أوراق إستراتيجية » جهاد مؤقت: المعارضة الأصولية السورية

International Crises Groascii117p ـ ' تقرير الشرق الأوسط رقم 131' ـ 12 تشرين أول 2012
موجز تنفيذي

أصبح وجود فرع سلفي بين المتمردين أمراً لا ليمكن دحضه، بعد إلقاء النظام الضوء عليه وإبرازه بشكل مبكر ومبالغ به، وبعد اعتراف المعارضة متأخرة وبتردد بذلك. هذا الأمر مقلق، لكنه لا يشكل سوى جزءاً من الصورة المعقدة. بداية، ليس كل السلفيين سواء؛ فالمفهوم يغطي سلسلة كاملة بدءاً من التيار السائد وصولاً إلى التطرف. ثانياً، إن سوريا في يومنا هذا تقدم أرضاً مضيافة للسلفيين ـ العنف والمذهبية؛ التحرر من وهم الغرب، قادة علمانيون وشخصيات إسلامية براغماتية؛ إضافة إلى القدرة على الوصول إلى تمويل دول عربية خليجية و المعرفة العسكرية الجهادية ـ لكنها تقدم أيضاً ظروفاً معاكسة، بما فيه تقليد إسلامي معتدل، تركيبة طائفية تعددية، وخوف منتشر وواسع النطاق من نوع من أنواع الحرب الأهلية المذهبية التي ابتلعت بلدين جارين. ثالثاً، تسبب فشل الاندفاع المسلح هذا الصيف برد فعل عكسي ضد مجموعات سلفية استحوذت على العناوين الرئيسة خلال القتال.

4. السلفية ضمن الجيش السوري الحر

السلفية ليست حكراً على الجماعات السلفية صراحة. ففيما عدا  أسمائها الإسلامية وخطابها الإسلامي، فإن المرجعية الإيجابية لعدد من المجموعات التابعة للجيش السوري الحر هم عدنان العرعور ورجال دين سلفيين آخرين. بمعنى آخر، إن التمايز  الأهم والأكثر حسماً ليس ما إذا كانت مجموعة ما منصهرة بدرجة ما بالفكر السلفي، وإنما ما إذا كان هذا الفكر مكوناً أولياً ومحدداً لرؤيتها العالمية، وما إذا كان هذا الفكر هويتها وسببها للقتال.
إن معظم فصائل الجيش السوري الحر لا تنشر برامج سياسية عامة ولا تعالج قضايا إيديولوجية واسعة، مع ذلك، وبما يتعلق بمعظم هذه الفصائل، فإنها تبرز الثورة على أنها نضال وطني ضد دكتاتورية  قمعية بدلاً من إبرازها كجهاد سني ضد نظام علوي. ومن المؤكد أن المقاتلين السنة الملتزمين دينياً ـ خاصة أولئك القادمين من الأرياف والضواحي التي تقطنها الطبقة العاملة ـ يهيمنون على صفوف الجيش السوري الحر، لكن بالنسبة لمعظمهم يبدو بأنهم يتحولون للإسلام بسبب إلهام شخصي وروحي بدلاً من التحول إلى نموذج صلب ومتين لدولة ما بعد الأسد. أما ما هو أكثر من ذلك، وفي حين أن التدين السني المميز بوضوح الذي يعتنقه  كثير من مقاتلي الجيش السوري الحر وفصائله أمر لا يمكن إنكاره، فهو أن قرارهم بالقتال تحت راية الجيش السوري الحر يحتم خدمة قوة قادتها الأكثر تميزاً وشهرة ، العقيد رياض الأسعد والعميد مصطفى الشيخ، تبنوا علناً مبادئ ديمقراطية لا مذهبية.
على سبيل المثال، عندما أطال عبد الرزاق طلاس، الوجه العام لفصيل  كتيبة الفاروق التابعة للجيش السوري الحر في حمص، لحيته للتطابق مع الأسلوب والطول السلفي،  لم ينحرف عن خطابه اللا مذهبي الأساسي، داعياً لسوريا ' تقدمية وديمقراطية'؛ وبأسلوب مماثل، نأت كتيبة الفاروق بنفسها عن العناصر الأكثر تطرفاً في المعارضة عن طريق الاعتراف بشرعية الاتفاقيات الدولية ( التي يرفضها السلفيون المتشددون) وتحذير القاعدة من التدخل في الثورة. وسواء كانت هذه المواقف تعكس وجهات نظرها الحقيقية أم أنها محاولة براغماتية للفوز بدعم الغرب، فإن خطاباً كهذا يعتبر نموذجياً لدى قادة الجيش السوري الحر لكنه نادر في أوساط الفصائل السلفية المستقلة.
في نفس الوقت، وكما أشرنا آنفاً، لم تؤد الاختلافات والتباينات بين الجيش السوري الحر والمجموعات السلفية المستقلة ( بما في ذلك جبهة النصرة الأكثر تشدداً) إلى إعاقة تعاونهم بشكل له معنى. ويمكن رؤية تأثير هكذا تعاون في استخدام فصائل الجيش السوري الحر لتكتيكات تفجيرية أكثر عدوانية وجرأة منذ تموز ويذكر صحافيون غربيون في محافظتيْ دير الزور وإدلب في تقاريرهم بأن جبهة النصرة تشارك، وعلى نحو متزايد، ألوية الجيش السوري الحر قدراتها في تصنيع القنابل. وفي الوقت الراهن على الأقل، تجد مجموعات التمرد السائدة المتحمسة للحصول على أسلحة وتكتيكات أكثر فاعلية بأن مكاسب هكذا تعاون تفوق أية هواجس سياسية وإيديولوجية على المدى الطويل ـ تحديداً في الوقت الذي تبدو فرص التدخل العسكري الغربي بعيدة.

