)، الردع (مع الغموض)، والمواءمة مع الولايات المتحدة للحفاظ على التفوق النوعي العسكري (لكن من دون الحصول على ضمانات أمنية رسمية). لكن من المرجح  أن تنمو وتزداد علاقة التوتر بين الخيارات مع الوقت، وقد تصبح ضرورية. إن سياسة الوقاية تتعارض بشكل متزايد مع الاعتماد على الدعم الأميركي – كما أثبت التوتر الأميركي- الإسرائيلي بشأن إيران. فالوقاية والردع سياستان متعارضتان وليستا تكميليتين، في نهاية المطاف، وإذا كان العدو يعتقد بأن الحرب الوقائية مرجحة، فإن الردع سيفشل ما أن يتنامى الحافز الاستباقي. كما لوحظ بأن سياستيْ التحالف والردع تعملان أيضاً عند تقاطع الأهداف، كما أشرنا أعلاه.

في ضوء هذه القائمة من الخيارات، قد يُنظر في إسرائيل إلى الخيار النهائي بالدخول في مفاوضات بشأن إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل على أنه الأمر الأقل كراهة من بين الخيارات الأربع. ومن شأن هذا النهج السماح لإسرائيل بإطالة احتكارها للأسلحة النووية بأقل عدد من التحديات ولفترة مؤقتة، في الوقت الذي تتفاوض فيه على شروط الانتقال إلى منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط.

إسرائيل والعلاقات الفلسطينية

إن انهيار ولو حتى ما يشبه التقدم نحو سلام إسرائيلي - فلسطيني سوف يلقي بظلاله على جهود إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل. وتصر إسرائيل، وهذا مفهوم، على أن نزع السلاح يجب أن يأتي بعد السلام الإقليمي والتطبيع. إلا أن جيران إسرائيل يشيرون إلى تحطم المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين ورفض إسرائيل، في وقت سابق، مبادرة السلام العربية باعتبار ذلك دليلاً على أن إسرائيل غير راغبة في قول 'نعم' كرد على لهفتها للقبول. وإذا ما كانت إسرائيل ستتخذ خطوات ملموسة لإعادة بدء المناقشات مع الفلسطينيين، فإن الجو المحيط بعملية منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل  المستقبلية سيتحسن إلى حد كبير (تماما كما ساهمت المفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية بالجو المفضي إلى محادثاتACRS ). أما إذا ما استمرت حالة الركود بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أو ساءت، وإذا ما تصاعد العنف، عندها فإن هذه التوترات ستقوض، وقد تضيِّع، فرص إحراز تقدم في قضايا أسلحة الدمار الشامل (كما أثبت الصراع الأخير في غزة).

مصير سوريا

بعد مرور أكثر من عام على الحرب الأهلية المأساوية في سوريا، أصبحت الإشارة إلى أن انهيار نظام الأسد في سوريا أمراً لا مفراً منه ويستحيل التنبؤ به، على حد سواء، فكرة ممجوجة الآن. إذ يبدو بأن لا النظام ولا المعارضة لديهما موارد كافية للانتصار في ا

موقع الخدمات البحثية