ب‌. تبسيط المعارضة؟  
بالإمكان تفسير المجموعات السلفية الأصولية على أنها طبيعية، نتيجة ثانوية متوقعة من العنف المتصاعد جنباً إلى جنب مع الآمال المتراجعة بحل سريع. مع ذلك، وبالنسبة للمعارضة في سوريا، فإنها أيضاً معضلة: فهي تؤكد صحة طرح النظام وبالتالي تساعد على تبرير قمعه؛ تقلق الداعمين الخارجيين الفعليين والمحتمين؛ وفي الوقت الذي تحشد فيه المعارضة لقضيتها بعض السوريين، المتطوعين الجهاديين والراعين الإسلاميين الخارجيين، فإنها تقوض، في آن معاً،  الجاذبية الواسعة للمعارضة وتعزز قدرة النظام على تعبئة حلفائه وقاعدته الاجتماعية.
نتيجة لذلك، أطلقت المعارضة حملات عديدة في السنة الثانية للثورة في محاولة لتوحيد صفوف المتمردين، تعزيز فعاليتها الشاملة، احتواء أو على الأقل وضع الآفاق والتطلعات الأكثر تطرفاً في قنوات  وتأسيس العمود الفقري للمؤسسات ما بعد الأسد. هذا القسم يرسم ملامح مساع عديدة كهذه على المستويين الوطني والمحلي؛ فبينما تم تحريض البعض بهدف محدد يتعلق بالحد من تأثير التطرف، بادر إسلاميون آخرين سعياً منهم إلى لإخلال بمشهد التمرد. أما النتيجة فمختلطة، كما يبين المشهد الحالي للمعارضة.
إن معظم تشكيلات المتمردين الراسخة تمتلك موارد كافية للصمود لكنها ليست قوية كفاية لا لاستيعاب المجموعات المشابهة لها من حيث الحجم ولا لتجنب التحالفات معها. في نفس الوقت، إن الفصائل الإسلامية الأكثر تطرفاً قوية كفاية للمتابعة، مع أنها تشعر، وبشكل متزايد، بالحاجة للوصول إلى المقاتلين العاديين بصفتهم معارضين لجعلهم عدائيين. في النهاية، ولأن جهود الداعمين الخارجيين لا تزال مبعثرة وغير مترابطة، هم لا زالوا محافظين على ائتلافات محلية متنافسة بدلاً من تعزيز الدمج ضمن بيئة معارضة موحدة وأكثر تجانساً. وقد برز أحد المقاتلين الأجانب في سوريا من هذه التجربة وهو مقتنع بأن الأخيرة أمر حيوي للنجاح: ' لقد أصبحت مقتنعاً بأن الطريقة الوحيدة لإلحاق الهزيمة بالنظام هي من خلال توحيد المجموعات المسلحة الأهلية ودمج عناصر أخرى من المجتمع. في كل الأحوال، إن الدول  الإسلامية والشبكات التي تدعم المعارضة تعمل بمعظمها، حتى الآن، ضد هذا الهدف، فكل منها تموِّل مجموعتها المفضلة'.
مع ذلك، وعندما يتعلق الأمر بمحاربة النظام، كانت مجموعات المعارضة من كل المشارب ناجحة نسبيا ًفي وضع خلافاتها جانباً. وبرغم بعض التقارير الواردة عن ظهور صدامات بين الجيش السوري الحر ومسلحين متشددين جهاديين، فإن هكذا حوادث تبدو منعزلة حتى الآن ولا يبدو بأنها  أحرجت أو أجهضت التوجه الواسع نحو التعاون عبر الأفكار الايديولوجية. وإذا كان هناك من أمر، فهو أن من المرجح أن يمتد هذا التوجه طالما أن قوات التمرد تعتقد بأنه ضروري ـ وطالما أن عناصرها الأكثر تطرفاً يتجنبون تكتيكات مؤذية لنظرائهم من غير السلفيين ( كالتفجيرات البارزة  التي ينتج عنها ضحايا مدنيين). إن تعاوناً كهذا يعزز مصداقية الجماعات المسلحة المتشددة السلفية داخل المعارضة ككل ويزيد من احترامها؛ فالمجموعات المحلية الناشطة تنشر بروباغندا سلفية على الانترنت، والفصائل القيادية في الجيش السوري الحر معروفة بالعمل مع مجموعات سلفية. باختصار، وفي سياق تشرذم وانقسام المعارضة المستمرين، فإن من المرجح أن يظل القرب الديمغرافي والأهداف المشتركة على المدى القصير أكثر تأثيراً من الانتماء الإيديولوجي في تحديد العلاقات بين الفصائل المسلحة.

1. المجالس العسكرية
حتى عندما يخاطب قادة الجيش السوري الحر في تركيا الإعلام الدولي كما لو أنهم يتحدثون باسم مؤسسة متجانسة ومنسجمة، فإن قدرتهم على تنظيم مجموعات تقاتل تحت رايتهم محدودة في أفضل الأحوال. بهذا المعنى، إن تأسيس المجالس العسكرية هي المحاولة الأكثر طموحاً حتى تاريخه لتنظيم عشرات ' الألوية' و ' الكتائب' التي تعرِّف عن نفسها على أنها جزء من الجيش السوري الحر، وجلبهم ليكونوا بظل إطار عمل قيادة إقليمية معترف بها تقوم بتنسيق إستراتيجيتها ورسالتها العامة.
في البداية، اضطلع العميد مصطفى الشيخ بمجهود في كانون الثاني 2012 وذلك بعد وقت قصير من انشقاقه. وكان هدفه تعزيز التنسيق بين فصائل الجيش السوري الحر ووضع عناصر القيادة والتحكم في مكانها. ولبلوغ هذه الغاية، أنشأ المجلس العسكري الأعلى للجيش السوري الحر وترأسه للعمل كهيئة مراقبة تشرف على المجالس العسكرية الإقليمية، التي تحمل بحد ذاتها مهمة  تنسيق الإستراتيجية بين فصائل الجيش السوري المحلية.
وقد أبرز، تكراراً، هذه البنية ليس فقط كوسيلة فعالة لتنسيق العمليات العسكرية وإنما كوقاية أيضاً ضد محاولات متطرفين للاستفادة من المشهد المسلح المتشدد والفوضوي.
لقد تسبب تأسيس المجالس العسكرية بوجود شراكة لم تكن محتملة بين الشيخ ـ مؤيد صريح للوحدة العابرة للطائفية ومنتقد لمحاولات ' أسلمة' الثورة ـ وبين عدنان العرعور، رجل دين سوري سلفي مثير للجدل موجود في السعودية يصوِّر الثورة، بشكل متواتر، على أنها نضال سني أوسع ضد الاضطهاد الشيعي. أما بما عدا الدور المحتمل للسعودية في تعزيز هذه العلاقة، فإن الجمع بين شخصية عسكرية براغماتية وشخص ناقل للتشدد الديني يُظهر بأنهما يتقاسمان الهدف بتنظيم صفوف المعارضة بظل قيادة مسؤولة معترف بها وتجنب الاقتتال الداخلي. ويشدد العرعور، بنحو منتظم، على أهمية المجالس في برنامجه التلفزيوني الشعبي الذي يبث على الهواء مباشرة وفي دعواته  لصب التبرعات والمنح من خلال قنوات الهيئات الإقليمية. ويتعامل برنامجه مع الشيخ وقادة المجالس المحلية على أنهم الناطقين الحصريين باسم الجيش السوري الحر، مقدمين بذلك ختم المصادقة السلفية على حملة ابتدأها ضابط يعتبر علماني ومشبوه كذلك من قبل الإسلاميين، وعلى نطاق واسع.
رغم أن المجالس العسكرية اكتسبت أهمية كما اعترف الناطقون باسم الجيش السوري الحر، فإن سجل مسارها على الأرض كان غير متكافئ، مع وجود نجاح موضعي محلي محدود في توحيد الصفوف. وحيث كانت هذه المجالس فاعلة، قامت بوضع بنى محددة، ذات سلسلة قيادية ( فضفاضة باعتراف الجميع) وتقبلت توزيع وتقسيم العمل. ففي حماه، على سبيل المثال، يضم المجلس المحلي 19 لواءً ( بما فيه بعضاً من أبرز الألوية في المحافظة)؛ تسجلت كل منها في هيكلية حكم محددة بوضوح.
في 17 أيار 2012، انتخب قادة وممثلو المجموعات أعضاء لجنة مسؤولة عن الإمساك بالشؤون المالية للمجلس، تأمين وشراء السلاح، المساءل الأمنية والتواصل مع الإعلام. وقد توصلوا إلى اتفاق حول مسائل أخرى، كتوزيع المسؤوليات بين قادة المجلس والفصائل؛ تسليم المجلس المسؤولية الكاملة عن وضع استراتيجية وتكتيكات التنسيق بين الألوية؛ وتطبيق الشريعة في المعاملات الداخلية، التفاعل مع المدنيين ومعاملة السجناء.
كان مجلس درعا العسكري ناجحاً بشكل مشابه في جمع قسم كبير من المقاتلين المحليين ووضعهم تحت جناحه ( رسمياً على الأقل)؛ وكنظيره مجلس حماه، يدعي مجلس درعا العسكري بأنه يمتلك البنية التحتية الضرورية لتنسيق توزيع التمويل والسلاح بين ألويته.
أما جهود المحافظات الأخرى لتوحيد الألوية فكانت مقصرة في بلوغ الهدف. وبرز قاسم سعد الدين، قائد مجلس حمص، كنجم إعلامي في أيار 2012 بصفته الناطق باسم القيادة الداخلية المشتركة للجيش السوري الحر، وهي هيئة تطمح إلى تنسيق الرسائل بين فصائل التمرد. مع ذلك وحتى عندما يزعم بأنه يتحدث عن قادة الجيش السوري الحر على الصعيد الوطني،  فقد فشل مجلس سعد الدين بضم الفصائل القيادية العاملة والموجودة ضمن مساحة تبعد أميالاً قليلة عن مكتبه، بما فيها كتيبة الفاروق. ففي إدلب، يتشكل المجلس العسكري الإقليمي من ألوية الجيش السوري الحر البارزة إنما لا يتشكل من مجموعات سلفية محلية مستقلة، رغم أن كتائب أحرار الشام ولواء صقور الشام قد ثبتا نفسيهما كجهتين فاعلتين محليتين قياديتين. كذلك الأمر، أطلق لواء التوحيد، الائتلاف المهيمن في حلب، حملته للامساك بالمدينة في تموز وذلك على عكس رغبة المجلس العسكري المحلي ورفض الاعتراف بقيادة المجلس خلال الأسابيع السبعة الأولى من القتال الذي تلا ذلك.  وأخذ الأمر وقتاً حتى 10 أيلول كي يعلن لواء التوحيد وعبد الجبار القاعدي، قائد المجلس، أخيراً، عن إنشاء هيئة قيادية مشتركة، هو المجلس العسكري الثوري في محافظة حلب.
كما أشعلت المحاولات لتوحيد الصفوف التوترات داخل قيادة الجيش السوري الحر. فكما شهدنا، دخل مصطفى الشيخ في منافسة مع رياض الأسعد؛ وبأسلوب مشابه كان هناك عداء مستحكم بين الأسعد وسعد الدين ، قائد مجلس حمص، حول أي من المكتبين يتحدث باسم الجيش السوري الحر. ويظل التنسيق بين المجالس وكذلك بينها وبين العميد مصطفى الشيخ الموجود في تركيا مبهماً، في حين كانت العلاقات مع القيادة السياسية للمعارضة في المنفى متوترة. وبينما اجتمع أعضاء المعارضة في القاهرة في 2 تموز لجسر الانقسامات القديمة، بحسب ما قيل، فقد رفض سعد الدين ـ قائد مجلس حمص ـ المؤتمر بصفته ' مؤامرة'، لأن المشاركين رفضوا الدعوة صراحة إلى تدخل عسكري أجنبي. أما الجهود الإضافية، كإطلاق ' القيادة المشتركة  للمجالس العسكرية الثورية '  في أواخر أيلول، والتي حضرها عدنان العرعور ( أنظر لاحقاً )، داعياً لتأسيس ' دولة مدنية'، زاعماً تمثيله 80 بالمئة من مجموعات المعارضة المسلحة، فلا تزال تنتظر أن تثمر نتائج يمكن رؤيتها بوضوح.
باختصار،  ورغم أن المجالس العسكرية ساعدت على التنسيق المتطور، فقد كانت عاجزة عن تأسيس بنية متجانسة، تمثل بشكل شامل مصالح المعارضة أو تضمن تسليم المال والسلاح من الخارج إلى متلقين معروفين بالدقة وموثوقين لديها. وبالنسبة للمجالس، تعتبر هذه النقطة الأخيرة حاسمة: فمن دون إيصال التمويل والسلاح الدوليين في قنوات يتم من خلالها التوزيع، فسيجدون أن من الصعب عليهم اكتساب رافعة ونفوذ على حساب قادة الألوية الفرديين أو إقناع وحدات الجيش السوري الحر المحلية بالتضحية ببعض من استقلاليتها الداخلية.

2. تحالفات مستقلة
إضافة إلى المجالس العسكرية، شكلت المجالس المسلحة تحالفات، مجدداً في مجهود لتنسيق الأعمال بشكل أفضل.

&bascii117ll; إتحاد ثوار حمص
إن إتحاد ثوار حمص، المشكل في منتصف أيار 2012، هو إحدى المحاولات الأولى لجمع ائتلاف من الألوية المحلية خارج الجيش السوري الحر معاً. وهو يتضمن، رسمياً، 19 فصيلاً يعملون في مدينة حمص وريفها، إضافة إلى اشتماله على تنظيم ناشط مدني وعلى رجل دين محلي واحد على الأقل.
وقد تسجل الأعضاء في بنية حكم محددة بوضوح، بما فيه وحدة قضائية مصممة لملأ الفراغ الأمني  الذي حصل عقب فقدان النظام للسيطرة المحلية. كما وتلتزم فصائله المختلفة أيضاً ببرنامج سياسي واسع تصف هدفها بأنه ' حكومة وطنية منتخبة شعبياً ذات مرجعية إسلامية'.
يمكن القول بأن لغة إسلامية معتدلة كهذه ـ والمستخدمة بشكل شائع من قبل الإخوان المسلمين للإشارة إلى صيغة ديمقراطية تنسجم مع القانون الإسلامي ـ تعمل كقاسم مشترك إيديولوجي بالنسبة للمجموعة، التي تشمل كل من الألوية السلفية المستقلة والمنتمية للجيش السوري الحر. وادعى إتحاد ثوار حمص قيامه بعمليات مشتركة وأصدر بياناً مع كتيبة الأنصار وكتيبة الفاروق، ليعرض بذلك إلى أن الفصائل القيادية لحمص العاملة بشكل مستقل عن المجلس العسكري برئاسة قاسم سعد الدين ربما تنسق أعمالها عن طريق تجاوز الخطوط الإيديولوجية الخاطئة.

&bascii117ll; جبهة ثوار سوريا
في 4 حزيران 2012، أعلنت جبهة الثوار السوريين عن تشكيلها وذلك في مؤتمر صحافي بارز في اسطنبول. وقد وصفت نفسها بأنها تحالف عسكري يهدف إلى توحيد فئات وفصائل المعارضة وتأسيس حكومة جديدة توجهها مبادئ الحرية، العدالة، التعددية والفقه الإسلامي. وبغضون ساعات، تفتتت الجبهة على ما يبدو، حيث علقت أكبر مكوناتها العسكرية، أي كتائب أحرار الشام، عضويتها بسبب الخلاف حول طبيعة علاقة الجبهة مع المجلس السوري الوطني. وكما ذكرنا،  فقد قلبت كتيبة أحرار الشام مسارها في منتصف تموز، عقب تبني مسودة سياسة جديدة تشدد على الالتزام بالمبادئ الإسلامية. وفي مقابلة لاحقة، شرح رئيس المجلس التنفيذي للجبهة بأن الجبهة ليست سلفية ولا ' إخوانية' ( نسبة  إلى الإخوان المسلمين)، رغم  أنها تضم أعضاءً من التيارين الإيديولوجيين. وبحسب ما وضع الأمر هذا الأخير، فإن الإسلاميين يهيمنون على الطيف المسلح، وبأن هدف الجبهة هو توحيد كل فصائل وفئات التمرد تحت راية الإسلام وباسم الجهاد.
لم يتولد عن الجبهة اهتماماً كبيراً بالإنترنت وبالإعلام العربي بعد الاهتمام المتفجر في البداية وبالتالي فشلت إلى حد بعيد في اجتذاب فئات وفصائل مسلحة بارزة إضافية. وإذا ما وضعنا كتائب أحرار الشام جانباً، فإن مشاركتها لمجموعات التمرد ثانوية نسبياً ومنعزلة جغرافياً عن بعضها البعض. وقد تلقت الجبهة حتى الآن التمويل من رجل دين كويتي بارز واحد على الأقل، إلا أن علاقتها السياسية المستقبلية تعتمد، على الأرجح، على مدى إثبات التحالف فائدته لأقوى مكوناته، أي كتائب أحرار الشام.

&bascii117ll; لواء التوحيد
يمثل لواء التوحيد، القوة الدافعة التي تقف وراء حملة التمرد في حلب، المحاولة الأكثر تقدماً حتى الآن لتوحيد الألوية المحلية السائدة بظل بنية قيادة واحدة. وقد تشكل اللواء في 18 تموز 2012 عقب سلسلة من الاجتماعات بين قادة التمرد المحليين من ريف حلب، البلدات والمناطق الريفية المحيطة بالعاصمة الاقتصادية لسوريا.
في مقابل الائتلافات المسلحة القتالية المذكورة آنفاً، قدم لواء التوحيد نفسه منذ البداية على أنه وحدة عسكرية واحدة ومتجانسة تعمل بظل قيادة موحدة بدلا ًمن تحالف ألوية فردية. وبهذا الخصوص، فقد استفاد اللواء من البنية التحتية التي أسسها مجلس حلب وريفها الثوري وجناحه العسكري الرسمي، لواء أحرار الشمال، وهي قوة تمرد بارزة يشكل مقاتلوه العمود الفقري للواء التوحيد. أما عبد العزيز سلامة، رئيس المجلس الثوري، الموجود في تل رفعت على بعد 25 كلم إلى الشمال من حلب، فقد أشرف على الشؤون العسكرية والمدنية في قسم كبير من الريف شمال حلب منذ كانون الثاني 2012 وهو حالياً يعمل كقائد رسمي للواء التوحيد.
 في 19 تموز، بدأ مقاتلو المجموعة بالانتقال من الريف إلى قلب مدينة حلب.  ويعكس أداء لواء التوحيد منذ ذلك الحين، إلى حد ما، أداء حركة التمرد ككل: قدرته على التنسيق تتحسن لكنها لا تزال محدودة؛ يدرك الحاجة لملأ الفراغ الأمني المتزايد، لكن سجله بذلك مختلط؛ وساعدت غزواته داخل حلب على تعزيز السلوك الاجتماعي الخاطئ عن طريق الإضاءة على بعض الجوانب الأكثر قتامة للمعارضة المسلحة، في الوقت الذي فشل فيه بتحقيق مكاسب متينة ضد النظام.
بعد تردد طويل بالانضمام إلى الثورة التي كانت معظم البلدات والمدن المحيطة قد انضمت إليها، أخلى قسم كهام من سكان حلب المدينة، في الوقت الذي خاض فيه المتمردون من الريف المتاخم المعارك ضد قوات النظام للسيطرة على الأحياء. أما النظام، المتردد بوضع جيش ممتد يفوق طاقته في قتال مديني محفوف بالمخاطر، فقد صعَّد هجومه المضاد في 24 تموز باستخدامه سلاح الجو، الذي قصف عن بعد مناطق بيد المتمردين.
ويبدو بأن كثير من الحلبيين الذي لا زالوا في المدينة يلقون باللائمة على المعارضة المسلحة بسبب الخسائر الهامة والمعاناة التي يتعرضون لها، وذكرت التقارير عن  وجود توترات بين الأهالي والمقاتلين؛ إذ يشكك كثير من الأهالي باستراتيجية المعارضة وهم غاضبون بسبب قرار اقتحام المدينة،، ما أجبرهم على التخلي عن منازلهم. إن عجز لواء التوحيد عن منع ارتفاع نسبة الجرائم، إضافة إلى تعامله الوحشي مع الموالين المحليين للنظام، أضرَّ أكثر بموقفه في أوساط السكان. في نهاية المطاف، علق الحلبيون بين مطرقة القصف الأعمى لنظام متوحش وسندان سوء تنظيم معارضة فشلت بإعطائهم بديل متين، صلب، قابل للحياة.
تعكس الميول الإيديولوجية للواء التوحيد ( أو الافتقار لها) كذلك الأمر تلك التي للتيار المسلح السائد. فرغم أن مقاتليه يشيرون إلى أنفسهم بصفتهم أفراداً في الجيش السوري الحر، فإن القيادة تعترف بأن الانتماء هو انتماء رمزي أكثر منه حقيقي. وكمعظم التشكيلات المحاربة تحت راية الجيش السوري الحر، يتجنب اللواء أية إيديولوجية محددة، مثيراً بدلاً من ذلك التزاماً واسعاً بمبادئ الديمقراطية والتعايش المذهبي إلى جانب احتراف متكرر لصفة التدين السني على المستوى الشخصي وتمييز نفسه عن جبهة النصرة ومجموعات أخرى على الطرف الراديكالي من الطيف السلفي بدعوى السعي إلى دولة المواطنة العلمانية والمساواة العابر للمذهبية.
فوق كل ذلك، تبدو المبادئ التوجيهية للواء التوحيد براغماتية. فقد وصف قائده الميداني عبد القادر صالح كل من جبهة النصرة والمجلس الوطني السوري بكلمة ' إخوتنا'، مادحاً الأولى لدورها في المعركة ومثنياً على الثاني لتمثيله المعارضة. وكونه آتٍ من قائد حركة تمرد أقل تسليحاً وبحاجة ماسة للدعم المادي والتكتيكي، فإن هكذا ثناء يصنع إحساساً ممتازاً، حتى لو كان التنظيمان موضع التساؤل يتقاسمان عدائية شرسة متبادلة.

&bascii117ll; تجمع أنصار الإسلام
يشمل تجمع أنصار الإسلام ، المشكَّل في 8 آب 2012،  سبعة من فصائل التمرد الناشطة في دمشق وضواحيها. وتتضمن هذه الفصائل، خاصة، لواء الإسلام، الفصيل السلفي المستقل الأبرز في المنطقة، إضافة إلى فصائل الجيش السوري الحر ذات الارتباطات مع المجلس العسكري في دمشق وريفها. وكما هو الحال مع ائتلافات التمرد الأخرى، تبدو العضوية مائعة نوعاً ما ، والمشاركة لا تمنع ولا تعيق التعاون مع التحالفات المسلحة المنفصلة، أو حتى العضوية فيها. وتعكس مهمة الائتلاف المعلنة ـ ' توحيد الجهود في دمشق وريفها للإطاحة بعصابة الأسد' ـ الافتقار إلى إيديولوجية واضحة؛ بتلك الروحية، يتعايش العلم الثلاثي الألوان للمتمردين مع  الرايات الإسلامية السوداء في المادة التي ينشرها على موقعه على الانترنت، وعلى صفحته على الفايسبوك هناك رسائل من كل أطراف الطيف الإيديولوجي. وقد ادعت المجموعة مسؤوليتها أن عمليتها الأولى البارزة في 15 آب 2012، وهي هجوم بشاحنة مفخخة على مبنى عسكري متاخم لفندق يؤوي فريق عمل الأمم المتحدة.

&bascii117ll; لواء الحق
يتشكل لواء الحق، الذي تأسس في 11 آب 2012، من كتيبة الأنصار وثلاث فصائل مستقلة تعمل في حمص.ففي بيانه الأول، تعهد اللواء بالاستمرار بالجهاد إلى حين استبدال نظام الأسد بحكم إسلامي؛ لقد برر إنشائه بأنه خطوة باتجاه توحيد صفوف المتمردين. مع ذلك، فإن فشله باجتذاب فصائل بارزة كانت كتيبة الأنصار قد عملت معها سابقاً يعرض إلى أنه لن يفعل الشيء الكثير لتوحيد المشهد العسكري المنقسم لحمص.

&bascii117ll; جبهة تحرير سوريا
تقدم جبهة تحرير سوريا نفسها، والتي تشكلت في 12 أيلول 2012، كائتلاف مستقل غير مسبوق مؤلف من فصائل ناشطة في عدد من المحافظات، بما في ذلك اثنين من أبرز قوى حركة التمرد: لواء صقور الشام، وكتائب الفاروق. وفي البيان التأسيسي الذي سجله أبو عيسى أحمد الشيخ، قائد صقور الشام، والذي نشر على صفحة الفايسبوك لكتيبة الفاروق،عرَّفت جبهة تحرير سوريا عن أبو عيسى بصفته قائدها و' الشريعة الإسلامية  كإطار لمرجعيتها'، في حين  تعهدت الالتزام بالدفاع عن كل السوريين بصرف النظر عن الطائفة، المذهب أو العرق. وكما هو الحال في اتحاد ثوار حمص، فإ تبدو هكذا مرجعيات مصاغة بكلمات غامضة  للفكر الإسلامي ـ متوازنة مع إيماءة لا إلزامية بالتعددية على نحو مساو- بأنها تهدف إلى إدخال السرور على مجموعة من الجماهير في الذي تتجنب فيه الشقاق المحتمل لمنصة إيديولوجية ذات معنى.
 من السابق لآوانه  تقييم عمق ومدى مواصلة الفصائل الأعضاء للتنسيق. إن الإرباك المبدئي المحيط بإطلاق الائتلاف يعرض إلى وجود عوائق أمام تعاون ذي معنى بين المجموعات العاملة في أجزاء مختلفة من البلد؛ فبعد ثلاثة أيام من التعريف عن نفسه كعضو في الإعلان التأسيسي للائتلاف، نشر تجمع أنصار الإسلام ( تحالف مسلح دمشقي بارز سيتم البحث بشأنه لاحقاً) بيانه الخاص الذي ينكر فيه انضمامه إلى الجبهة.

ج. قادة الرأي

1. ظاهرة عدنان العرعور
قلة من الأفراد المرتبطين بالثورة يشعلون عاطفة، سلبية أو إيجابية،  بالقدر الذي يشعله عدنان العرعور، الخطيب والمبشر السلفي السوري. وبرغم وجوده بالسعودية، فقد برز كشخصية أساسية لأن روايته وموقفه المعلنان يجدان صدىً لدى الناشطين والمتشددين في المعارضة الذين يتابعون برنامجه التلفزيوني، الذي تبثه عدة قنوات فضائية سلفية. ويعتبره المتعاطفون معارضاً قديماً لنظام مكروه، والذي ساعدت مشورته العملية للناشطين والمقاتلين على الأرض وهجماته الشرسة على السياسيين في المنفى على الحفاظ على المعنويات خلال أشد اللحظات حلكة خلال حملة الأسد. أما المنتقدون، داخل وخارج المعارضة، فيعتبرونه شخصاً انتهازياً استخدم الثورة للدفع قدماً بأجندة مذهبية.
  تحوي كلتا الصيغتين عناصر من الحقيقة. فالعرعور غذى، بما لا يقبل الشك، الخط الأكثر مذهبية للثورة وزرع بذور الشقاق بين مكوناتها السلفية وغير السلفية. مع ذلك، فقد كان دوره أكثر دقة وتعقيداً مما تم إبرازه غالب الأحيان، كما تبين بالجزء المتعلق به المذكور آنفاً في تعزيز المجالس العسكرية. بالواقع، وكما هو الحال مع عدد من رجال الدين الموجودين في السعودية، فإن من الصعب تحديد ما إذا كان العرعور  أكثر من مجرد حزام ناقل ( يقود مشاهديه نحو الجهاد المذهبي) أم أنه مجرد مخفف للصدمات ( يمتص غضب السلفيين المتشددين الذين قد يدعمون، من ناحية أخرى، القاعدة أو الجماعات الجهادية المحلية ذات التفكير المشابه). ومن الأرجح أنه يؤدي الوظيفتين. فمساجلاته الساحرة ساعدت على إضفاء الشرعية على الخطاب المعادي للشيعة، لكنه في نفس الوقت استثمر قسماً كبيراً من مصداقيته السلفية المتشددة باتجاه تعزيز قيادة الجيش السوري الحر  الغير إسلامية و إدانة التفجيرات الكبرى التي أعلنت جبهة النصرة عن مسؤوليتها عنها. بالتالي، وفي أواخر أيار 2012، ألح على غير السوريين التراجع عن القتال في بلده، بحجة أن نشاطاً كهذا سيضر بالثورة.
أما أساس نجاحه فهو أنه يقدم لحماً أحمر لسلفيين غاضبين، في الوقت الذي يحرص فيه على عدم التفريط بتيار الداعمين الرئيسيين للثورة، موازناً بين الدعوات العاطفية الحماسية لحمل السلاح وبين الحجج الدينية والمناقشات الاستراتيجية المنطقية. ومن بين الأمثلة عن التصرف الموازن هذا: وصفه الثورة، تكراراً، بأنها جزء من نضال سني أوسع نطاقاً ضد الاضطهاد الشيعي، لكنه يفسر أيضاً بأن المسيحيين والعلويين الذين ينضمون للثورة سوف يتلقون مكافآت مضاعفة عن تلك التي للسنة وبأن أولئك الذين اختاروا الصمت ستتم معاملتهم كما لو أنهم حياديين، بينما يعتبر الصمت السني جريمة. كما يقول بأن الإسلام يحرِّم العقاب الجماعي ( لذا فإن العلويين الذين لا يقاتلون لا ينبغي تحميلهم المسؤولية ومحاسبتهم على جرائم ' الشبيحة' العلويين) وفي نفس الوقت، يضع اللوم بخصوص مجزرة الحولة على ' النصيريين' من القرى المجاورة، متجاهلاً أي تمييز بين القتلة وبين المجتمع العلوي ككل. بهذا الخصوص أيضاً، يمكن القول بأن موقفه يجسد غرائز سنية أوسع نطاقاً: من حيث المبدأ تبنيه لتعايش عابر للطوائف لكن في ضوء المجازر المذهبية، مساواته النظام مع المجتمع العلوي، على نحو متزايد.

2. شخصيات سلفية أخرى
العرعور ليس الشخصية التلفزيونية السلفية الوحيدة الموجودة في الخليج التي تتمتع بالدعم في أوساط المعارضة. ففي الأشهر الأخيرة، أصبحت المرجعيات لشخصيات غير سلفية شائعة على المواقع الالكترونية للمسلحين والناشطين، أكثر فأكثر. ويمكن عزو بروزهم الصاعد إلى عوامل ثلاث: التغطية الواسعة الممتدة والحماسية للثورة على الشبكات الفضائية السلفية، والمذهبية المتزايدة للصراع إضافة إلى حملات جمع الأموال والتبرعات السلفية البارزة لمسلحي المعارضة.
لطالما حذر سلفيون قياديون كبار، كرجل الدين الكويتي نبيل العودي والخطيب السعودي محمد العريفي، السنة من المخاطر التي تمثلها إيران، وحلفائها العرب الشيعة والمذهب الشيعي نفسه. فوجودهم على قنوات سلفية شعبية والاستخدام الفعال بشدة لوسائل الإعلام الاجتماعي ـ لدى العودي حوالي مليون من الأتباع له على التويتر ولدى العريفي حوالي مليونين -  مكنهم من إبراز الثورة على أنها نضال سني بامتياز قبل اعتراف قادة المعارضة البارزين والوسائل الإعلامية العربية الصديقة علناً بالدينامية المذهبية للصراع.  فبحسب ما يراها العريفي والعودي، لا تجسد الثورة قتالاً لأجل الديمقراطية وإنما تجسد جهاداً لصالح المذهب السني ضد نظام علوي مشرك بالله يشن حرباً شاملة ضد الإسلام كجزء من مؤامرة شيعية إقليمية أوسع نطاقاً بقيادة إيران.
 بالنسبة لبعض المتمردين، لقد أعطت السنة والنصف الماضيتين مصداقية لهذه الرواية السلفية.  كما أن بيانات وتصريحات العريفي والعودي موجودة في كل مكان وتملأ صفحات الفايسبوك السلفية السنية أكثر فأكثر وتظهر من وقت لآخر على مواقع التيار الناشط أيضاً.
كان للمساعدات وجمع الأموال السلفية تعقيدات وآثار، برغم الترحيب بها من قبل المسلحين. فعدنان العرعور نفسه كان له مواقف ضد الحملات المستقلة غير المنسقة  لتسليح الألوية الفردية، ملحاً بالقول بوجوب أن تكون الموارد مركزية لأجل المحاسبة وتثبيت بنى قيادة وتحكم أكثر تجانساً  وتجنب التنافس المدمر بين الفصائل المختلفة. وفي أيار 2012، أعلنت الحكومة السعودية عن وجوب ضخ كل التمويل القادم من المملكة من خلال قنوات رسمية؛ وأجبرت العريفي على إلغاء حملة تبرعات للمقاتلين السوريين. وهذا يعني بأن جمع التبرعات المستقل لا زال جارياً من دون عراقيل في بلدان خليجية أخرى. ففي الكويت، على سبيل المثال، استفادت جبهة الثوار السوريين من جهود جمع التبرعات بواسطة حجاج بن فهد العجمي، وهو رجل دين سلفي.  ومن المرجح أن تؤدي جهودا غير منسقة كهذه إلى تفاقم حالة سوء التنظيم والتنافس بين مجموعات المعارضة، ما يسمح للألوية المستقلة بأن تزدهر وتعزز نفوذها السلفي أكثر.

3. غياب شخصيات قيادية معتدلة
 يعكس نجاح السلفيين الموجودين في الخليج في تعزيز نفوذهم وتأثيرهم في أوساط المسلحين والناشطين، جزئياً، الافتقار إلى قيادة دينية وسياسية معتدلة وفعالة. هناك عدد من الشخصيات الدينية القيادية التي تحافظ على عدم لفت الأنظار أو التي لا تزال موالية للنظام. وقد دافع محمد البوطي والمفتي أحمد حسون، أبرز شخصيتين في المؤسسة الدينية السنية، عن النظام منذ اندلاع التظاهرات؛ وقد سخر منهما، وبشكل كبير، المناصرون للمعارضة بصفتهما بيادق بيد النظام. وكان رجال الدين الكبار الآخرين هادئين؛ فبحسب تعبير أحد المدونين في المعارضة، هم يتأرجحون بين  ' التلميح أحياناً وبين تحذير الآخرين ـ تحديداً، التلميح إلى دعم الثورة في الوقت الذي حذروا فيه من مخاطر التظاهرات غير المرخصة والدفاع المسلح عن النفس.
في الأشهر الأولى من عمر الثورة، برز أسامة الرفاعي، إمام مسجد الرفاعي في كفر سوسة في جوار دمشق، كاستثناء نسبي، منتقداً حملة النظام بقوة مفسحاً المجال لأن يكون مسجده منصة إطلاق للتظاهرات. وفي آب 2011، دخل المستشفى بسبب جروح أصيب بها عندما اقتحمت القوى الأمنية المسجد في إحدى أقدس الليالي الرمضانية؛ واختفى عن المشهد، وفي منتصف عام 2012 ذكر بأنه ترك البلد. والآن مع وجوده في إسطنبول، فقد أسس رابطة من الشخصيات الدينية المنفية، كأخيه ساري واثنين من أئمة الصلاة الدمشقيين الأكثر احتراماً في وسطهم، هما كريِّم راجح  ورتيب النابلسي. حتى الآن، لقد ترك كل أفراد النخبة الدينية البلد عملياً؛ ورغم أن هذا الأمر مكن هذه النخبة من تشديد وإحكام موقفها، فقد جاء التحول متأخراً جداً لترميم مصداقيتها المتضررة. بشكل عام، كانت المؤسسة الدينية التقليدية على الهامش، غير مستعدة أو غير قادرة على مواجهة النظام مباشرة.
كان السياسيون في المعارضة، بمن فيهم المنفيين منذ أمد طويل وآخرين تركوا البلد خلال الثورة على السواء، فاقدي المصداقية على نطاق واسع بسبب الاقتتال الداخلي وعدم الكفاءة. وكان لهذا تأثير مدمر على المجلس الوطني السوري، ائتلاف مجموعات المعارضة؛ فنزاعات هذا المجلس  أضرَّت بدورها بالإخوان المسلمين السوريين، الذين يمارسون نفوذاً هاماً داخل المجلس إنما مع المحافظة على  البقاء في الظل وتجنب تأكيد أنفسهم كوجه عام للمعارضة. ورغم عدم تعارضها مع الجهود المبذولة لتوسيع  نفوذها على الأرض من خلال التمويل والرعاية مبدئياً، فقد حدَّت الاستراتيجية بشدة من قدرة الإخوان المسلمين على توجيه الثورة على نحو ظاهر، لقد اختبأوا خلف بنية مظلة أثبتت في نهاية المطاف ضعفها وعدم قدرتها على الإقناع؛ بالإجمال، لقد كان غياب قيادة براغماتية حازمة، بالاقتران مع دوامة عنف مذهبي عميق أحياناً، هو لصالح المتشددين أكثر في نهاية المطاف.

1 . مقدمة

2 . مدخل إلى مصطلح الدوغمائية السلسة
 
3. تربة خصبة، محصول غامض

4. السلفية ضمن الجيش السوري الحر

5 . القيود المؤثرة على السلفيين

موقع الخدمات البحثية